بقلم : حميد بركي. قراءة في قصيدة " أنا " للشاعرة " نازك الملائكة " بقلم : حميد بركي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بقلم : حميد بركي. قراءة في قصيدة " أنا " للشاعرة " نازك الملائكة " بقلم : حميد بركي

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1749608308449.jpg 
مشاهدات:	11 
الحجم:	43.2 كيلوبايت 
الهوية:	265601
    قراءة في قصيدة
    " أنا " للشاعرة " نازك الملائكة "
    بقلم : حميد بركي

    قصيدة (أنا)
    الليلُ يسألُ من أنا
    أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
    أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
    قنّعتُ كنهى بالسكونْ
    ولفقتُ قلبى بالظنونْ
    وبقيتُ ساهمةً هنا
    أرنو وتسألنى القرونْ
    أنا من أكون؟
    والريحُ تسأل من أنا
    أنا روحُها الحيران أنكرنى الزمانْ
    أنا مثلها فى لا مكان
    نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
    نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
    فإذا بلغنا المُنْحَنى
    خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
    فإِذا فضاءْ!
    والدهرُ يسألُ من أنا
    أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوى عُصورْ
    وأعودُ أمنحُها النشورْ
    أنا أخلقُ الماضى البعيدْ
    من فتنةِ الأمل الرغيدْ

    وأعودُ أدفنُهُ أنا
    لأصوغَ لى أمسًا جديدْ
    غَدُهُ جليد
    والذاتُ تسألُ من أنا
    أنا مثلها حيرَى أحدّقُ فى ظلام
    لا شيءَ يمنحُنى السلامْ
    أبقى أسائلُ والجوابْ
    سيظَل يحجُبُه سراب
    وأظلّ أحسبُهُ دنا
    فإذا وصلتُ إليه ذابْ
    وخبا وغابْ

    نازك الملائكة

    الشعر متسع ذهني فضاء وجداني، وإذا قسنا هذا التعريف على بعض شعراء الحداثة نجده أضيق ذهنا، لافضاء وجداني، كما هي قصيدة "أنا" لنازك الملائكة تُعد من أبرز النماذج الشعرية التي تمثل القلق الوجودي والاغتراب النفسي. غير أن بنيتها تحمل بعض التناقضات التركيبية وعدم اتساق في منطق المعنى، مما يستدعي قراءة نقدية تتجاوز البُعد الجمالي إلى التفكيك والتساؤل.
    تبدأ القصيدة بتساؤل الليل عن "من أنا"، وهو استهلال يضع القارئ في إطار رمزي يعكس القلق الداخلي. لكن الإشكال يظهر حين تصف الشاعرة نفسها بأنها "سرُّه القلق العميق الأسود" ثم تقول "أنا صمتُه المتمرِّد"، فالقلق لا يتماهى منطقيًا مع "الصمت"، خاصة إذا كان صمتًا متمرّدًا، لأن التمرّد فعلٌ يتطلب تعبيرًا، بينما الصمت نقيض له. وهذا يولّد توترًا بين الدلالة النفسية والدلالة المنطقية
    وفي المقطع الثاني، عندما تقول "أنا روحُها الحيران أنكرني الزمان"، يظهر التناقض في أن الروح جزء من الريح أو هي المقصودة بها، لكن هذه الروح "الحيران" لا تتكامل مع فعل "أنكرني الزمان"، إذ أن الزمان لا يُنكر الأرواح وإنما يغمرها أو يطويها، مما يجعل الصورة أقرب إلى التجريد المفرط دون سند رمزي واضح. ثم تنتقل إلى ثنائية "نسير ولا انتهاء" و"نمرّ ولا بقاء"، وهي صياغات ذات طابع ميتافيزيقي لكنها تعاني من التكرار المعنوي والاختلاط بين الزمان والمكان دون وضوحٍ سببي
    في المقطع الخاص بالدهر، تقول "أنا مثله جبّارةٌ أطوي عصور"، ثم "أعود أمنحها النشور"، وهنا تضادٌ بين الطيّ والمنح، وبين الجبروت والبعث، من غير توضيح كيف تنتقل الذات من محو العصور إلى إعادة خلقها. ثم تقول "أخلق الماضي البعيد من فتنة الأمل"، وهو تركيب يفتقر للتماسك المنطقي، لأن الماضي البعيد يُفترض أن يكون سابقًا على الأمل، لا ناتجًا عنه. ثم يأتي نفيٌ لذلك حين تقول "وأعود أدفنه أنا"، مما يجعل الفعل الشعري يراوح بين الخلق والدفن دون مبرر درامي أو حركي،
    أما حين تتحدث الذات عن ذاتها، تقول "لا شيء يمنحني السلام"، ثم تتابع "أبقى أسائل والجواب سيظل يحجبه سراب"، وفي هذا تناقض بين الرغبة في المعرفة واستحالة إدراكها، وهي ثيمة وجودية معروفة، لكن الصياغة تجعل السراب يبدو ككائن يحجب، وهو إسقاط غير دقيق، لأن السراب لا يحجب، بل يوهم. كذلك، ختام القصيدة "أظل أحسبه دنا، فإذا وصلت إليه ذاب" يعيد التكرار الذي لا يضيف جديدًا، بل يكرر فكرة التلاشي والانخداع التي سبق تقديمها دون تطوير في الصورة أو الانتقال نحو كشف...
    القصيدة تحمل مشاعرًا إنسانية صادقة، لكنها تقع في فخ التجريد الزائد، مما يجعل كثيرًا من الصور تتداخل دون ترابط داخلي، وتفقد بعض المقاطع توازنها بين الشكل والمعنى ...
يعمل...