ماركس الجديد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ماركس الجديد

    حتى ستينيات القرن العشرين، كان "ماركس الجديد"، أو "ماركس المكتشف حديثًا"، هو ماركس المخطوطات الباريسية. هذه الكتابات، كما أشار ماركس نفسه في رسالة إلى إنجلز في سنواتهما المتأخرة، كانت "خضراء"، على نقيض "رمادية" النظرية لاحقًا، ورمادية ثقافة المصنع الصناعية الرتيبة التي سعت النظرية إلى تفسيرها. كان الاطلاع على ماركس الشاب متعة في حد ذاته، إلى حدٍّ ما؛ أما قراءة رأس المال فكانت، في المقابل، ضربًا من الكد الذهني الشاق.

    وقد تصدّى ألتوسير لهذه المهمة الصارمة: قرأ رأس المال بجدية وألّف كتابًا بالغ الصرامة بعنوان قراءة رأس المال، مُصرًّا على أن علينا جميعًا أن نقرأ هذا العمل الجليل بجدية، في مجلداته المتعددة، ويفضل أن يكون ذلك في لغته الأصلية (ألتوسير وباليبار، 1970). أما ماركس المبكر، فكان ماركس قبل أن يكون ماركس: أشبه بمقدمة تهيّئ للفعل الرئيسي، لا بالفعل ذاته. لقد اعتُبر رأس المال تمثيلاً لنمط جديد من المعرفة، مبنيًّا على قطيعة معرفية هائلة. وهكذا، أصبحنا جميعًا "إبستمولوجيين"، منشغلين بمباحث المعرفة.

    لكن، دون أن نلحظ، كان هذا التحول خطوة للابتعاد عن الممارسة، لا التقدم نحوها. غير أن تلك كانت أيامًا حافلة بالجدية القصوى، بالأوهام الكبرى، وبمنجزات معرفية رصينة.

    ومع ذلك، كانت في هذه المهمة قيمة لا تُنكر. فكتابات ماركس الأولى تتيح لنا النفاذ إلى مختبره الفكري. بإمكاننا أن نرقب لحظة التفكير، وهي تجربة فكرية قد تكون مبهجة. غير أن ثمرة حياته المعرفية الكبرى كانت رأس المال، والهندسة الفكرية الدقيقة لهذا العمل تستحق قراءة متأنية صارمة. سواء أصاب أم أخطأ، فإن ماركس كان مقتنعًا بأن طريقة عرض هذا العمل أمر جوهري؛ وأن هناك أفضل طريقة لشرح الرأسمال، وقد ظن أنه وجدها. وكان مؤمنًا بأن "الرأسمال" هو الفئة المحورية، التي لا يُمكن النفاذ إليها إلا من خلال منطق "شكل السلعة".

    وما بدا مفارقة لافتة هو أن قلة – أو ربما لا أحد – من الماركسيين قرأ ماركس فعليًا، لأن قراءة ماركس كانت عسيرة. وقد شكّلت هذه المفارقة فصلًا من حكاية مصير الماركسية نفسها. إذ اختزل كل من إنجلز، وكاوتسكي (بابا الماركسية)، ومن بعده لينين، وأخيرًا ستالين، نظرية ماركس إلى سلسلة من البديهيات أو الشعارات الجاهزة عن فائض القيمة، والمادية التاريخية، ثم المادية الجدلية. وكان الماركسيون يكتفون بترديد هذه الشعارات يوميًا في هجائهم للرأسمالية. وهكذا، تحولت الماركسية إلى كاريكاتور لذاتها.

    عند هذه النقطة، أطلق ألتوسير صفّارة الإنذار. فمن بعده، لم يعد جائزًا للماركسيين أن يختصروا الطريق أو يلتفّوا على تراثهم النظري. لقد بات لزامًا عليهم أن يواجهوا ميراثهم النظري بصرامة. لم تعد بضع كليشيهات عن "الاغتراب" و"ضرورة الثورة" كافية على الإطلاق.

    - بيلهارتس، بيتر. "الإرث الماركسي"، ضمن: الدليل الدولي روتليدج للنظرية الاجتماعية والسياسية المعاصرة، تحرير: جيرارد ديلانتي وستيفن بي. تيرنر، روتليدج، 2011.
يعمل...