"بداية" تعرض أعمالا فنية همشت خلال العقد الماضي في سوريا
التظاهرة ضمت معارض فنية وعرضا موسيقيا وأفلاما سينمائية من بينها الفيلم الوثائقي "مسكون" للمخرجة لواء يازجي.
الاثنين 2025/04/28
ShareWhatsAppTwitterFacebook

نظرة مختلفة لأحداث الحرب السورية
دمشق - إيمانا بأن الفن قادر على توثيق سردية الشعوب وحفظ ذاكرة الأوطان، ينظم ناشطون وناشطات سوريون فعالية ثقافية واجتماعية بعنوان “البداية” يستضيفها بيت فارحي في دمشق القديمة، ويحاولون عبرها حفظ سردية الثورة السورية والتذكير المستمر بقيمها.
ضمت التظاهرة معارض فنية وعرضا موسيقيا وأفلاما سينمائية، من بينها الفيلم الوثائقي “مسكون” للمخرجة لواء يازجي، والذي بدأت العمل عليه منذ اندلاع الثورة السورية، ثم أنجزته سنة 2014، مستعرضة بحدود الساعتين علاقة السوريين بمنازلهم وتفاصيل حياتهم، ووقوعهم بخيارين قاسيين، إما الموت بقصف النظام البائد أو الرحيل.
“مسكون” الذي نال جائزة التحكيم عن فئة الأفلام الأولى في مهرجان مرسيليا الدولي للأفلام الوثائقية 2014 حيث عُرض لأول مرة، إضافةً إلى جوائز أخرى، لا يزال يروي مآسي السوريين عبر مشاركته في مهرجانات وتظاهرات عالمية إلى غاية الآن.

وعرض كذلك الفيلم الوثائقي “الرقيب الخالد” الذي أنتج عام 2014 للمخرج زياد كلثوم، ويصور جرائم النظام السوري السابق في الغوطة الشرقية، وقصفه المدن والبلدات.
الفيلم الذي نال جوائز عالمية عدة يعرض خلال 72 دقيقة قصة مخرجه كلثوم، عندما ساقته سلطات نظام بشار الأسد ليكون جندياً في جيشها برتبة رقيب مجند في جبهة المليحة بالغوطة الشرقية، حيث يصور حياته العسكرية داخل قطعة عسكرية، وفي الوقت نفسه حياته المدنية، حين يرافق صديقه المخرج محمد ملص كمساعد له على تصوير الفيلم.
وخلال جلسة حوارية عبر الإنترنت أعقبت العرض، قال كلثوم من ألمانيا “لم أخطط لأن أصنع فيلم ‘الرقيب الخالد’، لكني كنت أعيش واقعاً عبثياً لا بد من توثيقه.”
وروى كلثوم كيف بدأ بتصوير يومياته سرا في صالة السينما التي كان يُشرف عليها، ليتحوّل لاحقاً إلى شريك في صناعة فيلم “السلم إلى دمشق” مع المخرج ملص، ثم إلى مخرج لفيلمه الخاص، الذي أكمل مونتاجه في دمشق رغم التهديدات، حفاظاً على روح الخوف والترقّب التي عايشها.
وأكد كلثوم أن الفيلم يوثّق لحظة انكشاف الحقيقة، “حين بدأنا ندرك أن من نحاربهم ليسوا أعداءً، بل أهلنا… لقد كانت لحظة ولادة الوعي… تماماً كما هو اسم المعرض ‘بداية’.”
كما عرض الفيلم الوثائقي “300 ميل” للمخرج عروة المقداد برصده جبهات القتال المشتعلة بين الثوار وجيش النظام السابق في مختلف المناطق السورية.
الفيلم الذي عرض في دمشق للمرة الأولى خلال تظاهرة “بداية”، يمتد على 95 دقيقة، ويبدأ من مشهد إنساني مؤثر يجمع بين المخرج المقداد وابنة شقيقه نور، التي تسأل عمها ببراءة “من أين أبدأ الحكاية؟”
ينتقل الفيلم من درعا، حيث تولى التصوير فراس ونور المقداد، إلى حلب شمالاً التي صور مشاهدها المخرج نفسه، ليكون عنوان الفيلم مستوحى من المسافة بين حلب في الشمال وحوران في الجنوب “300 ميل”، حيث كان من المستحيل على المدنيين قطعها، ولكنها في الوقت نفسه هي مسافة مكونة من خطوط الجبهات والحواجز والمعارك.
وتظهر الطفلة نور بعدة مشاهد لتحدثه عن الأهل وأحوال حوران، ولتصف له تغيرات الأماكن وقطع الشجرة المحببة لها، بينما تسمع أصوات الانفجارات والقنابل.
لقد تغيرت اهتمامات الطفولة البريئة لدى نور كسائر أطفال سوريا، فلم تعد تعنيها أرجوحتها القديمة، بل تتساءل عن معاني ومصطلحات الحرب، فما هي “التصفية؟ الهدنة؟ قصف؟ الطيران؟…،” وكأنها تحاسب الضمير الإنساني على سكوته أمام معاناة السوريين.
نسمع في الفيلم أحاديث الثوار وتساؤلاتهم الدائمة بلا أجوبة “أين العدل؟… إلى متى؟… ماذا سيحدث إذا خرج كل العالم مظاهرات داعمة لنا؟… هل مكتوب على الإنسان أن يموت كي يكون حراً؟”
الفيلم الوثائقي "300 ميل" للمخرج عروة المقداد يرصد جبهات القتال المشتعلة بين الثوار وجيش النظام السابق في مختلف المناطق السورية
شخصية القائد الثوري الشريف كانت عبر أبويعرب الأربعيني الذي يصف المحاربين الأوفياء للمبادئ التي قامت عليها الثورة، وهو الذي يلخص البطولة والشجاعة والإقدام.
ونرى أحلام الشباب عبر عدنان الطالب الجامعي الذي ترك دراسته والتحق بالثورة وبأهدافها السامية، مع أصدقائه الشبان وهم يهتفون للحرية، مع تعليقات ساخرة كئيبة تعبر عن الواقع الأليم في ظل تفشي إجرام النظام بحق المدنيين.
نسافر في الفيلم ما بين واقع مدينة حلب التي يطالها قصف النظام وواقع حوران، ما يؤكد التمازج بين أوجه الثورة المتعددة. وهدوء الفيلم رغم تصويره من جبهات القتال كان لافتا، ومن الأصوات غناء جدّة المخرج ذات الأصول الفلسطينية من الفلكلور الحوراني بصوت مليء بالحزن والأسى، على بلد يحترق بنيران القصف وشباب يرحل.
وفي المشاهد الأخيرة، صمتٌ غداة القصف، لتخترقه أصوات سيارات الإسعاف التي تهرع لنجدة الناس، ودمار وخراب، ثم سنابل القمح الصفراء تعلن النهاية الممزوجة بالأمل.
وفي رسالة أرسلها المخرج إلى تظاهرة “بداية” وإلى سوريا كلها، وبحضور والدته، أكد أن 14 عاما خسرنا فيها الكثير، أحبة وأحلاماً وذكريات، لكننا ما زلنا هنا وإن حال النظام البائد بيننا وبين أحلامنا وأحبتنا، ووجدنا طرقاً كثيرة لنلتقي ومنها السينما التي نختصر فيها ما قد يستحيل قوله.
ولفت المقداد إلى أنه أنتج الفيلم وهو مختبئ في بيت، ممنوع من المغادرة، ثم جال الفيلم العالم ولم يستطع أن يكون معه، لكن هذا التوقيت هو الأحب إلى القلب لأنه “يسبقني إلى دمشق، ربما لأن الفن في جوهره قادر على أن يكون أكثر حرية من صانعه.”
يُشار إلى أن الفيلم عرض في العديد من المهرجانات العالمية المهمّة مثل مهرجان “لوكارنو- سويسرا”، وحاصل على عدة جوائز، منها جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان “دوك ليزبوا – البرتغال”.
وبيت فارحي الذي يستضيف فعاليات التظاهرة يقع في حي اليهود بدمشق القديمة، وهو ثاني أكبر القصور الدمشقية اليهودية. بُني القصر في عام 1805، ويتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يجمع بين الطراز الدمشقي التقليدي والزخارف الفارسية. بعد ترميمه أصبح القصر مركزًا ثقافيًا يحتضن الفعاليات الفكرية والفنية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
التظاهرة ضمت معارض فنية وعرضا موسيقيا وأفلاما سينمائية من بينها الفيلم الوثائقي "مسكون" للمخرجة لواء يازجي.
الاثنين 2025/04/28
ShareWhatsAppTwitterFacebook

نظرة مختلفة لأحداث الحرب السورية
دمشق - إيمانا بأن الفن قادر على توثيق سردية الشعوب وحفظ ذاكرة الأوطان، ينظم ناشطون وناشطات سوريون فعالية ثقافية واجتماعية بعنوان “البداية” يستضيفها بيت فارحي في دمشق القديمة، ويحاولون عبرها حفظ سردية الثورة السورية والتذكير المستمر بقيمها.
ضمت التظاهرة معارض فنية وعرضا موسيقيا وأفلاما سينمائية، من بينها الفيلم الوثائقي “مسكون” للمخرجة لواء يازجي، والذي بدأت العمل عليه منذ اندلاع الثورة السورية، ثم أنجزته سنة 2014، مستعرضة بحدود الساعتين علاقة السوريين بمنازلهم وتفاصيل حياتهم، ووقوعهم بخيارين قاسيين، إما الموت بقصف النظام البائد أو الرحيل.
“مسكون” الذي نال جائزة التحكيم عن فئة الأفلام الأولى في مهرجان مرسيليا الدولي للأفلام الوثائقية 2014 حيث عُرض لأول مرة، إضافةً إلى جوائز أخرى، لا يزال يروي مآسي السوريين عبر مشاركته في مهرجانات وتظاهرات عالمية إلى غاية الآن.

وعرض كذلك الفيلم الوثائقي “الرقيب الخالد” الذي أنتج عام 2014 للمخرج زياد كلثوم، ويصور جرائم النظام السوري السابق في الغوطة الشرقية، وقصفه المدن والبلدات.
الفيلم الذي نال جوائز عالمية عدة يعرض خلال 72 دقيقة قصة مخرجه كلثوم، عندما ساقته سلطات نظام بشار الأسد ليكون جندياً في جيشها برتبة رقيب مجند في جبهة المليحة بالغوطة الشرقية، حيث يصور حياته العسكرية داخل قطعة عسكرية، وفي الوقت نفسه حياته المدنية، حين يرافق صديقه المخرج محمد ملص كمساعد له على تصوير الفيلم.
وخلال جلسة حوارية عبر الإنترنت أعقبت العرض، قال كلثوم من ألمانيا “لم أخطط لأن أصنع فيلم ‘الرقيب الخالد’، لكني كنت أعيش واقعاً عبثياً لا بد من توثيقه.”
وروى كلثوم كيف بدأ بتصوير يومياته سرا في صالة السينما التي كان يُشرف عليها، ليتحوّل لاحقاً إلى شريك في صناعة فيلم “السلم إلى دمشق” مع المخرج ملص، ثم إلى مخرج لفيلمه الخاص، الذي أكمل مونتاجه في دمشق رغم التهديدات، حفاظاً على روح الخوف والترقّب التي عايشها.
وأكد كلثوم أن الفيلم يوثّق لحظة انكشاف الحقيقة، “حين بدأنا ندرك أن من نحاربهم ليسوا أعداءً، بل أهلنا… لقد كانت لحظة ولادة الوعي… تماماً كما هو اسم المعرض ‘بداية’.”
كما عرض الفيلم الوثائقي “300 ميل” للمخرج عروة المقداد برصده جبهات القتال المشتعلة بين الثوار وجيش النظام السابق في مختلف المناطق السورية.
الفيلم الذي عرض في دمشق للمرة الأولى خلال تظاهرة “بداية”، يمتد على 95 دقيقة، ويبدأ من مشهد إنساني مؤثر يجمع بين المخرج المقداد وابنة شقيقه نور، التي تسأل عمها ببراءة “من أين أبدأ الحكاية؟”
ينتقل الفيلم من درعا، حيث تولى التصوير فراس ونور المقداد، إلى حلب شمالاً التي صور مشاهدها المخرج نفسه، ليكون عنوان الفيلم مستوحى من المسافة بين حلب في الشمال وحوران في الجنوب “300 ميل”، حيث كان من المستحيل على المدنيين قطعها، ولكنها في الوقت نفسه هي مسافة مكونة من خطوط الجبهات والحواجز والمعارك.
وتظهر الطفلة نور بعدة مشاهد لتحدثه عن الأهل وأحوال حوران، ولتصف له تغيرات الأماكن وقطع الشجرة المحببة لها، بينما تسمع أصوات الانفجارات والقنابل.
لقد تغيرت اهتمامات الطفولة البريئة لدى نور كسائر أطفال سوريا، فلم تعد تعنيها أرجوحتها القديمة، بل تتساءل عن معاني ومصطلحات الحرب، فما هي “التصفية؟ الهدنة؟ قصف؟ الطيران؟…،” وكأنها تحاسب الضمير الإنساني على سكوته أمام معاناة السوريين.
نسمع في الفيلم أحاديث الثوار وتساؤلاتهم الدائمة بلا أجوبة “أين العدل؟… إلى متى؟… ماذا سيحدث إذا خرج كل العالم مظاهرات داعمة لنا؟… هل مكتوب على الإنسان أن يموت كي يكون حراً؟”
الفيلم الوثائقي "300 ميل" للمخرج عروة المقداد يرصد جبهات القتال المشتعلة بين الثوار وجيش النظام السابق في مختلف المناطق السورية
شخصية القائد الثوري الشريف كانت عبر أبويعرب الأربعيني الذي يصف المحاربين الأوفياء للمبادئ التي قامت عليها الثورة، وهو الذي يلخص البطولة والشجاعة والإقدام.
ونرى أحلام الشباب عبر عدنان الطالب الجامعي الذي ترك دراسته والتحق بالثورة وبأهدافها السامية، مع أصدقائه الشبان وهم يهتفون للحرية، مع تعليقات ساخرة كئيبة تعبر عن الواقع الأليم في ظل تفشي إجرام النظام بحق المدنيين.
نسافر في الفيلم ما بين واقع مدينة حلب التي يطالها قصف النظام وواقع حوران، ما يؤكد التمازج بين أوجه الثورة المتعددة. وهدوء الفيلم رغم تصويره من جبهات القتال كان لافتا، ومن الأصوات غناء جدّة المخرج ذات الأصول الفلسطينية من الفلكلور الحوراني بصوت مليء بالحزن والأسى، على بلد يحترق بنيران القصف وشباب يرحل.
وفي المشاهد الأخيرة، صمتٌ غداة القصف، لتخترقه أصوات سيارات الإسعاف التي تهرع لنجدة الناس، ودمار وخراب، ثم سنابل القمح الصفراء تعلن النهاية الممزوجة بالأمل.
وفي رسالة أرسلها المخرج إلى تظاهرة “بداية” وإلى سوريا كلها، وبحضور والدته، أكد أن 14 عاما خسرنا فيها الكثير، أحبة وأحلاماً وذكريات، لكننا ما زلنا هنا وإن حال النظام البائد بيننا وبين أحلامنا وأحبتنا، ووجدنا طرقاً كثيرة لنلتقي ومنها السينما التي نختصر فيها ما قد يستحيل قوله.
ولفت المقداد إلى أنه أنتج الفيلم وهو مختبئ في بيت، ممنوع من المغادرة، ثم جال الفيلم العالم ولم يستطع أن يكون معه، لكن هذا التوقيت هو الأحب إلى القلب لأنه “يسبقني إلى دمشق، ربما لأن الفن في جوهره قادر على أن يكون أكثر حرية من صانعه.”
يُشار إلى أن الفيلم عرض في العديد من المهرجانات العالمية المهمّة مثل مهرجان “لوكارنو- سويسرا”، وحاصل على عدة جوائز، منها جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان “دوك ليزبوا – البرتغال”.
وبيت فارحي الذي يستضيف فعاليات التظاهرة يقع في حي اليهود بدمشق القديمة، وهو ثاني أكبر القصور الدمشقية اليهودية. بُني القصر في عام 1805، ويتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يجمع بين الطراز الدمشقي التقليدي والزخارف الفارسية. بعد ترميمه أصبح القصر مركزًا ثقافيًا يحتضن الفعاليات الفكرية والفنية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook