قصة قصيرة يوسف خليل السباعي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة قصيرة يوسف خليل السباعي

    روعة رهيبة
    قصة قصيرة

    يوسف خليل السباعي

    الليل يسيل كالماء على أرض ينيرها القمر، وكان هذا القمر يماثل شيخا قديما يتبدى للرائي أنه قريب، ولكنه كان بعيدا.
    وفي مرة حاولت أن أتتبع بخطاي القمر على امتداد الكورنيش، لأنني كنت أريد أن أعرف هل هو ثابت أم متحول؟ إلا أنه كان يتبعني، ويريد الاقتراب مني، وكان القمر أبيضا مثل ملبس عروس في ليلة زفافها، بيد أنه كان ينظر إلي وأنا أمشي.
    عندما توقفت عن المشي توقف القمر كما لو أنه ثابت.
    كنت أعرف أن أول من صعد إلى القمر لم يعرف كيف ينزل لفضائه، ربما، هذا ماتصورته، ولكن القمر ليس به أوكسجين، وإذا لم يرتدي النازل في فضائه ملبسه القمري لن يعيش، ولن يتنفس كما نتنفس نحن سكان الأرض. كان النازل يظل معلقا في الفضاء، وكنت أنا معلقا معه وأنا ساكن في الأرض.
    وفي مرة من أيام الله الممتدة، قلت لماذا لا أذهب إلى الغابة؟ وعندما وصلت إليها، كانت الغابة مسودة كسواد الفحم، إلا أن نورا ساطعا انبجس من الأعلى كما لو أن الأمر يتعلق بمركبة فضائية تحمل في داخلها كائنات غريبة.
    بقيت للحظات مدهوشا لما رأيته، وفكرت، في سبب بزوغ هذا النور الساطع المتلألئ كالثريا، ولكنني لم أهتدي إلى أي شيء، ولم أفهم، إلى أن تناهى إلى سمعي صراخ حيواني مرعب ورهيب، وإذا بكائن يولد من قلب القمر الذي كانت تتخلله بقع رمادية مثل قشابة شيخ قديم كان يتجول في الطرقات وينادي في الناس:
    - اتقوا الله في عباد الله الذين يموتون من الجوع والقتل!
    وعدت إلى الخلف بخطوة واحدة، ووقفت ونظرت إلى القمر الذي ظل واقفا ولم يتحرك، وتبين لي ذئب ٱدمي فاتح فمه وهو ينظر إلى القمر وتظهر منه أنياب حادة، بينما كان جسمه مغطى بالشعر الكثيف وكان مسودا كسواد الفحم.
    كان هذا المشهد مروعا ورهيبا جعلني أرتعب، ولكنني تمالكت نفسي، وبشجاعة، خاطبت الذئب الٱدمي سائلا:
    - أيها الشيخ القديم.... أيها الشيخ القديم... هل تعرف القمر؟
    برزت أنيابه الحادة، وقال:
    - كنت في الماضي شيخ قبيلة، ولم يكن البشر تكون على الأرض، ولكنني ارتكبت جرما كبيرا. فرقت بين ولدي، ولم ألبي رغبتهما، وأخضعتهما للامتحان، كان الأول فلاحا، والثاني راعيا، وكان لدي بنتان، فأردت أن أزوج أخت الأول بأخت الثاني وأخت الثاني بأخت الأول، ولم يكن ذلك عدلا، ولكن لم أكن أنا وحدي من يحكم، كان هناك الحاكم.
    بقي الأمر سرا. ولم أكن أريد أن أعرف، بيد أن نداء كان يجرني لكي أعرف الحقيقة.
    وعاد الشيخ ليتمم مابدأه، وقال:
    - كان الخلاف بين الأخوين تقوده الرغبة... فامتحنتهما. قلت للأول بأن يقدم هدية للحاكم فاختار سنابل، بينما الثاني اختار هديته خروفا، فقبل الحاكم الخروف وترك السنابل.
    لم يقبل الفلاح الأمر فقتل الراعي، فسال الدم على الأرض، وبقيت أبكي، وأنا إلى الٱن أصرخ.
    وفي جوف الليل اختفى الذئب الٱدمي، ولم أعد أسمع أي صراخ، وكان القمر شاهدا على ما حدث في الماضي وهو مايحدث الٱن في الحاضر وسيحدث في المستقبل.
    ومر وقت طويل وأنا في الغابة، أنتظر قدوم الشيخ القديم، لكنه لم يعد إلى الٱن.
    يوسف خليل السباعي
يعمل...