همفري ديفي - الثورة الصناعية والرومانسية .. الكيميائي المحترف
همفري ديفي
كان أسلاف ديفي في بعض الأحيان من الكادحين، وفي أحيان أخرى من طبقة ملاك الأراضي الذين عاشوا في كورنوول من قبل أن تحفظ الأسماء على شواهد القبور . وكان من المفترض أن يرث والد ديفي عما ثريا قام بتربيته، لكنه لو يوقع الوصية قبل وفاته. لذا وجد والده نفسه وحيدا مع مزرعة صغيرة مما اضطره إلى أن يستكمل دخله من بيع المنحوتات الخشبية . وقد توفي مدينا بعد أن غامر بنقوده في المزرعة والقصدير بينما كان ديفي مراهقا .
كانت حرب الاستقلال للولايات المتحدة مشتعلة عندما ولد ديفي وغطت أحداث الثورة الفرنسية فترة شبابه المبكر . انتهت فترة تعليمه الرسمي وهو في الخامسة عشرة وقبل عام واحد من ارتقاء لافوازييه سلم المقصلة.
تركت والدة ليفي المزرعة لتؤسس شركة لصناعة وبيع القبعات النسائية بمشاركة شابة من اللاجئين من فرنسا، والتحق ديفي كصبي حرفي لدى جون بورلاسي الجراح والصيدلاني. وقد قرأ الأدب الرومانسي ومارس كتابة الشعر الرومانسي في هذه الفترة. وفي إحدى المرات. عندما كان يقوم بتسليم دواء المريض في الريف، هبط عليه وحي الشعر وسرح بخياله بعيدا، فانطرح أرضا وطارت زجاجة الدواء فوقعت في كومة من القش بجوار الطريق. ولم يتمكن من العثور عليها إلا في اليوم التالي. من السهل إذن أن نرى لماذا كانت عمليات سحق الدواء وتعبئته تبدو عملا دنيويا بالنسبة لمثل هذه الروح. ومع أن ديفي كان يحب المرضى - وهم يحبونه بدورهم - إلا أنه كان يبغض الجراحة، ويشعر في قرارة نفسه أن له دورا أفضل في الحياة. وساعدته الأقدار لأنها دبرت له شيئا آخر.
(*) نسبة إلى أحد الأعراق الهندية واللغات التي يتحدثها ومنها الأيرلندية والويلزية والاسكتلندية.
كان جزء من دخل والدته يأتي من إيوائها للطلاب وإطعامهم. وقد تصادف أن كان جريجوري وات أحد هؤلاء، وهو ابن جيمس وات الذي سنلقاه مرة أخرى مرتبطا بتطور الآلة البخارية. وقد أرسل الابن إلى كورنوول لأن أخته كانت قد توفيت متأثرة بداء الرئة، فشعر والداه أنه مهدد هو الآخر. تلقى وات تعليمه في جلاسجو متخصصا في الجيولوجيا والكيمياء وكان يشرك ديفي في معرفته . وقد التقى ديفي من خلال وات بديفيز جيلبرت واسمه قبل الزواج: جيدي، لأنه عندما تزوج أخذ اسم وقوة أسرة زوجته، ثم التقى بالدكتور توماس بيدوس من خلال جيلبرت.
كان دكتور بيدوس قد فقد وظيفته كمحاضر في أكسفورد لأنه كتب عن الثورة الفرنسية، وكان يحاول الآن إنشاء معهد طبي للعلاج بالغازات ليختبر فيه استخدام الغازات الصناعية المحضرة مثل ثاني أكسيد الكربون في علاج الأمراض. كان هناك العديد ممن سبقوا في هذا المجال بما في ذلك الاختبارات التي قام بها الأطباء الإنجليز حول استخدام ثاني أكسيد الكربون عن طريق المستقيم لعلاج ما وصف بأنه حمى العفن». قرر بيدوس أن الغازات المنبعثة من حظائر البقر مفيدة في علاج الهزال الناتج عن السل وكان ينصح مرضاه بالإقامة في مخازن التبن. ومن المثير أن نذكر هنا أن عنوان المقالة التي نشرت فيها هذه الطريقة في العلاج قد تغير من «الشفاء العاجل والمؤكد من الهزال الرئوي إلى «الراحة السريعة والشفاء المحتمل ثم إلى «الراحة المحتملة والشفاء الممكن فيما بين أول وآخر نسخ المراجعة.
كان جيران ديفي يظنون أن بيدوس مندوب دعاية أو مشعوذ، لكن ديفي كان راضيا مع أسرة بيدوس :
الدكتور بيدوس ... واحد من أكثر الرجال غرابة فيمن قابلت - قصير وسمين فوق العادة وسلوكه لا يتصف بالأناقة أو الرقة، وظاهريا لا يدل أي شيء فيه على العبقرية أو العلم، فهو صموت جدا، وباختصار فهو رفيق سيىء جدا ... أما السيدة بيدوس فهي على النقيض ... فائقة البهجة والمرح والذكاء ... ونحن بالفعل أصدقاء مقربون. وقد أخذتني إلى مشاهدة كل المشاهد الرائعة عن كليفتون، لأن الدكتور لا يستطيع السير كثيرا نظرا لانشغاله وحجمه (3) .
عين بيدوس ديفي في معهده ليجري التجارب على الغازات الصناعية المختلفة. جاءت الجهود الأولى لديفي في التجارب ذات طبيعة تخمينية.
كان يفتقد المنهجية والمدخل النقدي لأنه هو الذي علم نفسه فنون التجارب. إلا أنه كتب عن هذه التجارب في سلسلة من المقالات نشرها بيدوس في كتاب عنوانه «مساهمات في المعرفة الفيزيائية والطبية، أساسا من غرب إنجلترا». وقد حاول ديفي في بعض المقالات أن يدحض مفهوم السيال الحراري ويثبت أن الحرارة ليست مادة وإنما نمط من الحركة. وهذا هو المفهوم المقبول، لكن طريقة ديفي في عرض ذلك كانت مثار التساؤلات.
ومن المثير أن ديفي تقبل فكرة أن الضوء مادة، وافترض أن المجال الكهربي ما هو إلا ضوء متكثف. وقد خمن كذلك أن النباتات البحرية تقوم بتجديد الأكسجين تماما مثلما تفعل النباتات البرية.
أخذت المؤسسة العلمية كل هذه الأمور من ديفي كمزحة كبيرة، لأنه كان مرتبطا ببيدوس، وللثقة الزائدة في نفسه كشاب . وقد كتب ديفي بغضب في مذكراته :
ربما لا يدرك هؤلاء النقاد أن هذه التحارب قد أجريت عندما لم أكن قد درست الكيمياء سوى أربعة أشهر، ولم أكن قد شاهدت تجربة واحدة تجري أمامي ... وربما لا يأخذون في اعتبارهم جهازي لا يمكن أن يصنع أتقن من ذلك، وأن الأمر يتطلب جهدا لا نهائيا لإتمام التجربة ... وقد حددت عدم الدقة بواسطة ... كيميائيين بارزين من بينهم قلة فقط يعلم الله من (4) إنجلترا ....
كتب جوزيف بريستلي من الولايات المتحد في ملحق لكتابه «إرساء قواعد الفلوجستين» يقول «أعطتني مقالات السيد ديفي... انطباعا وفكرة رائعة عن فطنته الفلسفية (5) ، لكن ديفي لم يغفر حتى النهاية أبدا النقد الذي لاقاه من رفاقه في بلده.
ومن حسن حظ العلم أن ذاته قد هدأت بعد أن تحدى فكرة أن أكسيد النيتروز هو أس الضرر وقام باستنشاقه . وقد اكتشف أنه يسبب نشاطا فسيولوجيا واضحا . قد كتب:
نتج عن ذلك في التو تقريبا شيء أخذ يسري من الصدر إلى جميع الأطراف. وشعرت بشيء محسوس يجلب السرور بشدة في جميع الأطراف، أما انطباعاتي البصرية فقد كانت مبهورة ومضخمة ظاهريا ... وبالتدريج، ومع زيادة الإحساس بالسرور فقدت اتصالي بالعالم الخارجي.... ووجدتني في عالم من الأفكار المتجددة والمعدلة والمترابطة. وقد أخذت أنظر وتخيلت أنني قمت باكتشافات. وقد أيقظني من هذه الغفوة شبه المهتاجة الدكتور كنج ليك، الذي أخذ الكيس من فمي، كان السخط والغرور هما أو لمشاعري عند مشاهدة الأشخاص الذين كانوا حولي (6).
ومع أن ديفي نصح باستخدام أكسيد النيتروز، والذي يسمى الآن بالغاز الضاحك، في العمليات الجراحية الصغرى، إلا أن أول نجاح لهذا الغاز كان كدواء للاستجمام. فقد استخدمه ديفي بنفسه لهذا الغرض، على الرغم من أن جريجوري وات قد وصفه أول مرة كدواء للاستجمام . إلا أنه قد وجده مفيدا أيضا كعلاج من آثار المرض. وقد استنشق الشاعر كوليريدج - وهو من معارف السيدة بيدوسي - هذا الغاز وأصبح من أشد المعجبين بديفي، وكذلك استنشقه الدكتور بيتر روجيت الذي اشتهر بموسوعته) وتوماس ويدجوود ابن جوشيا المشهور بطاقم الشاي.
وقد جرب ديفي غازات أخرى معتمدا في ذلك على نجاحه. فقد كان يعلم أن أكسيد النيتريك يكون حمض النيتريك إذ أصاب هواءا رطبا، لذلك أخرج أكبر كمية ممكنة من هواء الزفير من رئتيه قبل أن يستنشقه، ومع هذا احترق فمه وحنجرته وربما رئتاه . وقد استنشق الغاز المائي، وهو مزيج من أول أكسيد الكربون والهيدروجين، وكان قاب قوسين أو أدنى من إنهاء سيرته وحياته.
نشر ديفي أبحاث كيميائية وفلسفية تتعلق أساسا بأكسيد النيتروز أو هواء النيتروز منقوص الفلوجيستون واستنشاقه في 580 صفحة. وقد استقبل هذا العمل بارتياح، الأمر الذي أرسى سمعة ديفي ككيميائي وجعل الكل ينسى ما كان قد وجه له من نقد مبكر فيما عدا هو نفسه، فلم ينس شيئا .
كان ديفي محقا إلى حد ما في إحساسه بالظلم . فقد كان يمارس العمل من دون أن يجني فوائد التعليم الكيميائي الرسمي . ولم يكن وحيدا في هذا الأمر في إنجلترا . كانت فرنسا ما تزال رائدة في العلوم، مدفوعة في ذلك بفعل الثورة الفرنسية، أما الولايات الألمانية فقد جاءت تالية لفرنسا مباشرة مكتسبة طاقة العام 1871 ، عندما تحولت أخيرا مجموعة الولايات الألمانية الضعيفة إلى أمة. وفي إنجلترا لم تكن هناك أي جهود منتظمة لتدريس العلوم في الجامعات إلى أن أنشئت الكلية الجامعية في لندن العام 1826 قام الأكاديميون المعارضون بتدريس العلوم، لكن ذلك لم يكن متاحا لمعظم الطلاب. بزغ شعاع من الضوء على هذا الوضع المظلم عندما قرر بنيامين تومسون - الكونت رمفورد، وهو الزوج الثاني لماري لافوازييه - أنه من الحكمة أن تقوم إنجلترا بمحاكاة فرنسا ، فأنشأ المعهد الملكي .
همفري ديفي
كان أسلاف ديفي في بعض الأحيان من الكادحين، وفي أحيان أخرى من طبقة ملاك الأراضي الذين عاشوا في كورنوول من قبل أن تحفظ الأسماء على شواهد القبور . وكان من المفترض أن يرث والد ديفي عما ثريا قام بتربيته، لكنه لو يوقع الوصية قبل وفاته. لذا وجد والده نفسه وحيدا مع مزرعة صغيرة مما اضطره إلى أن يستكمل دخله من بيع المنحوتات الخشبية . وقد توفي مدينا بعد أن غامر بنقوده في المزرعة والقصدير بينما كان ديفي مراهقا .
كانت حرب الاستقلال للولايات المتحدة مشتعلة عندما ولد ديفي وغطت أحداث الثورة الفرنسية فترة شبابه المبكر . انتهت فترة تعليمه الرسمي وهو في الخامسة عشرة وقبل عام واحد من ارتقاء لافوازييه سلم المقصلة.
تركت والدة ليفي المزرعة لتؤسس شركة لصناعة وبيع القبعات النسائية بمشاركة شابة من اللاجئين من فرنسا، والتحق ديفي كصبي حرفي لدى جون بورلاسي الجراح والصيدلاني. وقد قرأ الأدب الرومانسي ومارس كتابة الشعر الرومانسي في هذه الفترة. وفي إحدى المرات. عندما كان يقوم بتسليم دواء المريض في الريف، هبط عليه وحي الشعر وسرح بخياله بعيدا، فانطرح أرضا وطارت زجاجة الدواء فوقعت في كومة من القش بجوار الطريق. ولم يتمكن من العثور عليها إلا في اليوم التالي. من السهل إذن أن نرى لماذا كانت عمليات سحق الدواء وتعبئته تبدو عملا دنيويا بالنسبة لمثل هذه الروح. ومع أن ديفي كان يحب المرضى - وهم يحبونه بدورهم - إلا أنه كان يبغض الجراحة، ويشعر في قرارة نفسه أن له دورا أفضل في الحياة. وساعدته الأقدار لأنها دبرت له شيئا آخر.
(*) نسبة إلى أحد الأعراق الهندية واللغات التي يتحدثها ومنها الأيرلندية والويلزية والاسكتلندية.
كان جزء من دخل والدته يأتي من إيوائها للطلاب وإطعامهم. وقد تصادف أن كان جريجوري وات أحد هؤلاء، وهو ابن جيمس وات الذي سنلقاه مرة أخرى مرتبطا بتطور الآلة البخارية. وقد أرسل الابن إلى كورنوول لأن أخته كانت قد توفيت متأثرة بداء الرئة، فشعر والداه أنه مهدد هو الآخر. تلقى وات تعليمه في جلاسجو متخصصا في الجيولوجيا والكيمياء وكان يشرك ديفي في معرفته . وقد التقى ديفي من خلال وات بديفيز جيلبرت واسمه قبل الزواج: جيدي، لأنه عندما تزوج أخذ اسم وقوة أسرة زوجته، ثم التقى بالدكتور توماس بيدوس من خلال جيلبرت.
كان دكتور بيدوس قد فقد وظيفته كمحاضر في أكسفورد لأنه كتب عن الثورة الفرنسية، وكان يحاول الآن إنشاء معهد طبي للعلاج بالغازات ليختبر فيه استخدام الغازات الصناعية المحضرة مثل ثاني أكسيد الكربون في علاج الأمراض. كان هناك العديد ممن سبقوا في هذا المجال بما في ذلك الاختبارات التي قام بها الأطباء الإنجليز حول استخدام ثاني أكسيد الكربون عن طريق المستقيم لعلاج ما وصف بأنه حمى العفن». قرر بيدوس أن الغازات المنبعثة من حظائر البقر مفيدة في علاج الهزال الناتج عن السل وكان ينصح مرضاه بالإقامة في مخازن التبن. ومن المثير أن نذكر هنا أن عنوان المقالة التي نشرت فيها هذه الطريقة في العلاج قد تغير من «الشفاء العاجل والمؤكد من الهزال الرئوي إلى «الراحة السريعة والشفاء المحتمل ثم إلى «الراحة المحتملة والشفاء الممكن فيما بين أول وآخر نسخ المراجعة.
كان جيران ديفي يظنون أن بيدوس مندوب دعاية أو مشعوذ، لكن ديفي كان راضيا مع أسرة بيدوس :
الدكتور بيدوس ... واحد من أكثر الرجال غرابة فيمن قابلت - قصير وسمين فوق العادة وسلوكه لا يتصف بالأناقة أو الرقة، وظاهريا لا يدل أي شيء فيه على العبقرية أو العلم، فهو صموت جدا، وباختصار فهو رفيق سيىء جدا ... أما السيدة بيدوس فهي على النقيض ... فائقة البهجة والمرح والذكاء ... ونحن بالفعل أصدقاء مقربون. وقد أخذتني إلى مشاهدة كل المشاهد الرائعة عن كليفتون، لأن الدكتور لا يستطيع السير كثيرا نظرا لانشغاله وحجمه (3) .
عين بيدوس ديفي في معهده ليجري التجارب على الغازات الصناعية المختلفة. جاءت الجهود الأولى لديفي في التجارب ذات طبيعة تخمينية.
كان يفتقد المنهجية والمدخل النقدي لأنه هو الذي علم نفسه فنون التجارب. إلا أنه كتب عن هذه التجارب في سلسلة من المقالات نشرها بيدوس في كتاب عنوانه «مساهمات في المعرفة الفيزيائية والطبية، أساسا من غرب إنجلترا». وقد حاول ديفي في بعض المقالات أن يدحض مفهوم السيال الحراري ويثبت أن الحرارة ليست مادة وإنما نمط من الحركة. وهذا هو المفهوم المقبول، لكن طريقة ديفي في عرض ذلك كانت مثار التساؤلات.
ومن المثير أن ديفي تقبل فكرة أن الضوء مادة، وافترض أن المجال الكهربي ما هو إلا ضوء متكثف. وقد خمن كذلك أن النباتات البحرية تقوم بتجديد الأكسجين تماما مثلما تفعل النباتات البرية.
أخذت المؤسسة العلمية كل هذه الأمور من ديفي كمزحة كبيرة، لأنه كان مرتبطا ببيدوس، وللثقة الزائدة في نفسه كشاب . وقد كتب ديفي بغضب في مذكراته :
ربما لا يدرك هؤلاء النقاد أن هذه التحارب قد أجريت عندما لم أكن قد درست الكيمياء سوى أربعة أشهر، ولم أكن قد شاهدت تجربة واحدة تجري أمامي ... وربما لا يأخذون في اعتبارهم جهازي لا يمكن أن يصنع أتقن من ذلك، وأن الأمر يتطلب جهدا لا نهائيا لإتمام التجربة ... وقد حددت عدم الدقة بواسطة ... كيميائيين بارزين من بينهم قلة فقط يعلم الله من (4) إنجلترا ....
كتب جوزيف بريستلي من الولايات المتحد في ملحق لكتابه «إرساء قواعد الفلوجستين» يقول «أعطتني مقالات السيد ديفي... انطباعا وفكرة رائعة عن فطنته الفلسفية (5) ، لكن ديفي لم يغفر حتى النهاية أبدا النقد الذي لاقاه من رفاقه في بلده.
ومن حسن حظ العلم أن ذاته قد هدأت بعد أن تحدى فكرة أن أكسيد النيتروز هو أس الضرر وقام باستنشاقه . وقد اكتشف أنه يسبب نشاطا فسيولوجيا واضحا . قد كتب:
نتج عن ذلك في التو تقريبا شيء أخذ يسري من الصدر إلى جميع الأطراف. وشعرت بشيء محسوس يجلب السرور بشدة في جميع الأطراف، أما انطباعاتي البصرية فقد كانت مبهورة ومضخمة ظاهريا ... وبالتدريج، ومع زيادة الإحساس بالسرور فقدت اتصالي بالعالم الخارجي.... ووجدتني في عالم من الأفكار المتجددة والمعدلة والمترابطة. وقد أخذت أنظر وتخيلت أنني قمت باكتشافات. وقد أيقظني من هذه الغفوة شبه المهتاجة الدكتور كنج ليك، الذي أخذ الكيس من فمي، كان السخط والغرور هما أو لمشاعري عند مشاهدة الأشخاص الذين كانوا حولي (6).
ومع أن ديفي نصح باستخدام أكسيد النيتروز، والذي يسمى الآن بالغاز الضاحك، في العمليات الجراحية الصغرى، إلا أن أول نجاح لهذا الغاز كان كدواء للاستجمام. فقد استخدمه ديفي بنفسه لهذا الغرض، على الرغم من أن جريجوري وات قد وصفه أول مرة كدواء للاستجمام . إلا أنه قد وجده مفيدا أيضا كعلاج من آثار المرض. وقد استنشق الشاعر كوليريدج - وهو من معارف السيدة بيدوسي - هذا الغاز وأصبح من أشد المعجبين بديفي، وكذلك استنشقه الدكتور بيتر روجيت الذي اشتهر بموسوعته) وتوماس ويدجوود ابن جوشيا المشهور بطاقم الشاي.
وقد جرب ديفي غازات أخرى معتمدا في ذلك على نجاحه. فقد كان يعلم أن أكسيد النيتريك يكون حمض النيتريك إذ أصاب هواءا رطبا، لذلك أخرج أكبر كمية ممكنة من هواء الزفير من رئتيه قبل أن يستنشقه، ومع هذا احترق فمه وحنجرته وربما رئتاه . وقد استنشق الغاز المائي، وهو مزيج من أول أكسيد الكربون والهيدروجين، وكان قاب قوسين أو أدنى من إنهاء سيرته وحياته.
نشر ديفي أبحاث كيميائية وفلسفية تتعلق أساسا بأكسيد النيتروز أو هواء النيتروز منقوص الفلوجيستون واستنشاقه في 580 صفحة. وقد استقبل هذا العمل بارتياح، الأمر الذي أرسى سمعة ديفي ككيميائي وجعل الكل ينسى ما كان قد وجه له من نقد مبكر فيما عدا هو نفسه، فلم ينس شيئا .
كان ديفي محقا إلى حد ما في إحساسه بالظلم . فقد كان يمارس العمل من دون أن يجني فوائد التعليم الكيميائي الرسمي . ولم يكن وحيدا في هذا الأمر في إنجلترا . كانت فرنسا ما تزال رائدة في العلوم، مدفوعة في ذلك بفعل الثورة الفرنسية، أما الولايات الألمانية فقد جاءت تالية لفرنسا مباشرة مكتسبة طاقة العام 1871 ، عندما تحولت أخيرا مجموعة الولايات الألمانية الضعيفة إلى أمة. وفي إنجلترا لم تكن هناك أي جهود منتظمة لتدريس العلوم في الجامعات إلى أن أنشئت الكلية الجامعية في لندن العام 1826 قام الأكاديميون المعارضون بتدريس العلوم، لكن ذلك لم يكن متاحا لمعظم الطلاب. بزغ شعاع من الضوء على هذا الوضع المظلم عندما قرر بنيامين تومسون - الكونت رمفورد، وهو الزوج الثاني لماري لافوازييه - أنه من الحكمة أن تقوم إنجلترا بمحاكاة فرنسا ، فأنشأ المعهد الملكي .
تعليق