الذكاء الاصطناعي: هل يستطيع البشر معرفة أسراره وكيفية تطوره في المستقبل؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الذكاء الاصطناعي: هل يستطيع البشر معرفة أسراره وكيفية تطوره في المستقبل؟

    الذكاء الاصطناعي: هل يستطيع البشر معرفة أسراره وكيفية تطوره في المستقبل؟
    • ديفيد بير
    • بي بي سي

    قبل 32 دقيقة
    صدر الصورة،ALAMY

    زار عالم الرياضيات والأحياء النظرية، جاك دي كوان، في عام 1956، شخصا يدعى ويلفريد تايلور، خلال رحلة إلى لندن استمرت عاما عندما كان في أوائل العشرينيات من عمره، وتعرف على آلة غريبة ابتكرها تايلور وأطلق عليها "آلة التعلم".

    واندهش كوان عقب وصوله من رؤية "كومة ضخمة من الأجهزة"، ولم يستطع عمل شيء سوى الوقوف ومشاهدة "الآلة وهي تؤدي عملها"، ويبدو أنها كانت تضطلع بتنفيذ "برنامج خاص بالذاكرة الترابطية"، بغية تحديد هذه الترابطات واسترجاع البيانات بناء على ذلك.

    كان المشهد عبارة عن كتلة ضخمة من الدوائر الكهربائية المتلاصقة معا بطريقة يدوية داخل كتلة من الأسلاك والصناديق، بيد أن ذلك الذي رآه كوان ما هو إلا شكل بدائي من أشكال الشبكات العصبية، التي مهدت السبيل لأكثر أشكال الذكاء الاصطناعي تقدما اليوم، بما في ذلك منصة الدردشة "تشات جي بي تيChatGPT" المثيرة للجدل، وقدرتها على إنشاء محتوى مكتوب استجابة لأوامر لها.

    لم يكن لدى كوان وتايلور أدنى فكرة عن كيفية سير العمل وهما يقفان يتابعان عمل آلتهما وكيفية تنفيذها للمهمة، وكان سر "المخ" المسيطر على آلة تايلور الغامضة في مكان ما يطلق عليه "الخلايا العصبية التماثلية"، أي الترابطات التي يجري تشكيلها داخل ذاكرة الآلة، والأهم من ذلك، أن وظيفتها الآلية لم تُفسر بشكل كامل، وسوف يستغرق الأمر عقودا حتى تحقق هذه الأنظمة هدفها، فضلا عن معرفة أسرارها.

    ويصف مصطلح الشبكة العصبية، بحسب شركة "آي بي إم"، مجموعة واسعة من الأنظمة، ولكن بطريقة أكثر تحديدا، تمثل هذه "الشبكات العصبية - المعروفة أيضا باسم (الشبكات العصبية الاصطناعية) أو (الشبكات العصبية المحاكية) - مجموعة فرعية توجد في مركز خوارزميات التعلم الآلي والعميق". وأشكال الشبكات وبنيتها "مستوحاة من المخ البشري، وتحاكي الطريقة التي تنقل بها الخلايا العصبية البيولوجية الإشارات فيما بينها"، كما يعكس المصطلح ذلك أيضا.
    وربما أثيرت بعض الشكوك بشأن قيمة الفكرة في مراحلها الأولى، ولكن بمرور السنوات، تحولت أشكال الذكاء الاصطناعي بقوة نحو الشبكات العصبية، وغالبا ما يُفهم الآن سبب كونها مستقبل الذكاء الاصطناعي، وتأثيرها الكبير علينا وعلى ما يعنيه أن تكون إنسانا، لا سيما بعد أن سمعنا أصداء مخاوف مؤخرا ودعوات تطالب بإيقاف تطورات الذكاء الاصطناعي الجديدة مؤقتا لمدة ستة أشهر لحين توافر الثقة بشأن تداعياتها.

    وسيكون من الخطأ بدون شك استبعاد الشبكة العصبية لكونها مجرد أدوات جديدة فريدة من نوعها. فهي راسخة بالفعل في حياتنا، وبعضها قوي من حيث التطبيق العملي، فعلى سبيل المثال يستخدم فريق تابع لمختبرات "إيه تي آند تي بيل"، منذ عام 1989، تقنيات الانتشار الخلفي للشبكة العصبية لتدريب أحد الأنظمة على تحديد الرموز البريدية المكتوبة بخط اليد.

    ويوضح إعلان شركة مايكروسوفت مؤخرا بشأن عمل محرك البحث "بينغ" بتقنية الذكاء الاصطناعي، على نحو يجعله "مساعدك على الانترنت"، كيف أن الأشياء التي نكتشفها وطريقة فهمنا لها ستكون، بشكل متزايد، نتاج هذا النوع من الآلية.

    واعتمادا على البيانات الضخمة المتاحة والتي تستخدم في تحديد الأنماط، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي بالمثل على القيام بأشياء مثل التعرف على الصور بسرعة، مما يؤدي إلى دمجه في عملية التعرف على ملامح الوجه، على سبيل المثال. وأدت هذه القدرة على تحديد الأنماط إلى إطلاق العديد من التطبيقات الأخرى، مثل تطبيقات التنبؤ بأسواق الأسهم.

    كما تعمل الشبكات العصبية على تغيير طريقة الترجمة والتواصل فيما بيننا، ويعد تطبيق الترجمة من غوغل Google Translate، الذي طوره فريق Google Brain، تطبيقا بارزا آخر للشبكة العصبية.

    كما تجاوز الأمر حد الرغبة في ممارسة لعب الشطرنج أو "شوغي" مع أحد الأشخاص، إذ يعني فهم القواعد وتذكر الخطط وجميع الحركات المسجلّة توافر إجادة استثنائية في الألعاب (على الرغم من معاناة ChatGPT فيما يبدو من مشكلة مع لعبة ووردلي Wordle).

    بيد أن الأمر يتسع نطاقه، وهو ما تشير إليه عمليات البحث عن براءات الاختراع المقتصرة فقط على العبارة الدقيقة "الشبكات العصبية" والتي وصلت إلى 135828 نتيجة في وقت كتابة هذا التقرير.

    وفي ظل هذا التوسع السريع والمستمر، قد يتراجع احتمال قدرتنا على معرفة تأثير الذكاء الاصطناعي وتفسيره بطريقة كاملة مقارنة بأي وقت مضى. وهذه التساؤلات تناولتها في بحثي وكتابي الجديد عن التفكير الحسابي.
    طبقات "عدم المعرفة"


    نستطيع من خلال نظرة سريعة على تاريخ الشبكات العصبية، رصد شيء مهم عن القرارات الآلية التي تحدد حاضرنا أو تلك التي قد يكون لها تأثير أعمق في المستقبل. كما يطلعنا ذلك أيضا على أنه من المحتمل أن يتراجع فهمنا لقرارات وتأثيرات الذكاء الاصطناعي بمرور الوقت. فهذه الأنظمة ليست مجرد صناديق سوداء، ولا أجزاء مخفية من نظام لا يمكن رؤيتها أو فهمها.

    إنها شيء مختلف، شيء راسخ في أهداف وتصميم هذه الأنظمة نفسها. هناك سعي دائم وراء تفسير ما لا يمكن تفسيره، وكلما كان النظام أكثر غموضا، برز اعتقاد بأن النظام أكثر أصالة وتطورا. كما لا يتعلق الأمر فقط بأن تصبح الأنظمة أكثر تعقيدا أو تسهم ضوابط الملكية الفكرية من الوصول إليها (على الرغم من أن هذه جزء منها).

    بيد أن ذلك يدفعنا إلى التصريح بأن الروح التي تقود تلك المهمة لها مصلحة خاصة وراسخة في "عدم المعرفة"، إذ تجري عمليات ترميز كل شكل من أشكال الشبكة العصبية. وتوجد هذه الأسرار في طبقات متراكمة بعمق، ومن هنا جاءت تسمية "التعلم العميق"، وداخل تلك الأعماق توجد "طبقات مخفية" أكثر غموضا.
يعمل...
X