هناك نظريتان للتعاطي مع الفن يعرفهما الدارسون والباحثون في هذا المجال وهما "نظرية الفن للفن "، "ونظرية الفن للمجتمع".
الأولى تقرر أن الفن ليس له وظيفة اجتماعية، وليس من دوره استقراء مشكلات الناس أو طرح حلول لها، الفن في هذه النظرية مطلوب لذاته، لإثارة الجمال فقط والسمو بالنفس الانسانية.
أما النظرية الثانية فهي على الضدّ من الأولى، جميل أن يسمو الفن بالانسان، ولكن عليه الإرتباط بالمجتمع، الفن هنا أشبه بمرآة عاكسة للمجتمع ومشكلاته.
هذه التفرقة قد تبدو كلاسيكية إلى حد كبير، وبها بعض السفسطة أيضا، ولن ننشغل بهذا كثيرا كما يفعل الأكاديميون، حديثنا الآن ينصبّ على الدراما كأحد انواع الفنون القديمة.
كثيراً ما سألت نفسي لماذا لم أستوعب المغزى من بعض الأعمال الدرامية سواء أكانت سينما أو مسرح، كبعض أفلام يوسف شاهين مثلا، والتي من شدّة طلاسمها، قيل أن شاهين هو الوحيد الذي يفهم المغزى منها، كذلك بعض الفنون الطلسمية مثل الفنون السريالية، كالرسم السريالي أو السينما السريالية، والمسرح السريالي وغيرها، وقد نجد في تلك المسرحيات نفر ٌ قليل من المشاهدين، بينما ينهمك الممثلون في الأداء، ما المغزى والفائدة من هذه الفنون؟
السؤال لا يعني التحقير أو الجهل بهذه الفنون من جانبي، بقدر ما يعنى أن هذه الفنون تتعالى على الجماهير العريضة التى تئن تحت وطأة المشكلات والأزمات والصراعات، فليست بحاجة إلى عمل فني يزيدها تأزماً وصراعاً، أو أن يُدعى إبداعاً عظيماً لا يفهمه إلا صفوة الصفوة أو القليل منهم.
في السينما أو المسرح أو الدراما التلفزيونية، هناك أعمال جمعت بين الضدّين، أو لِنقل أعمال ذات مستويين.
المستوى الأول هو مستوى الجمهور العادي الذي يرى في العمل قصة وحبكة وتشويق، وهناك مستوى ثانٍ لبعض الأعمال لا يصل إلا للمتخصصين أو المتبحرين في مجال الفنون.
.
مسرحية " في انتظار جودو " لصمويل بيكيت تعتبر مثال لنظرية الفن للفن، فهذه المسرحية تبدو للمشاهد العادي، خبل وعبط ولغو، فلا يوجد صراع درامي، والحوار يبدو مفككاً، بينما تُعتبر في فن المسرح من أعظم المسرحيات في تاريخ المسرح، ذلك لأنها تخاطب صفوة مفكرة، ولا تعتمد على الشكل التقليدي للدراما الذي اعتاد عليه الناس.
عوام الناس تريد أن تضحك، أن تتسلّى، ان تقضي وقتاً ممتعاً، ولا مانع من أن تبكي مع البطل أو تُشفق عليه، الناس تريد البساطة، ولا تريد عرضاً لمشكلاتها أو حلاً لها.
بيد أن نجاح التسلية السابق ذكرها ليس سهلاً، فليس سهلاً أن تجذب الجماهير وتشدّهم شدا إلى العمل الفني إلا بحبكة درامية وصراع مستمر، وتشويق لا ينتهي بل يتجدّد، وإمساك بعناصر الإبداع الفني من كتابة وإخراج وإضاءة وغيرها.
كنت دائما أسأل نفسي لماذا لا تفوز أفلام "جيمس بوند " بأى جوائز أوسكار؟ على الرغم من أنها تحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً؟
الإجابة في ثنايا ما كتبت آنفاً.. أفلام جيمس بوند حكاية بسيطة جداً، متبّلة ببعض المطاردات، والخدع، وآلات الذكاء الصناعي، وشخصية البطل الأسطورية الذي يطير في الهواء ويغطس تحت الماء وفوق الجليد، إنه عمل فني موجه للحشد، لا يوجد له بعد ثان أو مستوى أبعد من ذلك المستوى، لكن لماذا لا يفوز أيضا ؟ وما العيب في ان يكون العمل الفني مجرد تسلية؟
في الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين غزت السينما المصرية أفلام سماها النقاد وقتها " أفلام المقاولات" وكان الفيلم يتم تصويره في أسبوعين أو شهر على الأكثر وكانت هذه الأفلام تحقق نجاحا جماهيريا، أتذكر فيلما منها للفنان "يونس شلبي" (حارة الحبايب ) استمر بالسينمات اكثر من 6 أشهر عرض كاملة.
الفهد الوردي
عن صفحة كتب منوعة ونادرة
الأولى تقرر أن الفن ليس له وظيفة اجتماعية، وليس من دوره استقراء مشكلات الناس أو طرح حلول لها، الفن في هذه النظرية مطلوب لذاته، لإثارة الجمال فقط والسمو بالنفس الانسانية.
أما النظرية الثانية فهي على الضدّ من الأولى، جميل أن يسمو الفن بالانسان، ولكن عليه الإرتباط بالمجتمع، الفن هنا أشبه بمرآة عاكسة للمجتمع ومشكلاته.
هذه التفرقة قد تبدو كلاسيكية إلى حد كبير، وبها بعض السفسطة أيضا، ولن ننشغل بهذا كثيرا كما يفعل الأكاديميون، حديثنا الآن ينصبّ على الدراما كأحد انواع الفنون القديمة.
كثيراً ما سألت نفسي لماذا لم أستوعب المغزى من بعض الأعمال الدرامية سواء أكانت سينما أو مسرح، كبعض أفلام يوسف شاهين مثلا، والتي من شدّة طلاسمها، قيل أن شاهين هو الوحيد الذي يفهم المغزى منها، كذلك بعض الفنون الطلسمية مثل الفنون السريالية، كالرسم السريالي أو السينما السريالية، والمسرح السريالي وغيرها، وقد نجد في تلك المسرحيات نفر ٌ قليل من المشاهدين، بينما ينهمك الممثلون في الأداء، ما المغزى والفائدة من هذه الفنون؟
السؤال لا يعني التحقير أو الجهل بهذه الفنون من جانبي، بقدر ما يعنى أن هذه الفنون تتعالى على الجماهير العريضة التى تئن تحت وطأة المشكلات والأزمات والصراعات، فليست بحاجة إلى عمل فني يزيدها تأزماً وصراعاً، أو أن يُدعى إبداعاً عظيماً لا يفهمه إلا صفوة الصفوة أو القليل منهم.
في السينما أو المسرح أو الدراما التلفزيونية، هناك أعمال جمعت بين الضدّين، أو لِنقل أعمال ذات مستويين.
المستوى الأول هو مستوى الجمهور العادي الذي يرى في العمل قصة وحبكة وتشويق، وهناك مستوى ثانٍ لبعض الأعمال لا يصل إلا للمتخصصين أو المتبحرين في مجال الفنون.
.
مسرحية " في انتظار جودو " لصمويل بيكيت تعتبر مثال لنظرية الفن للفن، فهذه المسرحية تبدو للمشاهد العادي، خبل وعبط ولغو، فلا يوجد صراع درامي، والحوار يبدو مفككاً، بينما تُعتبر في فن المسرح من أعظم المسرحيات في تاريخ المسرح، ذلك لأنها تخاطب صفوة مفكرة، ولا تعتمد على الشكل التقليدي للدراما الذي اعتاد عليه الناس.
عوام الناس تريد أن تضحك، أن تتسلّى، ان تقضي وقتاً ممتعاً، ولا مانع من أن تبكي مع البطل أو تُشفق عليه، الناس تريد البساطة، ولا تريد عرضاً لمشكلاتها أو حلاً لها.
بيد أن نجاح التسلية السابق ذكرها ليس سهلاً، فليس سهلاً أن تجذب الجماهير وتشدّهم شدا إلى العمل الفني إلا بحبكة درامية وصراع مستمر، وتشويق لا ينتهي بل يتجدّد، وإمساك بعناصر الإبداع الفني من كتابة وإخراج وإضاءة وغيرها.
كنت دائما أسأل نفسي لماذا لا تفوز أفلام "جيمس بوند " بأى جوائز أوسكار؟ على الرغم من أنها تحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً؟
الإجابة في ثنايا ما كتبت آنفاً.. أفلام جيمس بوند حكاية بسيطة جداً، متبّلة ببعض المطاردات، والخدع، وآلات الذكاء الصناعي، وشخصية البطل الأسطورية الذي يطير في الهواء ويغطس تحت الماء وفوق الجليد، إنه عمل فني موجه للحشد، لا يوجد له بعد ثان أو مستوى أبعد من ذلك المستوى، لكن لماذا لا يفوز أيضا ؟ وما العيب في ان يكون العمل الفني مجرد تسلية؟
في الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين غزت السينما المصرية أفلام سماها النقاد وقتها " أفلام المقاولات" وكان الفيلم يتم تصويره في أسبوعين أو شهر على الأكثر وكانت هذه الأفلام تحقق نجاحا جماهيريا، أتذكر فيلما منها للفنان "يونس شلبي" (حارة الحبايب ) استمر بالسينمات اكثر من 6 أشهر عرض كاملة.
الفهد الوردي
عن صفحة كتب منوعة ونادرة