هجرة الصاوي لـ"العرب": رواياتي جزء مني وأبطالها أصدقائي
أديبة مصرية تعتبر نظرة المجتمع للكتابة للطفل تتوقف على تحضره.
الجمعة 2025/05/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook

ثقافة الطفل لا تستهدف الربح المادي
يواجه الطفل العربي اليوم الكثير من العوامل التي تهدد هويته، وهذا ما دعا الكثير من الفاعلين الثقافيين العرب إلى محاولة التصدي لهذه الظاهرة من خلال إنتاج محتوى بديل، والاهتمام أكثر بثقافة الطفل باعتباره عنصرا محوريا في صناعة المستقبل، لكن ذلك مازال منقوصا. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتبة المصرية هجرة الصاوي التي لها رؤاها في ما يتعلق بثقافة الطفل.
القاهرة - علاقة خاصة، وغريبة، تربط الكاتب دومًا بقصصه ورواياته، يسمع أبطالها يحدثونه، يناقشونه، يتشاجرون معه أو يشكرونه، وقد يطيّرون النوم من عينه، حتى تستوي أخيرًا ملامح الحكاية، فتخرج بصورتها النهائية إلى القارئ. ويظن بعض القراء أحيانًا أن الكاتب يبالغ عندما يصرّح بهذا، لكنهم عندما يصدقون ما يقرؤونه، ويتوحدون معه، يدركون أن صدق الحكاية لم ينبع إلا من هذه العلاقة الخاصة بين الكاتب وأبطال قصصه.
الأديبة المصرية هجرة الصاوي، وصلت روايتها “ثعلب الديجيتال” للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب، فرع روايات اليافعين، بعد رحلة طويلة مع الكتابة في مجال الكتابة للأطفال واليافعين، ونالت جوائز عدة على مدى سنين. تكشف الصاوي لـ”العرب” أن فكرة الرواية راودتها منذ شهور، وظل بطلها تيمور يشاغبها، يتراءى في خيالها لتحاوره في مشاكله التي يرجوها أن تطرحها في الرواية، حتى اكتملت صورته، وتجسد عالمه، فخرج على الورق، وكانت الرواية.
البطل يشاغب الكاتب
تتحدث رواية “ثعلب الديجيتال” عن حياة بطلها تيمور، الفتى الذي يعيش في قرية نائية بعيدًا عن المدينة، يقارنه والده دائمًا بأخيه الراحل العاقل المحب للقراءة، بينما يعشق هو ألعاب الهاتف. تتعارض هوايات البطل وتطلعاته مع أبيه، الذي يرعى متحفه التراثي الذي يجمع فيه آثار القرية وكنوزها. ويحاول تيمور الفكاك من بيئته ومجتمعه والخروج منه ناكرًا لهويته. يلمس والده ذلك ويحزن، فيحاول جذبه بشتى الطرق حتى يفقد ثقته بولده. وتتوالى الأحداث ليدخل تيمور في مغامرة يكتشف فيها حبه لأسرته وقيمه وارتباطه بهويته وقريته.
◙ فكرة الرواية راودت كاتبتها منذ شهور وظل بطلها تيمور يشاغبها يتراءى في خيالها لتحاوره في مشاكله التي يرجوها أن تطرحها في الرواية
وسبقت كتابة “ثعلب الديجيتال” فترة بحث واستقصاء قامت بهما الكاتبة حول العادات العربية ومظاهر الثقافة والتراث المادي واللامادي، حتى خرجت في صورة أرضتها، وبعد نشرها مع دار شان للنشر والتوزيع شاركت بها في مسابقة الشيخ زايد للكتاب، وتوقعت صعودها للقائمة الطويلة، وكانت المفاجأة بوصولها كذلك إلى القائمة القصيرة، ما أسعدها بالغ السعادة.
وتقول هجرة الصاوي لـ”العرب” إنها كتبت الرواية بحب وتعب، حاسمة بأن “كل رواية أكتبها هي جزء مني وأبطالها أصدقائي.” نالت الكاتبة جائزة منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” عن أفضل قصة حوارية عن التنمر المدرسي عام 2024، وجائزة مكتب التربية لدول الخليج العربي في أدب الطفل عام 2020، وجائزة اتحاد الكُتاب المصري في أدب الطفل عن رواية “همسات ليلى” في نفس العام. وكانت بداية طريقها مع الجوائز الأدبية عام 2000 بحصولها على جائزة سوزان مبارك في أدب الطفل عن رواية “مذكرات طفل مصري”.
اعتبرت الأديبة المصرية أن الجوائز الأدبية تُربّت على كتف الكاتب وتشجعه لمواصلة الطريق، تشد على يديه، تحفزه على الكتابة وتدعمه ماديًا وأدبيًا، ووجود جائزة أو أكثر في مسيرة الكاتب شيء يفرحه هو أولًا ويشرّف بلده، كما يساعد على توزيع العمل الأدبي ويشجع دور النشر على الاستمرار.
وترفض الصاوي التعليق على الجدل الذي يدور أحيانًا حول بعض الأعمال الفائزة في أيّ مسابقة، فهي ترى أن اختيار الفائز شأن يخص لجنة التحكيم وهيئة الجائزة التي تتخذ قرارها وفق معايير واعتبارات خاصة بها، وطالما ارتأوا أن يمنحوا الجائزة لعمل ما أو دولة ما فهنيئًا للفائز بها، وقد ذهبت لصاحب النصيب، والواجب علينا تهنئته كزملاء بروح طيبة.
عملت الكاتبة رئيسًا لتحرير مجلة “عالم بذرة” المتخصصة في التوعية البيئية للطفل، الصادرة عن وزارة البيئة، بين عامي 2007 و2010، ومدير تحرير سلسلة “كتاب قطر الندى” الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، منذ فبراير2020 إلى ديسمبر 2023.
جذبت الكتابة للطفل الأديبة المصرية منذ بداية رحلتها أكثر من الكتابة للكبار، لما بها من براءة وطفولة، وتلك الرسالة النبيلة التي تختبئ بين طيَّات العمل وتصل إلى وجدان الطفل وتنغمس في ضميره كالبذرة التي تنبت بستانًا. شدتها تلك القصة التي تُسعد وتُمتع وتُسلّي وتُربّي، وتجمع الطفل مع أمه وأبيه وإخوته، فتربطهم بخيط حنون غير مرئي يظل عالقًا في الذاكرة.
تنظر هجرة الصاوي إلى الكتابة الجيدة للطفل باعتبار أنها من أصعب أنواع الكتابة، لكونها موجهة إلى كائن دائم التطور، ملول، لا يجامل. وعلى الكاتب أن يملك اهتمامه ويجذبه في وقت تتنافس فيه على جذبه وسائل التكنولوجيا الحديثة. وبينما يُصنف البعض الكتابة للطفل في درجة أقل مما تستحق في مجال الأدب، رأت أن “نظرة المجتمع إلى الكتابة للطفل تتوقف على مدى تحضره وفهمه لأهميتها.”
وتؤكد الأديبة المصرية أنها تلمس تطور نظرة المجتمع لأدب الطفل في العالم العربي الآن في اهتمام وزارات الثقافة في الدول العربية بكتاب الطفل، وحرصها على أن يكون في معارض الكتاب أجنحة خاصة للطفل، ومسابقات القراءة والكتابة التي تُخصص لها جوائز كبيرة، ومسابقات أدب الطفل التي تنظمها الجهات الحكومية أو المؤسسات المدنية، قائلة “كاتب أدب الأطفال مقدر من الدولة والمجتمع.”
ولأجل التوازن الدقيق في ما يُقدم للطفل من قيم، تحدد الصاوي الملامح الواجبة لقصص وروايات الأطفال واليافعين بأنها لا بد أن تعالج المشاكل التي يعيشونها في المجتمع، وأن تمنحهم الأمل في الحياة في الوقت نفسه، بأن تجعل البطل هو من ينقذ نفسه ويغير من صفاته السلبية، بل ويغير مجتمعه للأفضل، فالبطل يخطئ ولكن لا يسقط.
◙ هناك اليوم تيار جارف يجذب الطفل العربي إلى ثقافة غربية وأفكار غريبة يمكن مواجهتها لكن ينقصنا القرار
وتضيف “بعدما ينتهي الطفل أو اليافع من قراءة القصة أو الرواية يتذكر دومًا أنه إنسان، فهي تذكي فيه الجانب الطيب، تدعم داخله الحب والسلام والتعاون والأخوة، تجذبه إلى معاني الخير والجمال التي فيها استمرار للبشرية.”
ولا حصر للموضوعات التي يمكن مناقشتها في أدب الطفل، في رأي الكاتبة، والمهم هو كيف نناقشها ونقدمها بحسب المرحلة السِنِيّة الموجه لها الكتاب، وفقًا للخصائص العمرية والقوالب الأدبية التي تناسب كل مرحلة. وقد تنوعت الموضوعات الآن عن ذي قبل وزادت بتطور واتساع أفق الخيال والعلم والتكنولوجيا مع اتساع العالم الذي نعيش فيه، وأصبح كل شيء ممكنًا وقريبًا.
وتعتبر هجرة الصاوي أن الأطفال في “الجيل ألفا” أي المولودين بعد 2010 أكثر ذكاءً وسرعة في التعامل مع التكنولوجيا الرقمية، فهو جيل مرتبط بالمنصات الاجتماعية، وهناك صعوبة في جذبه للكتاب الورقي، إذ ربما يفضل هذا الجيل القراءة في الكتب الرقمية والسمعية أكثر، لذلك علينا جذبه بشتى الوسائل والذهاب إليه في أماكن تواجده على الفضاء الرقمي، بالإضافة إلى تطوير الكتاب الورقي ودعمه بالعناصر الجاذبة من رسوم وألعاب وتقنيات حديثة.
وتضرب الأمثلة بكتابها “زائر من السيرك” الذي يعد أول كتاب سحري، تتحرك فيه الرسوم بتقنية خداع النظر، أو بمناقشة موضوعات الخيال العلمي الشيقة كما في روايتها “جزيرة اللاعودة” عن دار المستقبل للنشر الإلكتروني التي نفدت نسخها عدة مرات في معرض الكتاب، أو رواية “ثعلب الديجيتال” التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.
تيار جارف
يظل الكتاب الورقي هو الأساس، وما زال الطفل حتى الآن يقرؤه، كما تقول، إذ يمنحه في السن الصغيرة تحديدًا شعورًا بالخصوصية، فهو كتابه، يتذكر فرحته بلحظة حصوله عليه عندما اشتراه من مكتبة أو أهدته إليه أمه، يتذكر كلماته ويتوق لقلب صفحاته، يغرق في رسوماته ويحفظ قصته، يشارك أبويه في حكيه أو قراءته، يختزن فيه السعادة، يتعلق به، يحلم بأحداثه ويكوِّن منه معارفه الأولى، يعيره لصديقه وربما يحتفظ به طوال العمر ويقرؤه مع أبنائه.
وعندما يكبر الطفل ويتنقل في المراحل الدراسية فإنه ينجذب للكتاب الرقمي أكثر، حرصًا على مدخراته، فليس كل كتاب ورقي يجذبه سيشتريه، لذلك فإنه يشترك في تطبيقات الكتب أو يبحث عن نسخة رقمية للكتاب، لكن مَن يهوى الكتب الورقية سيذهب إلى مكتبة المدرسة ومكتبة الحي والمكتبات العامة. ولا شك أن تنويع مصادر الكتب يشجع الطفل على البحث عن الكتاب أيًّا كان شكله، كما تقول الكاتبة.
وتشير إلى أن قنوات وبرامج الأطفال موجودة في الفضائيات العربية، وقد نشأنا عليها، لكنها كانت ولا تزال قليلة. نحتاج أكثر. ونحتاج إلى محتوى جاذب ومدروس علميًا وتربويًا، كي يعزز الهوية والثقافة العربية في وجدان أطفالنا.
وتضيف هجرة الصاوي لـ”العرب” أن هناك تيارًا جارفًا يجذب الطفل العربي إلى ثقافة غربية وأفكار غريبة، نحن قادرون على مواجهتها بإنتاج قوي، ولدينا في البلاد العربية كل الكوادر المؤهلة لذلك، ولكن ينقصنا القرار من صانعي القرار. ومن المفترض أن ثقافة الطفل لا تستهدف الربح المادي. الربح الحقيقي منها هو تنشئة أجيال تحمي مستقبل بلادنا العربية وهويتها.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

محمد شعير
كاتب مصري
أديبة مصرية تعتبر نظرة المجتمع للكتابة للطفل تتوقف على تحضره.
الجمعة 2025/05/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook

ثقافة الطفل لا تستهدف الربح المادي
يواجه الطفل العربي اليوم الكثير من العوامل التي تهدد هويته، وهذا ما دعا الكثير من الفاعلين الثقافيين العرب إلى محاولة التصدي لهذه الظاهرة من خلال إنتاج محتوى بديل، والاهتمام أكثر بثقافة الطفل باعتباره عنصرا محوريا في صناعة المستقبل، لكن ذلك مازال منقوصا. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتبة المصرية هجرة الصاوي التي لها رؤاها في ما يتعلق بثقافة الطفل.
القاهرة - علاقة خاصة، وغريبة، تربط الكاتب دومًا بقصصه ورواياته، يسمع أبطالها يحدثونه، يناقشونه، يتشاجرون معه أو يشكرونه، وقد يطيّرون النوم من عينه، حتى تستوي أخيرًا ملامح الحكاية، فتخرج بصورتها النهائية إلى القارئ. ويظن بعض القراء أحيانًا أن الكاتب يبالغ عندما يصرّح بهذا، لكنهم عندما يصدقون ما يقرؤونه، ويتوحدون معه، يدركون أن صدق الحكاية لم ينبع إلا من هذه العلاقة الخاصة بين الكاتب وأبطال قصصه.
الأديبة المصرية هجرة الصاوي، وصلت روايتها “ثعلب الديجيتال” للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب، فرع روايات اليافعين، بعد رحلة طويلة مع الكتابة في مجال الكتابة للأطفال واليافعين، ونالت جوائز عدة على مدى سنين. تكشف الصاوي لـ”العرب” أن فكرة الرواية راودتها منذ شهور، وظل بطلها تيمور يشاغبها، يتراءى في خيالها لتحاوره في مشاكله التي يرجوها أن تطرحها في الرواية، حتى اكتملت صورته، وتجسد عالمه، فخرج على الورق، وكانت الرواية.
البطل يشاغب الكاتب
تتحدث رواية “ثعلب الديجيتال” عن حياة بطلها تيمور، الفتى الذي يعيش في قرية نائية بعيدًا عن المدينة، يقارنه والده دائمًا بأخيه الراحل العاقل المحب للقراءة، بينما يعشق هو ألعاب الهاتف. تتعارض هوايات البطل وتطلعاته مع أبيه، الذي يرعى متحفه التراثي الذي يجمع فيه آثار القرية وكنوزها. ويحاول تيمور الفكاك من بيئته ومجتمعه والخروج منه ناكرًا لهويته. يلمس والده ذلك ويحزن، فيحاول جذبه بشتى الطرق حتى يفقد ثقته بولده. وتتوالى الأحداث ليدخل تيمور في مغامرة يكتشف فيها حبه لأسرته وقيمه وارتباطه بهويته وقريته.

وسبقت كتابة “ثعلب الديجيتال” فترة بحث واستقصاء قامت بهما الكاتبة حول العادات العربية ومظاهر الثقافة والتراث المادي واللامادي، حتى خرجت في صورة أرضتها، وبعد نشرها مع دار شان للنشر والتوزيع شاركت بها في مسابقة الشيخ زايد للكتاب، وتوقعت صعودها للقائمة الطويلة، وكانت المفاجأة بوصولها كذلك إلى القائمة القصيرة، ما أسعدها بالغ السعادة.
وتقول هجرة الصاوي لـ”العرب” إنها كتبت الرواية بحب وتعب، حاسمة بأن “كل رواية أكتبها هي جزء مني وأبطالها أصدقائي.” نالت الكاتبة جائزة منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” عن أفضل قصة حوارية عن التنمر المدرسي عام 2024، وجائزة مكتب التربية لدول الخليج العربي في أدب الطفل عام 2020، وجائزة اتحاد الكُتاب المصري في أدب الطفل عن رواية “همسات ليلى” في نفس العام. وكانت بداية طريقها مع الجوائز الأدبية عام 2000 بحصولها على جائزة سوزان مبارك في أدب الطفل عن رواية “مذكرات طفل مصري”.
اعتبرت الأديبة المصرية أن الجوائز الأدبية تُربّت على كتف الكاتب وتشجعه لمواصلة الطريق، تشد على يديه، تحفزه على الكتابة وتدعمه ماديًا وأدبيًا، ووجود جائزة أو أكثر في مسيرة الكاتب شيء يفرحه هو أولًا ويشرّف بلده، كما يساعد على توزيع العمل الأدبي ويشجع دور النشر على الاستمرار.
وترفض الصاوي التعليق على الجدل الذي يدور أحيانًا حول بعض الأعمال الفائزة في أيّ مسابقة، فهي ترى أن اختيار الفائز شأن يخص لجنة التحكيم وهيئة الجائزة التي تتخذ قرارها وفق معايير واعتبارات خاصة بها، وطالما ارتأوا أن يمنحوا الجائزة لعمل ما أو دولة ما فهنيئًا للفائز بها، وقد ذهبت لصاحب النصيب، والواجب علينا تهنئته كزملاء بروح طيبة.
عملت الكاتبة رئيسًا لتحرير مجلة “عالم بذرة” المتخصصة في التوعية البيئية للطفل، الصادرة عن وزارة البيئة، بين عامي 2007 و2010، ومدير تحرير سلسلة “كتاب قطر الندى” الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، منذ فبراير2020 إلى ديسمبر 2023.
جذبت الكتابة للطفل الأديبة المصرية منذ بداية رحلتها أكثر من الكتابة للكبار، لما بها من براءة وطفولة، وتلك الرسالة النبيلة التي تختبئ بين طيَّات العمل وتصل إلى وجدان الطفل وتنغمس في ضميره كالبذرة التي تنبت بستانًا. شدتها تلك القصة التي تُسعد وتُمتع وتُسلّي وتُربّي، وتجمع الطفل مع أمه وأبيه وإخوته، فتربطهم بخيط حنون غير مرئي يظل عالقًا في الذاكرة.
تنظر هجرة الصاوي إلى الكتابة الجيدة للطفل باعتبار أنها من أصعب أنواع الكتابة، لكونها موجهة إلى كائن دائم التطور، ملول، لا يجامل. وعلى الكاتب أن يملك اهتمامه ويجذبه في وقت تتنافس فيه على جذبه وسائل التكنولوجيا الحديثة. وبينما يُصنف البعض الكتابة للطفل في درجة أقل مما تستحق في مجال الأدب، رأت أن “نظرة المجتمع إلى الكتابة للطفل تتوقف على مدى تحضره وفهمه لأهميتها.”
وتؤكد الأديبة المصرية أنها تلمس تطور نظرة المجتمع لأدب الطفل في العالم العربي الآن في اهتمام وزارات الثقافة في الدول العربية بكتاب الطفل، وحرصها على أن يكون في معارض الكتاب أجنحة خاصة للطفل، ومسابقات القراءة والكتابة التي تُخصص لها جوائز كبيرة، ومسابقات أدب الطفل التي تنظمها الجهات الحكومية أو المؤسسات المدنية، قائلة “كاتب أدب الأطفال مقدر من الدولة والمجتمع.”
ولأجل التوازن الدقيق في ما يُقدم للطفل من قيم، تحدد الصاوي الملامح الواجبة لقصص وروايات الأطفال واليافعين بأنها لا بد أن تعالج المشاكل التي يعيشونها في المجتمع، وأن تمنحهم الأمل في الحياة في الوقت نفسه، بأن تجعل البطل هو من ينقذ نفسه ويغير من صفاته السلبية، بل ويغير مجتمعه للأفضل، فالبطل يخطئ ولكن لا يسقط.
◙ هناك اليوم تيار جارف يجذب الطفل العربي إلى ثقافة غربية وأفكار غريبة يمكن مواجهتها لكن ينقصنا القرار
وتضيف “بعدما ينتهي الطفل أو اليافع من قراءة القصة أو الرواية يتذكر دومًا أنه إنسان، فهي تذكي فيه الجانب الطيب، تدعم داخله الحب والسلام والتعاون والأخوة، تجذبه إلى معاني الخير والجمال التي فيها استمرار للبشرية.”
ولا حصر للموضوعات التي يمكن مناقشتها في أدب الطفل، في رأي الكاتبة، والمهم هو كيف نناقشها ونقدمها بحسب المرحلة السِنِيّة الموجه لها الكتاب، وفقًا للخصائص العمرية والقوالب الأدبية التي تناسب كل مرحلة. وقد تنوعت الموضوعات الآن عن ذي قبل وزادت بتطور واتساع أفق الخيال والعلم والتكنولوجيا مع اتساع العالم الذي نعيش فيه، وأصبح كل شيء ممكنًا وقريبًا.
وتعتبر هجرة الصاوي أن الأطفال في “الجيل ألفا” أي المولودين بعد 2010 أكثر ذكاءً وسرعة في التعامل مع التكنولوجيا الرقمية، فهو جيل مرتبط بالمنصات الاجتماعية، وهناك صعوبة في جذبه للكتاب الورقي، إذ ربما يفضل هذا الجيل القراءة في الكتب الرقمية والسمعية أكثر، لذلك علينا جذبه بشتى الوسائل والذهاب إليه في أماكن تواجده على الفضاء الرقمي، بالإضافة إلى تطوير الكتاب الورقي ودعمه بالعناصر الجاذبة من رسوم وألعاب وتقنيات حديثة.
وتضرب الأمثلة بكتابها “زائر من السيرك” الذي يعد أول كتاب سحري، تتحرك فيه الرسوم بتقنية خداع النظر، أو بمناقشة موضوعات الخيال العلمي الشيقة كما في روايتها “جزيرة اللاعودة” عن دار المستقبل للنشر الإلكتروني التي نفدت نسخها عدة مرات في معرض الكتاب، أو رواية “ثعلب الديجيتال” التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.
تيار جارف
يظل الكتاب الورقي هو الأساس، وما زال الطفل حتى الآن يقرؤه، كما تقول، إذ يمنحه في السن الصغيرة تحديدًا شعورًا بالخصوصية، فهو كتابه، يتذكر فرحته بلحظة حصوله عليه عندما اشتراه من مكتبة أو أهدته إليه أمه، يتذكر كلماته ويتوق لقلب صفحاته، يغرق في رسوماته ويحفظ قصته، يشارك أبويه في حكيه أو قراءته، يختزن فيه السعادة، يتعلق به، يحلم بأحداثه ويكوِّن منه معارفه الأولى، يعيره لصديقه وربما يحتفظ به طوال العمر ويقرؤه مع أبنائه.
وعندما يكبر الطفل ويتنقل في المراحل الدراسية فإنه ينجذب للكتاب الرقمي أكثر، حرصًا على مدخراته، فليس كل كتاب ورقي يجذبه سيشتريه، لذلك فإنه يشترك في تطبيقات الكتب أو يبحث عن نسخة رقمية للكتاب، لكن مَن يهوى الكتب الورقية سيذهب إلى مكتبة المدرسة ومكتبة الحي والمكتبات العامة. ولا شك أن تنويع مصادر الكتب يشجع الطفل على البحث عن الكتاب أيًّا كان شكله، كما تقول الكاتبة.
وتشير إلى أن قنوات وبرامج الأطفال موجودة في الفضائيات العربية، وقد نشأنا عليها، لكنها كانت ولا تزال قليلة. نحتاج أكثر. ونحتاج إلى محتوى جاذب ومدروس علميًا وتربويًا، كي يعزز الهوية والثقافة العربية في وجدان أطفالنا.
وتضيف هجرة الصاوي لـ”العرب” أن هناك تيارًا جارفًا يجذب الطفل العربي إلى ثقافة غربية وأفكار غريبة، نحن قادرون على مواجهتها بإنتاج قوي، ولدينا في البلاد العربية كل الكوادر المؤهلة لذلك، ولكن ينقصنا القرار من صانعي القرار. ومن المفترض أن ثقافة الطفل لا تستهدف الربح المادي. الربح الحقيقي منها هو تنشئة أجيال تحمي مستقبل بلادنا العربية وهويتها.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

محمد شعير
كاتب مصري