موازنة بين الأدب الروائي والتصويرالفوتوغرافي..تصويرعزام الحميضي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موازنة بين الأدب الروائي والتصويرالفوتوغرافي..تصويرعزام الحميضي



    تصوير عزام الحميضي

    موازنة بين الأدب الروائي والتصوير الفوتوغرافي..

    عبدالله المفلح: المصور يهدف إلى نقل قصة ما للمتلقي.. تماماً مثل الروائي

    التصوير والأدب وجهان لعملة واحدة يُختلف أيهما ولد قبل الآخر كالبيضة والدجاجة؛ فالكاتب المؤثر يستخدم التصوير لإيصال رؤيته لخيال القارئ. وكلما التقطت الصورة من قلب الواقع كانت أقرب للقصة؛ وكلما أبدعت مشاهد القصة في التصوير الخيالي كانت أقرب للصورة! العاطفة؛ الخيال؛ الأفكار؛ أعمدة رئيسة تحرّك أي عمل فني أو أدبي مع اختلاف أدوات التعبير الخاصة بكل فن. والرواية تحديداً من أمتع أنواع الأدب النثري وأقربها إلى فن "تصوير حياة الناس والشارع" لما تحويه من عناصر "الشخصيات؛ الفكرة؛ الحبكة؛ الحوار؛ الصياغة الفنية؛ الخيال؛ الصراع الأدبي وغيرها. ويقابلها عناصر الصورة "التكوين؛ الفكرة؛ الزاوية؛ الإضاءة؛ الظل؛ الإخراج العام " وكلما اكتملت هذه المفردات حالفها النجاح.

    استضفنا الكاتب السياسي والأديب والروائي الأستاذ "عبدالله المفلح" ليقدم لنا موازنة بين التصوير الفوتوغرافي والأدب من حيث الرؤية:
    • كيف ينظر الكاتب الروائي عبدالله المفلح لفن التصوير الفوتوغرافي؟

    بالتأكيد هناك علاقة وثيقة جداً بين التصوير والقص، فكلاهما محاولة لتخليد لحظات فارقة بالنسبة للمصور أو القاص. لحظات لمست شيئاً عميقاً داخله. شيء يهزه بعنف، إما لفرط إنسانية تلك اللحظة، أو طبيعيتها، أو مفارقتها المدهشة، أو مأساويتها..الخ من العواطف والمؤثرات التي تختلج عميقاً. لطالما سحرني فن التصوير الفوتوغرافي، الأصيل، الخام، الذي لم تعبث به يد المحسنات التقنية. فالصورة الفوتوغرافية "الحقيقية" قادرة على ضغط ليس ملايين البكسلات بل ملايين العواطف والمشاعر والذكريات فقط بضغطة زر في الوقت والمكان المناسبين. أنا متذوق جداً لفن التصوير الفوتوغرافي، وأزعم أن تذوقي لهذا الفن يفوق تذوق المصور للقصة!.
    • لماذا يفترض أن يكون الكاتب الروائي أرهف تذوقاً وأعمق قراءة للصور الفوتوغرافية من غيره؟

    الكاتب الروائي - وأنا هنا لا أتكلم عن نفسي، فلست سوى مبتدئ رواية- الروائي بطبيعته يعيش في شرنقة من الخيال، والخيال ليس سوى مجموعة من الصور الثابتة والمتحركة، التي يحاول من خلال توظيفها بشكل يجعلها تبدو قريبة ومقنعة وجميلة. وقولي لي أي مصور فوتوغرافي هو ذاك الذي لا يهتم بالقرب والإقناع والجمال؟ كلما بدت الصورة مقنعة بالنسبة للروائي بدت روايته مقنعة بالنسبة للقارئ، فالعلاقة بين الصورة والكتابة علاقة وثيقة جداً. وعلى الجهة الأخرى يندر أن تجدي مصوراً أو مصورة فوتوغرافية لا تملك حساً أدبياً تجاه القص أو الرواية، فهو أو هي يهدفان من خلال صورهما إلى نقل قصة ما للقارئ، تماماً مثل الروائي.
    • كيف يمكن لصورة فوتوغرافية أن تلهمك لكتابة قصة أو مشهد من رواية؟

    الصورة الطبيعية تمتلئ حياة، وبالتالي يصبح مثلها مثل المشهد الحياتي الملهم. وأذكر أن صورة لمزاين الإبل كانت سبباً في كتابة قصة "الرجل الناقة" وهي قصة ساخرة تشرح كيف أراد شخص ما أن يتحول لناقة كي يتم التعامل مع احتياجاته الشخصية بصورة أكثر احتراماً، وهي القصة التي طالبتني الناقدة سعدية مفرح بأن أعمل على تحويلها إلى مسرحية.
    • ما أكثر المواقف التي استثارت رغبة المفلح لكتابة قصة ضوئية بالكاميرا؟

    أزعم أنكِ لن تجدي قاصاً لم تستثره صورة ما أو مشهد ما يتمنى خلالها لو كان مصوراً. فالصورة في أحيان كثيرة تكون أصدق وأقل كلفة من التعبير الكتابي أو الشفاهي. كم هي المرات التي صنعت فيها من خيالي قصة ما بسبب رؤيتي لشخص ما. أذكر أنني سافرت لماليزيا، وفي أحد مواقف السيارات كان هناك شخص يفقد إحدى يديه ورجله، وكان يقوم بمساعدة سائقي السيارات لركن سياراتهم في المكان المخصص من خلال إشارة يده. عدت ذلك اليوم إلى غرفتي، وكتبتُ قصةً قصيرة عنه. وحين فرغت مزَّقتها، لأنها لم تستطع التعبير عن حقيقة شموخ ذلك الرجل. وتمنيت لو أنني كنت مصوراً حينها.

    عبدالله المفلح
    • تصوير الحياة العامة وتصوير الشارع من أكثر أنواع التصوير تشابهاً مع الأدب الروائي؛ فكيف يرى الكاتب مواقف الحياة وكيف يرصدها؟

    لمن يكتب الكاتب إذا لم يكتب لقارئ من الحياة عن الحياة وعن فعله في الحياة، وعن التباين الواضح بين الحياة المعيشة والحياة المأمولة، وعن الأسى الذي ينشأ بسبب هذا التباين. بالنسبة للرصد، فأنا أحتفظ بعشرات إن لم يكن مئات الأفكار الخام التي آمل أن أستطيع في غضون المئة سنة القادمة أن أنهي ثلثها. أكتب في ملف ملاحظات الآيفون، وعلى أوراق كتاب العمل، وعلى أوراق الكتب التي أقرأها، وعلى اللاب توب، وعلى جدار الصمت.
    • المصور الفنان يرى ما لا يراه الآخرون من خلال تفاصيل الأشياء واستخدام الزوايا الشاذة فكيف يرى الكاتب الروائي الحياة والناس بمالا يراه الآخرون؟

    حُكمنا على مجال الرؤية أو طبيعته عند الروائي تعتمد على النظرية الأدبية التي يتبعها، لكن بالمجمل الروائي مسؤول عن جعل حياة الناس أفضل وأكثر ثراء من خلال زوايا الرؤية والممكنات ومنطق الأشياء والناس فيعطي المهمشين والمنبوذين والأحرار والمختلفين فرصة عادلة وكافية ليقولوا لنا كيف يشعرون ويحيون ويموتون، وكيف أن من حقهم أن نلتفت إليهم كما يلتفت المصور تجاه شيء حقيقي وإنساني، فينزع عنه وعنَّا تلك القشرة الكريهة التي تعمينا عن رؤية الجوهر والتعاطي معه كما هو.
    • من أنواع التصوير البورتريه والماكرو وتصوير الحياة العامة وحياة الشارع.. إلخ يختص بها المصور بحسب شخصيته؛ وكذلك الروايات لها تصنيفاتها الاجتماعية والتاريخية والرومانسية والفانتازية والبوليسية والتأملية.. إلخ؛ فأين يصنف المفلح رواياته بحسب شخصيته؟

    عملي الروائي الأول كان رواية "حكاية وهابية"، ويمكن تصنيفه كخليط من رواية السيرة والواقع والتاريخية من جهة أنها تسرد "تجربتي" الخاصة "الواقعية"، أما عملي الثاني فهو مجموعة قصصية بعنوان "هيلة، سعاد حسني الأخرى"، فهو عبارة عن قصص قصيرة فانتازية ساخرة في مجملها تتناول الشأن الاجتماعي والسياسي والديني، وقد وصلتني بعض ردود الفعل المشجعة من بعض النقاد وخصوصاً المقالة التي كتبتها الناقدة الكويتية الأستاذة سعدية مفرح في جريدتكم، وجعلت منها إذاعة البرنامج الثاني الكويتي موضوعاً لإحدى حلقات برنامجها الأدبي.

    بالنسبة لشخصيتي، أنا عاشق لروايات الوعي والتأمل وكذلك الروايات البوليسية، ولعل هذا أحد تناقضاتي، فالبون شاسع بين أجواء روايات الوعي والتأمل الهادئة والعميقة وأجواء الروايات البوليسية المليئة بالأكشن والأحداث الدراماتيكية!.
    • تميزت مجموعة المفلح القصصية "هيلة، سعاد حسني الأخرى" بالفانتازيا والرمزية؛ وما يحاكيها في التصوير "الفن المفاهيمي". فأي أكثر القصص في المجموعة يرى فيها المفلح أنها تصلح لتكون صورة فوتوغرافية؟

    دعيني أفكر للحظة.. أعتقد أن قصة "أبو كتف" بكتفه المصابة، تصلح لأن تكون صورة فوتوغرافية مؤثرة، لكونها تعتمد على "الكتف" المصابة، والذي يمكن التعبير عنه بشكل جيد من خلال صورة فوتوغرافية. تأتي بعدها قصة "الحفرة" التي تتسبب بمقتل الكثير من الناس. والحفرة هي شيء ثابت، يمكن تحويله إلى صورة فوتوغرافية.

    تصوير سلافة الفريح

    *يجاهد المصورون المحترفون للابتعاد عن الأفكار المستهلكة للصور؛ فهل تعتبر أن القصص الفانتازية التي ظهرت جلية في مجموعتك القصصية تمرداً على المستهلكات من الروايات؟

    بصدق وأمانة لم يكن هذا من أهدافي، كنت أريد أن أقول شيئاً بشكل ممتع وحاث على التفكير. ومن الجميل أن أتلقى ردود فعل جيدة بهذا الصدد. أعتقد أن الغرضية مرفوضة ابتداءً، ومخالفة السائد ليس فعلاً تقدمياً وإبداعياً بالضرورة. المهم هو "القيمة"، والتأثير الذي تصنعه هذه الصورة أو تلك الرواية.
    • ماذا يعني السفر للمفلح كأحد أهم روافد الإلهام والإبداع؟

    أنا رجل متيم بحب ثلاثة أشياء لا رابع لها في هذه الحياة؛ المطر والأطفال والناس الطيبين. لا يهمني المكان كثيراً، فقط أعطني هؤلاء الثلاثة وأوعدك أن لا أضيع دقيقة من الإلهام والإبداع.
    • يسمي المصور بالقناص إذا اقتنص لحظة من الحياة قد لا تتكرر. فمتى يكون الكاتب قناصاً؟

    كما قلت لك أملك في جعبتي الكثير من المقتنصات، وأزعم أنني أستطيع تحويل المفارقات إلى عمل قصصي، إن أمكنني الوقت.
    • في التصوير هناك صور أحادية (أبيض وأسود) وصور ملونة، متى تستطيع القول إن هذه قصة أحادية وتلك قصة ملونة؟

    سؤال جميل: أعتقد أن الأبيض والأسود قد يناسبان القصص الحزينة والمأساوية وذات العلاقة بالوعي والتأمل، بينما الملونة قد تناسب القصص الساخرة والبوليسية والرومانس.
    • ارتبط الكاتب والأديب بالقلم؛ ومع التطور التكنولوجي استبدل كثير من الكتاب القلم بالأجهزة اللوحية فهل يمكن أن يستخدم الكاتب الكاميرا لكتابة قصة؟

    أعتقد أن الصورة لن تتعدى مرحلة الإلهام في الوقت الحاضر. والكاميرا لا يمكن أن تكون وسيلة للكتابة، بسبب اختلاف رسالتها العملية عن رسالة الكتابة. فالمكافئ للكاميرا هو القلم أو الكي بورد، ولكل منهما حياته الخاصة التي يؤدي من خلالها رسالته بالطريقة التي تناسب طبيعته.
    • المصور يخضع للمزاج والتوقيت وحالة الطقس لإخراج صورة فنية بديعة فما الذي يتشابه معه الكاتب؟

    بل قولي ما الذي يختلف فيه الكاتب عن المصور في الخضوع للمزاج والتوقيت وحالة الطقس؟ الكاتب كائن طقسي ومزاجي كريه، ومن النادر جداً أن يروق مزاجه. لكنه حين يفعل يكتب ما يعوض كل ما مضى من طقوسات وأمزجة سيئة. المزاج والتوقيت والطقس هي أشياء ذات علاقة بعملية الكتابة وليس مضمون القصة أو الرواية. لكنني أزعم أن مضمون القصة أو الرواية هو الأساس في الاستمرار بعملية الكتابة، وما لم يكن القاص أو الروائي مقتنعاً جداً بأهمية هذه القصة أو الرواية فلن يكتبها حتى ولو كان في مزاج أو توقيت أو طقس سيئ.

    بالنسبة لي كانت أغلب كتاباتي تتم وأنا في مزاج وتوقيت وطقس "مش ولابد"، لكن القصة هي التي تدفعك من ظهرك كي تقوم من فراشك الذي للتو وصلت إليه بعد يوم عمل شاق استغرق 12 ساعة، وتطلب "براد" شاي بالنعناع، وتفتح اللاب توب، وتبدأ التصوير.. عفواً الكتابة !.

    تصوير سلافة الفريح

يعمل...
X