الوراقة Paperterie حرفة تتعلق بالكتب نسخاً وتصحيحاً وتجليداً وزخرفة واتجاراً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوراقة Paperterie حرفة تتعلق بالكتب نسخاً وتصحيحاً وتجليداً وزخرفة واتجاراً

    وراقه

    Paperterie - Paperterie

    الوراقة

    الوراقة حرفة تتعلق بالكتب نسخاً وتصحيحاً وتجليداً وزخرفة واتجاراً، وهي تقوم مقام الطباعة والنشر في أيامنا هذه. وقد أخذت هذه الحرفة تظهر إلى الوجود وتتسع ويكثر العاملون بها مع توافر الورق وازدياد الحاجة إلى الكتابة ونشوء العلوم وكثرة المعارف التي احتاجت إلى تقييد لضبطها وتمكين الطلبة من الوصول إليها.
    كان للوراقة إرهاصات قديمة مع ظهور الكتابة على الجلد والقماش وأوراق البردي الآتية من مصر، ومن ثم وصول الورق إلى البلدان العربية مع تجار المشرق؛ إذ ينسب اكتشافه وصناعته إلى الصين. فبدأ انتشار الوراقة تدريجياً إلى أن شاعت في البلاد العربية والإسلامية فكثرت حوانيت الوراقين في القرن الثالث الهجري، وصارت حرفة مستقرة في القرن الرابع الهجري، إذ كان العلماء قبل ذلك يكتبون كتبهم بأنفسهم أو يملونها على طلبتهم، وكان كُتّاب الدولة يكتبون الكتب والرسائل بأيديهم أو يملونها على المتدربين في الدواوين، فكانت الوراقة محصورة في فئة قليلة وأماكن محدودة.
    ويقوم الوراق بنسخ الكتاب بنفسه، حتى إذا صار متقناً للنسخ، رأساً في صنعته؛ أخذ يشرف على مجموعة من النساخ، فيصحح النُسخ بالمقابلة حتى لا يقع فيها خطأ أو تصحيف أو تحريف، فصار النسخ عملاً جماعياً يقوم به عدد من الوراقين بإشراف كبير لهم، وبذلك أضحت صناعة، لها أصولها وقواعدها وعدتها ومستلزماتها، وبلغت مبلغاً عظيماً من الرقي والإتقان بفضل تراكم الخبرات عند العاملين بها، واشتداد الحاجة إليها.
    ويحتاج الوراق الحاذق إلى معرفة الكتابة وأدواتها ومستلزماتها، والدربة على أعمالها لإتقانها. وأول مستلزمات الوراقة؛ الكتابة ووضوح الخط وحسنه، فيطلب من الوراق التدرب عليه وإجادته ومعرفة طرائق تحصيله، وأنواع الخطوط المنسوبة ذات القواعد الثابتة في أشكال الحروف و تناسبها، وبيان المستخرج منها. وهذا لا يكون إلا بالتدريب المستمر والتعلم الدائم والانتباه الشديد.
    ومن مستلزمات الكتابة معرفة اللغة وقواعدها وإملائها، والتنبه على مواضع التصحيف والتحريف فيها بسبب تشابه الحروف، واختلافها بالإعجام، وتشابه الكلمات وتمييزها بالضبط بالحركات.
    ومن مستلزماتها أيضاً إتقان طرائق الكتابة ومعرفة طريقة الإمساك بالقلم ووضعه على الورق، وطريقة حركة اليد في أثناء الكتابة، وأنسب أوضاع الجلوس للكتابة.
    أما معرفة أدوات الكتابة فواسعة، تشمل كل الأدوات المستخدمة في أدائها وفي مقدمتها الورق المتخذ للكتابة، فعلى الوراق الدراية بأنواع الورق وصفاته والمناسب منه لكل فن من فنون الكتابة، وطريقة تحضيره وقصه ووصله وجمعه وصنع القرطاس منه.
    ويعدّ القلم من أهم أدوات الوراق؛ لذلك كان لابد من الإلمام بكل المعلومات حول الأقلام وأنواعها وصفاتها وملاءمة كل قلم منها لخط بعينه، وطرائق انتخاب القصب لاتخاذ الأقلام منه، والتدرب على قطعه وتحضيره، وتقدير طول القلم وغلظه ونقشه وتوشيته، وأساليب قطه وبريه وشق رأسه مع معرفة سكين البري وطريقة إمساكها وطول شق رأس القلم واتساع هذا الشق.
    ولابد للوراق من الإلمام بأنواع المداد وخصائص كل منها وألوانها وأساليب تحضيرها ومزجها، وانتخاب الملائم منها لكل خط وفق نوع القلم والورق، واختيار الليقة المناسبة له من القماش لوضعها داخل الدولة حتى لا يجف أو تتغير خواصه، فضلاً عن الدواة وشكلها ومادة صنعها، والمرملة أو المتربة ونوع الرمل الذي يوضع فيها لتجفيف الكتابة ومنحها لوناً محبباً ورونقاً يزيدها جمالاً، والمسطرة والممسحة لتنظيف القلم، والمنفذ لخرز الورق قبل تجميعه.
    ويلحق بالوراقة صنعة تجليد الكتب التي يقوم بها أناس اختصوا بها وحذقوها، وقد يقوم بها الوراق نفسه، وتقتضي جمع أوراق الكتاب وتثبيتها بالخياطة ونحوها، ثم وضع غلاف الكتاب وكسوه بالجلد المناسب لوناً ومتانة ونوعاً، وبعد ذلك زخرفة التجليد وتذهيبه وتثبيت اسمه.
    ولابد للوراق من التزام آداب الوراقة، كالأمانة في النقل وتجنب نسخ كتب الضلالات والمجون.
    وقد استقلت الوراقة بسوق خاص بها في الحواضر الكبيرة والعواصم، تجمع دكاكين الوراقين والناسخين والمجلدين والمزخرفين ودلالي الكتب الذين يقدرون أثمانها وفق مضمونها ومكانة أصحابها وحُسن خط ناسخها وشهرته ونوع ورقها وتجليدها وزخرفتها، فصارت أسواق الوراقين عماداً للنشاط الثقافي وأحد أوجه النشاط الاقتصادي، وقد استخدم الوراقون في المكتبات العامة والخاصة وفي مجالس القضاة، بل اتخذ بعض العلماء وراقين لنسخ كتبهم وما يحتاجون إليه من كتب غيرهم.
    وكانت الوراقة مصدراً لثقافة كثير من العلماء والأدباء وشهرتهم؛ لأن كثيراً من الناسخين لم ينسخوا الكتب آلياً، بل كانوا يعون ما ينسخون، ومكنهم عملهم من الاطلاع على علوم كثيرة ومعارف مختلفة والإلمام بها، وكانت حوانيت الوراقين ملتقى العلماء والأدباء وكان بعضهم يكتريها ليلاً لإتمام ما طالعه أو نسخه نهاراً، لذلك يُرى في كتب التراجم كثير من الأعلام الذين ينسبون إلى الوراقة، وينص على أنهم اشتغلوا بها مثل أبي حيان التوحيدي صاحب المصنفات المعروفة في الفلسفة والأدب، وياقوت الحموي صاحب «معجم الأدباء» و«معجم البلدان» الذي استمد معظم مادة كتابيه من الكتب التي نسخها، ومثل النديم صاحب «الفهرست» الذي اطلع في عمله بالوراقة على غالب ما أُلف بالعربية في كل فن، فجعل من ذلك موضوع كتابه الشهير.
    ووصلت الوراقة إلى التصنيف فصارت موضوعاً لرسائل أو كتب تتناول الصناعة كلها أو أحد مستلزماتها وأدواتها كالخط والإملاء قبل أن تظهر الكتب الجامعة التي تناولت فن الكتابة والإنشاء، وأفردت للوراقة أبواباً وفصولاً، بسطت فيه أصول النسخ والكتابة وتجويدها، وتحقيق الضبط وتحري الدقة في مقابلة النسخ وصولاً إلى التجليد وما يتعلق به.
    وقد أشار النديم في كتابه «الفهرست» إلى كثير من قضايا صنعة الوراقة ومستلزماتها، وتابعه في ذلك أصحاب كتب الإنشاء كالقلقشندي في كتابه الموسوعي «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» الذي جعل الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، هو الخط ولواحقه وآلات الخط وأشكاله وأدوات الكتابة وصفاتها. وابن خلدون في مقدمته التي جعل الفصل الثلاثين منها في أن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية، والفصل الحادي والثلاثين في صناعة الوراقة. وكان للوراقة فضل كبير على الثقافة العربية، فقد ساعدت على ازدهارها، وقيدت ثمارها، وحفظت علوم العرب وفنونهم، وأوصلتها إلى عصرنا الحاضر، وبذل الوراقون جهوداً عظيمة في العناية بالتراث وضبطه وتدقيقه، وإن تفاوتوا في مقدرتهم وفي موقفهم منها ما بين الإشادة والذم، و قد قامت حركة إحياء التراث والإفادة منه على المخطوطات التي تركوها.
    محمود سالم محمد

يعمل...
X