الرمزية واللامعقول في مسرحية ياطالع الشجرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرمزية واللامعقول في مسرحية ياطالع الشجرة

    الرمزية واللامعقول في مسرحية ياطالع الشجرة *

    لقاء محمد بشير حسن

    كتب توفيق الحكيم مسرحية (ياطالع الشجرة) عام 1962م التي استمد فكرتها من خلال أغنية فولوكلورية مصرية تقول (ياطالع الشجرة -هات لي معاك بقرة- تحلب وتسقيني- بالملعقة الصيني). إذ اعتقد الحكيم أن هذه الأغنية ليس لها معنى مفهوم، وهي ذات فكرة لامعقولة، وقد عدّ الحكيم مسرحيته هذه من دراما اللامعقول فيما يرى محمد مندور، ناقد أدبي وكاتب مصري متنوع ولغوي، أن هذه الأغنية ليس من اللامعقول، بل هي أغنية رمزية ، يلجأ إليها الأدب الشعبي ،وهي تجري على لسان رجل فقير، يسأل من اغتنى (أي طالع الشجرة) أن يجود عليه ببقرة تسقيه شيئا من لبنها، وليس هذا من المعقول بل من تدبير العقل الذكي، الواعي، القادر على الرمز.

    أما فكرة المسرحية فهي تتحدث عن زوجين هما بهادر وبهانة يعيشان في شقتهما، وهما منفصلان عن العالم الخارجي، فالزوج مشغول بشجرة في منزله ، يسقيها ويعتني بها، والزوجة منشغلة في خياطة ملابس لطفلها، الذي سقط وهو لم يزل جنينا من بطنها، ثم تختفي الزوجة لمدة ثلاثة أيام عن المنزل، مما يستدعي حضورالمحقق الى الدار، للتحقيق مع الزوج عن اختفائها، لكن الزوجة تعود فجأة من دون معرفة سبب اختفائها. وتحدث مشادة كلامية بين الزوج والزوجة عن سبب اختفائها تدفعه الى خنقها، ومحاولة دفن جثتها تحت جذع الشجرة، ولكن الجثة تختفي وتبقى بدلا عنها السحلية الشيخة الخضرة.

    ويلاحظ من خلال البناء الدرامي للنص، أن المسرحية تجمع في أسلوب علاجها بين الأسلوب الرمزي واللامعقول،إذ تظهر الكثير من الدلالات التي تؤشر انتماء النص الى مسرح اللامعقول، فالحكيم يبدأ مسرحيته بموقف واقعي، وهو اختفاء الزوجة، ولكن هذا الموقف سرعان ما يتطور، من الواقع، الى اللاواقع، وهذه تقنية يونسكو المسرحية. كذلك يلاحظ أن الحوار، الذي يجري بين الزوج والزوجة حوار لا معقول، إذ إن كل واحد منهما يتحدث عمّا يشغل باله، من دون تواصل في الحوار بينهم، فبينما تتحدث الزوجة عن الجنين الذي أجهضته في الشهر الرابع، من دون أن يكتمل نموه، يتحدث الزوج عن ثمار البرتقال، التي تسقط من شجرته،من دون أن يكتمل نموها. كذلك لا يوجد في المسرحية ما يسمى بالزمان والمكان في المفهوم التقليدي، إذ نجد أن الحاضر، والمستقبل يوجدان في زمن واحد، إذ تتداخل الأزمنة، والأمكنة، حيث يوجد الزوج في مكانين وزمانين مختلفين في آن واحد، وهذا قريب من تقنية مسرح داخل مسرح، كذلك يتم استدعاء الدرويش من الزمن الماضي الى الحاضر، ليشهد على جريمة لم ترتكب بعد.

    كما أن الزوج والزوجة يعيشان منفصلين عن العالم فلم يزرهما أحد، ولم يتصلا، بأحد وهذه سمة من مسرح اللامعقول تظهر في النص، كما يلاحظ ذلك، من خلال حديث الخادمة مع المحقق.

    المحقق: وسيدتك؟ أليس لها أقارب يمكن أن تذهب إليهم؟ الخادمة:لا..أبدا..مقطوعة من شجرة.

    المحقق: ولا معارف؟

    الخادمة:ولا معارف.

    المحقق:أنت متأكدة ؟

    الخادمة: بكل التأكيد، طول مدة وجودي هنا، لم أبصر زائرا يزورهم، ولا هم زاروا أحدا.

    ويرى محمد مندور، أن هذه المسرحية رمزية ، يتغلغل الرمز في كثير من بنيتها، فالزوج يرمز للفن، والزوجة ترمز للحياة، بينما ترمز السحلية الخضراء لسحر الحياة، وسحر المرأة، كذلك وجود القطار، والشجرة، والدرويش، والأغنية وكلها رموز موحية، وأن صفة اللامعقول يمكن أن تلاحظ في المسرحية في المشهد، الذي يجري خلاله حوار بين الزوج والزوجة ،إذ يلاحظ من خلال هذا الحوار، أن كل واحد يتحدث عن عالمه، وفيما عدا هذا المشهد فانه من السهل فهم وتفسير بنية أحداث المسرحية، ومشاهدها على أساس من الرمزية الذهنية.

    * صحيفة الزمان العراقية بتاريخ 13نوفمبر2015
يعمل...