قصص وطرائف من الشرق والغرب تثبت أهمية الفكاهة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصص وطرائف من الشرق والغرب تثبت أهمية الفكاهة

    قصص وطرائف من الشرق والغرب تثبت أهمية الفكاهة


    المرويات تعتبر اليوم جزءا ثمينا من تراث ثقافي شفوي عالمي، يندرج في علم المرويات من الأدب أو الفلكلور الشعبي الحافل بالحكم المأثورة.
    الثلاثاء 2025/04/15
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الضحك متعة ضرورية (لوحة للفنان عادل خلف)

    عمّان- “اليوم الذي لا نضحك فيه هو يوم لم نعشه.. يوم منقوص من أعمارنا ” تقول الحكمة الشعبية، ويقول الجاحظ “من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر،” الكتاب المرح يؤنسنا، يضحكنا وأحيانا يبكينا، إنه ينقلنا في لمح البصر من الحزن إلى الفرح، ومن الامتعاض إلى الانشراح، يطير بنا عبر الأزمنة الغابرة، ينقل إلينا أخبار الظرف والظرفاء، والمجون والمتماجنين، هؤلاء الذين تعتبر أخبارهم وحكاياتهم وطرائفهم بمثابة عصارة فكر للإنسانية جمعاء منذ عهود غابرة. هذه الحكايات تجعلنا نحلم ونفكر، وعبرها نطل على مختلف الثقافات التي تناقلتها الأمم والأجناس قبلنا على امتداد الحقب والأزمان.

    صدر حديثا للكاتب والباحث المغربي محمد محمد الخطابي كتاب بعنوان “رجال ونساء.. قصص وطرائف”، جمع بين دفتيه عشرات الحكايات والقصص، والنوادر والطرائف، والمستملحات من الشرق والغرب، تعكس مدى قدرة الإنسان على إيجاد وسائل للتسلية والتسري، وخلق فرص للضحك والفكاهة، وتوفير أسباب السعادة والانشراح من كل نوع.

    كل هذه الحكايات التي تمتلئ بها بطون الكتب لا بد أنها تنتزع منا ضحكات، وبسمات في أحلك الظروف وأقساها في حياتنا اليومية الحالية الحالكة التي أمسينا نعيشها على مضض. بعض هذه القصص والطرائف وصلتنا من سديم الماضي السحيق، ثم تم تدوينها في الكتب، بدءا بالورق المهرق، ومرورا بالقراطيس والكراريس، وصولا إلى الورق الصقيل، وأخيرا الرقميات الإلكترونية.

    وتعتبر هذه المرويات اليوم جزءا ثمينا من تراث ثقافي شفوي عالمي، يندرج في علم المرويات من الأدب أو الفلكلور الشعبي الحافل بالحكم المأثورة، والأقوال السائرة والمشهورة، التي تجري على ألسنة قادة الفكر والعقول، والكتاب، والمبدعين، والفنانين، هذا التراث الشفوي المتواتر يعكس خصوصيات الأجناس والشعوب، ويصور لنا عوالم المثقفين، وأسرار المبدعين، وخبايا الوالهين، وخفايا المتيمين، وأخبار عامة الناس على تباين شرائحهم في مختلف أرجاء المعمورة.

    تشكل الطرفة أو المستملحة، من دون شك موهبة وانشراحا ومرحا لدى الإنسان، إلا أن ذلك غير كاف لوحده لخلق الفن الجيد، بل ينبغي لهذه الطرائف والمستملحات أن تكون مليئة بالمحتوى الثري، والرموز الدالة العميقة، فالطرفة الحلوة تنير الأفكار، وتصقل العقول، وتضفي على سامعيها بريقا مشعا، وسحرا آسرا، وتجعل هذه الأفكار مقبولة ومحبوبة، تستكين في الذاكرة، وتقبع في الوجدان، مستساغة، طيعة مطواعة، وعليه فلا السباب ولا الإهانة لديها مثل هذه القوة، التي تتوفر عليها الفكاهة المرحة، والتسلية العميقة.

    ويبين لنا الكتاب، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، أنه في الطرفة تكمن العديد من الفروق الدقيقة، وهي تزدان بالألوان الزاهية، كما هو الحال في قوس قزح، فهناك سخرية قاسية ذات ألوان كئيبة، ضحكتها قد تجعل الأسنان تصطك، وهناك سخرية تتسم أحيانا بالجدية والصرامة، وتتخللها في بعض الأحيان غمزات ولمزات، قد تجعل سرب الدبابير يطير فزعا، هناك روح الدعابة، وليس في إمكاننا تجاهل النكات الجميلة، والمواقف المرحة التي وصفها البعض بصورة غير عادلة، باعتبارها قريبة من الدغدغة، التي قد تبلغ مبلغ القهقهة.

    هناك النكتة التي تهزنا في مكاننا عند سماعها، وهناك الطرفة التي تجعل مآقينا تغرورق بالدموع، وتجعلنا نقف دون وعي منا، إنها تحركنا تلقائيا لأنها تنطوي على حافز قوي، إلا أن هذا الحافز إذا خبا فإن روحنا تغدو فكرا هجينا، وعاطفة جوفاء.

    يشط بنا الخيال أحيانا بعيدا حتى ليخيل إلينا أن شخصيات بعض الطرائف قد تكون غير آدمية، بل إنها شبيهة بدمى متحركة مصنوعة من فرط الفكاهة ذاتها، ومع ذلك فهي تشتمل على أكبر قدر ممكن من الإنسانية، التي يمكن بها أو بواسطتها تكثيف الإشارات إلى أفعالنا الخاطئة، والعمل على تقويمها وفضحها وتعريتها.

    قد تحوم الفكاهة حول الحكام والملوك والخلفاء، والأمراء والقضاة والمحامين والمعلمين، والشعراء، والأدباء والفنانين، والناس العاديين. الفكاهة هي الشكل التعبيري الدقيق للملاحظة الذكية الحادة، والفطنة نوع من اليقظة، وسرعة البديهة وحضورها، من خلال الإصرار المبالغ فيه على بعض الخصائص المميزة للإنسان التي تحكى عنه، أو له الطرفة أو المستملحة، فتصبح مثل عمل فنان الكاريكاتير، الذي يجسم ويضخم الملامح البارزة للوجوه في رسمه لصورة كاريكاتورية ما، أو تسجيله لموقف ضاحك ما يسترعي انتباهه أكثر من غيره.

    ويثبت محمد الخطابي أن السخرية فن قديم؛ يحفل به الأدب القديم منذ الإغريق والرومان والفرس والهنود، والأدب العربي والعالمي قديمه وحديثه بكتابات ضافية متنوعة، وبقصص وحكايات، وأساطير ونصوص غابرة في القدم، مترعة بأساليب السخرية والتهكم، ومفعمة بالطرائف والنوادر، رواها العديد من المؤلفين والكتاب في إبداعاتهم على اختلاف أشكالها، وتباين ألوانها، في قوالب قصصية وشعرية ومسرحية، وفي سواها من الأغراض الإبداعية الأخرى، والواقع أن الأدب الفكاهي لم يخل منه عصر من العصور.

    وقد ازدهرت الفكاهة في صدر الإسلام، وظهرت في العصر الأموي شخصيات فكاهية مثل أشعب، وأبو دلامة، وقد اشتهر في الأدب العربي كتاب منذ العصور القديمة في هذا المجال وبشكل خاص في العصر العباسي في طليعتهم أبوعثمان ‏الجاحظ الذي اشتهر بأساليبه الفكاهية اللاذعة. وأخبرنا الحكواتيون والحلائقيون والرواة والحفاظ منذ خلف الأحمر، وحماد الراوية، وصولا إلى أبي الفرج الأصبهاني في كتابه الشهير «الأغاني» ومن جاء بعده أنه نظرا لحياة التسلية والتسري، وأجواء الفكاهة والترف، ورهافة المجن والمجون التي كان يعيش في كنفها معظم الخلفاء والأمراء العرب على اختلاف عصورهم فقد انكبّ وهبّ ‏الأدباء والشعراء وغيرهم من المستظرفين على أبواب قصورهم لإضحاكهم بحلو الفكاهات، وعذب النوادر، ولطيف المستملحات للحصول على مكافآتهم وعطاياهم السخية من دنانير وهدايا ومطايا.

    كما نجد في العصر الحديث في مختلف البلدان العربية عدد غير قليل من الكتاب ممن اشتهروا بهذا الأسلوب الفكاهي المرح.

يعمل...