الجزية باللغة «فعلة» مشتقة من الجزاء،اسم للمال المأخوذ من أهل الذمة لقاء إسكانهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجزية باللغة «فعلة» مشتقة من الجزاء،اسم للمال المأخوذ من أهل الذمة لقاء إسكانهم

    جزيه

    Jizyah / Tribute - Jizyah / Tribut

    الجزية

    هي في اللغة «فعلة» مشتقة من الجزاء، كأنها جزاء إسكان الذمي في دار الإسلام وعصمة دمه وماله وعرضه وعياله، وهي في الاصطلاح اسم للمال الذي يؤخذ من أهل الذمة لقاء إسكانهم في دار الإسلام وحقن دمائهم وأموالهم وأعراضهم وذراريهم والكف عن قتالهم، وتسمى أحياناً «خراج الرأس».
    بعد أن تم فتح مكة في أواخر السنة الثامنة للهجرة، واستقرت الجزيرة على دين الإسلام، أمر الله تعالى رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بمجاهدة أهل الكتاب بقوله: }وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ (التوبة 29).
    ولم يكن رسول اللهr قد أخذ الجزية من أحد قبل هذه الآية، فلما نزلت، فرضها على من بقي على يهوديته ونصرانيته أو مجوسيته في الجزيرة العربية، وكانت الجزية فردية أحياناً كما فعل رسول اللهr مع أهل اليمن ومع أهل أيلة، عندما جعل على كل حالم (بالغ) ديناراً في السنة، أو كانت جزية مشتركة على بعض الجهات، مثلما فعل الرسولr مع أهل تبوك وأذرح، فقد صالحهم على مئة دينار كل رجب، واشترط الرسولr على بعض دافعي الجزية القيام بضيافة المسلمين على نحو ما فرض على أهل تبالة وجرش، وكانت الجزية في بعض النواحي تدفع عيناً، فقد فرض الرسولr على أهل نجران ألف حلة في صفر وألف حلة في رجب، ثمن كل حلة أوقية فضة والأوقية وزن أربعين درهماً.
    تعد الجزية علامة ركون وانقياد من أهل الذمة لحكم المسلمين وهي في الوقت نفسه وسيلة لهدايتهم إلى الإسلام. أما إبعاده خارج البلاد فيستلزم مصادرة أمواله وعقاراته وهذا يؤدي إلى فقره وتشرده بقية عمره، وهو مما يحمله على الانخراط في جيوش أعداء المسلمين، وهذا ضد الإحسان وحرمة الأموال والأوطان، وهو مما لا حكمة فيه ولهذا شرع الله الجزية لما يترتب عليه من إقرار الذمي في وطنه آمناً على نفسه وماله وعرضه وعياله، رجاء أن يسلم في مقبلات الأيام، ولاسيما بإطلاعه على محاسن هذا الدين عن كثب، وتكون الجزية مقابل الحماية والدفاع.
    والجزية أيضاً مورد مالي تستعين به الدولة في الإنفاق على المصالح العامة والحاجات الأساسية للمجتمع، مما يعود بالنفع والفائدة ليس على المسلمين وحدهم وإنما على أهل الذمة أيضاً، لأن مشاركة أهل الذمة في الإنفاق على المصالح العامة والحاجات الأساسية تزيد من ارتباطهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه، فكما يلتزم المسلمون بأداء الزكاة، يلتزم أهل الذمة بأداء الجزية.
    اتبع الخلفاء الراشدون والأمويون القواعد التي طبقت في عهد الرسولr فكانت الجزية أحياناً تؤخذ مشتركة، كما فعل خالد بن الوليد مع أهل الحيرة، إذ صالحوه على مئة ألف درهم ويقال على ثمانين ألف درهم (وفق وزن الدرهم)، واتبعت هذه القاعدة مع معظم المدن الإيرانية وفي منطقة ما وراء النهر، إذا يلاحظ عدم وجود تحديد للجزية على الفرد وإنما ترك ذلك للحكام المحليين، وإن كان القادة المسلمون يؤكدون دائماً ضرورة فرض الجزية على البالغ قدر طاقته، كما أنهم كانوا يرفعون الجزية عمَّن يستعين العرب بهم، «ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضاً عن جزائه».
    أما الجزية الفردية فقد فرضت في الأراضي التي فتحها المسلمون عنوة، والتي أبقاها الخليفة عمر بن الخطاب في أيدي أصحابها مقابل دفع الخراج عن أرضهم، والجزية على من رفض اعتناق الدين الإسلامي من النصارى واليهود والصابئة والسامرة والمجوس، ولم تكن الجزية تفرض إلا على البالغين، ليس على صبي ولا امرأة ولا عبد ولا من ليس في يديه من الدنيا شيء، واستثني منها الرهبان والقسيسون، فلما لجأ كثير من الأقباط في مصر إلى الأديرة لكي يتخلصوا من دفع الضرائب أمر عبد العزيز بن مروان والي مصر (65-85) بإحصاء جميع الرهبان في الكور وفي وادي النطرون وسائر الأماكن، وفرض ديناراً جزية على كل راهب، وأمر أن لا يترهب أحد بعد من أحصاه.
    اختلفت الجزية بقدر يسار أهل المنطقة، وفي هذا يعلق أبو عبيد أن الرسولr فرض على أهل اليمن ديناراً على كل بالغ، وقيمة الدينار يومئذ كانت عشرة دراهم أو اثني عشر درهماً، فهذا دون ما فرضه الخليفة عمر بن الخطاب على أهل الشام والعراق، الذين زاد عليهم بقدر يسارهم وطاقتهم، ففرض على أهل الذهب في الشام أربعة دنانير وجعلهم طبقات لغنى الغني وإقلال المقل وتوسط المتوسط، وفي العراق أمر أن يوضع على الأغنياء ثمانية وأربعون درهماً في السنة، وعلى أوسطهم من التجار أربعة وعشرون درهماً في السنة، وعلى الأكرة (حارثو الأرض) وسائر من بقي منهم على الرجل اثنا عشر درهماً في السنة، وبذلك ألغى الخليفة عمر بن الخطاب الامتيازات التي كانت تتمتع بها بعض الطبقات في ظل الحكم الساساني والتي كانت معفاة من الجزية، كأهل البيوتات والعظماء والهرابذة (رجال الدين) والأساورة (الفرسان) والكتاب ومن كان في خدمة الملك، وكذلك أمر عمر بن الخطاب أن تسري الجزية على جميع طبقات المجتمع في الشام، بينما كانت الجزية في العهد البيزنطي، لا تجبى إلا من الفلاحين، ولذلك فإن الخليفة عمر بن الخطاب عندما عرض الإسلام على الملك جبلة بن الأيهم الغساني مع أداء الصدقة أو البقاء على دينه ودفع الجزية أنف منها جبلة لأنه عربي والجزية لا يدفعها إلا العلوج، مما دفعه إلى ترك الشام ودخول بلاد الروم، واضطر عمر بن الخطاب أن يضعف الصدقة على نصارى بني تغلب حتى لا ينطلقوا هاربين إلى بلاد الروم، إلا أن سبيل ما يؤخذ من أموال بني تغلب سبيل مال الخراج لأنه بدل الجزية وفي هذا إجماع.
    وبما أن القادة العرب كانوا قد عقدوا عهود صلح مع معظم المدن الإيرانية ومدن خراسان وما وراء النهر، فإن هذه المدن كانت تؤدي جزية محددة يقوم بجمعها أميرها الحاكم أو صاحب الإقليم أو الرؤساء المحليون، فكانوا يجمعون الضرائب بالطريقة التي يرونها ويحتفظون بما يشاؤون، ولا يعطون للعرب إلا المبالغ التي صولحوا عليها.
    وابتداء من العصر العباسي، وضعت قواعد استمر العمل بموجبها منذ ذلك الوقت، فالجزية أصبحت فردية تجبى من أهل الذمة من الذكور البالغين ويعفى منها الأطفال والنساء والمسنين والذين لا مورد لهم والعاجزين، ومن يشترك منهم في الحملات العسكرية في المناطق الثغرية. كانت الجزية تجبى وفقاً للسنة الهجرية إما في نهايتها أو مباشرة بعد ابتداء السنة الجديدة، وأحياناً في رمضان كما في العهد المملوكي، وكانت تجبى نقداً وعيناً، فكان أهل الذمة إذا جاؤوا بعرض قبل منهم مثل الدواب والمتاع وغير ذلك يؤخذ منهم بالقيمة، ولم يكن يؤخذ منهم في الجزية ميتة ولا خنزير ولا خمر لأن عمر بن الخطاب كان قد نهى عن أخذ ذلك منهم في جزيتهم، وطلب من أهل الذمة أن يولوها أربابها لبيعها وأن يأخذ عامل الخراج أثمانها إذا كان هذا أرفق بالرعية.
    حينما سيطر المغول على المناطق الإسلامية، ألغوا الجزية عن غير المسلمين، فلما اعتنقوا الدين الإسلامي، عادوا إلى جبايتها منهم، وبعد استيلاء النورمانديين على صقلية أطلقوا اسم الجزية على ضريبة الرأس التي فرضت على المسلمين واليهود.
    ظلت الجزية نظاماً ثابتاً تجبى من غير المسلمين في الولايات العثمانية، وكان العثمانيون يعتبرونها ضريبة شرعية ويولون جبايتها اهتماماً خاصاً، ويعينون القضاة للإشراف على الجباية وإحصاء الأفراد الذين يتوجب عليهم دفع الجزية، وكان التسجيل يتم في دفتر يدعى دفتر الجزية، ترسل نسخة منه إلى المركز والنسخة الثانية تبقى في مركز إدارة الولاية، وكان يعفى من الجزية، كما في العصور السابقة، الأولاد والنساء والشيوخ الذين لا مورد لهم والزمنى (المعوقون)، أما الأرامل اللواتي يرثن أراضي أزواجهن فكان عليهن دفع الجزية.
    إضافة إلى الجزية الفردية طبق العثمانيون الجزية المشتركة التي كان يطلق عليها اسم «الجزية المقطوعة»، وكانت تؤخذ من الأمراء المسيحيين الذين يعلنون تبعيتهم للسلطان العثماني، وفي حالات أخرى كان الرعايا الذميون في الولاية يلتمسون من السلطات دفع مبلغ معين يجبونه بأنفسهم تخلصاً من تعنت الجباة، وكانت الحكومة توافق في كثير من الأحيان على مطالبهم لكي تضمن دفعهم للمال. واتسع تطبيق نظام الجزية المقطوعة في فترة تدهور السلطة العثمانية وعجزها عن مراقبة الجباية.
    ذهب آخر أثر لهذه الضريبة في البلاد الإسلامية، إثر التنظيمات المالية الجديدة وتطبيق التجنيد الإجباري على رعايا الدولة بصرف النظر عن عقيدتهم.
    محمد وفا ريشي، نجدة خماش

يعمل...
X