رواية “الدفتر الكبير” (Le Grand Cahier) للكاتبة المجرية أغوتا كريستوف (Ágota Kristóf)، وهي الرواية الأولى من ثلاثية أدبية مؤثرة تتبعها “البرهان” و”الكذبة الثالثة”.
⸻
معلومات أساسية:-
& العنوان الأصلي: Le Grand Cahier
& الكاتبة: أغوتا كريستوف
& اللغة الأصلية: الفرنسية
& سنة النشر: 1986
& نوع العمل: رواية نفسية/حربية/واقعية قاسية
& عدد الأجزاء: الجزء الأول من ثلاثية
⸻
✍️ نبذة عن الكاتبة:-
أغوتا كريستوف كاتبة مجرية فرت من بلادها إلى سويسرا أثناء الثورة المجرية، وعاشت في المنفى، وهو ما انعكس بقوة على أعمالها، من حيث البرودة العاطفية، والعزلة، والشك في الواقع. كتبت بالفرنسية رغم أنها لم تكن لغتها الأم، مما منح لغتها جفافًا متعمدًا وحيادية مؤثرة.
⸻
موجز الرواية:-
في رواية الدفتر الكبير (Le Grand Cahier)، تقدم الكاتبة المجرية أغوتا كريستوف نصًا فريدًا كُتب بأسلوب جاف وحيادي لكنه يلامس أعمق مناطق الألم الإنساني. كتبت الرواية باللغة الفرنسية في مرحلة كانت تتعلّم فيها اللغة، ما منح السرد بساطته الظاهرية التي تخفي وراءها طبقات قاسية من المعنى. تتبع الرواية حكاية توأمين صغيرين يُرسلان إلى الريف عند جدّتهما القاسية هربًا من ويلات الحرب. ببرود مدهش، يقرران تدريب أنفسهما على تحمّل الجوع، الألم، العزلة، وحتى القتل، وكل ذلك يُسجَّل بدقة في “دفتر كبير”، بلا تعليق ولا انفعال.
الرواية، رغم بساطة جملها وسهولة لغتها، صادمة في محتواها؛ فهي تكشف كيف تُدمّر الحرب البراءة، وتحوّل الأطفال إلى آلات للبقاء، وتُربّي فيهم قسوة دفاعية. يُروى النص بصيغة الجمع (“نحن”)، كأن التوأمين كائن واحد، بلا ملامح فردية، مما يطرح أسئلة فلسفية حول الهوية والذات. وبينما لا تُذكر الحرب كثيرًا في تفاصيلها، إلا أن حضورها الطاغي يتجلى في كل مشهد: في انكسار الأم، وفي العنف اليومي، وفي تلاشي الحدود بين الخير والشر.
الرواية تُقرأ أيضًا كمرآة لحياة كريستوف المنفية، المنقسمة بين المجر وفرنسا، وهي بهذا تعكس الطابع المزدوج للهوية، وتُبرز اللغة كأداة للبقاء أكثر من كونها وسيلة للتواصل. وصفها بعض النقّاد بأنها عمل “تدريبي” على الكتابة، لكن التدريب هنا ليس على اللغة فحسب، بل على النجاة من الوحشية بوساطة الكتابة.
وقد أثارت الرواية ردود فعل قوية، وصفها أحد نقاد التايمز بأنها مكتوبة بكلمات “جديدة، كأنها لم تُستخدم من قبل”، فيما قال مخرج الفيلم المقتبس عنها: “لقد غيّر هذا النص حياتي”. ذلك لأن الدفتر الكبير لا يقدّم حكاية تقليدية، بل يضع القارئ أمام مواجهة قاسية مع كل القيم التي كان يسلّم بها دون تفكير. إنها قصة عن الطفولة، لكنها ليست بريئة، وعن الأخلاق، لكنها مشوهة، وعن الحرب، لكنها مكتوبة ببرود يجبرك على إعادة النظر في ما تعنيه الإنسانية أصلًا
اذا تحكي الرواية قصة توأمين يتم إرسالهما من المدينة إلى الريف للعيش مع جدتهما القاسية خلال الحرب (تُركت الفترة والمكان بلا تحديد واضح، لكنها تشير إلى أوروبا الوسطى زمن الحرب العالمية الثانية).
? التوأمان يقرران تسجيل كل شيء في دفتر كبير، ويوثقان حياتهما ومشاهداتهما بلغة جافة.
? يتدربان على تحمّل الألم والبرد والجوع ويخوضان اختبارات قاسية لتعويد نفسيهما على قسوة العالم.
? يتعاملان مع الحرب، الفقر، العنف، الجنس، والخداع.
? تسير القصة بسرد موضوعي بارد جدًا، كأنها ملاحظات مختبرية خالية من المشاعر.
⸻
التحليل الفني:-
الأسلوب:
♦️ مكتوب بجمل قصيرة، حادة، جافة، خالية من الزخرفة.
♦️ يُستخدم ضمير “نحن” طوال الرواية – كأن التوأمين كيان واحد.
♦️ هذا الأسلوب يمنح النص برودًا مرعبًا يتناسب مع أجواء الحرب وفقدان البراءة.
الثيمات المركزية:-
تدور الرواية حول ثيمات عميقة ومظلمة، من أبرزها ثيمة الهوية المزدوجة، حيث يظهر التوأمان ككائن واحد لا ينفصل، يكتبان ويتحدثان بصوت جماعي، مما يلغي الفردية ويطرح تساؤلات عن الذات والكينونة. كما تُهيمن على الرواية ثيمة الحرب واللاإنسانية، حيث لا تُعرض الحرب بشكل مباشر بل من خلال آثارها القاسية على الناس، وكيف تجرّد الإنسان من عواطفه وقيمه. تظهر أيضًا ثيمة البراءة والفساد، إذ يبدأ التوأمان كأطفال عاديين، لكن مع الوقت يتحولان إلى كائنين باردين قاسيين، يتعلمان الكذب والتحمل والقتل، كأن البراءة مجرد قناع يزول مع الألم. إلى جانب ذلك، تسود الرواية ثيمة اللغة كوسيلة بقاء، فالتوأمان يوثّقان حياتهما في دفتر كبير، بلغة جافة خالية من المشاعر، كأن الكتابة نفسها نوع من الحماية أو السيطرة على واقع لا يُفهم. وأخيرًا، تتجلى بقوة ثيمة اللامبالاة الأخلاقية، فالأفعال التي يرتكبانها – رغم قسوتها – تُروى بلا أي تبرير أخلاقي، مما يضع القارئ أمام صدمة أخلاقية قاسية ويجبره على مساءلة معاييره الخاصة
⸻
رمزية الشخصيات:-
? الجدّة: تمثل قسوة الريف، المجتمع البدائي، البقاء بلا رحمة.
? الأب الغائب والأم المتخلية: رموز لانهيار الأسرة التقليدية في زمن الحرب.
? القرية: صورة مصغّرة عن مجتمع منحط أخلاقيًا، استسلم للعنف والعزلة.
⸻
البنية:-
? الرواية مقسّمة إلى مشاهد أو ملاحظات قصيرة، كل منها بعنوان، مثل: “نتدرب على الصمت”، “نتعلّم الكذب”، “نقتل الأرنب”.
? هذا البناء يعطي الرواية إيقاعًا سينمائيًا، ويُبرز تطور التوأمين من البراءة إلى القسوة.
⸻
تأثير الرواية:-
? الرواية تصدم القارئ بسبب برودها العاطفي وحيادها الأخلاقي.
? تُذكّر بأدب فرانز كافكا من حيث الغرابة الوجودية، وأدب كامو من حيث العبث الأخلاقي.
? صُنفت من بين أقوى الروايات الأوروبية عن الحرب والهوية والكتابة.
⸻
خاتمة ثلاثية “الدفتر الكبير”:-
1. الدفتر الكبير (Le Grand Cahier) – يصوّر التوأمين ككيان واحد.
2. البرهان (La Preuve) – يسلط الضوء على أحد التوأمين بعد الانفصال.
3. الكذبة الثالثة (Le Troisième Mensonge) – يكسر كل ما سبق، ويُربك القارئ، ويفتح أسئلة عن الحقيقة والخيال والذاكرة.
⸻
دلالة العنوان///
سُمّيت الرواية “الدفتر الكبير” (Le Grand Cahier) لأن التوأمين في القصة يقرران أن يوثّقا حياتهما اليومية، تجاربهما، تدريباتهما القاسية، وملاحظاتهما عن العالم من حولهما في دفتر فعلي كبير الحجم. هذا الدفتر يصبح بمرور الوقت
الدفتر الكبير ليس مجرد وسيلة تسجيل، بل هو محور بنائي للرواية: فالرواية نفسها مكتوبة بنفس الطريقة التي يكتب بها التوأمان – فصول قصيرة، لغة مقتضبة، وأسلوب صارم. كأن الرواية بأكملها هي هذا الدفتر الكبير.
⸻
⚠️ شكل النهاية دون الخوض في التفاصيل بغية عدم حرق متعة القراءة///
في نهاية الدفتر الكبير، تنقلب الثوابت التي بُنيت الرواية عليها. طوال العمل، يظهر التوأمان ككائن واحد متماسك، يعيشان ويتكلمان ويكتبان بصوت جمعيّ واحد، بلا فاصل واضح بين الذاتين. لكن النهاية تكشف تصدّع هذا “الاتحاد الحديدي”، وتنفتح فجوة في علاقتهما المتينة. يحصل حدث كبير (لن نكشفه)، يؤدي إلى انفصال جذري – مادي ونفسي – بينهما، يكسر ذلك التماثل الغريب الذي كان يحكم الرواية.
تُكتب النهاية بلغة بنفس الجفاف السابق، لكنها تحمل حمولة عاطفية مدمّرة، لأن القارئ يدرك فجأة أن كل البناء النفسي الذي عاشه التوأمان، وكل التحولات القاسية التي خاضاها معًا، كانت تسير نحو نقطة انهيار.
‼️ المعنى الرمزي للنهاية:
? تمثّل النهاية انهيار فكرة الهوية الجماعية: إذ لا يمكن للإنسان أن يظل مشتركًا في الذاكرة والمصير مع آخر إلى الأبد.
? تكشف عن ثمن النجاة في زمن الحرب: البقاء قد يكون ممكنًا جسديًا، لكن ليس دون تشظي داخلي وتمزق في الروح.
? تحمل النهاية تلميحًا قويًا إلى أن ما كُتب في “الدفتر الكبير” قد لا يكون موضوعيًا تمامًا، بل ربما يكون انتقائيًا أو حتى خادعًا – ما يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة حول صدق الراوي.
⸻——————
خلاصة:-
“الدفتر الكبير” ليس عن الحرب فقط، بل عن كيف تُشكّل القسوة عقل الطفل، وكيف تصبح الكتابة وسيلة للنجاة من عالم غير معقول.
الرواية تتعمد أن تكون “باردة” كي تضعك كقارئ أمام تساؤل: كيف تبقى إنسانًا في عالم فقد إنسانيته؟
⸻⸻⸻
اقتباس:-
(1) مرّت امرأة ، مدّدنا اليها يدينا. قالت :
- ايها المسكينان . ليس لدّي ما اعطيكما.
- داعبت شعرنا.
قلنا :
شكراً.
أعطتنا امرأة أخرى تفاحات، وأخرى أعطتنا بسكويتاً.
مرّت امرأة أخرى. بسطنا راحتينا.فتوقّفت وقالت :
ألا تخجلان بالتسوّل؟ تعالا إلى منزلي ، لدّي أشغالٌ بسيطة أكلفكما بها. أن تقطعا الحطب، مثلاً أو أن تفركا السّطح. لديكما ما يكفي من القوة لتفعلا ذلك. ثم اذا اشتغلتما جيداً ، سأعطيكما بعض الحساء والخبز.
أجبناها :
-لا رغبة بنا في الاشتغال لديك، سيدتي. ولا رغبة بنا في حسائك أو خبزك. لسنا جائعين.
تساءلت :
- لم تتسوّلان إذن ؟
لنخبَر أيّ احساس ينجم عن ذلك، ولكي نراقب ردّ فعل النّاس.
صرخت وهي تبتعد :
-أيها الوغدان! ما أحقره من تصرّف!
عند عودتنا إلى المنزل، رمينا ،على العشب الذي يحفّ الطريق، بالتفاح والبسكويت والشوكولا وقطع النقود.
أما المُداعبة على شعرنا ، فقد كان من المُستحيل رَميها.
(2) لا تتكلّم الجدّة إلا لماماً، باستثناء المساء؛ ففي المساء تتناولُ قنينة من على الرّف، وتشربُ من عنقها مباشرة. وسريعاً ما تشرع في الحديث بلغّة لا نعرفها؛ لغة غير تلك اللّغة التي يتحدّث بها الجنود الأجانب، لغة مختلفة تمام الاختلاف.
وبهذه اللّغة المجهولة، تطرحُ الجدّة أسئلة، وتجيبُ عنها.
تضحك أحياناً، وأطواراً تغضب وتشرع في الصراخ. وفي الأخير، تقريباً دائماً، تنخرط في البكاء، وتنصرف إلى غرفتها مترنّحة ، ترتمي فوق سريرها، ونسمعها تنتحبُ طويلاً في حضن اللّيل.
#موجز_الكتب_العالمية
⸻
معلومات أساسية:-
& العنوان الأصلي: Le Grand Cahier
& الكاتبة: أغوتا كريستوف
& اللغة الأصلية: الفرنسية
& سنة النشر: 1986
& نوع العمل: رواية نفسية/حربية/واقعية قاسية
& عدد الأجزاء: الجزء الأول من ثلاثية
⸻
✍️ نبذة عن الكاتبة:-
أغوتا كريستوف كاتبة مجرية فرت من بلادها إلى سويسرا أثناء الثورة المجرية، وعاشت في المنفى، وهو ما انعكس بقوة على أعمالها، من حيث البرودة العاطفية، والعزلة، والشك في الواقع. كتبت بالفرنسية رغم أنها لم تكن لغتها الأم، مما منح لغتها جفافًا متعمدًا وحيادية مؤثرة.
⸻
موجز الرواية:-
في رواية الدفتر الكبير (Le Grand Cahier)، تقدم الكاتبة المجرية أغوتا كريستوف نصًا فريدًا كُتب بأسلوب جاف وحيادي لكنه يلامس أعمق مناطق الألم الإنساني. كتبت الرواية باللغة الفرنسية في مرحلة كانت تتعلّم فيها اللغة، ما منح السرد بساطته الظاهرية التي تخفي وراءها طبقات قاسية من المعنى. تتبع الرواية حكاية توأمين صغيرين يُرسلان إلى الريف عند جدّتهما القاسية هربًا من ويلات الحرب. ببرود مدهش، يقرران تدريب أنفسهما على تحمّل الجوع، الألم، العزلة، وحتى القتل، وكل ذلك يُسجَّل بدقة في “دفتر كبير”، بلا تعليق ولا انفعال.
الرواية، رغم بساطة جملها وسهولة لغتها، صادمة في محتواها؛ فهي تكشف كيف تُدمّر الحرب البراءة، وتحوّل الأطفال إلى آلات للبقاء، وتُربّي فيهم قسوة دفاعية. يُروى النص بصيغة الجمع (“نحن”)، كأن التوأمين كائن واحد، بلا ملامح فردية، مما يطرح أسئلة فلسفية حول الهوية والذات. وبينما لا تُذكر الحرب كثيرًا في تفاصيلها، إلا أن حضورها الطاغي يتجلى في كل مشهد: في انكسار الأم، وفي العنف اليومي، وفي تلاشي الحدود بين الخير والشر.
الرواية تُقرأ أيضًا كمرآة لحياة كريستوف المنفية، المنقسمة بين المجر وفرنسا، وهي بهذا تعكس الطابع المزدوج للهوية، وتُبرز اللغة كأداة للبقاء أكثر من كونها وسيلة للتواصل. وصفها بعض النقّاد بأنها عمل “تدريبي” على الكتابة، لكن التدريب هنا ليس على اللغة فحسب، بل على النجاة من الوحشية بوساطة الكتابة.
وقد أثارت الرواية ردود فعل قوية، وصفها أحد نقاد التايمز بأنها مكتوبة بكلمات “جديدة، كأنها لم تُستخدم من قبل”، فيما قال مخرج الفيلم المقتبس عنها: “لقد غيّر هذا النص حياتي”. ذلك لأن الدفتر الكبير لا يقدّم حكاية تقليدية، بل يضع القارئ أمام مواجهة قاسية مع كل القيم التي كان يسلّم بها دون تفكير. إنها قصة عن الطفولة، لكنها ليست بريئة، وعن الأخلاق، لكنها مشوهة، وعن الحرب، لكنها مكتوبة ببرود يجبرك على إعادة النظر في ما تعنيه الإنسانية أصلًا
اذا تحكي الرواية قصة توأمين يتم إرسالهما من المدينة إلى الريف للعيش مع جدتهما القاسية خلال الحرب (تُركت الفترة والمكان بلا تحديد واضح، لكنها تشير إلى أوروبا الوسطى زمن الحرب العالمية الثانية).
? التوأمان يقرران تسجيل كل شيء في دفتر كبير، ويوثقان حياتهما ومشاهداتهما بلغة جافة.
? يتدربان على تحمّل الألم والبرد والجوع ويخوضان اختبارات قاسية لتعويد نفسيهما على قسوة العالم.
? يتعاملان مع الحرب، الفقر، العنف، الجنس، والخداع.
? تسير القصة بسرد موضوعي بارد جدًا، كأنها ملاحظات مختبرية خالية من المشاعر.
⸻
التحليل الفني:-
الأسلوب:
♦️ مكتوب بجمل قصيرة، حادة، جافة، خالية من الزخرفة.
♦️ يُستخدم ضمير “نحن” طوال الرواية – كأن التوأمين كيان واحد.
♦️ هذا الأسلوب يمنح النص برودًا مرعبًا يتناسب مع أجواء الحرب وفقدان البراءة.
الثيمات المركزية:-
تدور الرواية حول ثيمات عميقة ومظلمة، من أبرزها ثيمة الهوية المزدوجة، حيث يظهر التوأمان ككائن واحد لا ينفصل، يكتبان ويتحدثان بصوت جماعي، مما يلغي الفردية ويطرح تساؤلات عن الذات والكينونة. كما تُهيمن على الرواية ثيمة الحرب واللاإنسانية، حيث لا تُعرض الحرب بشكل مباشر بل من خلال آثارها القاسية على الناس، وكيف تجرّد الإنسان من عواطفه وقيمه. تظهر أيضًا ثيمة البراءة والفساد، إذ يبدأ التوأمان كأطفال عاديين، لكن مع الوقت يتحولان إلى كائنين باردين قاسيين، يتعلمان الكذب والتحمل والقتل، كأن البراءة مجرد قناع يزول مع الألم. إلى جانب ذلك، تسود الرواية ثيمة اللغة كوسيلة بقاء، فالتوأمان يوثّقان حياتهما في دفتر كبير، بلغة جافة خالية من المشاعر، كأن الكتابة نفسها نوع من الحماية أو السيطرة على واقع لا يُفهم. وأخيرًا، تتجلى بقوة ثيمة اللامبالاة الأخلاقية، فالأفعال التي يرتكبانها – رغم قسوتها – تُروى بلا أي تبرير أخلاقي، مما يضع القارئ أمام صدمة أخلاقية قاسية ويجبره على مساءلة معاييره الخاصة
⸻
رمزية الشخصيات:-
? الجدّة: تمثل قسوة الريف، المجتمع البدائي، البقاء بلا رحمة.
? الأب الغائب والأم المتخلية: رموز لانهيار الأسرة التقليدية في زمن الحرب.
? القرية: صورة مصغّرة عن مجتمع منحط أخلاقيًا، استسلم للعنف والعزلة.
⸻
البنية:-
? الرواية مقسّمة إلى مشاهد أو ملاحظات قصيرة، كل منها بعنوان، مثل: “نتدرب على الصمت”، “نتعلّم الكذب”، “نقتل الأرنب”.
? هذا البناء يعطي الرواية إيقاعًا سينمائيًا، ويُبرز تطور التوأمين من البراءة إلى القسوة.
⸻
تأثير الرواية:-
? الرواية تصدم القارئ بسبب برودها العاطفي وحيادها الأخلاقي.
? تُذكّر بأدب فرانز كافكا من حيث الغرابة الوجودية، وأدب كامو من حيث العبث الأخلاقي.
? صُنفت من بين أقوى الروايات الأوروبية عن الحرب والهوية والكتابة.
⸻
خاتمة ثلاثية “الدفتر الكبير”:-
1. الدفتر الكبير (Le Grand Cahier) – يصوّر التوأمين ككيان واحد.
2. البرهان (La Preuve) – يسلط الضوء على أحد التوأمين بعد الانفصال.
3. الكذبة الثالثة (Le Troisième Mensonge) – يكسر كل ما سبق، ويُربك القارئ، ويفتح أسئلة عن الحقيقة والخيال والذاكرة.
⸻
دلالة العنوان///
سُمّيت الرواية “الدفتر الكبير” (Le Grand Cahier) لأن التوأمين في القصة يقرران أن يوثّقا حياتهما اليومية، تجاربهما، تدريباتهما القاسية، وملاحظاتهما عن العالم من حولهما في دفتر فعلي كبير الحجم. هذا الدفتر يصبح بمرور الوقت
الدفتر الكبير ليس مجرد وسيلة تسجيل، بل هو محور بنائي للرواية: فالرواية نفسها مكتوبة بنفس الطريقة التي يكتب بها التوأمان – فصول قصيرة، لغة مقتضبة، وأسلوب صارم. كأن الرواية بأكملها هي هذا الدفتر الكبير.
⸻
⚠️ شكل النهاية دون الخوض في التفاصيل بغية عدم حرق متعة القراءة///
في نهاية الدفتر الكبير، تنقلب الثوابت التي بُنيت الرواية عليها. طوال العمل، يظهر التوأمان ككائن واحد متماسك، يعيشان ويتكلمان ويكتبان بصوت جمعيّ واحد، بلا فاصل واضح بين الذاتين. لكن النهاية تكشف تصدّع هذا “الاتحاد الحديدي”، وتنفتح فجوة في علاقتهما المتينة. يحصل حدث كبير (لن نكشفه)، يؤدي إلى انفصال جذري – مادي ونفسي – بينهما، يكسر ذلك التماثل الغريب الذي كان يحكم الرواية.
تُكتب النهاية بلغة بنفس الجفاف السابق، لكنها تحمل حمولة عاطفية مدمّرة، لأن القارئ يدرك فجأة أن كل البناء النفسي الذي عاشه التوأمان، وكل التحولات القاسية التي خاضاها معًا، كانت تسير نحو نقطة انهيار.
‼️ المعنى الرمزي للنهاية:
? تمثّل النهاية انهيار فكرة الهوية الجماعية: إذ لا يمكن للإنسان أن يظل مشتركًا في الذاكرة والمصير مع آخر إلى الأبد.
? تكشف عن ثمن النجاة في زمن الحرب: البقاء قد يكون ممكنًا جسديًا، لكن ليس دون تشظي داخلي وتمزق في الروح.
? تحمل النهاية تلميحًا قويًا إلى أن ما كُتب في “الدفتر الكبير” قد لا يكون موضوعيًا تمامًا، بل ربما يكون انتقائيًا أو حتى خادعًا – ما يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة حول صدق الراوي.
⸻——————
خلاصة:-
“الدفتر الكبير” ليس عن الحرب فقط، بل عن كيف تُشكّل القسوة عقل الطفل، وكيف تصبح الكتابة وسيلة للنجاة من عالم غير معقول.
الرواية تتعمد أن تكون “باردة” كي تضعك كقارئ أمام تساؤل: كيف تبقى إنسانًا في عالم فقد إنسانيته؟
⸻⸻⸻
اقتباس:-
(1) مرّت امرأة ، مدّدنا اليها يدينا. قالت :
- ايها المسكينان . ليس لدّي ما اعطيكما.
- داعبت شعرنا.
قلنا :
شكراً.
أعطتنا امرأة أخرى تفاحات، وأخرى أعطتنا بسكويتاً.
مرّت امرأة أخرى. بسطنا راحتينا.فتوقّفت وقالت :
ألا تخجلان بالتسوّل؟ تعالا إلى منزلي ، لدّي أشغالٌ بسيطة أكلفكما بها. أن تقطعا الحطب، مثلاً أو أن تفركا السّطح. لديكما ما يكفي من القوة لتفعلا ذلك. ثم اذا اشتغلتما جيداً ، سأعطيكما بعض الحساء والخبز.
أجبناها :
-لا رغبة بنا في الاشتغال لديك، سيدتي. ولا رغبة بنا في حسائك أو خبزك. لسنا جائعين.
تساءلت :
- لم تتسوّلان إذن ؟
لنخبَر أيّ احساس ينجم عن ذلك، ولكي نراقب ردّ فعل النّاس.
صرخت وهي تبتعد :
-أيها الوغدان! ما أحقره من تصرّف!
عند عودتنا إلى المنزل، رمينا ،على العشب الذي يحفّ الطريق، بالتفاح والبسكويت والشوكولا وقطع النقود.
أما المُداعبة على شعرنا ، فقد كان من المُستحيل رَميها.
(2) لا تتكلّم الجدّة إلا لماماً، باستثناء المساء؛ ففي المساء تتناولُ قنينة من على الرّف، وتشربُ من عنقها مباشرة. وسريعاً ما تشرع في الحديث بلغّة لا نعرفها؛ لغة غير تلك اللّغة التي يتحدّث بها الجنود الأجانب، لغة مختلفة تمام الاختلاف.
وبهذه اللّغة المجهولة، تطرحُ الجدّة أسئلة، وتجيبُ عنها.
تضحك أحياناً، وأطواراً تغضب وتشرع في الصراخ. وفي الأخير، تقريباً دائماً، تنخرط في البكاء، وتنصرف إلى غرفتها مترنّحة ، ترتمي فوق سريرها، ونسمعها تنتحبُ طويلاً في حضن اللّيل.
#موجز_الكتب_العالمية