عبير الضجيج

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبير الضجيج

    عبير الضجيج
    أحمد العكيدي 24 يونيو 2022
    قص
    عبد الفتاح بلالي، المغرب
    شارك هذا المقال
    حجم الخط


    ضوء خافت يتلألأ بين الظلام الحالك، أحاوره بنظرات حائرة وأخرى مرتعبة، أهمس له بدقات فؤادي المفجوع، أخاطبه بعاطفة باردة، أحاصر دفئه من كل جانب.. من تراه يتجرأ على انتهاك خلوتي؟ يراقص هواجسي وخيالاتي، يعبث بذكرياتي، أحيد برأسي، أتمايل بجسدي، أراوغه بحركاتي، أحجبه بيدي؛ فينسل من بين أصابعي ويصيب بؤبؤي عيني بشعاعه الرفيع…

    بتثاقل وكسل، أشرت له، من بعيد، لعله ينسحب. غمغمت نحوه بكلمات اغتصبت سكون وحدتي:

    - تركت لكم العالم بما فيه، وجعلت من بقايا الأجساد ورمس الحياة عالمي. وآخرتي.. آه من آخرتي!.. هي مقدرة لا يسعني إحاطتها. هيا كفوا عن إزعاجي وأبعدوا هذا الشيء عني، لقد اخترت مكاني بين الأموات؛ لا وجود فيه لطقوسكم. سأنهض وأرحل كما فعلت مرارًا ولن تثنيني ألاعيبكم المكشوفة عن مقصدي، ربما أصبحت لكم في رميم العظام مصلحة أو في مسكن الأرواح منفعة، أنا لي شأن في الهروب من جواركم والخروج من دنياكم.

    خطوت خطوة تلو أخرى، واستمتعت بتحطم الحشائش تحت قدمي، وانتشيت بهسيس الأحجار، فانتبهت إلى الضوء فوجدته ما زال يلازمني ووهجه يتضخم وينير طريقي، رفعت يدي محتجا وتابعت السير غير مكترث. في لحظة ما سيتراجعون عن ملاحقتي، دنياي سكون ودنياهم ضجيج؛ لا يمكنهما أن يتعايشا.

    شققت سبيلي بين اللحود وأحسست بتسارع خطواتي كلما تجاوزت أحد المدافن، كبحتها ففشلت، أرغمتها على التريث فازداد زخمها، رفعت بصري إلى السماء ولم أعد أذكر متى كانت آخر مرة غامرت باختراق الحدود.

    هي مجرد نظرة خاطفة، أستكشف من خلالها مصدر هذا الاعتداء الآتي من كوكبكم. أنتم بدأتم والبادي أظلم...

    - أليست هذه قوانينكم؟

    نظرت ثانية في الأفق، فاجتاحني نور شمس الصباح وأبهرتني غزوته الباسلة لغسق الدجى. أطرقت رأسي وحط بصري على عصفور يغرد مراقصًا نسمات الهواء ومتنقلًا بين الأغصان، أرخيت قبضة ذاتي فسقطت قنينة وساوسي وانسكبت فوق الأحراش، التقطتها ولمحت وردة بداخلها، أفرغتها على صدري، فانتقل إلى قلبي شيء غريب لملم جراحي وآهاتي، هممت إلى القبور حيت كنت أعيش سلام السكون، فاقتحمني أريج الحياة وتذوقت عبير الضجيج.



    (المغرب)
يعمل...
X