النظرية المزدوجة للميل الكيميائي - جونز جاكوب برزيليوس .. حوالي ١٨٠٠–١٨٤٨ بعد الطوفان
النظرية المزدوجة للميل الكيميائي
جونز جاكوب برزيليوس
مات والد برزيليوس عندما كان في الرابعة من عمره، وتزوجت أمه من رجل له خمسة أولاد . وتختلف الروايات عن صعوبة هذا الوضع، وتوفيت والدته حينما كان عمره 9 سنوات، فأرسلوه مع أخته إلى بيت أحد أخواله. وفي سن 15 كان برزيليوس يذهب إلى معلم خصوصي في مزرعة قريبة. وأصبح اهتمام برزيليوس منصبا على العلوم الطبيعية والطب. ولما بلغ سن 19 ربح منحة دراسية لمدة ثلاثة أعوام، وأصبح قادرا على تركيز جهده في الدراسة. وبعد سنتين جاء العام 1800 ، وهو العام الذي أبدع فيه فولتا بطاريته التي تولد الكهرباء.
صنع برزيليوس بطارية فولتية من أجل رسالة الدكتوراه، ودرس تأثير التيار الجلفاني على المرضى. لم يجد تأثيرا ولم يجتذب مرضى جددا) لكن هذا الأمر بدأ سلسلة من الأفكار التي أدت، في قمتها بعد 11 عاما، إلى النظرية المزدوجة للميل الكيميائي . سار برزيليوس على خطى نيكولسون وكارليسل في تجاربه، ليكتشف أن الكهرباء لا تشطر الماء فقط، بل تشطر الأملاح أيضا . وفي وقت واحد، قام هو وديفي بفصل فلزات الأتربة القلوية مثل الكالسيوم والباريوم بالتحليل الكهربي . ثم اقترح حينئذ نظرية مزدوجة للميل الكيميائي، مبنية على التجاذب الكهربي .
في كل اتحاد كيميائي يحدث تعادل بين شحنتين متضادتين، وينتج هذا التعادل نارا كما يحدث عند تعادل كهرباء القارورة، أو كهرباء البطارية، أو كهرباء البرق (8).
كان هذا الأمر سارا لأنه كان يحمل جرثومة الحقيقة كان على الصورة النهائية أن تتطور ببطء من هذه النقطة) . قوبلت أفكاره بالترحيب، وأصبحبرزيليوس كيميائيا محترما وناجحا .
كان برزيليوس يفكر في استخدام الذرات، وهو الذي بدأ كتابة الصيغ الكيميائية باستخدام الحرف الأول من اسم العنصر مضيفا حرفا ثانيا للتفريق بين عنصرين يبدأن بالحرف نفسه . وهو الذي استخدم الأرقام مكتوبة أعلى الرمز للدلالة على العدد النسبي المركب . أثبت هذا النظام أنه يمكن استخدامه بسهولة لدرجة أنه لا يزال يستخدم حتى اليوم فيما عدا أن الصيغة المألوفة h2o كان لابد من أن تكتب حسب طريقة برزيليوس
(h2o). وفي الواقع لم يكن برزيليوس يكتب صيغة الماء بأي من الطريقتين أو ليس بالرقم 2 لأنه مبدئيا كان يعتقد بالمقدمة المنطقية لدالتون والتي تقول إن جزيء الماء يتكون من ذرة هيدروجين وذرة أكسجين الجزيء يتكون من ذرات وهو أصغر جسيم من مادة المركب تحتفظ بجميع خواص المادة. ومن هذا المنطلق - ومن اكتشافات كيميائيين كثيرين آخرين - بنى برزيليوس جدول الأوزان الذرية.
وأخيرا، بعد أن أمن برزيليوس شهرته وثروته، كان في مقدوره أن يفكر في حياته الخاصة. تزوج وهو في سن 56 من ابنة أحد أصدقائه القدامى عمرها 24 سنة . وقد كتب إلى أحد معاونيه (الذي سنعرض له حالا) «أجل یا عزیزی فوهلر - أنا الآن متزوج حديثا منذ ستة أسابيع فقط. وقد تعلمت معرفة جانب من الحياة لم يكن عندى فكرة عنه، أو كانت فكرتي عنه زائفة (9) . وعندما دخل برزيليوس بيت الزوجية قبل إجراءات الزفاف مباشرة، قام والد زوجته بتسليمه رسالة من ملك السويد، مع تعليمات بأن تقرأ الرسالة أمام الضيوف المحتشدين. كان الخطاب ينصب برزيليوس بارونا .
كان الزواج سعيدا في كل الروايات، لكن شابت مسحة من الحزن سنوات برزيليوس الأخيرة. وعمل جاهدا بشكل خارق ليعوض بدايته الفقيرة. وقد أصيب في أحد الانفجارات الكيميائية، ولم يُشف إلا بعد أن أمضى عدة أشهر في ظلام دامس . كان يتعرض لصداع واكتئاب كلي، تقدمت به السن وأصبح جامدا في تفكيره، ورفض تقبل الإنجازات الجديدة في الكيمياء. وفي سنواته الأخيرة، كان محل احترام، لكن أفكاره لم تحظ بعناية كبيرة.
كان هذا لا ينكر على برزيليوس تاريخه الطويل المستمر. ففي بدايته كان ينظر له كزعيم للمجتمع الكيميائي. وقد دأب على نشر تقرير سنوى عن الإنجازات البارزة في الكيمياء لمدة عشرين سنة، وكانت انتقاداته الموجهة تدفع وتساعد على إدراك الكيمياء كعلم دقيق. ومن إنجازات برزيليوس تصنيفه لعناصر الكلور والبروم واليود كأعضاء في أسرة كيميائية واحدة والتي أسماها «هالوجينات»، وقد أدخل استخدام مصطلحات الأيزوميرية أو التشبه الجزيئي للدلالة على المواد التي لها التركيب الكيميائي نفسه لكن خواصها الفيزيائية مختلفة كان مفهوم الجزيئات المتراكبة بدأ يبزغ لتوه) والحفز الذي يصف مقدرة بعض المواد على تعجيل سرعة التفاعلات دون أن تدخل هي في التفاعل والتأصل، ليصف حقيقة أن بعض العناصر توجد
في أشكال جامدة مختلفة ولها صفات مختلفة مثل الماس والجرافيت فكلاهما كربون صلب، لكن لهما صفات وأسعارا جد مختلفة.
وأثناء عملية تعيين الأوزان الذرية الدقيقة، قام برزيليوس بتصميم أشياء كثيرة من تلك التي تستخدم كأجهزة كيميائية حتى اليوم، بما في ذلك الأقماع الزجاجية، والكؤوس وزجاجات الغسل وأوراق الترشيح والأنابيب المطاطية ( في السابق كانت تستخدم أنابيب جلدية مخيطة) وقد استخدم
لهبا كحوليا معروفا باسم مصباح برزيليوس، والذي حل محله بعد ذلك مصباح بنزن فقط عندما أدخلت الإنارة بالغاز ومدت أنابيب الغاز. وقد استخدم كل هذه الأجهزة المعملية الحديثة لعزل عناصر جديدة واكتشافها، الأمر الذي سنكتشفه نحن أيضا الآن.
في بدايات القرن التاسع عشر، بعد أن أصبح الكيميائيون الذين جاؤوا بعد لافوازييه أحرارا يبحثون وينقبون في كل مكان، بدأوا يلاحظون نظاما وراء التفاعلات الكيميائية. وفي أثناء الفترة الأولى من القرن التاسع عشر، انطلقت سلسلة من قوانين قواعد النظرية الذرية، وسرعتنا في طرق لقياس أوزان الذرات، وطرحت نظريات لتفسير الميل الكيميائي (مع أن الجدل حول الذرات والميول كان مقدّرًا له أن يستمر في القرن التالي). ومع ذلك، فإن نظرية برزيليوس الازدواجية عن الميل كانت غاية، ومبدأها الأساس هو أن الميل الكيميائي تقوم على التجاذب الكهربي، فقد ثبت بعد مائة سنة أنها صحيحة. لكن قبل أن نصل إلى هذه النقطة، كان هناك الكثير من العمل الأساسي لا بد من إنجازه، وحيث إن لافوازييه، أوضح أنه يمكن أن توجد عناصر كثيرة، فإن الكيميائيين بدأوا في اكتشافها، فقد فعلوا ذلك - فعلا - في أغلب الأحيان بالبحث في القاذورات.
النظرية المزدوجة للميل الكيميائي
جونز جاكوب برزيليوس
مات والد برزيليوس عندما كان في الرابعة من عمره، وتزوجت أمه من رجل له خمسة أولاد . وتختلف الروايات عن صعوبة هذا الوضع، وتوفيت والدته حينما كان عمره 9 سنوات، فأرسلوه مع أخته إلى بيت أحد أخواله. وفي سن 15 كان برزيليوس يذهب إلى معلم خصوصي في مزرعة قريبة. وأصبح اهتمام برزيليوس منصبا على العلوم الطبيعية والطب. ولما بلغ سن 19 ربح منحة دراسية لمدة ثلاثة أعوام، وأصبح قادرا على تركيز جهده في الدراسة. وبعد سنتين جاء العام 1800 ، وهو العام الذي أبدع فيه فولتا بطاريته التي تولد الكهرباء.
صنع برزيليوس بطارية فولتية من أجل رسالة الدكتوراه، ودرس تأثير التيار الجلفاني على المرضى. لم يجد تأثيرا ولم يجتذب مرضى جددا) لكن هذا الأمر بدأ سلسلة من الأفكار التي أدت، في قمتها بعد 11 عاما، إلى النظرية المزدوجة للميل الكيميائي . سار برزيليوس على خطى نيكولسون وكارليسل في تجاربه، ليكتشف أن الكهرباء لا تشطر الماء فقط، بل تشطر الأملاح أيضا . وفي وقت واحد، قام هو وديفي بفصل فلزات الأتربة القلوية مثل الكالسيوم والباريوم بالتحليل الكهربي . ثم اقترح حينئذ نظرية مزدوجة للميل الكيميائي، مبنية على التجاذب الكهربي .
في كل اتحاد كيميائي يحدث تعادل بين شحنتين متضادتين، وينتج هذا التعادل نارا كما يحدث عند تعادل كهرباء القارورة، أو كهرباء البطارية، أو كهرباء البرق (8).
كان هذا الأمر سارا لأنه كان يحمل جرثومة الحقيقة كان على الصورة النهائية أن تتطور ببطء من هذه النقطة) . قوبلت أفكاره بالترحيب، وأصبحبرزيليوس كيميائيا محترما وناجحا .
كان برزيليوس يفكر في استخدام الذرات، وهو الذي بدأ كتابة الصيغ الكيميائية باستخدام الحرف الأول من اسم العنصر مضيفا حرفا ثانيا للتفريق بين عنصرين يبدأن بالحرف نفسه . وهو الذي استخدم الأرقام مكتوبة أعلى الرمز للدلالة على العدد النسبي المركب . أثبت هذا النظام أنه يمكن استخدامه بسهولة لدرجة أنه لا يزال يستخدم حتى اليوم فيما عدا أن الصيغة المألوفة h2o كان لابد من أن تكتب حسب طريقة برزيليوس
(h2o). وفي الواقع لم يكن برزيليوس يكتب صيغة الماء بأي من الطريقتين أو ليس بالرقم 2 لأنه مبدئيا كان يعتقد بالمقدمة المنطقية لدالتون والتي تقول إن جزيء الماء يتكون من ذرة هيدروجين وذرة أكسجين الجزيء يتكون من ذرات وهو أصغر جسيم من مادة المركب تحتفظ بجميع خواص المادة. ومن هذا المنطلق - ومن اكتشافات كيميائيين كثيرين آخرين - بنى برزيليوس جدول الأوزان الذرية.
وأخيرا، بعد أن أمن برزيليوس شهرته وثروته، كان في مقدوره أن يفكر في حياته الخاصة. تزوج وهو في سن 56 من ابنة أحد أصدقائه القدامى عمرها 24 سنة . وقد كتب إلى أحد معاونيه (الذي سنعرض له حالا) «أجل یا عزیزی فوهلر - أنا الآن متزوج حديثا منذ ستة أسابيع فقط. وقد تعلمت معرفة جانب من الحياة لم يكن عندى فكرة عنه، أو كانت فكرتي عنه زائفة (9) . وعندما دخل برزيليوس بيت الزوجية قبل إجراءات الزفاف مباشرة، قام والد زوجته بتسليمه رسالة من ملك السويد، مع تعليمات بأن تقرأ الرسالة أمام الضيوف المحتشدين. كان الخطاب ينصب برزيليوس بارونا .
كان الزواج سعيدا في كل الروايات، لكن شابت مسحة من الحزن سنوات برزيليوس الأخيرة. وعمل جاهدا بشكل خارق ليعوض بدايته الفقيرة. وقد أصيب في أحد الانفجارات الكيميائية، ولم يُشف إلا بعد أن أمضى عدة أشهر في ظلام دامس . كان يتعرض لصداع واكتئاب كلي، تقدمت به السن وأصبح جامدا في تفكيره، ورفض تقبل الإنجازات الجديدة في الكيمياء. وفي سنواته الأخيرة، كان محل احترام، لكن أفكاره لم تحظ بعناية كبيرة.
كان هذا لا ينكر على برزيليوس تاريخه الطويل المستمر. ففي بدايته كان ينظر له كزعيم للمجتمع الكيميائي. وقد دأب على نشر تقرير سنوى عن الإنجازات البارزة في الكيمياء لمدة عشرين سنة، وكانت انتقاداته الموجهة تدفع وتساعد على إدراك الكيمياء كعلم دقيق. ومن إنجازات برزيليوس تصنيفه لعناصر الكلور والبروم واليود كأعضاء في أسرة كيميائية واحدة والتي أسماها «هالوجينات»، وقد أدخل استخدام مصطلحات الأيزوميرية أو التشبه الجزيئي للدلالة على المواد التي لها التركيب الكيميائي نفسه لكن خواصها الفيزيائية مختلفة كان مفهوم الجزيئات المتراكبة بدأ يبزغ لتوه) والحفز الذي يصف مقدرة بعض المواد على تعجيل سرعة التفاعلات دون أن تدخل هي في التفاعل والتأصل، ليصف حقيقة أن بعض العناصر توجد
في أشكال جامدة مختلفة ولها صفات مختلفة مثل الماس والجرافيت فكلاهما كربون صلب، لكن لهما صفات وأسعارا جد مختلفة.
وأثناء عملية تعيين الأوزان الذرية الدقيقة، قام برزيليوس بتصميم أشياء كثيرة من تلك التي تستخدم كأجهزة كيميائية حتى اليوم، بما في ذلك الأقماع الزجاجية، والكؤوس وزجاجات الغسل وأوراق الترشيح والأنابيب المطاطية ( في السابق كانت تستخدم أنابيب جلدية مخيطة) وقد استخدم
لهبا كحوليا معروفا باسم مصباح برزيليوس، والذي حل محله بعد ذلك مصباح بنزن فقط عندما أدخلت الإنارة بالغاز ومدت أنابيب الغاز. وقد استخدم كل هذه الأجهزة المعملية الحديثة لعزل عناصر جديدة واكتشافها، الأمر الذي سنكتشفه نحن أيضا الآن.
في بدايات القرن التاسع عشر، بعد أن أصبح الكيميائيون الذين جاؤوا بعد لافوازييه أحرارا يبحثون وينقبون في كل مكان، بدأوا يلاحظون نظاما وراء التفاعلات الكيميائية. وفي أثناء الفترة الأولى من القرن التاسع عشر، انطلقت سلسلة من قوانين قواعد النظرية الذرية، وسرعتنا في طرق لقياس أوزان الذرات، وطرحت نظريات لتفسير الميل الكيميائي (مع أن الجدل حول الذرات والميول كان مقدّرًا له أن يستمر في القرن التالي). ومع ذلك، فإن نظرية برزيليوس الازدواجية عن الميل كانت غاية، ومبدأها الأساس هو أن الميل الكيميائي تقوم على التجاذب الكهربي، فقد ثبت بعد مائة سنة أنها صحيحة. لكن قبل أن نصل إلى هذه النقطة، كان هناك الكثير من العمل الأساسي لا بد من إنجازه، وحيث إن لافوازييه، أوضح أنه يمكن أن توجد عناصر كثيرة، فإن الكيميائيين بدأوا في اكتشافها، فقد فعلوا ذلك - فعلا - في أغلب الأحيان بالبحث في القاذورات.
تعليق