تفسيرات التحليل النفسي للعب - اللعب في نظريات علم النفس .. سيكولوجية اللعب
تفسيرات التحليل النفسي للعب
نشأ التحليل النفسي على يد سيجموند فرويد في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بطريقة معالجة الأمراض النفسية والعقلية. أما استخدام اللعب في تطويع هذه الطريقة في العلاج بحيث تصلح الأطفال المضطربين نفسيًا، فلم يكن إلا أمرًا عرضيًا. ومع ذلك، فإن هذا السلوك يمكن أن يكون خطأً منطقيًا مرة أخرى، مما يؤدي إلى الاهتمام بأنواع السلوك التي كانت من قبل أفعال عادية أو قيمة. فليس هناك سلوك يمكن أن يعتبر بلا سبب. وكان هذا يعني بالنسبة للفرويد إن كل سلوك أو على الأقل معظم السلوك له دوافع. وليس معنى ذلك أن فرويد كان من الممكن أن يبحث عن الدعم الذي يجعل الإنسان يسقط عندما يقع ببقائه من الطوب. ولكن إذا كان هذا الإنسان يتعرض للكثير من مثل هذه الحوادث، فإن فرويد كان سيفحصه هو، بدلاً من أن يفحص طريقة بناء قوالب الطوب. فففوات اللسان ونسيان المرء لعيد زواجه، والأحلام، وحمل الأطفال، لا يتحدث بالصدفة بل تتحكم فيها بمشاعر الشخص وانفعالاته سواء كان على وعي بها أم لم يكن .
ولقد كان الفرع الذي تخصص فيه فرويد، من خلال تعليمه، هو أمراض عصبية (1) (186) فيما بعد درس على يد شاركو شاركو في باريس، وجانيه جانيت في نانسي، وكلاهما يستخدم التنويم المغناطيسي في علاج الهستريا. وكان يوحي للمرضى من خلال التنويم بأن أعراضهم المرضية ستختفي. وقد بدا هذا العلاج ملائما بوجه خاص لمعظم مرضى فرويد الذين لم تظهر لديهم أعراض .
تلف في الأعصاب نفسها . ولكن سرعان ما اكتشف فرويد أن هذا العلاج غير كافي فنادرا ما كانت حالات الشفاء تدوم، كما أنه أ يكن من المستطاع تنويم كل شخص. وهكذا جرب مع زميل له يدعى بروير Breuer أن يسأل المرضى حول أعراضهم وهم منومون، وأن يشجعهم على الحديث بحرية. واتضح أن هذا الحديث الطليق أو طريقة التفريغ» أو «التطهير» كثيرا ما كان يعقبها شعور المرضى بالراحة. وقد افترض فرويد أن عمل هذه الطريقة يتم عن طريق إطلاق الانفعالات المحبوسة 46. وفيما بعد تخلى فرويد عن التنويم المغناطيسي كلية، واكتفى بتشجيع المرضى على أن يقولوا كل ما يرد على ذهنهم. وفي النهاية وضع قاعدة واحدة للتحكم في كلامهم التلقائي، وهي انهم يجب أن يقولوا كل شيء كما يخطر ببالهم مهما كان تافها أو مؤلما أو محرجا (126) أ) كانت تلك هي طريقة التداعي الحر أو الطليق وهي الأداة الرئيسة في التحليل النفسي. وهي تفترض أن الأفكار والمشاعر التي تتأتى حينما يترك المتحدث العنان لذهنه تكون مرتبطة بوقائع ومشاعر ذات مغزى كانت قد نسيت أو كبتت) لأنها مؤلمة أو مخجلة بالنسبة إلى فكرة المريض عن نفسه، ومن ثم فهي لا تستطيع أن تخرج إلا في شكل مقنع، وبطريقة رمزية أو كذكريات عابرة. وكانت مهمة الطبيب هي أن يجعل المريض الذي لم يكن يدري عنها شيئا على وعي بدلالتها حتى يتمكن من مواجهة تلك المشاعر والصراعات التي لم يكن يعترف بها من قبل، ويستطيع إدماجها ببقية جوانب تجربته، وعندئذ تختفي الأعراض التي أدت إليها تلك النوازع غير المعترف بها، والتي لم يكن لها مخرج مشروع. وقد استخدم بعض أتباع فرويد اللعب الحر كبديل للتداعي اللفظي الحر في علاج الأطفال.
وقد بدأ لفرويد إن نجاح طريقته إكلينيكيا يبرر التفسيرات التي طورها وعدلها على مدى سنوات عديدة. وقد بدأ هذه التفسيرات بافتراض مؤداه أن ما يتحكم في السلوك الإنساني هو كمية اللذة أو الألم التي يؤدي إليها هذا السلوك. ونحن نسعى إلى الخبرات التي تجلب اللذة، بينما نتجنب الخبرات المؤلمة. وحينما لا يكون هناك كبح للسلوك الإنساني يتم عن طريق حقائق العالم أو مطالب الآخرين، يصبح هذا السلوك مدفوعا برغبات الفرد . ففي العب، كما في الأحلام (2) والخيال 123 لا تتدخل حقائق الواقع القاسية، ولهذا فإن ما يحددها ويحكمها هو الرغبات. وإذا كان الطفل يميز اللعب من الواقع، فإنه يستخدم أشياء ومواقف من العالم الواقعي ليخلق عالما خاصا به يستطيع فيه أن يكرر الخبرات السارة حسبما يريد ويستطيع أن ينظم الوقائع ويعدها على النحو الذي يسبب له أكبر قدر من المتعة. فالطفل مثلا يريد أن يكبر، وأن يفعل ما يفعله الكبار. ويكون هذا ممكنا في اللعب. والبنت الصغيرة تمارس على عرائسها تلك السلطة التي تحرم منها في عالم الواقع والطالب يرى نفسه بعين الخيال كأستاذ لامع يقدره العالم كله لاكتشافاته. وليس بين هذا وما ينشئه الخيال من إبداع إلا خطوة واحدة. فالفن ما هو إلا تنقية وتهذيب الأحلام اليقظة.
وقد استلفت نظر فرويد ذلك الارتباط المتكرر بين صراعات المرضى وقلقهم وبين الخبرات الجنسية في طفولتهم المبكرة، وبين أن معظم هذه الصراعات هي في الحقيقة تخيلات. وقد فسر ذلك بافتراض أن الدوافع الجنسية تبدأ قبل البلوغ بوقت طويل. ولما كان كثير من المرضى المحترمين يظهرون علامات حب غير مرغوب فيه تجاه المعالج، فقد فسر ذلك بأنه راجع إلى تحويل الرغبات الجنسية المحرمة المنسية، التي ظلت مثبتة على مستولى طفولي وعرقلت النمو السوي، إلى المعالج. وهكذا أستخدم لفظ الجنس بمعنى أوسع من المعنى الشائع، بحيث يشتمل على كل مظاهر السعي بحثا عن اللذة. وقد افترض وجود غريزة أساسية يطلق عليها ايروس أو لبيدو (Eros or Libido) وتعني بوجه عام النزوع إلى الحياة واعتبرها مصدرا لكل الدوافع، وهناك جزء منها يتم كبحه وتحويله وإعادة توجيهه بفعل ضرورة التوافق مع الواقع.
وقد سلم فرويد بوجود تسلسل مباشر بين رضاعة الطفل وعملية المص والتلمظ حينما لا يكون هناك جوع، وحالة الرضا الواضح عند الطفل نتيجة للاحساسات السارة مثل لمس جسمه، وبين النزعات الجنسية الصريحة عند البلوغ، ولم ينظر فرويد إلى الجنس عند الطفل على أنه مماثل للجنس عند الشخص البالغ. فالغريزة الجنسية تمر، قبل نضوجها، عبر عدد من المراحل التي تحددها فطريا شدة الحساسية في مناطق
خاصة من الجسم خلال الأعمار المختلفة. ففي السنة الأولى من الحياة تتركز أنشطة الطفل في الفم. فهو حتى حينما لا يكون جائعا يتلمض ويمارس المص والعض ويستكشف الأشياء بفمه. وتعقب هذه المرحلة الفمية مرحلة شرجية. فالطفل الذي يبلغ عمره العامين يستمتع بالتبول والتبرز وبما يرتبط بهما من أنشطة. وفي العام الثالث تسود الأحاسيس المتعلقة بالأعضاء التناسلية. ولا تستمر لذة الطفل بهذه الأحاسيس المستمدة من أعضائه التناسلية، مركزة كلية على ذاته، فمع نمو الوعي بالفروق بين الجنسين تصبح اللذة مرتبطة بالآخرين وعلى الأخص الوالد من الجنس المقابل، وهذه هي المرحلة الأوديبية الشهيرة التي يقال إن الطفل فيها يحب أمه ويرغب في امتلاكها وينظر لأبيه كمنافس يخافه ويكرهه، ومع ذلك يحبه أيضا .
ويفترض أن القلق الناشئ عن هذا الصراع يحل عن طريق حل وسط أو نوع من المصالحة. فإذا كان الطفل لا يتمكن من أن يحل محل أبيه فإنه يستطيع أن يتشبه به. وعلى ذلك يبدأ الطفل في أن يوحد بين نفسه وبين أبيه في أوامره ونواهيه ومعاييره وقيمه الاجتماعية ويجعلها خاصة به هو. هذا الإدماج الداخلي للقيم الاجتماعية، الذي تزداد قسوته بالغضب غير المعبر عنه، يميز بداية ما اصطلح على تسميته بالضمير». وتعزز هذه العملية أثناء مرحلة «الكمون» التالية التي تستمر حتى البلوغ. ويفترض أن هناك نموا مشابها بشكل ما يتتابع في حالة البنت التي تحل صراعها وتتجاوز حبها وكراهيتها لامها بالتوحد معها، وبهذا تصل إلى افتراض دورها الاجتماعي كفتاة وكامرأة وصورة النمو اللبيدي . (3) هي صوره تيار لا بد من أن يجد له منفذا، فقد يتم تصريفه لاشعوريا ، وقد يعاد توجيهه (إعلاؤه) . ولكن إذا سدت أمامه السبل، فانه يتسرب تحت الأرض، ويتخذ له مجرى مجهولا أو مكبوتا ، ويثور أو يفور في أماكن غير ملائمة، والتساهل الزائد عن الحد مثله كمثل الإحباط من حيث أنه يمكن أن ينتج عنه تثبيت اللبيدو على مرحلة من مراحل النمو. هو مدى استقرار ومرونة تكوينه البيولوجي الموروث من ناحية، وشدة الخبرات الصادمة وتكرارها في المراحل الحرجة من النمو من ناحية أخرى، والذي يحدد ما إذا كان الفرد سيتحمل المواقف العصيبة فيما بعد، أو سينهار فريسة للمرض النفسي، ولكن حتى أكثر الأطفال صحة لأكثر الأباء استنارة وثقافة لا بد له من أن يخبر الإحباطات والصراعات أثناء نموه من طفل له نزعاته الملحة غير المنتظمة إلى شخص راشد يستطيع أن يرجئ إشباعاته ويكيفها لما هو مقبول اجتماعيا. ولحل الصراعات قد يتم كبت المشاعر والرغبات المثيرة للاضطراب بحيث لا يصبح الطفل على وعي بها، أو قد يتم تحولها إلى نقيضها . فالطفل الذي أصبح تورطه في عدم ضبط الإخراج الشرجي أمرا مثيرا للفزع، قد يصبح نظيفا بشكل وسواسي وشديد التدقيق في الأمور. وكبديل لذلك فإن المشاعر المقلقة يمكن أن تسند إلى الآخرين أو حتى إلى الأشياء، وهناك قدر كبير من اللعب يفترض أنه يمثل إسقاطا من هذا النوع. ويمكن أن يتخيل الطفل أنه ليس هو نفسه، بل إن الدمى والرفقاء الوهميين والسحرة أو المنجمين الأشرار، هم الذين يسلكون بخبث ويقومون بشوي الأم الدمية على النار، ويقتلون كل من تقع عليه أنظارهم. إن الآخرين هم الخبثاء أو الذين يطلبون من المرء أن يفعل السوء. وهناك طريقة أخرى للتعامل مع الرغبات التي على شكل طفل في الماء، أو القذف بها عرض الحائط ينفث عن مشاعر غيره الأخ دون أن يؤذى فعلا الرضيع الجديد. وما لم يكن القلق عظيما إلى درجة تكف كل أنواع اللعب، فإن رغبات وصراعات كل مرحلة من مراحل النمو ستنعكس في لعب الطفل، سواء بشكل مباشر، أو بأنشطة بديلة ورمزية. فقد يرجع نفخ الفقاعات (في العلك أو اللبان إلى التسامح الزائد أو الإحباط الزائد في المرحلة الفمية. واللعب بالرمل والماء يمكن أن يكون بديلا مقبولا لبقايا البراز والبول. وقد يعبر الطفل عن مشاعره بشكل صريح في اللعب، مثل طفلة السنة الثانية من العمر، التي لوحظ إنها ترقص حول نفسها وهي تحمل يد مكنسة تضعها في المكان الصحيح من جسمها وهي تغني بسعادة لقد حصلت على حمامة (قضيب)، وذلك عقب أن تم شرح الفروق بين الجنسين لها . وعادة
ما تكون البدائل رمزية بشكل أكثر غموضا . وقد تثير الرغبة التناسلية المعطلة تساؤلات لا حد لها في المرحلة التناسلية. وسنجد في فترة التوحد أن الصبي يزعم أنه أبوه أو سائق الأتوبيس، بينما ستلعب الفتاة لعبة الأمومة. ويمكن أن يعاد توجيه النزعات غير المشبعة إلى مسالك مقبولة اجتماعيا .
وتبعا لما يراه فرويد فإن القوة الدافعة للبحث عن المعرفة ولإنتاج الفن والحضارة إنما تشتق من إعلاء الدفعات اللبيدوية.
أما نظرة فرويد المبكرة القائلة بأن الأحداث تعدل في اللعب حتى تتلاءم مع رغبات الطفل، فلم تعد تبدو له فيما بعد، أنها قادرة تماما على تفسير المدى الذي تتكرر به الخبرات غير السارة في اللعب. فالأطفال الذين يكرهون تعاطي الدواء كراهية كبيرة، يقومون بتجريعه لدماهم ولعبهم كما يقومون بإعادة إظهار حادث مفزع رأوه أو حريق شاهدوه في الرسوم التي يرسمونها . وقد رجع فرويد في صياغته الأخيرة لنظريته 126 إلى فرض للفسيولوجي الألماني فخنر Fechner الذي كان واحدا، من الأسماء اللامعة الرائدة في مدرسة علم النفس التي اهتمت بالمشكلات النفسية الجسمية Psycho Plysics والمشكلات الفيزيولوجية. فقد طبق فخنر في سنة 1873 المبدأ الذي اكتشف حديثا عن الاحتفاظ بالطاقة» على الكائنات العضوية الحية. فهذه الكائنات يجب عليها أن تحتفظ بظروفها الداخلية في حالة ثبات واتزان بقدر الإمكان حتى لا تفقد تكاملها مع الظروف الطبيعية المحيطة بها . وهذا هو مبدأ الهيموستازي (4) Homeostasis الذي تمسك به البيولوجيون بشكل أو بآخر .. . (36) ويفترض فخنر ان الوقائع التي تحدث في الكائن الحي تسبب اللذة بقدر ما تساهم في اتزان الكائن وتسبب الا إذا قلبت هذا الاتزان. وكنتيجة لهذا ، فإذا استثير الكائن العضوي بمثير خارجي، فيجب عليه أن يقوم بفعل يستعيد به الحالة السابقة. وكانت نظرة فرويد هي أن الكائنات تحاول أن تحتفظ بمستوى التوتر العصبي منخفضا بقدر الإمكان ذلك أن أي ارتفاع في الاستثارة يشعرها الألم، في حين أن أي انخفاض في الاستثارة يشعرها باللذة والاحداث المثيرة أي التوترات والصراعات المؤلمة تتكرر في الخيال أو في اللعب لأن التكرار يخفض الاستثارة التي تم تنبيهها . واللعب يمكن الطفل من السيطرة على الحدث، أو الموقف المثير للاضطراب عن طريق السعي النشط إلى اتمامه بدلا من الوقوف أزاء موقف المشاهد السلبي عديم الحيلة. ويظل اعتبار اللعب وسيلة للسيطرة على الاحداث المثيرة للاضطراب والقلق، تفسيرا يتفق مع السعي إلى اللذة وتجنب الألم، حيث إن التكرار يسبب انخفاض الاضطراب غير السار. وقد اسند فرويد في تأملاته النهائية إلى دافع تكرار مكانة تتساوى مع الدوافع اللبيدية (الجنسية). وتبعا لهذا فان دافع التكرار، ومن ثم اللعب هو جزء من النزعة إلى الاحتفاظ بحالة الكائن السابقة الأكثر اتزانا . وليس هناك أي حالة يمكن أن تكون في مثل درجة اتزان وسكون الموت. ولهذا فإن فرويد قد افترض هنا بالإضافة إلى غريزة الحياة غريزة أخرى تدفع الكائن نحو الموت والتدمير، والقليلون جدا حتى من بين اتباع فرويد نفسه هم الذين يقبلون هذه التأملات الأخيرة، وهذا التناقض المتمثل في قولنا بأن هدف الحياة هو الموت (5) ، أو أن اللعب هو مظهر للتكرار الإجباري أو التكرار القهري . - Compulsive Repetition . ولكن نظرته في أن اللعب يرجع إلى دافع للسيطرة على الأحداث تلقى قبولا بين الكثيرين.
ولقد عفى الزمن على التفسيرات التي تبنى على أساس نوع ما من الطاقة ليست هي نفس الطاقة المستخدمة في الفيزياء (وهذا ما سيناقش في القسم التالي). والواقع أن نظرية التحليل النفسي لم تكن أبدا ضمن التيار الرئيسي لعلم النفس الأكاديمي. والسبب الأكثر اقناعا في هذا هو صعوبة اختبار فروض فرويد بطريقة تجريبية . فقد تعامل فرويد أساسا مع حالات التورط الأخلاقي للفرد الإنساني، وهذه حالة يصعب إعادة خلقها في المختبر والتحليل النفسي لا يستطيع أن يوفر لنا مثل هذه الاختبارات، فهو أساسا منهج للتشخيص الاكلينيكي أكثر ارتباطا بالاجراءات الكشفية منه بالمناهج التجريبية التي تعمل في صورتها المثالية على تحديد الشروط التي يحدث بمقتضاها سلوك معين، وتختبر ذلك بتغيير هذه الظروف بطريقة منظمة والتداعي الحر لا يتضمن المراجعة الكافية لتحيز المعالج في التفسير، أو إذعان المريض لهذا التفسير. ومع ذلك فإن فرويد قد أثر تأثيرا عظيما في التفكير السيكولوجي. وربما يرجع تأثيره في علم نفس الطفل إلى أن وصفه للنمو الإنفعالي والاجتماعي للطفل قد وفر اطارا متماسكا لعدد من الحقائق المعزولة، في وقت لم يكن هناك سوى القليل من التفسيرات المتماسكة لهذه الحقائق أو لم يكن لها تفسيرا بالمرة. وقد أدى تأكيده على آثار الخبرات المبكرة في الطفولة، وعلى تأثير الانماط المتنوعة من نظم التغذية والفطام والتدريب على عمليات الإخراج والسلوك الاجتماعي، إلى قيام عدد من الاستقصاءات قام بها باحثون لم يكونوا أصلا ممن يسلمون بنظرياته.
وقد أدت تفسيرات فرويد للتخيل واللعب باعتبارهما اسقاطا للرغبات ولإعادة تمثيل الصراعات والأحداث المؤلمة للسيطرة عليها إلى نشوء وسائل لتقدير وقياس الشخصية على أساس الافتراض بأن اللعب والخيال يكشفان الشيء الكثير عن الحياة الداخلية للفرد ودوافعه. وقد استخدم اللعب التخيلي أو الايهامى مع الدمى وتأليف القصص عن الصور أو بقع الحبر ووسائل اسقاطية أخرى . استخدمت كلها للتشخيص الاكلينيكي وفي البحث العلمي (262) فصلا 15 و 17 (6) . ولكنها انتقدت أيضا بعنف شديد .
أما التأثير المباشر لوجهات نظر فرويد عن اللعب فقد كانت في الأشكال المتنوعة من طرق علاج الأطفال المضطربين، وهي مشتقة من التحليل النفسي ذاته. ومعظمها يستخدم اللعب التلقائي : حيث يكون بعضه كبديل للتداعي اللفظي الحر عند الكبار، وبعضه الآخر كنوع من التفريغ أو التطهير، أو كوسيلة مساعدة على التواصل مع الأطفال، أو ببساطة لكي يمكن ملاحظاتهم . وسيناقش العلاج باللعب في فصل تال. وحتى وقت قريب كان معظم البحوث المنشورة يهتم اهتماما كليا تقريبا باستخدام اللعب كوسيلة للبحث في الشخصية وفي تشخيص وعلاج للأطفال المضطربين نفسيا .
تفسيرات التحليل النفسي للعب
نشأ التحليل النفسي على يد سيجموند فرويد في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بطريقة معالجة الأمراض النفسية والعقلية. أما استخدام اللعب في تطويع هذه الطريقة في العلاج بحيث تصلح الأطفال المضطربين نفسيًا، فلم يكن إلا أمرًا عرضيًا. ومع ذلك، فإن هذا السلوك يمكن أن يكون خطأً منطقيًا مرة أخرى، مما يؤدي إلى الاهتمام بأنواع السلوك التي كانت من قبل أفعال عادية أو قيمة. فليس هناك سلوك يمكن أن يعتبر بلا سبب. وكان هذا يعني بالنسبة للفرويد إن كل سلوك أو على الأقل معظم السلوك له دوافع. وليس معنى ذلك أن فرويد كان من الممكن أن يبحث عن الدعم الذي يجعل الإنسان يسقط عندما يقع ببقائه من الطوب. ولكن إذا كان هذا الإنسان يتعرض للكثير من مثل هذه الحوادث، فإن فرويد كان سيفحصه هو، بدلاً من أن يفحص طريقة بناء قوالب الطوب. فففوات اللسان ونسيان المرء لعيد زواجه، والأحلام، وحمل الأطفال، لا يتحدث بالصدفة بل تتحكم فيها بمشاعر الشخص وانفعالاته سواء كان على وعي بها أم لم يكن .
ولقد كان الفرع الذي تخصص فيه فرويد، من خلال تعليمه، هو أمراض عصبية (1) (186) فيما بعد درس على يد شاركو شاركو في باريس، وجانيه جانيت في نانسي، وكلاهما يستخدم التنويم المغناطيسي في علاج الهستريا. وكان يوحي للمرضى من خلال التنويم بأن أعراضهم المرضية ستختفي. وقد بدا هذا العلاج ملائما بوجه خاص لمعظم مرضى فرويد الذين لم تظهر لديهم أعراض .
تلف في الأعصاب نفسها . ولكن سرعان ما اكتشف فرويد أن هذا العلاج غير كافي فنادرا ما كانت حالات الشفاء تدوم، كما أنه أ يكن من المستطاع تنويم كل شخص. وهكذا جرب مع زميل له يدعى بروير Breuer أن يسأل المرضى حول أعراضهم وهم منومون، وأن يشجعهم على الحديث بحرية. واتضح أن هذا الحديث الطليق أو طريقة التفريغ» أو «التطهير» كثيرا ما كان يعقبها شعور المرضى بالراحة. وقد افترض فرويد أن عمل هذه الطريقة يتم عن طريق إطلاق الانفعالات المحبوسة 46. وفيما بعد تخلى فرويد عن التنويم المغناطيسي كلية، واكتفى بتشجيع المرضى على أن يقولوا كل ما يرد على ذهنهم. وفي النهاية وضع قاعدة واحدة للتحكم في كلامهم التلقائي، وهي انهم يجب أن يقولوا كل شيء كما يخطر ببالهم مهما كان تافها أو مؤلما أو محرجا (126) أ) كانت تلك هي طريقة التداعي الحر أو الطليق وهي الأداة الرئيسة في التحليل النفسي. وهي تفترض أن الأفكار والمشاعر التي تتأتى حينما يترك المتحدث العنان لذهنه تكون مرتبطة بوقائع ومشاعر ذات مغزى كانت قد نسيت أو كبتت) لأنها مؤلمة أو مخجلة بالنسبة إلى فكرة المريض عن نفسه، ومن ثم فهي لا تستطيع أن تخرج إلا في شكل مقنع، وبطريقة رمزية أو كذكريات عابرة. وكانت مهمة الطبيب هي أن يجعل المريض الذي لم يكن يدري عنها شيئا على وعي بدلالتها حتى يتمكن من مواجهة تلك المشاعر والصراعات التي لم يكن يعترف بها من قبل، ويستطيع إدماجها ببقية جوانب تجربته، وعندئذ تختفي الأعراض التي أدت إليها تلك النوازع غير المعترف بها، والتي لم يكن لها مخرج مشروع. وقد استخدم بعض أتباع فرويد اللعب الحر كبديل للتداعي اللفظي الحر في علاج الأطفال.
وقد بدأ لفرويد إن نجاح طريقته إكلينيكيا يبرر التفسيرات التي طورها وعدلها على مدى سنوات عديدة. وقد بدأ هذه التفسيرات بافتراض مؤداه أن ما يتحكم في السلوك الإنساني هو كمية اللذة أو الألم التي يؤدي إليها هذا السلوك. ونحن نسعى إلى الخبرات التي تجلب اللذة، بينما نتجنب الخبرات المؤلمة. وحينما لا يكون هناك كبح للسلوك الإنساني يتم عن طريق حقائق العالم أو مطالب الآخرين، يصبح هذا السلوك مدفوعا برغبات الفرد . ففي العب، كما في الأحلام (2) والخيال 123 لا تتدخل حقائق الواقع القاسية، ولهذا فإن ما يحددها ويحكمها هو الرغبات. وإذا كان الطفل يميز اللعب من الواقع، فإنه يستخدم أشياء ومواقف من العالم الواقعي ليخلق عالما خاصا به يستطيع فيه أن يكرر الخبرات السارة حسبما يريد ويستطيع أن ينظم الوقائع ويعدها على النحو الذي يسبب له أكبر قدر من المتعة. فالطفل مثلا يريد أن يكبر، وأن يفعل ما يفعله الكبار. ويكون هذا ممكنا في اللعب. والبنت الصغيرة تمارس على عرائسها تلك السلطة التي تحرم منها في عالم الواقع والطالب يرى نفسه بعين الخيال كأستاذ لامع يقدره العالم كله لاكتشافاته. وليس بين هذا وما ينشئه الخيال من إبداع إلا خطوة واحدة. فالفن ما هو إلا تنقية وتهذيب الأحلام اليقظة.
وقد استلفت نظر فرويد ذلك الارتباط المتكرر بين صراعات المرضى وقلقهم وبين الخبرات الجنسية في طفولتهم المبكرة، وبين أن معظم هذه الصراعات هي في الحقيقة تخيلات. وقد فسر ذلك بافتراض أن الدوافع الجنسية تبدأ قبل البلوغ بوقت طويل. ولما كان كثير من المرضى المحترمين يظهرون علامات حب غير مرغوب فيه تجاه المعالج، فقد فسر ذلك بأنه راجع إلى تحويل الرغبات الجنسية المحرمة المنسية، التي ظلت مثبتة على مستولى طفولي وعرقلت النمو السوي، إلى المعالج. وهكذا أستخدم لفظ الجنس بمعنى أوسع من المعنى الشائع، بحيث يشتمل على كل مظاهر السعي بحثا عن اللذة. وقد افترض وجود غريزة أساسية يطلق عليها ايروس أو لبيدو (Eros or Libido) وتعني بوجه عام النزوع إلى الحياة واعتبرها مصدرا لكل الدوافع، وهناك جزء منها يتم كبحه وتحويله وإعادة توجيهه بفعل ضرورة التوافق مع الواقع.
وقد سلم فرويد بوجود تسلسل مباشر بين رضاعة الطفل وعملية المص والتلمظ حينما لا يكون هناك جوع، وحالة الرضا الواضح عند الطفل نتيجة للاحساسات السارة مثل لمس جسمه، وبين النزعات الجنسية الصريحة عند البلوغ، ولم ينظر فرويد إلى الجنس عند الطفل على أنه مماثل للجنس عند الشخص البالغ. فالغريزة الجنسية تمر، قبل نضوجها، عبر عدد من المراحل التي تحددها فطريا شدة الحساسية في مناطق
خاصة من الجسم خلال الأعمار المختلفة. ففي السنة الأولى من الحياة تتركز أنشطة الطفل في الفم. فهو حتى حينما لا يكون جائعا يتلمض ويمارس المص والعض ويستكشف الأشياء بفمه. وتعقب هذه المرحلة الفمية مرحلة شرجية. فالطفل الذي يبلغ عمره العامين يستمتع بالتبول والتبرز وبما يرتبط بهما من أنشطة. وفي العام الثالث تسود الأحاسيس المتعلقة بالأعضاء التناسلية. ولا تستمر لذة الطفل بهذه الأحاسيس المستمدة من أعضائه التناسلية، مركزة كلية على ذاته، فمع نمو الوعي بالفروق بين الجنسين تصبح اللذة مرتبطة بالآخرين وعلى الأخص الوالد من الجنس المقابل، وهذه هي المرحلة الأوديبية الشهيرة التي يقال إن الطفل فيها يحب أمه ويرغب في امتلاكها وينظر لأبيه كمنافس يخافه ويكرهه، ومع ذلك يحبه أيضا .
ويفترض أن القلق الناشئ عن هذا الصراع يحل عن طريق حل وسط أو نوع من المصالحة. فإذا كان الطفل لا يتمكن من أن يحل محل أبيه فإنه يستطيع أن يتشبه به. وعلى ذلك يبدأ الطفل في أن يوحد بين نفسه وبين أبيه في أوامره ونواهيه ومعاييره وقيمه الاجتماعية ويجعلها خاصة به هو. هذا الإدماج الداخلي للقيم الاجتماعية، الذي تزداد قسوته بالغضب غير المعبر عنه، يميز بداية ما اصطلح على تسميته بالضمير». وتعزز هذه العملية أثناء مرحلة «الكمون» التالية التي تستمر حتى البلوغ. ويفترض أن هناك نموا مشابها بشكل ما يتتابع في حالة البنت التي تحل صراعها وتتجاوز حبها وكراهيتها لامها بالتوحد معها، وبهذا تصل إلى افتراض دورها الاجتماعي كفتاة وكامرأة وصورة النمو اللبيدي . (3) هي صوره تيار لا بد من أن يجد له منفذا، فقد يتم تصريفه لاشعوريا ، وقد يعاد توجيهه (إعلاؤه) . ولكن إذا سدت أمامه السبل، فانه يتسرب تحت الأرض، ويتخذ له مجرى مجهولا أو مكبوتا ، ويثور أو يفور في أماكن غير ملائمة، والتساهل الزائد عن الحد مثله كمثل الإحباط من حيث أنه يمكن أن ينتج عنه تثبيت اللبيدو على مرحلة من مراحل النمو. هو مدى استقرار ومرونة تكوينه البيولوجي الموروث من ناحية، وشدة الخبرات الصادمة وتكرارها في المراحل الحرجة من النمو من ناحية أخرى، والذي يحدد ما إذا كان الفرد سيتحمل المواقف العصيبة فيما بعد، أو سينهار فريسة للمرض النفسي، ولكن حتى أكثر الأطفال صحة لأكثر الأباء استنارة وثقافة لا بد له من أن يخبر الإحباطات والصراعات أثناء نموه من طفل له نزعاته الملحة غير المنتظمة إلى شخص راشد يستطيع أن يرجئ إشباعاته ويكيفها لما هو مقبول اجتماعيا. ولحل الصراعات قد يتم كبت المشاعر والرغبات المثيرة للاضطراب بحيث لا يصبح الطفل على وعي بها، أو قد يتم تحولها إلى نقيضها . فالطفل الذي أصبح تورطه في عدم ضبط الإخراج الشرجي أمرا مثيرا للفزع، قد يصبح نظيفا بشكل وسواسي وشديد التدقيق في الأمور. وكبديل لذلك فإن المشاعر المقلقة يمكن أن تسند إلى الآخرين أو حتى إلى الأشياء، وهناك قدر كبير من اللعب يفترض أنه يمثل إسقاطا من هذا النوع. ويمكن أن يتخيل الطفل أنه ليس هو نفسه، بل إن الدمى والرفقاء الوهميين والسحرة أو المنجمين الأشرار، هم الذين يسلكون بخبث ويقومون بشوي الأم الدمية على النار، ويقتلون كل من تقع عليه أنظارهم. إن الآخرين هم الخبثاء أو الذين يطلبون من المرء أن يفعل السوء. وهناك طريقة أخرى للتعامل مع الرغبات التي على شكل طفل في الماء، أو القذف بها عرض الحائط ينفث عن مشاعر غيره الأخ دون أن يؤذى فعلا الرضيع الجديد. وما لم يكن القلق عظيما إلى درجة تكف كل أنواع اللعب، فإن رغبات وصراعات كل مرحلة من مراحل النمو ستنعكس في لعب الطفل، سواء بشكل مباشر، أو بأنشطة بديلة ورمزية. فقد يرجع نفخ الفقاعات (في العلك أو اللبان إلى التسامح الزائد أو الإحباط الزائد في المرحلة الفمية. واللعب بالرمل والماء يمكن أن يكون بديلا مقبولا لبقايا البراز والبول. وقد يعبر الطفل عن مشاعره بشكل صريح في اللعب، مثل طفلة السنة الثانية من العمر، التي لوحظ إنها ترقص حول نفسها وهي تحمل يد مكنسة تضعها في المكان الصحيح من جسمها وهي تغني بسعادة لقد حصلت على حمامة (قضيب)، وذلك عقب أن تم شرح الفروق بين الجنسين لها . وعادة
ما تكون البدائل رمزية بشكل أكثر غموضا . وقد تثير الرغبة التناسلية المعطلة تساؤلات لا حد لها في المرحلة التناسلية. وسنجد في فترة التوحد أن الصبي يزعم أنه أبوه أو سائق الأتوبيس، بينما ستلعب الفتاة لعبة الأمومة. ويمكن أن يعاد توجيه النزعات غير المشبعة إلى مسالك مقبولة اجتماعيا .
وتبعا لما يراه فرويد فإن القوة الدافعة للبحث عن المعرفة ولإنتاج الفن والحضارة إنما تشتق من إعلاء الدفعات اللبيدوية.
أما نظرة فرويد المبكرة القائلة بأن الأحداث تعدل في اللعب حتى تتلاءم مع رغبات الطفل، فلم تعد تبدو له فيما بعد، أنها قادرة تماما على تفسير المدى الذي تتكرر به الخبرات غير السارة في اللعب. فالأطفال الذين يكرهون تعاطي الدواء كراهية كبيرة، يقومون بتجريعه لدماهم ولعبهم كما يقومون بإعادة إظهار حادث مفزع رأوه أو حريق شاهدوه في الرسوم التي يرسمونها . وقد رجع فرويد في صياغته الأخيرة لنظريته 126 إلى فرض للفسيولوجي الألماني فخنر Fechner الذي كان واحدا، من الأسماء اللامعة الرائدة في مدرسة علم النفس التي اهتمت بالمشكلات النفسية الجسمية Psycho Plysics والمشكلات الفيزيولوجية. فقد طبق فخنر في سنة 1873 المبدأ الذي اكتشف حديثا عن الاحتفاظ بالطاقة» على الكائنات العضوية الحية. فهذه الكائنات يجب عليها أن تحتفظ بظروفها الداخلية في حالة ثبات واتزان بقدر الإمكان حتى لا تفقد تكاملها مع الظروف الطبيعية المحيطة بها . وهذا هو مبدأ الهيموستازي (4) Homeostasis الذي تمسك به البيولوجيون بشكل أو بآخر .. . (36) ويفترض فخنر ان الوقائع التي تحدث في الكائن الحي تسبب اللذة بقدر ما تساهم في اتزان الكائن وتسبب الا إذا قلبت هذا الاتزان. وكنتيجة لهذا ، فإذا استثير الكائن العضوي بمثير خارجي، فيجب عليه أن يقوم بفعل يستعيد به الحالة السابقة. وكانت نظرة فرويد هي أن الكائنات تحاول أن تحتفظ بمستوى التوتر العصبي منخفضا بقدر الإمكان ذلك أن أي ارتفاع في الاستثارة يشعرها الألم، في حين أن أي انخفاض في الاستثارة يشعرها باللذة والاحداث المثيرة أي التوترات والصراعات المؤلمة تتكرر في الخيال أو في اللعب لأن التكرار يخفض الاستثارة التي تم تنبيهها . واللعب يمكن الطفل من السيطرة على الحدث، أو الموقف المثير للاضطراب عن طريق السعي النشط إلى اتمامه بدلا من الوقوف أزاء موقف المشاهد السلبي عديم الحيلة. ويظل اعتبار اللعب وسيلة للسيطرة على الاحداث المثيرة للاضطراب والقلق، تفسيرا يتفق مع السعي إلى اللذة وتجنب الألم، حيث إن التكرار يسبب انخفاض الاضطراب غير السار. وقد اسند فرويد في تأملاته النهائية إلى دافع تكرار مكانة تتساوى مع الدوافع اللبيدية (الجنسية). وتبعا لهذا فان دافع التكرار، ومن ثم اللعب هو جزء من النزعة إلى الاحتفاظ بحالة الكائن السابقة الأكثر اتزانا . وليس هناك أي حالة يمكن أن تكون في مثل درجة اتزان وسكون الموت. ولهذا فإن فرويد قد افترض هنا بالإضافة إلى غريزة الحياة غريزة أخرى تدفع الكائن نحو الموت والتدمير، والقليلون جدا حتى من بين اتباع فرويد نفسه هم الذين يقبلون هذه التأملات الأخيرة، وهذا التناقض المتمثل في قولنا بأن هدف الحياة هو الموت (5) ، أو أن اللعب هو مظهر للتكرار الإجباري أو التكرار القهري . - Compulsive Repetition . ولكن نظرته في أن اللعب يرجع إلى دافع للسيطرة على الأحداث تلقى قبولا بين الكثيرين.
ولقد عفى الزمن على التفسيرات التي تبنى على أساس نوع ما من الطاقة ليست هي نفس الطاقة المستخدمة في الفيزياء (وهذا ما سيناقش في القسم التالي). والواقع أن نظرية التحليل النفسي لم تكن أبدا ضمن التيار الرئيسي لعلم النفس الأكاديمي. والسبب الأكثر اقناعا في هذا هو صعوبة اختبار فروض فرويد بطريقة تجريبية . فقد تعامل فرويد أساسا مع حالات التورط الأخلاقي للفرد الإنساني، وهذه حالة يصعب إعادة خلقها في المختبر والتحليل النفسي لا يستطيع أن يوفر لنا مثل هذه الاختبارات، فهو أساسا منهج للتشخيص الاكلينيكي أكثر ارتباطا بالاجراءات الكشفية منه بالمناهج التجريبية التي تعمل في صورتها المثالية على تحديد الشروط التي يحدث بمقتضاها سلوك معين، وتختبر ذلك بتغيير هذه الظروف بطريقة منظمة والتداعي الحر لا يتضمن المراجعة الكافية لتحيز المعالج في التفسير، أو إذعان المريض لهذا التفسير. ومع ذلك فإن فرويد قد أثر تأثيرا عظيما في التفكير السيكولوجي. وربما يرجع تأثيره في علم نفس الطفل إلى أن وصفه للنمو الإنفعالي والاجتماعي للطفل قد وفر اطارا متماسكا لعدد من الحقائق المعزولة، في وقت لم يكن هناك سوى القليل من التفسيرات المتماسكة لهذه الحقائق أو لم يكن لها تفسيرا بالمرة. وقد أدى تأكيده على آثار الخبرات المبكرة في الطفولة، وعلى تأثير الانماط المتنوعة من نظم التغذية والفطام والتدريب على عمليات الإخراج والسلوك الاجتماعي، إلى قيام عدد من الاستقصاءات قام بها باحثون لم يكونوا أصلا ممن يسلمون بنظرياته.
وقد أدت تفسيرات فرويد للتخيل واللعب باعتبارهما اسقاطا للرغبات ولإعادة تمثيل الصراعات والأحداث المؤلمة للسيطرة عليها إلى نشوء وسائل لتقدير وقياس الشخصية على أساس الافتراض بأن اللعب والخيال يكشفان الشيء الكثير عن الحياة الداخلية للفرد ودوافعه. وقد استخدم اللعب التخيلي أو الايهامى مع الدمى وتأليف القصص عن الصور أو بقع الحبر ووسائل اسقاطية أخرى . استخدمت كلها للتشخيص الاكلينيكي وفي البحث العلمي (262) فصلا 15 و 17 (6) . ولكنها انتقدت أيضا بعنف شديد .
أما التأثير المباشر لوجهات نظر فرويد عن اللعب فقد كانت في الأشكال المتنوعة من طرق علاج الأطفال المضطربين، وهي مشتقة من التحليل النفسي ذاته. ومعظمها يستخدم اللعب التلقائي : حيث يكون بعضه كبديل للتداعي اللفظي الحر عند الكبار، وبعضه الآخر كنوع من التفريغ أو التطهير، أو كوسيلة مساعدة على التواصل مع الأطفال، أو ببساطة لكي يمكن ملاحظاتهم . وسيناقش العلاج باللعب في فصل تال. وحتى وقت قريب كان معظم البحوث المنشورة يهتم اهتماما كليا تقريبا باستخدام اللعب كوسيلة للبحث في الشخصية وفي تشخيص وعلاج للأطفال المضطربين نفسيا .
تعليق