"البطل".. مسلسل عن الثمن الكبير الذي يدفعه الإنسان النبيل مقابل تضحياته
دراما مثيرة تخرج من رحم مأساة الواقع السوري.
الجمعة 2025/04/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook

قصة إنسانية مؤثرة
قدمت الدراما السورية العديد من الممثلين والمخرجين المهمين الذين نالوا انتشارا واسعا وحققوا حرفية كبيرة صنعت مجد هذه الدراما، ومن هؤلاء الممثل السوري بسام كوسا، الذي يقدم الإضافة لكل عمل يشارك فيه. وها هو في دراما “البطل” يجسد واحدا من أبرز أدواره، التي امتاز فيها بإتقان كبير لتقمص شخصياته.
قدم الفنان بسام كوسا العام الماضي دور البطل المضاد في مسلسلين دراميين، الأول هو “تاج” إخراج سامر برقاوي، حيث أدى فيه دور رياض الجواد أشهر خياطي دمشق في أربعينيات القرن الماضي والعميل لدى الاستخبارات الفرنسية، أما الدور الثاني هو في مسلسل “مال القبان” إخراج سيف سبيعي، فقد أدى فيه شخصية نعمان الزير، التاجر الجشع والانتهازي في سوق المال الدمشقي، الذي يقدس المال، تميز بأدائه لهذا الدور، فكان حضوره طاغيا.
أما الفنان محمود نصر فقد أدى في مسلسل “ولاد بديعة” إخراج رشا شربتجي دور مختار الدباغ، أحد أبناء عارف الدباغ أشهر دباغي الجلود في دمشق، وهو شخص مريض نفسيا مصاب بالذهان نتيجة قسوة والده عليه في صغره وضرب إخوته من والده – أبناء بديعة – له في كبره وإخصائه، الأمر الذي دمره نفسيا مدى حياته، فأصبح عدوانيا مجرما تواقا للانتقام منهم ومن كل من يزعجه.
أدى نصر هذه الشخصية ببراعة كبيرة توجته ممثلا كبيرا ليعود ويجتمع هذا العام هو والنجم بسام كوسا في مسلسل مختلف تحت إدارة المخرج الليث حجو وهو “البطل” المأخوذ عن مسرحية “زيارة الملكة” للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان، ويكون كوسا ونصر أبطالا حقيقيين في مجتمعهم مع اختلاف نشأتهم وتوجههم فيصنعون فارقا في القرية التي يعيشون فيها وتدور بها أحداث العمل.
البطل المغوار
المسلسل يقدم أبطالا حقيقيين في مجتمعهم مع اختلاف توجهاتهم، يصنعون فارقا في القرية التي يعيشون فيها
يروي المسلسل قصة أستاذ المدرسة يوسف عيد الصالح (بسام كوسا) الذي يعيش هو وعائلته زوجته رانيا (هيما إسماعيل) وابنته مريم (نور علي) وابنه مجد (وسام رضا) في إحدى القرى السورية زمن اندلاع الثورة السورية، حيث تكون هذه القرية متاخمة لقرية أخرى تدور بها اشتباكات بين جيش النظام وفصائل الثوار، ليسطر الأخيران عليها في أحد الأيام، فيقوم النظام السوري كعادته بقصفها قصفا شديدا مما يضطر سكان هذه القرية من المدنيين للنزوح عنها حفاظا على أرواحهم، فلا يوجد أمامهم مكان يلجأون إليه سوى القرية التي يعيش فيها الأستاذ يوسف وعائلته، والتي مازالت تحت سيطرة وسلطة نظام البعث.
حين يصل هؤلاء الناس إلى القرية تعم الفوضى فيها من أجل إيوائهم، فيتدخل الأستاذ يوسف بصفته مديرا لمدرسة القرية ويقترح إيواءهم في هذه المدرسة متحديا قرار السلطات التي وقفت عاجزة أما الحدث الطارئ، مما يثير استياء شرطي القرية وممثل النظام فيها راجح (حسين عباس) فيخبر مرؤوسيه فورا بقرار يوسف الفردي، فيأتون إلى القرية ويلتقون بالناس ويقبلون أن يقيموا في المدرسة مؤقتا ريثما يستعيد النظام السيطرة على قريتهم ويعودون إليها.
تدب الفوضى في هذه المدرسة نتيجة إقامتهم فيها وتبدأ الخلافات معهم فهم بحاجة إلى التدفئة والكهرباء والماء، ما يزيد العبء على إدارة المدرسة وعلى يوسف الذي أظهر أول موقف من شهامته بإيوائهم، كيف لا يفعل هذا وهو الرجل النبيل سليل عائلة الأبطال وأكبر وجهاء القرية، فوالده أحد أبطال حرب تشرين وجده قائد ثوار القرية ضد الفرنسيين، أما الموقف الثاني الذي يظهر شهامته فهو إيواء إحدى النازحات (نانسي خوري) مع طفلها الرضيع في منزله خوفا على هذا الرضيع من البرد والتشرد.
تتصاعد أحداث العمل ويبدأ سكان القرية يعتادون على الوافدين الجدد والتعايش معهم إلى أن يقرر فرج (محمود نصر) الميكانيكي ابن مغسلة أموات القرية أن يأخذ الأستاذ يوسف كجاهة معه لطلب يد راما الفتاة التي يحبها وابنة أبوعدنان (جرجس جبارة)، يرفض الأخير طلبه هو وإخوتها الذكور ويعيروه بأصله السيئ ويذكرونه أنه لا يشرفهم أن يزوجوا ابنتهم من شاب أمه قتلت والده وولد في السجن، ويطردونه من منزلهم فيستاء يوسف نتيجة هذا التصرف ويقررون تزويج راما من ابن عمها، لكنها تعاندهم وتهرب مع فرج وتتزوجه فيجن جنونهم فيذهب إخوتها مسلحين بالعصي والسكاكين هم ومجموعة من الشبان إلى منزل يوسف معتقدين أن فرج وراما مختبئين عنده ويقررون اقتحام المنزل.
يتدخل الشرطي راجح في الوقت المناسب مطلقا النار من مسدسه في الهواء ليبعدهم عن منزل يوسف، ويطلب قوة من الشرطة في اليوم التالي ويعتقلهم لمدة قصيرة كي يردعهم ويؤدبهم، وتبقى المشكلات تلاحق يوسف أو هو الذي يقحم نفسه بها كما تصفه زوجته رانيا، إلى أن يحدث الشيء الذي سيغير مجرى الأحداث وحياة يوسف كلها، حيث يشب حريق في المدرسة نتيجة ماس كهربائي في ساعة الكهرباء ذات الشرطان المتآكلة، الذي ظل يوسف يطلب من مديرية التربية إرسال ورشة لإصلاحها وهم يتجاهلون ذلك، إلى أن تقع الكارثة وتلتهم النيران كل شيء.
أداء بسام كوسا ترك حضورا طاغيا أعاده إلى صدارة المشهد الدرامي وهو الذي اعتدنا عليه بهذه الشخصيات الكبيرة
ويهرع النازحون والطلاب نتيجة هذه النيران ويتدخل يوسف ويخاطر بحياته هو وبعض الشبان لإخراج الناس من المبنى المحترق إلى أن يكتشفوا أن هناك طفلا مفقودا وهذا الطفل هو ابن الشرطي راجح الصغير فيعود يوسف مخاطرا بحياته، ويقوم بالدخول وسط النيران عله يجده إلى أن يجده على سطح المبنى ولم يصب بأي أذى، فيقوم برميه ويمسك به الناس وينجو الطفل لكن انفجارا يحدث فجأة في المبنى فيهرب يوسف من النيران برمي نفسه من سطح المبنى لكنه لم يمت إنما يصاب بشلل دائم يغير حياته كلها ويصبح بطل القرية الذي ضحى بنفسه من أجل إنقاذ ابن راجح ولكن ماذا يفيد هذا وقد أصبح عاجزا.
يتم تكريمه من المحافظ وإهداؤه درعا ومبلغا ماليا، ويصبح بطلا قوميا، وتبدأ حياته الجديدة بالتوازي مع حياة فرج الجديدة قرين يوسف في الشجاعة والشهامة والنبل، وكأنه ابنه المعنوي الذي يعود إلى القرية هو وزوجته راما بعد صفح عائلتها عنهم والسماح لهم بالعودة إلى القرية بشرط مقاطعتهم واعتبارهم غرباء. يصبح فرج منبوذا من أهل راما ومن أهل القرية، فيصبح بلا عمل وبلا مال الأمر الذي يجعله يعاني هو وزوجته وأمه من الفقر الشديد، فيقرر أن يقبل عرض بقال القرية والعمل في التهريب بعد أن أغلقت كافة الأبواب الشرعية في وجهه، ولم يبق سوى هذا الباب غير الشرعي في وجهه كي يعيش بكرامة ويحارب فقره وتتصاعد الأحداث ويبدأ الصراع.
أداء وإخراج مميزان

أدى الفنان بسام كوسا دور يوسف بتلقائية شديدة وواقعية وكأنه يقدم شخصيته الحقيقية فكان الزوج المحب والأب المتفاني والأستاذ الملتزم والإنسان الشجاع الصالح والشهم، فترك حضورا طاغيا أعاده إلى صدارة المشهد الدرامي من جديد هو الذي اعتدنا عليه بهذه الشخصيات الكبيرة وأعاد إلى أذهاننا دوره في مسلسل “أحلام كبيرة” الذي قدمه مع المخرج الراحل حاتم علي قبل عشرين عاما، حيث أنه دائما يؤكد أنه مكسب لأي عمل يشارك به.
كما أدت الفنانة نور علي والفنان خالد شباط أدوارهما بإتقان لشخصيات واقعية أبعدتهما قليلا عن أجواء الدراما المعربة التي اشتهرا من خلالها، كما أدى الفنان حسين عباس دور الشرطي المطيع لنظام البعث طاعة عمياء بواقعية شديدة، فكان أداؤه مميزا وكان إسناد الأدوار لباقي الممثلين موفقا كالفنانة هيما اسماعيل، التي أدت دور الزوجة المحبة المضحية والموظفة النزيهة فكانت عودتها للتمثيل بعد هذا الانقطاع الطويل موفقة وكان جميع الممثلين يؤدون أدوارهم تحت إدارة المخرج الليث حجو باحترافية.
قدم المخرج الليث حجو مسلسله هذا بكاميرا انطباعية أدارها مدير التصوير البولندي الموهوب حيث أبرز جمال الطبيعة في تكوينات كادره فكان التشكيل ضمن الكادر أحد أبرز السمات، وجاءت الإضاءة والأجواء الريفية الشتوية في الصورة لتذكرنا بأعمال المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي، مؤكدة لنا أن الليث حجو مخرج كبير يوضع بمصاف المخرجين الغربيين الكبار، وقد نال العمل صفة أفضل إخراج في التصويت الذي أجراه موقع إي تي بالعربي.
أما قصة العمل فهي من رحم مأساة الواقع السوري الذي كنا نعيشه زمن نظام البعث الفاشي الفاسد من قمع وفقر وجوع ونقص في الخدمات الأساسية للإنسان في هذا البلد، فكان نصا مميزا واقعيا وسط الأعمال الدرامية التي قدمت هذا العام، لكن يؤخذ على النص الذي كتبه رامي كوسا بشراكة مع الليث حجو بعض الثغرات المكانية والزمانية، حيث أن أجواء القرية توحي أنها قرية في ريف الساحل السوري لكن العمل يذكر أنها في ريف دمشق وخصوصا ظهور البحر في بعض المشاهد، وهناك شخصية أساسية مفقودة في هذه القرية وهي شخصية رجل الدين وهي شخصية أساسية في أي قرية يكون لها وزنها وثقلها وهذه من عيوب النص.
أما الزمان المفروض أن يكون في السنوات الأولى من الثورة السورية، ولكن الأحداث تؤكد أنه في نهايتها وخصوصا أن مروان ومريم يقرران السفر إلى أربيل وليس إلى دولة أوروبية، وأربيل أصبحت تعطي التأشيرات للسوريين في الأربع سنوات الأخيرة قبل سقوط النظام وهي من المناطق القليلة التي تعطي تأشيرات للسوريين كدولة الإمارات والعراق وهي إحدى الثغرات التي كان يجب أن يتنبه إليها صناع العمل ولكن رغم هذه الثغرات يبقى عملا مميزا وناجحا نصا وتمثيلا وإخراجا ويضاف إلى قائمة المسلسلات السورية المهمة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

إلياس حموي
كاتب سوري
دراما مثيرة تخرج من رحم مأساة الواقع السوري.
الجمعة 2025/04/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook

قصة إنسانية مؤثرة
قدمت الدراما السورية العديد من الممثلين والمخرجين المهمين الذين نالوا انتشارا واسعا وحققوا حرفية كبيرة صنعت مجد هذه الدراما، ومن هؤلاء الممثل السوري بسام كوسا، الذي يقدم الإضافة لكل عمل يشارك فيه. وها هو في دراما “البطل” يجسد واحدا من أبرز أدواره، التي امتاز فيها بإتقان كبير لتقمص شخصياته.
قدم الفنان بسام كوسا العام الماضي دور البطل المضاد في مسلسلين دراميين، الأول هو “تاج” إخراج سامر برقاوي، حيث أدى فيه دور رياض الجواد أشهر خياطي دمشق في أربعينيات القرن الماضي والعميل لدى الاستخبارات الفرنسية، أما الدور الثاني هو في مسلسل “مال القبان” إخراج سيف سبيعي، فقد أدى فيه شخصية نعمان الزير، التاجر الجشع والانتهازي في سوق المال الدمشقي، الذي يقدس المال، تميز بأدائه لهذا الدور، فكان حضوره طاغيا.
أما الفنان محمود نصر فقد أدى في مسلسل “ولاد بديعة” إخراج رشا شربتجي دور مختار الدباغ، أحد أبناء عارف الدباغ أشهر دباغي الجلود في دمشق، وهو شخص مريض نفسيا مصاب بالذهان نتيجة قسوة والده عليه في صغره وضرب إخوته من والده – أبناء بديعة – له في كبره وإخصائه، الأمر الذي دمره نفسيا مدى حياته، فأصبح عدوانيا مجرما تواقا للانتقام منهم ومن كل من يزعجه.
أدى نصر هذه الشخصية ببراعة كبيرة توجته ممثلا كبيرا ليعود ويجتمع هذا العام هو والنجم بسام كوسا في مسلسل مختلف تحت إدارة المخرج الليث حجو وهو “البطل” المأخوذ عن مسرحية “زيارة الملكة” للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان، ويكون كوسا ونصر أبطالا حقيقيين في مجتمعهم مع اختلاف نشأتهم وتوجههم فيصنعون فارقا في القرية التي يعيشون فيها وتدور بها أحداث العمل.
البطل المغوار

يروي المسلسل قصة أستاذ المدرسة يوسف عيد الصالح (بسام كوسا) الذي يعيش هو وعائلته زوجته رانيا (هيما إسماعيل) وابنته مريم (نور علي) وابنه مجد (وسام رضا) في إحدى القرى السورية زمن اندلاع الثورة السورية، حيث تكون هذه القرية متاخمة لقرية أخرى تدور بها اشتباكات بين جيش النظام وفصائل الثوار، ليسطر الأخيران عليها في أحد الأيام، فيقوم النظام السوري كعادته بقصفها قصفا شديدا مما يضطر سكان هذه القرية من المدنيين للنزوح عنها حفاظا على أرواحهم، فلا يوجد أمامهم مكان يلجأون إليه سوى القرية التي يعيش فيها الأستاذ يوسف وعائلته، والتي مازالت تحت سيطرة وسلطة نظام البعث.
حين يصل هؤلاء الناس إلى القرية تعم الفوضى فيها من أجل إيوائهم، فيتدخل الأستاذ يوسف بصفته مديرا لمدرسة القرية ويقترح إيواءهم في هذه المدرسة متحديا قرار السلطات التي وقفت عاجزة أما الحدث الطارئ، مما يثير استياء شرطي القرية وممثل النظام فيها راجح (حسين عباس) فيخبر مرؤوسيه فورا بقرار يوسف الفردي، فيأتون إلى القرية ويلتقون بالناس ويقبلون أن يقيموا في المدرسة مؤقتا ريثما يستعيد النظام السيطرة على قريتهم ويعودون إليها.
تدب الفوضى في هذه المدرسة نتيجة إقامتهم فيها وتبدأ الخلافات معهم فهم بحاجة إلى التدفئة والكهرباء والماء، ما يزيد العبء على إدارة المدرسة وعلى يوسف الذي أظهر أول موقف من شهامته بإيوائهم، كيف لا يفعل هذا وهو الرجل النبيل سليل عائلة الأبطال وأكبر وجهاء القرية، فوالده أحد أبطال حرب تشرين وجده قائد ثوار القرية ضد الفرنسيين، أما الموقف الثاني الذي يظهر شهامته فهو إيواء إحدى النازحات (نانسي خوري) مع طفلها الرضيع في منزله خوفا على هذا الرضيع من البرد والتشرد.
تتصاعد أحداث العمل ويبدأ سكان القرية يعتادون على الوافدين الجدد والتعايش معهم إلى أن يقرر فرج (محمود نصر) الميكانيكي ابن مغسلة أموات القرية أن يأخذ الأستاذ يوسف كجاهة معه لطلب يد راما الفتاة التي يحبها وابنة أبوعدنان (جرجس جبارة)، يرفض الأخير طلبه هو وإخوتها الذكور ويعيروه بأصله السيئ ويذكرونه أنه لا يشرفهم أن يزوجوا ابنتهم من شاب أمه قتلت والده وولد في السجن، ويطردونه من منزلهم فيستاء يوسف نتيجة هذا التصرف ويقررون تزويج راما من ابن عمها، لكنها تعاندهم وتهرب مع فرج وتتزوجه فيجن جنونهم فيذهب إخوتها مسلحين بالعصي والسكاكين هم ومجموعة من الشبان إلى منزل يوسف معتقدين أن فرج وراما مختبئين عنده ويقررون اقتحام المنزل.
يتدخل الشرطي راجح في الوقت المناسب مطلقا النار من مسدسه في الهواء ليبعدهم عن منزل يوسف، ويطلب قوة من الشرطة في اليوم التالي ويعتقلهم لمدة قصيرة كي يردعهم ويؤدبهم، وتبقى المشكلات تلاحق يوسف أو هو الذي يقحم نفسه بها كما تصفه زوجته رانيا، إلى أن يحدث الشيء الذي سيغير مجرى الأحداث وحياة يوسف كلها، حيث يشب حريق في المدرسة نتيجة ماس كهربائي في ساعة الكهرباء ذات الشرطان المتآكلة، الذي ظل يوسف يطلب من مديرية التربية إرسال ورشة لإصلاحها وهم يتجاهلون ذلك، إلى أن تقع الكارثة وتلتهم النيران كل شيء.
أداء بسام كوسا ترك حضورا طاغيا أعاده إلى صدارة المشهد الدرامي وهو الذي اعتدنا عليه بهذه الشخصيات الكبيرة
ويهرع النازحون والطلاب نتيجة هذه النيران ويتدخل يوسف ويخاطر بحياته هو وبعض الشبان لإخراج الناس من المبنى المحترق إلى أن يكتشفوا أن هناك طفلا مفقودا وهذا الطفل هو ابن الشرطي راجح الصغير فيعود يوسف مخاطرا بحياته، ويقوم بالدخول وسط النيران عله يجده إلى أن يجده على سطح المبنى ولم يصب بأي أذى، فيقوم برميه ويمسك به الناس وينجو الطفل لكن انفجارا يحدث فجأة في المبنى فيهرب يوسف من النيران برمي نفسه من سطح المبنى لكنه لم يمت إنما يصاب بشلل دائم يغير حياته كلها ويصبح بطل القرية الذي ضحى بنفسه من أجل إنقاذ ابن راجح ولكن ماذا يفيد هذا وقد أصبح عاجزا.
يتم تكريمه من المحافظ وإهداؤه درعا ومبلغا ماليا، ويصبح بطلا قوميا، وتبدأ حياته الجديدة بالتوازي مع حياة فرج الجديدة قرين يوسف في الشجاعة والشهامة والنبل، وكأنه ابنه المعنوي الذي يعود إلى القرية هو وزوجته راما بعد صفح عائلتها عنهم والسماح لهم بالعودة إلى القرية بشرط مقاطعتهم واعتبارهم غرباء. يصبح فرج منبوذا من أهل راما ومن أهل القرية، فيصبح بلا عمل وبلا مال الأمر الذي يجعله يعاني هو وزوجته وأمه من الفقر الشديد، فيقرر أن يقبل عرض بقال القرية والعمل في التهريب بعد أن أغلقت كافة الأبواب الشرعية في وجهه، ولم يبق سوى هذا الباب غير الشرعي في وجهه كي يعيش بكرامة ويحارب فقره وتتصاعد الأحداث ويبدأ الصراع.
أداء وإخراج مميزان

أدى الفنان بسام كوسا دور يوسف بتلقائية شديدة وواقعية وكأنه يقدم شخصيته الحقيقية فكان الزوج المحب والأب المتفاني والأستاذ الملتزم والإنسان الشجاع الصالح والشهم، فترك حضورا طاغيا أعاده إلى صدارة المشهد الدرامي من جديد هو الذي اعتدنا عليه بهذه الشخصيات الكبيرة وأعاد إلى أذهاننا دوره في مسلسل “أحلام كبيرة” الذي قدمه مع المخرج الراحل حاتم علي قبل عشرين عاما، حيث أنه دائما يؤكد أنه مكسب لأي عمل يشارك به.
كما أدت الفنانة نور علي والفنان خالد شباط أدوارهما بإتقان لشخصيات واقعية أبعدتهما قليلا عن أجواء الدراما المعربة التي اشتهرا من خلالها، كما أدى الفنان حسين عباس دور الشرطي المطيع لنظام البعث طاعة عمياء بواقعية شديدة، فكان أداؤه مميزا وكان إسناد الأدوار لباقي الممثلين موفقا كالفنانة هيما اسماعيل، التي أدت دور الزوجة المحبة المضحية والموظفة النزيهة فكانت عودتها للتمثيل بعد هذا الانقطاع الطويل موفقة وكان جميع الممثلين يؤدون أدوارهم تحت إدارة المخرج الليث حجو باحترافية.
قدم المخرج الليث حجو مسلسله هذا بكاميرا انطباعية أدارها مدير التصوير البولندي الموهوب حيث أبرز جمال الطبيعة في تكوينات كادره فكان التشكيل ضمن الكادر أحد أبرز السمات، وجاءت الإضاءة والأجواء الريفية الشتوية في الصورة لتذكرنا بأعمال المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي، مؤكدة لنا أن الليث حجو مخرج كبير يوضع بمصاف المخرجين الغربيين الكبار، وقد نال العمل صفة أفضل إخراج في التصويت الذي أجراه موقع إي تي بالعربي.
أما قصة العمل فهي من رحم مأساة الواقع السوري الذي كنا نعيشه زمن نظام البعث الفاشي الفاسد من قمع وفقر وجوع ونقص في الخدمات الأساسية للإنسان في هذا البلد، فكان نصا مميزا واقعيا وسط الأعمال الدرامية التي قدمت هذا العام، لكن يؤخذ على النص الذي كتبه رامي كوسا بشراكة مع الليث حجو بعض الثغرات المكانية والزمانية، حيث أن أجواء القرية توحي أنها قرية في ريف الساحل السوري لكن العمل يذكر أنها في ريف دمشق وخصوصا ظهور البحر في بعض المشاهد، وهناك شخصية أساسية مفقودة في هذه القرية وهي شخصية رجل الدين وهي شخصية أساسية في أي قرية يكون لها وزنها وثقلها وهذه من عيوب النص.
أما الزمان المفروض أن يكون في السنوات الأولى من الثورة السورية، ولكن الأحداث تؤكد أنه في نهايتها وخصوصا أن مروان ومريم يقرران السفر إلى أربيل وليس إلى دولة أوروبية، وأربيل أصبحت تعطي التأشيرات للسوريين في الأربع سنوات الأخيرة قبل سقوط النظام وهي من المناطق القليلة التي تعطي تأشيرات للسوريين كدولة الإمارات والعراق وهي إحدى الثغرات التي كان يجب أن يتنبه إليها صناع العمل ولكن رغم هذه الثغرات يبقى عملا مميزا وناجحا نصا وتمثيلا وإخراجا ويضاف إلى قائمة المسلسلات السورية المهمة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

إلياس حموي
كاتب سوري