السيد داروين الجاهل

السيد داروين الجاهل

كرم نعمة




قبل عشرين عاما وبعد أيام من الحصول على أول قرض عقاري، أخرج صديقي الإنجليزي ورقة ووضعها على الطاولة أمامنا، حيث نلتقي أسبوعيا في مقهى المسرح المحلي. وتساءل هل تعرف ما يترتب عليك بعد أن وثقت يديك بسلاسل القرض العقاري؟
قد يبدو هذا الوثاق ورديا بشعور امتلاك بيت مثل وثاق الزواج في ليلة الزفاف. لكنه مع مرور الوقت سيتحول إلى قلق وتخطيط مستمر وحسابات مكررة لحياتك.
كتب صديقي على الورقة ما يترتب على حياتي الجديدة مع القرض العقاري، ما يقرب من عشر نقاط يجب أن آخذها بنظر الاعتبار.
كان يطلب مني أن أتخذ القرار، لأن هناك وثاقا مرتبطا بحياتي وبمنزلي وبالقرض العقاري الشهري. واليوم بعد كل تلك السنين، أتأملها براحة قل نظيرها عندما افتككت من قيد القرض، لأمارس دور صديقي في تحليل ما معنى اتخاذ القرارات التي تحدد حياتنا.
يستعير روس روبرتس الباحث في جامعة ستانفورد. ومؤلف كتاب “المشاكل الحياتية: دليل للقرارات التي تحددنا”، قصة تشارلز داروين، التي يصفها بالمشكلة عندما حاول وهو في الثمانين من عمره أن يتزوج مع احتمال أن يكون الأطفال جزءا من حياته المتبقية!
كان عليه أن يتخذ هذا القرار، سواء بالرفض أو القبول فكلاهما قرار، ولمساعدة نفسه وضع قائمة بالمنافع والأضرار المتوقعة من الزواج. وهي نفس القائمة التي وضعها صديقي أمامي قبل عشرين عاما مع حياتي آنذاك تحت وطأة القرض العقاري.
أنا تخيّلت كيف أدور في بيتي مستقلا وأفعل وأغير فيه ما أشاء، بينما داروين تخيّل كيف سيكون شكل رفيقة حياته الدائمة محبوبة، ومختلفة على أي حال عن رفيقه الكلب الوفي! لكن صديقي وضع في قائمته أن أكون حذرا وأكبح رغباتي في الملبس والرفاهية ولا أنفق المال على أي حاجة أرغب فيها، إلا بعد أن أضمن أنني قادر على دفع القرض الشهري، بينما السيد داروين افترض إرغامه على زيارة أهل وأقارب زوجته وتقديم الاحترام والانحناء زيفا لأشخاص تافهين!
يربط روبرتس معنى اتخاذ القرار بمشكلة جامحة بمثابة مفترق طرق في الحياة حيث معرفة المسار الصحيح ليس واضحا. صحيح أننا لا نرغم كل يوم على اتخاذ القرارات المصيرية في حياتنا. إلا عندما نكون أمام مفترق طرق يحدد مسار حياتنا القادمة، بيد أن ذلك يعني مشكلة مثيرة للقلق.
كيف يجب أن نمضي قدما، إذا أردنا اتخاذ قرار عقلاني؟
يجيب مؤلف كتاب “دليل للقرارات التي تحددنا” بالقول “لقد تدربت كخبير اقتصادي في جامعة شيكاغو. وتعلمت أن الاقتصاد هو المرشد لاتخاذ قرارات عقلانية في الحياة. كما تعلمت أن كل شيء له ثمن. وكل شيء ينطوي على التخلي عن شيء ما للحصول على شيء آخر. لا شيء له قيمة غير محدودة. لكن أثناء دراستي لحياة بعض مفكري التاريخ العظماء، توصلت إلى الاعتقاد بأنه عندما يتعلق الأمر بقرارات الحياة الكبيرة، فإن هذه المبادئ يمكن أن تضللنا”.
ويدافع عن فكرته بالعودة إلى داروين الذي وضع قائمة أمام قرار الزواج، وهو نهج عقلاني مع أي مشكلة، جامحة كانت أم مروّضة. لكن فكرة تفاحة آدام وحواء قديمة، قدم اتخاذ ذلك القرار الذي غير مسار حياة الإنسان.
وقائمة داروين عن أضرار الزواج لم تكن تمثل الزواج نفسه بقدر ما عبرت عن شخصية داروين، فلا يمكن لشخص عازب أن يحدد لنا أضرار الزواج. فصار جهل داروين جزءا من السبب وليس سلبيات الزواج. ذلك ما يساعدنا على رؤية مدى صعوبة اتخاذ قرار عقلاني.