مصر، في عامٍ بعيدٍ، عام 1921... قبل أكثر من قرن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصر، في عامٍ بعيدٍ، عام 1921... قبل أكثر من قرن

    يا لها من حكاية تُروى كما تُروى الأساطير، لا من فوق منصات الكبار، بل من قلوبٍ صغيرة سكنت مدينة الفيوم في مصر، في عامٍ بعيدٍ، عام 1921... قبل أكثر من قرن، حين كانت الدنيا لا تزال تتهجّى حروف الرحمة، قام خمسة أطفال لا يتجاوز أكبرهم التاسعة من عمره، بصناعة معجزة من نُبل.
    اجتمعوا لا ليلعبوا، بل ليؤسسوا جمعية خيرية أطلقوا عليها اسمًا يفيض دفئًا: "جمعية المساعي الخيرية للأطفال". كان حلمهم بسيطًا لكنه عميق: أن يمدوا أيديهم الصغيرة نحو أطفال الشوارع، أن يصنعوا فرحًا في بطون جائعة، وأن يزرعوا كرامةً في وجوه مُهملة.

    منير فهمي، ذو التسعة أعوام، ارتدى قبعة "الرئيس"،
    كامل نصيف أمسك صندوق التبرعات كأمين أمين،
    أنور نجيب عريان تولّى السكرتارية بقلمٍ أقصر من ذراعه،
    أما سليم بطرس وصبحي ميخائيل، فكانا عضوين يحرسان الحلم الصغير بكل شغف.

    كان الاشتراك الشهري في هذه الجمعية الطفولية "قرشان صاغ"، تُجمع في دفاتر مرتبة، وكأنها مؤسسة عريقة. ومع نهاية كل شهر، يُشترى اللحم، وتطبخ أمهاتهم الطعام، وتُعدّ الموائد للفقراء، لا على شرف، بل على حب.

    وإن فاض المال، لا يضيع... بل يتحوّل إلى قماشٍ تخيطه الأمهات بأيدٍ حانية ليصبح ثيابًا دافئة، وإلى صابونٍ وأمشاطٍ تحفظ نظافة الأطفال وكرامتهم. لم يسألوا عن دين ولا مذهب، كانوا فقط يعرفون طفولة تحتاج إلى رحمة.

    نعم، هذه القصة حقيقية... نُشرت في مجلة "اللّطائف المصوّرة" بتاريخ 28 فبراير 1921، وها هي تعود اليوم كنبضة منسية، تُذكّرنا أن الخير لا يحتاج إلى قوة... بل إلى قلب، ولو كان في صدر طفل.
يعمل...