دلالات السينما المغربية.. كتاب يوضح التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع
حميد اتباتو: الكتابة عن السينما المغربية مقاومة ثقافية وتمرين دائم على التفكير.
الجمعة 2025/05/30
ShareWhatsAppTwitterFacebook

عرفت السينما باجتهاد ذاتي
يعنى الناقد السينمائي والأكاديمي المغربي حميد اتباتو بقضايا السينما المغربية وتطورها، انطلاقا من مواكبته الخاصة للحراك الفني في بلاده، وإسهاماته الفعالة في حركة النقد والعروض والتكوين العلمي، ويُعرف بمواقفه الجريئة وتحليلاته للواقع السينمائي والثقافي بالمغرب. وهو في أحدث إصداراته يستعرض "دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع".
الرباط - صدر حديثا للناقد السينمائي الدكتور حميد اتباتو كتاب “دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع” في 267 صفحة من الحجم الكبير، عن دار النشر نيت أمبريسيون بورزازات.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” حوار مع الأكاديمي اتباتو حول محتوى هذا الكتاب وظروف تأليفه، حيث يقول إن “الكتابة عن السينما المغربية والبحث فيها هما انشغال تولد لدي من الاهتمام بالإبداع الفني المغربي، كما علمني الانشغال بهذا المجال أحد الأساتذة الذين درسوني الفرنسية لثلاث سنوات في مرحلة التعليم الثانوي، وهو الأستاذ محمد الجاي الذي أكن له كل التقدير، وذلك بسبب اهتماماته الثقافية النوعية آنذاك والحالية أيضا، وما كان يقدمه من عروض وإشارات في الدرس حول المسرح المغربي والعالمي، والإبداع المغاربي المكتوب بالفرنسية، والموسيقى الغربية والمغربية، وحول بعض المجلات والجرائد التي كانت تصدر في المغرب وتنشر مقالات وأخبارًا حول الحقل الفني المغربي.”
كتاباتي حول الوثائقي متعة خاصة وزاوية نظر أعكس من خلالها عشقي للسينما، وانشغالي بالبحث في السينما المغربية
ويوضح “هكذا بدأت أتابع ما يرتبط بالسينما والمسرح بالقراءة أساسًا، وحين حصلت على الباكالوريا سنة 1985، بدأت أتابع ما يعرض بفاس من أفلام بقاعات المدينة. لكن منذ السنة الأولى بالجامعة حاولت الحصول على منحة لدراسة السينما بالاتحاد السوفياتي، ثم بدولة أخرى من أوروبا الشرقية، خاصة بعد أن تمكن بعض أصدقائي من الحصول على منح للدراسة بهذه البلدان في مجالات أخرى، خاصة الطب والصيدلة. بلدتي لم تكن بها أية إمكانية لمشاهدة السينما والمسرح، وحين قدمت إلى فاس حاولت تعويض الحرمان الذي عشته، وتابعت ما كانت تقدمه الصالات من أفلام، ودربت نفسي على الالتزام بمتابعة ما يعنيني من كتابات وأفلام، وهكذا تداركت بعض ما فاتني. ولاحقًا بدأت علاقتي بعروض أندية سينمائية في فاس، لتصير فرجة الأندية لاحقًا وعملها وبرامجها من صميم ما أرتبط به سواء بفاس أو بالمدن التي عشت فيها.”
ويتذكر “كنت متحمسًا جدًا لدراسة السينما إلا أنني لم أحصل على المنحة بمجهودي الخاص، وكان أن خففت من غبن وحرقة عدم دراسة السينما بقراءة ما يكتب عنها، ومشاهدة الأفلام، ثم بإنجاز بحث حول السينما المغربية سنة 1990، وكان في موضوع السينما المغربية والبحث عن الهوية، وكان أول بحث في المجال بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة ظهر المهراز بفاس، تحت إشراف أستاذي الراحل محمد الكغاط، وعملت على نشر مجموعة من أبحاثه في بعض الصفحات السينمائية لبعض الجرائد الوطنية آنذاك، ليتوضح اختياري أكثر باعتباره اختيارًا للكتابة عن السينما والبحث فيها، وهو ما سأنضبط له إلى حدود الآن.”
ويوضح أنه “كان أيضًا لدروس أساتذتي في المسرح دور في تعميق ارتباطي بالمسرح والسينما، خاصة الأستاذ الكغاط الذي درسني وأشرف على بحثي لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في المسرح، وأستاذي الجليل الراحل حسن المنيعي الذي درسني المسرح وأشرف على رسالتي لنيل دبلوم الدراسات العليا، وأطروحتي لنيل الدكتوراه حول المسرح. بعد أن بدأت عالم البحث في الجامعة بموضوع السينما المغربية، غيرت بعد ذلك موضوعات أبحاثي نحو المسرح المغربي، إلا أني أبقيت على انشغالي بالسينما فرجة وثقافة وانشغالا بحثيًا من داخل ارتباطي بالأندية السينمائية ولقاءاتها وأنشطتها، وهنا تعمق ارتباطي بالفكر السينمائي أكثر، لتصير الكتابة عن السينما انشغالا مركزيًا لي على مستوى النقد والبحث، خاصة بعد أن ارتبطت بالعمل الصحفي، وبحضور لقاءات وندوات حول السينما.”
تجربة متراكمة
السينما الأمازيغية صوت حضارة كاملة (فيلم أغرابون تايري)
يعتبر اتباتو أن كتابه “دلالات السينما المغربية” غير معزول “عما أصدرته منذ 1999، خاصة كتاب ‘السينما المغربية: أسئلة الإبداع والهوية’، و’السينما الوطنية بالمغرب: أسئلة التأسيس والوعي الفني’، و’رهانات السينما المغربية: الفاعلية الإبداعية وتأصيل المتخيل’، و’هوية السينما المغربية: فتنة اللامرئي وقلق المغلوبين’. إضافة إلى هذا فالكتاب هو امتداد لمجموع الكتب الجماعية التي أشرفت على تنسيقها بصيغة ندوات ومؤتمرات وإصدارات. لهذا يشكل محاولة إضافية أخرى لإثراء ما اقترحته من أعمال تفكر في السينما المغربية باعتبارها علاقة ثقافية، بل علاقة تبدأ في المعرفي وتنتهي فيه. لهذا جعلت من رصد المواصفات الثقافية للسينما المغربية مدخلا لقراءة المتن الفيلمي الذي انشغلت بدراسته في العمل.”
ويكشف محدثنا أنه لو كان هناك “شيء استمتعت به حقًا في انشغالي بالكتابة عن السينما والبحث فيها، فهو مجموع التراكم الذي تحقق من داخل العمل الجماعي، سواء بصيغة أبحاث ودراسات لمؤتمرات وندوات نظمتها ونسقتها وصدرت أعمالها لاحقًا، أو من خلال أبحاث لطلبة أشرفت عليها أو رافقت أصحابها، سواء بالمغرب أو خارجه، لأنها تحقق ما لم يكن بإمكاني تحقيقه. لقد آمنت دومًا بما هو جماعي، وجعلت منه مصدرًا للمتعة والإفادة لي وللناس، خاصة الشباب والطلبة والباحثين الذين انتهت مجموعة منهم عالقة في عشق السينما ومرتبطة بها فكريًا وبحثيًا ونقديًا.”
ويقول اتباتو إن “العمل الجماعي شكل اختيارًا من داخل أندية السينما التي أسستها مع أصدقاء أو تحملت مسؤوليتها، حيث سمح لي هذا باقتراح ما يشغلني من أفكار ومشاريع، والسهر مع باقي الأصدقاء في مجموع هذه الإطارات على إنجاحها، وهذا النجاح تحقق فعلاً، وحقق معه متعة لي لا تضاهى، لأنه حقق ما اعتبرته دومًا حلمًا تعويضيًا لي، ومن عناصره الممارسة الثقافية، واهتمام السينما بالجغرافيا المنسية (أمكونة – تيغسالين – الرشيدية – إيموزار…)، وتقريب الفرجة السينمائية والعمل الثقافي من المتعلمين والشباب، سواء كانوا تلاميذ أو طلبة.”
ويضيف “هناك أيضا عملي مع طلبتي الذين قبلوا الاشتغال على موضوعات ذات علاقة بالسينما في أبحاثهم للماجستير أو الدكتوراه، أو ناقشوها، أو ستناقش مستقبلا بعد أن درستهم بمسالك متعددة، فهل هناك أمتع وأجمل من مثل هذا العمل مع جماعات من الفاعلين لاقتراح أفكار ومبادرات ولقاءات وإصدار أعمال تجمع عشاق السينما والمرتبطين بفكرها وإبداعها ليس من المغرب فقط بل من بلدان مختلفة، دون أن يكون ذلك باسم فرد محدد، بل باسم جماعات وجهات ومؤسسات؟ إنه شيء ممتع حقا أن تجد نفسك فاعلا بقدر ما، ومفيدًا حسب إمكانياتك مع جماعة تعمل للثقافة والسينما، ولأجل ما يرتبط بهما من متعة وإفادة.”
أفكر في السينما باعتبارها علاقات اجتماعية وثقافية مكثفة لما هو سياسي، وحين أكتب يكون ذلك لأجل ترجمة قناعتي
وفي قضية تركيزه على الفيلم الأمازيغي في كتابه القادم، يقول الكاتب “كتابي عن الفيلم الأمازيغي هو بعنوان ‘تمرحل الفيلم الأمازيغي: من تشكيل الانتساب الهوياتي إلى صناعة الخصوصية الإبداعية’، كان من المفترض أن يصدر السنة الماضية في وقت متقارب مع كتاب ‘دلالات السينما المغربية’، لكن بسبب مشاكل وخسائر حصلت في طبع المؤلف الأول، فضلت تأجيل الكتاب الثاني ليصدر قريبًا هذه السنة.”
ويشير إلى أن “الكتاب يندرج -كما كتب أخرى حول السينما المغربية تنتظر أن أوفر لها إمكانات مادية لنشرها بالنظر إلى أني أنشرها على حسابي الخاص وبإمكانياتي الخاصة لغايات ثقافية وفكرية محضة- في ما أعتبره مشروعًا شخصيًا خاصًا يُعنى بمساءلة السينما المغربية والبحث فيها من زوايا تتكامل على أمل فهم هذه السينما من حيث رؤاها وانشغالاتها وخصائصها الفكرية ومواصفاتها الجمالية وبنياتها الإبداعية وما تبقى. إنه محاولة لفهم ما نسميه إجرائيًا “الفيلم الأمازيغي”، وهي تسمية لتمييز متن في الفيلموغرافيا المغربية نعنى بدراسته، وهذا قلق انشغلت به لسنوات من خلال متابعة أفلام هذا المتن، ومحاورة رواده، والحضور في لقاءات ومهرجانات ولجان تحكيم تخصه.”
ويقول “كان لي الشرف أن صاحبت صديقًا باحثًا ومخرجًا غاليًا لي من تونس هو وسيم القربي في مشروع ريادي له في مجالي البحث والإبداع السينمائي حول السينما الأمازيغية المغاربية، تحققت منه أعمال مهمة من قبيل أطروحة دكتوراه ناقشها بتونس، وإصدار حول السينما الأمازيغية المغاربية صدر له عن منشورات نيت أمبريسيون بورزازات، ثم فيلمي “أوزل” و”تاوجودت”.
ويؤكد اتباتو أن “الأمازيغية انتساب وهوية لي ككل المغاربة، وما يرتبط بها يعنيني، وهو تحية مني للمبدعين بالأمازيغية وحولها، وللناس في المناطق الأمازيغية التي عشت فيها، بل هو صيغة لقول الانتساب إلى الهامش وإلى الأمازيغية، وهو ما يقوله الإهداء الذي كتبته في مقدمة الكتاب وجاء فيه: ‘إلى أبناء المطيمر بلدتي التي تحضن تربتها عطر أهلي وذاكرتهم تأكيدًا للمحبة وعمق الانتماء، إلى أحباب الجغرافيا الأمازيغية التي عشت فيها جزءًا من حياتي، وتقاسمت معهم الخبز والفرح، إلى ناس قلعة أمكونة، وتيغسالين، وورزازات وكل البقية كما في بهاء ذكراهم المتجددة’.”
ويشرح أن “مشاهدة الأفلام الأمازيغية التي تابعتها بصيغتها في الفيديو، والأفلام السينمائية، سمحت لي بالتقرب من عوالمها، وفهم آلياتها، ومتابعة مساراتها، وتدعم ذلك بملاقاتي لروادها، بمن فيهم الحسين بيزكارن والراحل محمد مرنيش والمعنيون بها ثقافة وفرجة، خاصة بعض الجهات التي تنظم بعض المهرجانات واللقاءات الفكرية حولها، أو إصدار مؤلفات تخصها كما الأمر مع جمعية البحث والتبادل الثقافي، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو نادي إيموزار في الدورات الأولى لمهرجان سينما الشعوب. لهذا يكون كتاب الفيلم الأمازيغي مساهمة في رصد خصائص الفيلم الأمازيغي، وصياغة لوجهة نظر خاصة بصدد وجه آخر للسينما المغربية، ورأي في تسمية هذا الفيلم، وفي مسارات تشكله، وفي مآزقه التاريخية، وقراءة في ما يعد مواصفات جمالية وإبداعية مميزة له، وأيضًا محاولة لصياغة مشروع إجابة عن قيمته الإبداعية، وثوابته وإبدالاته، وفهم أصحابه والمرتبطين به للانتساب الهوياتي، ولصناعة الخصوصية الإبداعية من داخل السينما المغربية.”
الوثائقي هو الأصل
اتباتو خلال حضوره أحد المهرجانات
ينوه الناقد الأكاديمي اتباتو بالفيلم الوثائقي قائلا “كتاب الفيلم الوثائقي هو حلم صاحبني منذ بدأ انشغالي بالسينما المغربية، لأني منحاز لهذا الجنس، وأعتبره أفضل ما يمثل السينما وفرجتها، بل أعتبره الممثل الأصيل للسينما بمعناها الموضوعي والفاعل والصادق. لقد سمح لي اشتغالي في الأندية السينمائية أولًا، ثم ارتباطي بالكتابة عنها، وتدريسي لمادة الفيلم الوثائقي في الجامعة لسنوات، بالانتصار للفيلم الوثائقي. ومن بين ما اقترحته مع أصدقاء في نادي الركاب بفاس بداية تسعينات القرن الماضي، ولم ننجح فيه، مشروع ملتقى للفيلم الوثائقي، وهو ما ترجمته بصيغة أخرى لاحقًا رفقة أصدقائي في جمعية القبس بالرشيدية في دورات خُصصت لمخرجي الفيلم الوثائقي.”
الشيء نفسه يقوله اتباتو عن المؤتمر الدولي “الفيلم الوثائقي: الجماليات والدلالة” الذي اقترحه ونسقه بكلية ورزازات، وصدرت أشغاله في مؤلف جماعي من تنسيقي بعنوان “جماليات السينما الوثائقية”.
ويقول عنه “هو كتاب يترجم حرقة انشغالي بالسينما، والفيلم الوثائقي خصوصًا، وأرصد فيه مسارات هذا الفيلم في السينما المغربية، وتراكمه، وأقرأ متنه كما تشكل منذ مرحلة المغربة إلى الآن، وأبحث في ما يعد منطلقات تجنيسية داخله، وما يعتبر خصائص أسلوبية وجمالية فيه.”
ويتابع أن “الكتاب محاولة لفهم وجه خلاق في السينما المغربية، ورصد لتصورات ورؤى نوعية في هذه السينما، وذلك لأن هذا الجنس أساسًا هو الذي توضحت فيه الإبداعات الخلاقة في السينما الوطنية، ورواده هم مثقفو السينما المغربية بالفعل، بل هم مناضلون سينمائيون بامتياز لأنهم تحملوا عبء الاشتغال من داخل جنس فيلمي مهمش ومنبوذ، ولم تكن له أية أولوية في السياسة السينمائية المغربية، وفي علاقات السينما وبنياتها، ولم يكن يدعم، ولم يكن يقبل في مسابقات دورات المهرجان الوطني للسينما، ولا يوزع في القاعات إلى حدود الآن، ويدعم الآن بشروط تنميطية أو تحقيرية.”
اتباتو يؤكد أن "الأمازيغية انتساب وهوية لي ككل المغاربة، وما يرتبط بها يعنيني، وهو تحية مني للمبدعين بالأمازيغية وحولها، وللناس في المناطق الأمازيغية التي عشت فيها"
ويشرح “لأني أهتم أكثر بالسينما المغربية، فقد وجدت في متنها الوثائقي ما يحفز على الكتابة والبحث، وأنجزت هذا الإصدار الذي برمجت خروجه سنة 2026 مع إصدار آخر حول السينما المغربية جاهز بدوره، وكان من المفروض أن يصدر قبل كتاب “دلالة السينما المغربية”، وهو في علاقة وطيدة معه، بل يؤسس بنظري لإصدار ‘دلالات السينما المغربية’، وعنوانه هو ‘أوجه المعنى في السينما المغربية: الجماليات المنسية وتعبيرية الانهيار”.
ويتابع “مسألة أخرى يعنيني أن أشير إليها، وتؤكد بدورها انشغالي الكبير بهذا الجنس، وهي كون أغلب مشاريع أبحاث الطلبة التي أشرف عليها هي في موضوعات الفيلم الوثائقي، لهذا أعتبر مؤلفي كما كتاباتي حول الوثائقي مصدرًا للمتعة الخاصة، وزاوية نظر إضافية أعكس من خلالها عشقي للسينما، وانشغالي بالبحث في السينما المغربية والكتابة عنها. وأجد في المراجع التي وفرتها بمكتبتي الخاصة، وفي ممارستي للقراءة المستمرة للمراجع النظرية القيمة، ومشاهدة الأفلام، وفي ممارستي داخل الأندية والجمعيات الثقافية، وفي ارتباطي بمجموعات ومختبرات بحث، وفي إنصاتي لتوجيهات أساتذتي أو في أسئلة وحوارات أصدقائي الطلبة، الأفكار التي يعنيني البحث فيها والكتابة عنها.”
ويستدرك “طبعًا لا أقول إن ما أشتغل عليه يأتي صدفة، بل يتأسس بناء على قناعاتي الثقافية والسياسية والاجتماعية أيضا. أنا حين أفكر في السينما، أفكر فيها باعتبارها علاقات اجتماعية وثقافية مكثفة لما هو سياسي، فأنا حين أكتب يكون ذلك لأجل ترجمة قناعتي، والتعبير عن موقفي من الموقع الذي يعنيني أن أعبر من داخله، وحين أقول موقعًا أعني ما ينشغل به من أطر نظرية ومرجعيات فكرية وتقديري الخاص لمدى احتياج الزمن الذي أنتسب إليه له.”
كما يوضح أن “اقتراح أفكار للكتابة والبحث هو مسؤولية من موقع الضرورة التاريخية التي تعنيني، والرغبة في ترجمة القناعة الشخصية من الموقع الثقافي أو المدني أو العمل الصحفي الذي كنت أشتغل فيه، أو البحث العلمي الذي أرتبط به، أو المهنة التي أتقاضى عنها أجرًا. لم تعنني يومًا أفكاري باعتبارها مربحة ماديًا، فما تضمنه لي على هذا المستوى هو تراكم الخسائر، لأني أنا من يوفر لها إمكانات الصدور في مؤلفات باستثناء كتاب “هوية السينما المغربية” الذي أصدره لي مشكورًا اتحاد كتاب المغرب في أول تجربة إرفاق مجلة ‘آفاق’ بإصدار كتاب لاسم ما.”
ويشير إلى أن “الكتب الجماعية التي أشرف على تنسيقها وإصدارها، خاصة التي أصدرتها بورزازات، تكلفني إمكانات مادية كبيرة، وحين لا أجد من يصدرها أتكفل بأداء ما يرتبط بها من ديون، وقد كلفني إصدار كتاب ‘السينما ومعاني التاريخ الاجتماعي’ مثلًا ما يقارب 35000 درهم، وهذا حديث آخر، فالأهم أنه خرج للناس، وجمع مداخلات ندوة دولية ساهم فيها باحثون كثيرون من المغرب وخارجه.”
ShareWhatsAppTwitterFacebook

عبدالرحيم الشافعي
ناقد سينمائي مغربي
حميد اتباتو: الكتابة عن السينما المغربية مقاومة ثقافية وتمرين دائم على التفكير.
الجمعة 2025/05/30
ShareWhatsAppTwitterFacebook

عرفت السينما باجتهاد ذاتي
يعنى الناقد السينمائي والأكاديمي المغربي حميد اتباتو بقضايا السينما المغربية وتطورها، انطلاقا من مواكبته الخاصة للحراك الفني في بلاده، وإسهاماته الفعالة في حركة النقد والعروض والتكوين العلمي، ويُعرف بمواقفه الجريئة وتحليلاته للواقع السينمائي والثقافي بالمغرب. وهو في أحدث إصداراته يستعرض "دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع".
الرباط - صدر حديثا للناقد السينمائي الدكتور حميد اتباتو كتاب “دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع” في 267 صفحة من الحجم الكبير، عن دار النشر نيت أمبريسيون بورزازات.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” حوار مع الأكاديمي اتباتو حول محتوى هذا الكتاب وظروف تأليفه، حيث يقول إن “الكتابة عن السينما المغربية والبحث فيها هما انشغال تولد لدي من الاهتمام بالإبداع الفني المغربي، كما علمني الانشغال بهذا المجال أحد الأساتذة الذين درسوني الفرنسية لثلاث سنوات في مرحلة التعليم الثانوي، وهو الأستاذ محمد الجاي الذي أكن له كل التقدير، وذلك بسبب اهتماماته الثقافية النوعية آنذاك والحالية أيضا، وما كان يقدمه من عروض وإشارات في الدرس حول المسرح المغربي والعالمي، والإبداع المغاربي المكتوب بالفرنسية، والموسيقى الغربية والمغربية، وحول بعض المجلات والجرائد التي كانت تصدر في المغرب وتنشر مقالات وأخبارًا حول الحقل الفني المغربي.”

ويوضح “هكذا بدأت أتابع ما يرتبط بالسينما والمسرح بالقراءة أساسًا، وحين حصلت على الباكالوريا سنة 1985، بدأت أتابع ما يعرض بفاس من أفلام بقاعات المدينة. لكن منذ السنة الأولى بالجامعة حاولت الحصول على منحة لدراسة السينما بالاتحاد السوفياتي، ثم بدولة أخرى من أوروبا الشرقية، خاصة بعد أن تمكن بعض أصدقائي من الحصول على منح للدراسة بهذه البلدان في مجالات أخرى، خاصة الطب والصيدلة. بلدتي لم تكن بها أية إمكانية لمشاهدة السينما والمسرح، وحين قدمت إلى فاس حاولت تعويض الحرمان الذي عشته، وتابعت ما كانت تقدمه الصالات من أفلام، ودربت نفسي على الالتزام بمتابعة ما يعنيني من كتابات وأفلام، وهكذا تداركت بعض ما فاتني. ولاحقًا بدأت علاقتي بعروض أندية سينمائية في فاس، لتصير فرجة الأندية لاحقًا وعملها وبرامجها من صميم ما أرتبط به سواء بفاس أو بالمدن التي عشت فيها.”
ويتذكر “كنت متحمسًا جدًا لدراسة السينما إلا أنني لم أحصل على المنحة بمجهودي الخاص، وكان أن خففت من غبن وحرقة عدم دراسة السينما بقراءة ما يكتب عنها، ومشاهدة الأفلام، ثم بإنجاز بحث حول السينما المغربية سنة 1990، وكان في موضوع السينما المغربية والبحث عن الهوية، وكان أول بحث في المجال بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة ظهر المهراز بفاس، تحت إشراف أستاذي الراحل محمد الكغاط، وعملت على نشر مجموعة من أبحاثه في بعض الصفحات السينمائية لبعض الجرائد الوطنية آنذاك، ليتوضح اختياري أكثر باعتباره اختيارًا للكتابة عن السينما والبحث فيها، وهو ما سأنضبط له إلى حدود الآن.”
ويوضح أنه “كان أيضًا لدروس أساتذتي في المسرح دور في تعميق ارتباطي بالمسرح والسينما، خاصة الأستاذ الكغاط الذي درسني وأشرف على بحثي لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في المسرح، وأستاذي الجليل الراحل حسن المنيعي الذي درسني المسرح وأشرف على رسالتي لنيل دبلوم الدراسات العليا، وأطروحتي لنيل الدكتوراه حول المسرح. بعد أن بدأت عالم البحث في الجامعة بموضوع السينما المغربية، غيرت بعد ذلك موضوعات أبحاثي نحو المسرح المغربي، إلا أني أبقيت على انشغالي بالسينما فرجة وثقافة وانشغالا بحثيًا من داخل ارتباطي بالأندية السينمائية ولقاءاتها وأنشطتها، وهنا تعمق ارتباطي بالفكر السينمائي أكثر، لتصير الكتابة عن السينما انشغالا مركزيًا لي على مستوى النقد والبحث، خاصة بعد أن ارتبطت بالعمل الصحفي، وبحضور لقاءات وندوات حول السينما.”
تجربة متراكمة

يعتبر اتباتو أن كتابه “دلالات السينما المغربية” غير معزول “عما أصدرته منذ 1999، خاصة كتاب ‘السينما المغربية: أسئلة الإبداع والهوية’، و’السينما الوطنية بالمغرب: أسئلة التأسيس والوعي الفني’، و’رهانات السينما المغربية: الفاعلية الإبداعية وتأصيل المتخيل’، و’هوية السينما المغربية: فتنة اللامرئي وقلق المغلوبين’. إضافة إلى هذا فالكتاب هو امتداد لمجموع الكتب الجماعية التي أشرفت على تنسيقها بصيغة ندوات ومؤتمرات وإصدارات. لهذا يشكل محاولة إضافية أخرى لإثراء ما اقترحته من أعمال تفكر في السينما المغربية باعتبارها علاقة ثقافية، بل علاقة تبدأ في المعرفي وتنتهي فيه. لهذا جعلت من رصد المواصفات الثقافية للسينما المغربية مدخلا لقراءة المتن الفيلمي الذي انشغلت بدراسته في العمل.”
ويكشف محدثنا أنه لو كان هناك “شيء استمتعت به حقًا في انشغالي بالكتابة عن السينما والبحث فيها، فهو مجموع التراكم الذي تحقق من داخل العمل الجماعي، سواء بصيغة أبحاث ودراسات لمؤتمرات وندوات نظمتها ونسقتها وصدرت أعمالها لاحقًا، أو من خلال أبحاث لطلبة أشرفت عليها أو رافقت أصحابها، سواء بالمغرب أو خارجه، لأنها تحقق ما لم يكن بإمكاني تحقيقه. لقد آمنت دومًا بما هو جماعي، وجعلت منه مصدرًا للمتعة والإفادة لي وللناس، خاصة الشباب والطلبة والباحثين الذين انتهت مجموعة منهم عالقة في عشق السينما ومرتبطة بها فكريًا وبحثيًا ونقديًا.”
ويقول اتباتو إن “العمل الجماعي شكل اختيارًا من داخل أندية السينما التي أسستها مع أصدقاء أو تحملت مسؤوليتها، حيث سمح لي هذا باقتراح ما يشغلني من أفكار ومشاريع، والسهر مع باقي الأصدقاء في مجموع هذه الإطارات على إنجاحها، وهذا النجاح تحقق فعلاً، وحقق معه متعة لي لا تضاهى، لأنه حقق ما اعتبرته دومًا حلمًا تعويضيًا لي، ومن عناصره الممارسة الثقافية، واهتمام السينما بالجغرافيا المنسية (أمكونة – تيغسالين – الرشيدية – إيموزار…)، وتقريب الفرجة السينمائية والعمل الثقافي من المتعلمين والشباب، سواء كانوا تلاميذ أو طلبة.”
ويضيف “هناك أيضا عملي مع طلبتي الذين قبلوا الاشتغال على موضوعات ذات علاقة بالسينما في أبحاثهم للماجستير أو الدكتوراه، أو ناقشوها، أو ستناقش مستقبلا بعد أن درستهم بمسالك متعددة، فهل هناك أمتع وأجمل من مثل هذا العمل مع جماعات من الفاعلين لاقتراح أفكار ومبادرات ولقاءات وإصدار أعمال تجمع عشاق السينما والمرتبطين بفكرها وإبداعها ليس من المغرب فقط بل من بلدان مختلفة، دون أن يكون ذلك باسم فرد محدد، بل باسم جماعات وجهات ومؤسسات؟ إنه شيء ممتع حقا أن تجد نفسك فاعلا بقدر ما، ومفيدًا حسب إمكانياتك مع جماعة تعمل للثقافة والسينما، ولأجل ما يرتبط بهما من متعة وإفادة.”
أفكر في السينما باعتبارها علاقات اجتماعية وثقافية مكثفة لما هو سياسي، وحين أكتب يكون ذلك لأجل ترجمة قناعتي
وفي قضية تركيزه على الفيلم الأمازيغي في كتابه القادم، يقول الكاتب “كتابي عن الفيلم الأمازيغي هو بعنوان ‘تمرحل الفيلم الأمازيغي: من تشكيل الانتساب الهوياتي إلى صناعة الخصوصية الإبداعية’، كان من المفترض أن يصدر السنة الماضية في وقت متقارب مع كتاب ‘دلالات السينما المغربية’، لكن بسبب مشاكل وخسائر حصلت في طبع المؤلف الأول، فضلت تأجيل الكتاب الثاني ليصدر قريبًا هذه السنة.”
ويشير إلى أن “الكتاب يندرج -كما كتب أخرى حول السينما المغربية تنتظر أن أوفر لها إمكانات مادية لنشرها بالنظر إلى أني أنشرها على حسابي الخاص وبإمكانياتي الخاصة لغايات ثقافية وفكرية محضة- في ما أعتبره مشروعًا شخصيًا خاصًا يُعنى بمساءلة السينما المغربية والبحث فيها من زوايا تتكامل على أمل فهم هذه السينما من حيث رؤاها وانشغالاتها وخصائصها الفكرية ومواصفاتها الجمالية وبنياتها الإبداعية وما تبقى. إنه محاولة لفهم ما نسميه إجرائيًا “الفيلم الأمازيغي”، وهي تسمية لتمييز متن في الفيلموغرافيا المغربية نعنى بدراسته، وهذا قلق انشغلت به لسنوات من خلال متابعة أفلام هذا المتن، ومحاورة رواده، والحضور في لقاءات ومهرجانات ولجان تحكيم تخصه.”
ويقول “كان لي الشرف أن صاحبت صديقًا باحثًا ومخرجًا غاليًا لي من تونس هو وسيم القربي في مشروع ريادي له في مجالي البحث والإبداع السينمائي حول السينما الأمازيغية المغاربية، تحققت منه أعمال مهمة من قبيل أطروحة دكتوراه ناقشها بتونس، وإصدار حول السينما الأمازيغية المغاربية صدر له عن منشورات نيت أمبريسيون بورزازات، ثم فيلمي “أوزل” و”تاوجودت”.
ويؤكد اتباتو أن “الأمازيغية انتساب وهوية لي ككل المغاربة، وما يرتبط بها يعنيني، وهو تحية مني للمبدعين بالأمازيغية وحولها، وللناس في المناطق الأمازيغية التي عشت فيها، بل هو صيغة لقول الانتساب إلى الهامش وإلى الأمازيغية، وهو ما يقوله الإهداء الذي كتبته في مقدمة الكتاب وجاء فيه: ‘إلى أبناء المطيمر بلدتي التي تحضن تربتها عطر أهلي وذاكرتهم تأكيدًا للمحبة وعمق الانتماء، إلى أحباب الجغرافيا الأمازيغية التي عشت فيها جزءًا من حياتي، وتقاسمت معهم الخبز والفرح، إلى ناس قلعة أمكونة، وتيغسالين، وورزازات وكل البقية كما في بهاء ذكراهم المتجددة’.”
ويشرح أن “مشاهدة الأفلام الأمازيغية التي تابعتها بصيغتها في الفيديو، والأفلام السينمائية، سمحت لي بالتقرب من عوالمها، وفهم آلياتها، ومتابعة مساراتها، وتدعم ذلك بملاقاتي لروادها، بمن فيهم الحسين بيزكارن والراحل محمد مرنيش والمعنيون بها ثقافة وفرجة، خاصة بعض الجهات التي تنظم بعض المهرجانات واللقاءات الفكرية حولها، أو إصدار مؤلفات تخصها كما الأمر مع جمعية البحث والتبادل الثقافي، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو نادي إيموزار في الدورات الأولى لمهرجان سينما الشعوب. لهذا يكون كتاب الفيلم الأمازيغي مساهمة في رصد خصائص الفيلم الأمازيغي، وصياغة لوجهة نظر خاصة بصدد وجه آخر للسينما المغربية، ورأي في تسمية هذا الفيلم، وفي مسارات تشكله، وفي مآزقه التاريخية، وقراءة في ما يعد مواصفات جمالية وإبداعية مميزة له، وأيضًا محاولة لصياغة مشروع إجابة عن قيمته الإبداعية، وثوابته وإبدالاته، وفهم أصحابه والمرتبطين به للانتساب الهوياتي، ولصناعة الخصوصية الإبداعية من داخل السينما المغربية.”
الوثائقي هو الأصل

ينوه الناقد الأكاديمي اتباتو بالفيلم الوثائقي قائلا “كتاب الفيلم الوثائقي هو حلم صاحبني منذ بدأ انشغالي بالسينما المغربية، لأني منحاز لهذا الجنس، وأعتبره أفضل ما يمثل السينما وفرجتها، بل أعتبره الممثل الأصيل للسينما بمعناها الموضوعي والفاعل والصادق. لقد سمح لي اشتغالي في الأندية السينمائية أولًا، ثم ارتباطي بالكتابة عنها، وتدريسي لمادة الفيلم الوثائقي في الجامعة لسنوات، بالانتصار للفيلم الوثائقي. ومن بين ما اقترحته مع أصدقاء في نادي الركاب بفاس بداية تسعينات القرن الماضي، ولم ننجح فيه، مشروع ملتقى للفيلم الوثائقي، وهو ما ترجمته بصيغة أخرى لاحقًا رفقة أصدقائي في جمعية القبس بالرشيدية في دورات خُصصت لمخرجي الفيلم الوثائقي.”
الشيء نفسه يقوله اتباتو عن المؤتمر الدولي “الفيلم الوثائقي: الجماليات والدلالة” الذي اقترحه ونسقه بكلية ورزازات، وصدرت أشغاله في مؤلف جماعي من تنسيقي بعنوان “جماليات السينما الوثائقية”.
ويقول عنه “هو كتاب يترجم حرقة انشغالي بالسينما، والفيلم الوثائقي خصوصًا، وأرصد فيه مسارات هذا الفيلم في السينما المغربية، وتراكمه، وأقرأ متنه كما تشكل منذ مرحلة المغربة إلى الآن، وأبحث في ما يعد منطلقات تجنيسية داخله، وما يعتبر خصائص أسلوبية وجمالية فيه.”
ويتابع أن “الكتاب محاولة لفهم وجه خلاق في السينما المغربية، ورصد لتصورات ورؤى نوعية في هذه السينما، وذلك لأن هذا الجنس أساسًا هو الذي توضحت فيه الإبداعات الخلاقة في السينما الوطنية، ورواده هم مثقفو السينما المغربية بالفعل، بل هم مناضلون سينمائيون بامتياز لأنهم تحملوا عبء الاشتغال من داخل جنس فيلمي مهمش ومنبوذ، ولم تكن له أية أولوية في السياسة السينمائية المغربية، وفي علاقات السينما وبنياتها، ولم يكن يدعم، ولم يكن يقبل في مسابقات دورات المهرجان الوطني للسينما، ولا يوزع في القاعات إلى حدود الآن، ويدعم الآن بشروط تنميطية أو تحقيرية.”
اتباتو يؤكد أن "الأمازيغية انتساب وهوية لي ككل المغاربة، وما يرتبط بها يعنيني، وهو تحية مني للمبدعين بالأمازيغية وحولها، وللناس في المناطق الأمازيغية التي عشت فيها"
ويشرح “لأني أهتم أكثر بالسينما المغربية، فقد وجدت في متنها الوثائقي ما يحفز على الكتابة والبحث، وأنجزت هذا الإصدار الذي برمجت خروجه سنة 2026 مع إصدار آخر حول السينما المغربية جاهز بدوره، وكان من المفروض أن يصدر قبل كتاب “دلالة السينما المغربية”، وهو في علاقة وطيدة معه، بل يؤسس بنظري لإصدار ‘دلالات السينما المغربية’، وعنوانه هو ‘أوجه المعنى في السينما المغربية: الجماليات المنسية وتعبيرية الانهيار”.
ويتابع “مسألة أخرى يعنيني أن أشير إليها، وتؤكد بدورها انشغالي الكبير بهذا الجنس، وهي كون أغلب مشاريع أبحاث الطلبة التي أشرف عليها هي في موضوعات الفيلم الوثائقي، لهذا أعتبر مؤلفي كما كتاباتي حول الوثائقي مصدرًا للمتعة الخاصة، وزاوية نظر إضافية أعكس من خلالها عشقي للسينما، وانشغالي بالبحث في السينما المغربية والكتابة عنها. وأجد في المراجع التي وفرتها بمكتبتي الخاصة، وفي ممارستي للقراءة المستمرة للمراجع النظرية القيمة، ومشاهدة الأفلام، وفي ممارستي داخل الأندية والجمعيات الثقافية، وفي ارتباطي بمجموعات ومختبرات بحث، وفي إنصاتي لتوجيهات أساتذتي أو في أسئلة وحوارات أصدقائي الطلبة، الأفكار التي يعنيني البحث فيها والكتابة عنها.”
ويستدرك “طبعًا لا أقول إن ما أشتغل عليه يأتي صدفة، بل يتأسس بناء على قناعاتي الثقافية والسياسية والاجتماعية أيضا. أنا حين أفكر في السينما، أفكر فيها باعتبارها علاقات اجتماعية وثقافية مكثفة لما هو سياسي، فأنا حين أكتب يكون ذلك لأجل ترجمة قناعتي، والتعبير عن موقفي من الموقع الذي يعنيني أن أعبر من داخله، وحين أقول موقعًا أعني ما ينشغل به من أطر نظرية ومرجعيات فكرية وتقديري الخاص لمدى احتياج الزمن الذي أنتسب إليه له.”
كما يوضح أن “اقتراح أفكار للكتابة والبحث هو مسؤولية من موقع الضرورة التاريخية التي تعنيني، والرغبة في ترجمة القناعة الشخصية من الموقع الثقافي أو المدني أو العمل الصحفي الذي كنت أشتغل فيه، أو البحث العلمي الذي أرتبط به، أو المهنة التي أتقاضى عنها أجرًا. لم تعنني يومًا أفكاري باعتبارها مربحة ماديًا، فما تضمنه لي على هذا المستوى هو تراكم الخسائر، لأني أنا من يوفر لها إمكانات الصدور في مؤلفات باستثناء كتاب “هوية السينما المغربية” الذي أصدره لي مشكورًا اتحاد كتاب المغرب في أول تجربة إرفاق مجلة ‘آفاق’ بإصدار كتاب لاسم ما.”
ويشير إلى أن “الكتب الجماعية التي أشرف على تنسيقها وإصدارها، خاصة التي أصدرتها بورزازات، تكلفني إمكانات مادية كبيرة، وحين لا أجد من يصدرها أتكفل بأداء ما يرتبط بها من ديون، وقد كلفني إصدار كتاب ‘السينما ومعاني التاريخ الاجتماعي’ مثلًا ما يقارب 35000 درهم، وهذا حديث آخر، فالأهم أنه خرج للناس، وجمع مداخلات ندوة دولية ساهم فيها باحثون كثيرون من المغرب وخارجه.”
ShareWhatsAppTwitterFacebook

عبدالرحيم الشافعي
ناقد سينمائي مغربي