دياز ليس مخرجاً فحسب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دياز ليس مخرجاً فحسب

    يسعدني أن أقدّم لكم الماستركلاس الذي ألقاه المخرج الفيليبيني #لاف_دياز قبل أسابيع قليلة في ملتقى "قمرة".

    دياز ليس مخرجاً فحسب، هو كاتب، شاعر، منفيّ جوّاني، حكواتي، حالم… ينسج أفلامه من مادّة الحياة الخام: العنف المستتر، الموت المجاني، الدين كأداة ذنب، والذاكرة كمسرح للنجاة. في كلّ لقطة طويلة، وكلّ حركة بطيئة، وكلّ صمت ممتد، هناك احتجاج ناعم، وتحرّر بطيء، لكن ثابت، من السينما كصناعة إلى السينما كفعل أخلاقي.

    "الزمن في أفلامي يخضع لمنطق ثقافي مختلف. الفيليبينيون، وربما شعوب جنوب شرق آسيا، لا تحكمهم فكرة الزمن الغربية. في الفيليبين، نعيش في حضن الطبيعة، لا نتحكّم بها. لدينا نحو عشرين إعصاراً كلّ سنة، لا أمطار فقط، بل أعاصير عاتية. حياتنا قائمة على الانتظار: أن يتوقّف المطر، أن ينحسر الفساد، أن ينتهي شيء ما. فضاؤنا دائماً على وشك الانهيار، ولذلك فإن تصوّرنا للزمن والمكان مختلف. في الغرب، هناك حركة مستمرة نحو البناء والتقدّم، أما نحن، فنصارع لننجو. وهناك شاعرية ما في هذا النضال المستمر من أجل النجاة.

    تسألني كيف أنجزتُ سلسلة من الأفلام الطويلة، الراديكالية، وكيف استطعتُ إنتاج أعمال تمتد لسبع، عشر، بل الى إحدى عشرة ساعة. السينما، كما أفهمها، هي عمل المنفى. هي حرفة المنعزل، التائه. تمشي في درب لا تعرف أين ينتهي. تكتب شعراً، تصنع أفلاماً قد تُتَّهم بأنها إباحية، تقع في الحبّ، تتحطّم، وتستيقظ على حزنٍ ثقيل. تلك هي الحياة.

    أشتغل على أفكار كبيرة، لكنني أعبّر عنها من خلال تفاصيل صغيرة. ذلك "الهراء" الذي يكشف كيف يعمل النظام حقّاً. ولهذا السبب أفلامي طويلة. لا أريد اختزال العالم، أود عرضه كاملاً، بكل ما فيه من تناقضات ومفارقات. كما في أدب تولستوي أو دوستويفسكي: لا يمكن ضغطهما في سطرين، لأن التجربة الإنسانية تحتاج إلى مساحة، إلى نَفَس طويل.

    السينما، بالنسبة لي، يجب أن تكون فضاءً نرى فيه الحياة، لا يجب أن نخدعها بالموسيقى أو بالحيل البصرية. ينبغي أن نمنحها مساحة.

    أحاول، بطريقتي الخاصة، أن أنزع عن العين سطوتها كأداة تفرض الإيقاع والحركة في السينما. كأنه فعل تحرّر. ما أريده هو فضاء للنقاش، للحوار. أن نشاهد فقط ما يحدث، من دون أن نفرض عليه معنى جاهزاً. حتى الموسيقى لا أرغب في فرضها؛ هي، في أفضل أحوالها، مجرد صوت خافت يرافق الحديث البسيط عن الحياة.

    لا يشغلني ما تروّجه مدارس السينما من لقطات متوالية، 12 أو 15 أو 35 لقطة لمشهد واحد. طموحي مختلف: أن أُوحّد المكان والزمان في لقطة واحدة، كما تفعل الحياة نفسها. لأن هذا هو، ببساطة، ما يساعدني على الفهم. هذا التوجّه قريب من روح الأدب الروسي: تولستوي، دوستويفسكي، تشيخوف. الهدف ليس أن نرى ما يحدث فقط، بل أن نشعر به، أن نحيا داخله لحظة بلحظة".

يعمل...