أين اختفى ربيع جابر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أين اختفى ربيع جابر

    ☆☆ أين اختفى ربيع جابر؟

    في عام 2012 حصل ربيع جابر على جائزة البوكر، وصعد المنصة لتسلم الجائزة أمام عدسات عشرات المصورين بملامح خجولة مضطربة لم تعتاد الأضواء، دمع على المسرح وهو يتسلم جائزته، وعندما طلبوا منه إلقاء كلمة قال 5 كلمات: "شكراً لكم جميعاً، بكلّ محبة" ثم انسحب مسرعًا،وغادر. ولعشر سنوات لم يظهر ثانية!

    كانت آخر رواية لربيع جابر هي "طيور الهوليداي إن" 2011. ولم ينتج أي انتاج أدبي آخر. لا لقاءات صحفية، ولا صفحة على فيسبوك، ولا مدونة، أو حتى صورة. اختفى ربيع جابر كفص ملح وذاب. ولم أقرأ عنه بعد ذلك سوى مقالة واحدة بعنوان: "ربيع جابر.. الكاتب الخجول الذي أربك البوكر".

    منذ ذلك الحين وأنا أتسائل أين ذهب ربيع جابر؟ أين ذهب صاحب "بيروت مدينة العالم"، و"أمريكا"، و"دروز بليغراد"؟ لماذا توقفت موهبة مثل تلك عن الكتابة؟

    لم يمت ربيع جابر كما ظننت. يقول حسين ياغي صاحب دار نشر التنوير أنه يقابله في بيروت من حين لآخر. يقول أنه يقرأ. ويقول أنه لم يرى إنسان يقرأ مثله. للدرجة التي كلما سأله فيها عن كتاب، عرف أنه قرأه.

    يقول صديقه الصحافي إبراهيم العريس، والذي عمل معه: "ربيع جابر متواضع وزاهد بالدنيا. لا يريد منها شيئاً. لا جوائز، ولا مقابلات، ولا حتى تحويل رواياته إلى أفلام ومسلسلات. إنه يحترف لعبة الظلّ، ولا يسوّق لنفسه أبداً، إلى درجة أنك قد تمضي بجانبه شهوراً في المكتب ذاته من دون أن تعرف أنه الروائي الشهير ربيع جابر.

    في محاولتي لإجابة سؤال "أين اختفى ربيع جابر"، وجدت نفسي أسأل سؤالًا آخر، هو "لماذا نكتب"؟

    وفور أن سألت هذا السؤال وجدت قصيدة تشارليز بوكوفيسكي عن الكتابة؛ "don’t do it" تتردد في ذهني:
    إذا كنت تفعلها للمال أو الشهرة.. فلا تفعلها.
    إذا كنت تفعلها لأنك تريد نساءً في فراشك.. فلا تفعلها.
    إذا كان عليك الجلوس هناك، وإعادة كتابتها مرة بعد أخرى.. فلا تفعلها.
    لا تكن مثل آلاف من البشر الذين سمّوا أنفسهم كتّاباً..
    لا تكن بليداً ومملاً ومتبجّحاً، لا تدع حب ذاتك يدمّرك.
    مكتبات العالم قد تثاءبت حتى النوم بسبب أمثالك.
    لا تفعلها..

    أعتقد أن ربيع جابر استطاع أن يصدق قصيدة بوكوفيسكي. لم يرد ربيع جابر غير الكتابة. لم يحتاج غير القلم والورقة، وأجدني دون أن أشعر أجيب على سؤالي؟
    أين أختفى ربيع جابر؟!! أقول أن ربيع جابر لم يختفي ولكنه عرف الحقيقة لا أكثر. وأدرك أن الغاية من الكتابة هي الكتابة ذاتها. وأنه حتى ولو لم يقرأ له إنسان فإنه سيكون هاديء البال بذات الدرجة التي كان فيها هاديء البال عندما حصل على جائزة البوكر ذات يوم.

    علمني ربيع جابر كيف أكتب. رغم أنه لم يعلمني بعد كيف أزهد. ترك بصمته على لغتي وتكوين عباراتي وكيف أنظر إلى المدن وأحزانها. كيف أقرأ مآسي أهلها من فوق الجدران والصخور، ولكنه لم يعلمني بعد كيف لا أرى من الكتابة غير الكتابة.

    في حب ربيع جابر - الرجل الذي عشق بيروت، وكتب التاريخ كأنه رآه -كتبت هذا، وكلمات بوكوفيكسي تتردد في قلبي:

    لا.. لا تفعلها إلا إن كانت تخرج من روحك كالصاروخ
    إلا إن كان سكونك سيقودك للجنون
    أو للانتحار أو القتل
    لا تفعلها. إلا إذا كانت الشمس داخلك
    تحرق أحشاءك، لا تفعلها.
    عندما يكون الوقت مناسباً.
    إذا كنت مختاراً
    ستحدث الكتابة من تلقاء نفسها
    وستستمر بالحدوث مرة بعد أخرى
    حتى تموت
    أو تموت هي داخلك.
    لا توجد طريقة أخرى.
    ولم توجد قط.

    الصحفي: أحمد المرسي.
يعمل...