"جانت واحة الحضارة".. فلسفة الصحراء تصورها
أمال دكار بالأبيض والأسود احتفال بالطبيعة والإنسان عبر صور مبنية على عناصر مفهومية.
الثلاثاء 2025/04/29
ShareWhatsAppTwitterFacebook

أهالي جانت بأزيائهم المميزة
أحبّت المصورة الفوتوغرافية أمال دكار واحة جانت (جنوب الجزائر) كثيرا، فوثقتها بعدستها، وعبرت عن شغفها بالواحة وعناصرها بصور تظهر التراث الغني والثراء البيئي والتنوع الفني والثقافي لأهاليها، جاعلة من صورها تلك ذاكرة حية متنقلة تحمل المشاهد إلى عمق الأمكنة وتصوّراتها المتخيّلة ومفرداتها المتنوعة.
تقدّم المصورة الفوتوغرافية الجزائرية أمال دكار بغاليري “هانغ آرت” بالجزائر العاصمة معرضا بعنوان “جانت واحة الحضارة” ضمن فعاليات شهر التراث، وهي مجموعة من الصور التي التقطتها من رحلتها الأخيرة إلى مدينة جانت عاصمة التاسيلي.
والمعرض تفصيل جمالي وفني عميق بصريا، اختارت دكار أن تعبّر عنه بالصورة وما حملته في تماس التواصل الحسي والذهني والتأمل الذي قادها إلى ابتكار الرؤى الفنية، من خلال فضاء جانت وطبيعتها، والصحراء وحياتها، والطوارق وطقوسهم التي يتعايشون بها مع عوالم التنقل والاحتفال والتمازج والاندماج حفاظا على حضورهم وهويتهم وحضارتهم.
في الصور تبدو تفاصيل الأمكنة والملامح التي التقطتها دكار مبنية على العنصر المفهومي في مكامن اللقطة ودلالاتها، ما جعلها كثيفة ومحتوية لعمق اختارته وبحثت عنه وطوّعته حتى يكون قادرا على القبض على اللحظة بعفوية في ملامح الناس وعلى المحيط الذي ينعكس عليهم في بيئة الحضور واحتفالية المكان المفعم بالغموض بالدهشة، كمفترق طرق لجغرافيا مميّزة تجتمع كلها على اعتبار جانت أيقونة هوية وجمال، استطاعت أن تنقشه في الروح يخزّنه الزائر والمغامر ويعود به.
المعرض تفصيل جمالي وفني عميق بصريا عبرت عنه دكار بالصورة وما حملته في تماس التواصل الحسي والذهني
تحمل الصور محتوى يتماهى معه زاد الطبيعة ويقتنص ذاكرة الرمل ووقع الكثبان الكثيفة في تمازجها مع الصخور والجبال بما يعيد ترتيب الفوضى في الأحاسيس التي تتحرّك على إيقاعها، وهو ما يجعلها تُرى للمتلقي بعين المكتشف المحمّل بالحنين، الحنين نفسه الذي أرادت المصوّرة نقله وخلقت معه دوافع التيه المقصود عمدا من أجل الغوص أكثر في عمق الأمكنة وتصوّراتها المتخيّلة.
لأنها تعتبر أن رحلة واحدة إلى جانت لا تكفي و”عبور واحد لا يصل مهما وصلناها” كما تقول، ولأن معرفة الفكرة الأولى لجانت هي قرب يوحي إلى صورة الوجود المتحرّر من قوالب القيد الشكلي المألوف للصورة، خاصة وأن جانت تقدّم حضارتها وتاريخها على طبق من رمل يقرأ غرابتها لمسافر يدفعه إليها فضول استثنائي.
الصور التي تقدّمها دكار تقول إن جانت احتفال دائم بالطبيعة والإنسان تُرى ظاهرا صحراء قد تشبه الصحاري، ولكنها حلم ويقظة سراب ويقين، لمن يجيد فهم لغة التعلق بالفضاء ويتبع الأثر الباقي على مسافات الحنين والتأمل وقراءة ذاته لمعرفة روحه هناك، وهو ذات اليقين الذي حملته أمال دكار عندما اندفعت نحو الطبيعة والرمال والصخور والفضاء والسماء لتحاكي وجودها بالفن، باللقطة، بالصورة، بالحياة، بالمعايشة والاندماج، وبكل ما تعنيه ماورائيات الصورة. فن حاولت به أن تسافر بمتلقيها وتحتفل معه بالاكتشاف والمغامرة، عبر أمكنة تعيد سرد أزمنتها في الأهازيج والموسيقى، في الملبس وأسلوب الحياة.
ومن الواحات المدهشة في حضورها اللامتوقع إلى صخور متشعّبة كمتاهة لا تنتهي بأساطيرها التي خلقت محاورات عميقة بين الطبيعة والانسان، واندماجا حسيّا مع كهوفها وحفرياتها وإنسانها القديم الراسخ في تاريخه، أبصرت دكار فلسفة الصحراء التي لا تتبنى المادة بقدر ما تساكن الروح وتشكل فضاءاتها، تقول “في رحلة الصدفة إلى جانت وقعت في عشق التفصيل وزوايا النحت الطبيعي في تلك الصخور وعوامل الطبيعة التي استطاعت أن تصنع أجمل المشاهد التي رأيت سحرا دفعني إلى التقاط اللحظة في سكون موسيقى الريح وشجن الرمل.”
اقتناص اللحظة من الفضاء الواسع
الرحلة الأولى إلى جانت كانت حاجة إلى الراحة وعزلة اختيارية لترتيب فوضى الأفكار لتصبح الرحلات المتتالية مسكنا لروح الابتكار، ورؤية أخرى تساكن وقع الطبيعة تركض على إيقاعها، فجانت تستحق أن تزار بشكل أفضل في كل مرة وباستعداد حسّي مختلف بكل تفاصيل الطبيعة لأنها ليست مكانا، إنها جنة من نوع آخر كما قال الكاتب الليبي إبراهيم الكوني “الصحراء منفى للجسد وفردوس للروح”، وهو ما دفع أمل دكار إلى اقتفاء أثرها الحسي بعشقها لفوتوغرافيا الروح التي مكّنتها من التقاط صورها بشغف رؤيتها، وهو ما حوّلها من صور إلى لوحات قدّمتها في معرضها الأول الخاص بجانت، عندما علقت بذاكرتها الملامح والسكان “الطوارق”، فرصدت حياتهم، وتأملتهم من خلال فوتوغرافيا البورتريه، التي اختارتها أن تكون بالأبيض والأسود، لأنها اعتبرت أن وميض الصورة يبدو أعمق كذلك، وأن النظرات العميقة هي صحراء ساكنة في عمق الروح وشغف طالع في التعايش معها.
وفي معرضها الحالي الذي يستمر إلى نهاية شهر أبريل الحالي لم تبتعد دكار عن أسلوبها الفني الفوتوغرافي المعهود، كما حافظت أيضا على صور الفضاء المفتوح والواسع وتلاحمت رؤاها مع الظل والضوء والحركة ومع الأفق السماوي الأزرق لجانت الذي تجتمع معه وفيه كل الألوان لتعطي قراءات جديدة “في سماء جانت الأفق مختلف والرملي انسياب والأخضر اكتشاف نادر وباذخ وسط كل تلك التناقضات الطبيعية، وما تحمله من حكايات شعبية”، تندمج مع الاحتفالات مثل احتفال “سبيبة” الذي حمّلها هدف قراءة الفرح ومجارات إيقاع الرقصات، تجوال بصري ملوّن في أزياء الطوارق وحليّهم، زينتهم وفرحهم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية
أمال دكار بالأبيض والأسود احتفال بالطبيعة والإنسان عبر صور مبنية على عناصر مفهومية.
الثلاثاء 2025/04/29
ShareWhatsAppTwitterFacebook

أهالي جانت بأزيائهم المميزة
أحبّت المصورة الفوتوغرافية أمال دكار واحة جانت (جنوب الجزائر) كثيرا، فوثقتها بعدستها، وعبرت عن شغفها بالواحة وعناصرها بصور تظهر التراث الغني والثراء البيئي والتنوع الفني والثقافي لأهاليها، جاعلة من صورها تلك ذاكرة حية متنقلة تحمل المشاهد إلى عمق الأمكنة وتصوّراتها المتخيّلة ومفرداتها المتنوعة.
تقدّم المصورة الفوتوغرافية الجزائرية أمال دكار بغاليري “هانغ آرت” بالجزائر العاصمة معرضا بعنوان “جانت واحة الحضارة” ضمن فعاليات شهر التراث، وهي مجموعة من الصور التي التقطتها من رحلتها الأخيرة إلى مدينة جانت عاصمة التاسيلي.
والمعرض تفصيل جمالي وفني عميق بصريا، اختارت دكار أن تعبّر عنه بالصورة وما حملته في تماس التواصل الحسي والذهني والتأمل الذي قادها إلى ابتكار الرؤى الفنية، من خلال فضاء جانت وطبيعتها، والصحراء وحياتها، والطوارق وطقوسهم التي يتعايشون بها مع عوالم التنقل والاحتفال والتمازج والاندماج حفاظا على حضورهم وهويتهم وحضارتهم.
في الصور تبدو تفاصيل الأمكنة والملامح التي التقطتها دكار مبنية على العنصر المفهومي في مكامن اللقطة ودلالاتها، ما جعلها كثيفة ومحتوية لعمق اختارته وبحثت عنه وطوّعته حتى يكون قادرا على القبض على اللحظة بعفوية في ملامح الناس وعلى المحيط الذي ينعكس عليهم في بيئة الحضور واحتفالية المكان المفعم بالغموض بالدهشة، كمفترق طرق لجغرافيا مميّزة تجتمع كلها على اعتبار جانت أيقونة هوية وجمال، استطاعت أن تنقشه في الروح يخزّنه الزائر والمغامر ويعود به.
المعرض تفصيل جمالي وفني عميق بصريا عبرت عنه دكار بالصورة وما حملته في تماس التواصل الحسي والذهني
تحمل الصور محتوى يتماهى معه زاد الطبيعة ويقتنص ذاكرة الرمل ووقع الكثبان الكثيفة في تمازجها مع الصخور والجبال بما يعيد ترتيب الفوضى في الأحاسيس التي تتحرّك على إيقاعها، وهو ما يجعلها تُرى للمتلقي بعين المكتشف المحمّل بالحنين، الحنين نفسه الذي أرادت المصوّرة نقله وخلقت معه دوافع التيه المقصود عمدا من أجل الغوص أكثر في عمق الأمكنة وتصوّراتها المتخيّلة.
لأنها تعتبر أن رحلة واحدة إلى جانت لا تكفي و”عبور واحد لا يصل مهما وصلناها” كما تقول، ولأن معرفة الفكرة الأولى لجانت هي قرب يوحي إلى صورة الوجود المتحرّر من قوالب القيد الشكلي المألوف للصورة، خاصة وأن جانت تقدّم حضارتها وتاريخها على طبق من رمل يقرأ غرابتها لمسافر يدفعه إليها فضول استثنائي.
الصور التي تقدّمها دكار تقول إن جانت احتفال دائم بالطبيعة والإنسان تُرى ظاهرا صحراء قد تشبه الصحاري، ولكنها حلم ويقظة سراب ويقين، لمن يجيد فهم لغة التعلق بالفضاء ويتبع الأثر الباقي على مسافات الحنين والتأمل وقراءة ذاته لمعرفة روحه هناك، وهو ذات اليقين الذي حملته أمال دكار عندما اندفعت نحو الطبيعة والرمال والصخور والفضاء والسماء لتحاكي وجودها بالفن، باللقطة، بالصورة، بالحياة، بالمعايشة والاندماج، وبكل ما تعنيه ماورائيات الصورة. فن حاولت به أن تسافر بمتلقيها وتحتفل معه بالاكتشاف والمغامرة، عبر أمكنة تعيد سرد أزمنتها في الأهازيج والموسيقى، في الملبس وأسلوب الحياة.
ومن الواحات المدهشة في حضورها اللامتوقع إلى صخور متشعّبة كمتاهة لا تنتهي بأساطيرها التي خلقت محاورات عميقة بين الطبيعة والانسان، واندماجا حسيّا مع كهوفها وحفرياتها وإنسانها القديم الراسخ في تاريخه، أبصرت دكار فلسفة الصحراء التي لا تتبنى المادة بقدر ما تساكن الروح وتشكل فضاءاتها، تقول “في رحلة الصدفة إلى جانت وقعت في عشق التفصيل وزوايا النحت الطبيعي في تلك الصخور وعوامل الطبيعة التي استطاعت أن تصنع أجمل المشاهد التي رأيت سحرا دفعني إلى التقاط اللحظة في سكون موسيقى الريح وشجن الرمل.”

الرحلة الأولى إلى جانت كانت حاجة إلى الراحة وعزلة اختيارية لترتيب فوضى الأفكار لتصبح الرحلات المتتالية مسكنا لروح الابتكار، ورؤية أخرى تساكن وقع الطبيعة تركض على إيقاعها، فجانت تستحق أن تزار بشكل أفضل في كل مرة وباستعداد حسّي مختلف بكل تفاصيل الطبيعة لأنها ليست مكانا، إنها جنة من نوع آخر كما قال الكاتب الليبي إبراهيم الكوني “الصحراء منفى للجسد وفردوس للروح”، وهو ما دفع أمل دكار إلى اقتفاء أثرها الحسي بعشقها لفوتوغرافيا الروح التي مكّنتها من التقاط صورها بشغف رؤيتها، وهو ما حوّلها من صور إلى لوحات قدّمتها في معرضها الأول الخاص بجانت، عندما علقت بذاكرتها الملامح والسكان “الطوارق”، فرصدت حياتهم، وتأملتهم من خلال فوتوغرافيا البورتريه، التي اختارتها أن تكون بالأبيض والأسود، لأنها اعتبرت أن وميض الصورة يبدو أعمق كذلك، وأن النظرات العميقة هي صحراء ساكنة في عمق الروح وشغف طالع في التعايش معها.
وفي معرضها الحالي الذي يستمر إلى نهاية شهر أبريل الحالي لم تبتعد دكار عن أسلوبها الفني الفوتوغرافي المعهود، كما حافظت أيضا على صور الفضاء المفتوح والواسع وتلاحمت رؤاها مع الظل والضوء والحركة ومع الأفق السماوي الأزرق لجانت الذي تجتمع معه وفيه كل الألوان لتعطي قراءات جديدة “في سماء جانت الأفق مختلف والرملي انسياب والأخضر اكتشاف نادر وباذخ وسط كل تلك التناقضات الطبيعية، وما تحمله من حكايات شعبية”، تندمج مع الاحتفالات مثل احتفال “سبيبة” الذي حمّلها هدف قراءة الفرح ومجارات إيقاع الرقصات، تجوال بصري ملوّن في أزياء الطوارق وحليّهم، زينتهم وفرحهم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية