يوم التقيتُ #جولييت_بينوش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يوم التقيتُ #جولييت_بينوش

    يوم التقيتُ #جولييت_بينوش

    في الصباح الباكر، التقيتُ جولييت بينوش. كنتُ أحمل في جيبي أكثر من عشرين سؤالاً. ولكن ما إن جلستُ قبالتها، حتى صار الزمن مطواعاً، يشبه رقصة خفيفة لا تعرف إلى أين تمضي. لم أطرح سوى القليل ممّا حضّرته، واللقاء، الذي لم يتعدَّ ثلاثاً وعشرين دقيقة، بدا كأنه شريط طويل من الاعترافات الهاربة. لم نتحادث، بالأحرى انجرفنا من فكرة إلى مشهد، من ابتسامة إلى ذكرى.

    جولييت بينوش، التي مشَت بثقة بين المجرات السينمائية، من غودار إلى كيارستمي، من كروننبرغ إلى هانيكه فتيشينه وكاراكس، كانت على الدوام ندّاً: تَمنَح وتُمنَح. لا تلعب أدوارها، تسكنها حتى تصير هي.

    هي اليوم تجاوزت الستين بعام واحد، وها انها رئيسة مهرجان كانّ (13-24 أيار) بعدما تولّت المهمّة نفسها في برلين قبل ستّ سنوات. لا تزال تسكن الحلم كأنها نينا، تلك الشابة في فيلم "موعد" التي تهرب إلى باريس بحثاً عن وهجها الخاص. الفرق الوحيد أن الوهج صار يسكنها هي.

    كلّ فيلم لها كأنه قارة. لا تتشابه رحلاتها ولا تتكرر. سألتها إن كانت قد خطّطت لهذا التنوع، لهذا التمدد في خرائط العالم واللغة والوجوه. "الحياة هي التي قدّمت لي هذا، ولكنّني كنت جاهزة للمجازفة. ذهبتُ إلى إيران فقط لألتقي عباس كيارستمي. لم أكن أدع المصادفة تطرق الباب وحدها، كنت أفتعلها. أؤمن بأن القدر مادة خام، علينا نحن أن نحفر فيها، أن نمنحها شكلاً".

    ذكّرتُها بأغنية شارل أزنافور حيث يقول "المصادفة تفتعل اللقاءات"، فابتسمت. "أنا أؤمن بأن الحياة تشبه منحوتة. الخوف يسجننا، ولكن الخيال يأتي ويفتح النافذة".

    في كلّ مرة تتحدّث فيها بينوش عن مخرجٍ اشتغلت وإياه، تشعر أنها تستعيد قطعةً من نفسها، كأنها تفتح درجاً صغيراً في قلبها وتستخرج منه ذكرى، ابتسامة، تعباً أو وهجاً لم ينطفئ بعد.

    سألتها عن الدور الذي يعود إليها أولاً عندما تنظر إلى الوراء.
    "أحاول أن أحبّها كلها بالتساوي، كي لا أخلق الغيرة في داخلي!". ثم تذكّرت تصويرها مع الإسبانية إيزابيل كوشيت فيلم "لا أحد يريد الليل". "لعبتُ دور امرأة عاشت العزلة والجوع والبرد. خرجتُ من التصوير وكأنني مستنزفة بالكامل، كنت على الحافة. هذا النوع من الأدوار يسكنني. هذا ما أبحث عنه".

    كلّ إجابة منها بدت لي كما لو أنها تكتب قصيدة، تضيء لا تشرح.

    سألتها إن كانت هناك شخصيات نبذتها، رفضت أن تراها ثانيةً، أو تركت بها مرارة لا تُمحى.

    فكّرت قليلاً قبل ان تجيب:
    "الممثّل لا يُدين الشخصية التي يُجسّدها. هذا ضد طبيعته. لا أحتاج أن أحبّ الشخصية، بل أن أفهمها. أن أعرف أين تربّت، ما الذي كسرها، من الذي لم يَحضنها. حين أفهم، لا أستطيع أن أكره. الفهم نقيض الرفض".



    #Cannes2025
يعمل...