رحيل الناقدة والرسّامة لور غريب: رؤيا في الرأي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحيل الناقدة والرسّامة لور غريب: رؤيا في الرأي

    رحيل الناقدة والرسّامة لور غريب: رؤيا في الرأي
    أنور محمد 16 فبراير 2023
    هنا/الآن
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    امرأةٌ من قوَّة لور غريب، الرسَّامة والناقدة التشكيلية اللبنانية التي رحلت عن 92 عامًا، امرأةٌ من ذكاء وصلابة، وإرادة، وشَجَاعَةٍ في الرأي، وبروح الفكاهة. وذلك إِنْ كتبت قصائدها؛ صدرَ أوَّل ديوان شعرٍ لها باللغة الفرنسية في عام 1960 عنوانه "Noir les Bleus"، أو مقالاتها، أو إِنْ رَسَمَتْ لوحة، أو إن كتبت رأيًا نقديًا في معرضٍ أو في مسألةٍ فنية أو فكرية، وهي التي اشتغلت في جريدة "لوريان" مع الشاعر صلاح ستيتية، مُترجمة للشعر العربي الحديث إلى اللغة الفرنسية، وعند افتتاح جريدة "لوجور" عام 1965 التحقت بها مع نزيه خاطر، لتنتقل بعدها للعمل ناقدة في صحيفة "النهار" اللبنانية.

    مَنْ يقرأ مسيرة حياتها وقد تزوَّجت من الممثِّل المسرحي أنطوان كرباج (1935- 2022)، وهو كما تراه: كل الرجال الذين أرسُمُهم هُمْ أنطوان، لم أعرف رِجَالًا غيره؛ سيجد أنَّ الرسم والشعر والنقد عند لور غريب هو الوسيلة الحاذقة لتمديد لحظة الحلم، فلا ينكسر أمام ضربات الواقع المأساوية وهي التي ترسم كتابةً: "تَنْتابُني رغبةٌ في أنْ أحلم! كان يا ما كان طفلةٌ لا تتوقَّفُ عن الحُلم". لور غريب تقولُ رأيها كانَ مّنْ كانَ الرسَّام أو الشاعر الذي تنقده وبفرحٍ طفولي، وبمكوناتٍ لغوية تُرْبِكُ وتُحْرِجُ الآخرَ المنقود. هي لا تكذبُ ولا تخدعُ ولا تنصبُ فخاخًا، تكتب لتكتشف ما كان مُحتجبًا في الأُثر الفني، وتكتبُ في لوحاتها وهي ترسم شخوصها تعليقاتٍ قد تبدو ساخرة، ولكنَّها تُعبِّر عن رأيها مثل: اْسْمَ الله، حِبْني لَحبَّكْ، شو مُشتاق نامْ عَظَهري...

    والشاعرة لور غريب لمَّا تكتب أو ترسم، فلتفكَّ أسرارَ ما كان مخفيًا وإن لم يكن المخفيُّ، السرُّ، فيه سرٌّ. عندما نرسم أو نكتب أو نُمثِّل أو نعزف موسيقى، يجب أن نسعى لتغيير مصيرنا الذي يُصيِّرنا الآخر إليه وهو يدفع العملة المزيَّفة لخزينة الشر الذي يكيده لنا. لور تكتب وهي سَكْرى، وهي في تشنجاتٍ مرتعشة في أعلى حمم الفكر النقدي؛ تكتب رؤيا من رأيٍ؛ هو في الأصل يتأسَّس على العلم والمعرفة، وبعنفوانٍ قوي. يندر أن نلقى امرأةً تجمعُ الرأي مع الشجاعة وفي ارتجالٍ عبقري. فهي لمَّا تكتب- كانت قد بدأت حياتها الصحافية في مجلة "شعر" التي أسَّسها الشاعر اللبناني يوسف الخال، وصدر العدد الأوَّل في شتاء 1957 في بيروت، وتوقَّفت عن الصدور عند العدد 44 في خريف العام 1970- إن في بداياتها بالفرنسية بجريدة "لوريان" ثمَّ في "لوجور"، أو لاحقًا باللغة العربية حين انتقلت إلى جريدة "النهار" حيث عملت ما يقارب 55 عامًا من أصل عمرها 92، إنَّما لتُمسك بالأفكار المشلولة أو الخاملة أو الجبانة، في الأثر الذي تكتب عنه: لوحةً، قصيدةً، شخصًا.
    في كتاباتها كما في أغلب رسوماتها نرى صدامات من التي تُجبرُ الفكرَ على التفكير
    طاقات كثيرة من الأمل والفرح كامنة في آثارها. في عام 1966 أصدرت كتاب "إكليل شوك حول عنقي" - عنوان يحيل إلى المأساة- باللغة العربية، كما أقامت عام 1965 أوَّل معرض فردي لها في غاليري "وان" للشاعر يوسف الخال- طاقات؛ علامات منثورة في أعمالها، علامات أمل؛ فأعمالها مليئة بالرموز والأقنعة والموتيفات والتكوينات الهندسية. وهي ورغم احتيازها شهادة في الفلسفة من الليسيه، إلاَّ أنَّها تنفرد؛ وهذا سبب صدقها وشجاعتها؛ بملكةٍ فكريةٍ فطرية، فالفكرُ والحقُّ عندها صنوان متلازمان في نشاطها الذهني والعملي، فلا تقبل بالسائد والمألوف والمرغوب والمطلوب، إلاَّ بما يتَّفق مع فكرها النقدي بفطريته؛ بعذريته. قد نلمس عنفًا في آرائها، وهذا طبيعي، فالتفكير يعني اصطدام واعتراض آراء بآراء، لكنَّه في حالة لور غريب يجيء من بنية فكر نقدية لا وحشيةَ ولا دناءة فيها، كما نلحظُ في كثيرٍ من الكتابات المُستزلمة لمن يكتبون في النقد.

    الفنانة والشاعرة والناقدة لور غريب في كتاباتها كما في أغلب رسوماتها، نرى صدامات: أسود×أبيض، أحمر×أزرق. ولكنَّها الصداماتُ التي تُجبرُ الفكرَ على التفكير. لا خطأ ولا صواب كمن يُحزِّر حزُّورة. لور غريب كما ترسمْ تكتبْ وبإحساسٍ وشرف؛ لا تبرير ولا تمجيد ولا مُراءاة لأدبٍ أو فنِّ ينشر الوهم والعَمَى والجهل. أعمالُها الشعرية ومعارِضُها- في سنواتها الأخيرة شاركت في معارض ثنائية مع ابنها فنان الكوميكس مازن كرباج، وسبق وأنجز الاثنان مجموعة من الرسوم عرضت عام 2006، كما قدَّما معًا: "أنت وأنا حبر وورق" 2008، ومعرضًا آخر في 2010، ومجموعة "غدًا لن يأتي" 2014، و"أبجدية لور غريب ومازن كرباج" 2015- تحضُّ على الحب والحلم والثورة إلى حدِّ الجنون، وإذا خاصَمَتْ فتُجاهر بخصومتها ولا تذهب إلى العداء.
يعمل...
X