تجربة تحول الماء - الأكسجين - تركيب الماء .. القرن الثامن عشر - الثورة
تجربة تحول الماء
ساد اعتقاد منذ قديم الزمان أن تسخين الماء مرارا ولفترة طويلة يحوله إلى تراب. وظل هذا الاعتقاد بندا من بنود العقيدة السيميائية. ويرجع السبب في ذلك إلى وجود راسب متبق عندما يتبخر الماء (بقع الماء معروفة جيدا على الأطباق عندما تجف) . وفي الحقيقة فإن الماء مذيب رائع للأملاح غير العضوية لدرجة أنه من الصعب الحصول على ماء نقي بشكل مطلق (أى الماء الذي لا يترك بعض الرواسب) . ولأن الماء الذي يحتوي على أملاحذائبة قد يبدو شفافا تماما ، لذلك لم يكن هناك من سبب لدي السيميائيين لأن يشكوا في أن الرواسب المتكونة بعد تبخير الماء هي في الأصل مواد ذائبة في الماء. لكن لافوازييه كان يؤمن بأن هذا التحول يجب أن يخضع
للاختبار . قام لافوازييه بوزن بعض الماء المقطر باحتراس شديد، وقد بدأت قياسات الوزن تحظى بالاعتراف كشيء مهم. وضع الماء المقطر في إناء زجاجي محكم الإغلاق ثم سخنه لمدة 101 يوم دون انقطاع. وعندما وزن الجهاز المحكم الإغلاق لم يجد أي تغير في الوزن، الأمر الذي يعني أنه لم يدخل إلى الماء أي شيء من خلال زجاج الوعاء. ظهرت بعض النقاط في الماء؛ لكن عندما وزن لافوازييه الماء وحده وبه النقاط ووزن الوعاء الزجاجي الجاف وحده، اكتشف أن الوعاء فقد من الوزن بقدر ما اكتسب الماء بالضبط أي بقدر وزن المادة المعلقة في الماء) . وبعبارة أخرى، لم تكن المادة المعلقة في الماء نتيجة للتحول، ولكن على الأرجح نتيجة انسلاخ شذرات من جدران الوعاء الزجاجي. وهكذا دحض لافوازييه نظرية كانت مستقرة من نظريات السيميائيين بمجرد تصميم وتنفيذ تجربة واحدة بشكل جيد، وأثبت أن النظرية الكيميائية السليمة لابد أن تكون قابلة للتحقق تجريبيا .
ومهما كان لافوازييه موهوبا ، فإن مثله مثل العلماء في ذلك الوقت لابد أن يمولوا تجاربهم الخاصة . وفي محاولته للحصول على تأمين مادي ارتكب واحدة من أفضل الخطوات وأسوئها في حياته : استثمر ميراثه من والدته في شراء العضوية في إحدى مؤسسات جمع الضرائب. أما لماذا
كانت واحدة من أسوأ الخطوات، فذلك ما سنراه حالا . وكانت واحدة من أفضل الخطوات لأنه التقى بجاك بولز، وهو جامع ضرائب آخر، وابنته ذات الثلاثة عشر ربيعا التي ستصبح زوجة لافوازييه قبل أن تبلغ عامها الرابع عشر.
ماري آن بيريت بولز لافوازييه(Marie Ann Pierrette Paulze Lavoisier)
تلقت ماري تعليمها في أحد الأديرة منذ وفاة والدتها وهي في سن الثالثة. كانت ماري آن بيريت لافوازييه موهوبة في الفن واللغات. وكان لابد أن تملك نزعة فطرية للعلوم، لأنها دلفت إلى أعمال لافوازييه العلمية مباشرة ترجمت المقالات العلمية، وعملت في المعمل، وكتبت مذكرات المعمل ورسمت التجارب في شكلها النهائي. بعد أن حصل لافوازييه على الاستقرار والتمويل الجيد والمساعدة الجيدة، بدأ العمل فيما يمكن أن يكون أهم عمل قام به تثوير الكيمياء باستخدام مبدأ الحفاظ على الكتلة.
عندما سمع لافوازييه عن تقرير لأحد الصيادلة الباريسيين، بيير ميتور» يقول فيه إنه يبدو أن الفوسفور يمتص الهواء عندما يحترق ليكون حمضا فإنه كرر هذه التجربة مع الفوسفور ومع الكبريت. وقد اكتشف فعلا أن الأحمااض المتكونة تزن أكثر من المواد التي بدأ بها كتب لافوازييه هذه النتائج في مذكرة مغلقة بإحكام وأودعها في الأكاديمية، الأمر الذي كان شائعا وقتها ، وكان يقوم مقام التسجيل والاحتفاظ بالأحقية في الاختراع أو الاكتشاف. (كان نشر المقالات العلمية في مجلة الأكاديمية يستغرق عدة سنوات). وأثناء عمله مع رفاقه في الأكاديمية قام بإشعال قطعة من الماس بتركيز ضوء الشمس عليها من عدسة لامة ( حارقة). ووجد أن ثاني أكسيد الكربون هو ناتج الاحتراق. وهو الغاز الذي وصفه بلاك بأنه الهواء المثبت. وقام في تجارب أخرى بتسخين أكاسيد الفلزات (الكلس) في وجود الفحم، فوجد أن الهواء المثبت يتصاعد مرة أخرى. وبإعادة دراسة هذه النتائج، كتب الافوازييه فى مذكراته بكل تأكيد معروف عنه:
كل هذا العمل ... فيما يبدو سوف يحدث ثورة في الفيزياء والكيمياء. لقد شعرت بأن كل ماجرى قبلي يحثني لزوما على إعادة النظر فيه. وقد اقترحت أن نعيده كله مع ضمانات جديدة. وذلك لنربط معلوماتنا عن الهواء الذي يتحد مع المواد أو الذي يتحرر منها بمعلومات أخرى اكتسبناها حتى يتسنى لنا وضع نظرية (1) .
وسرعان ما أصبح لدى لافوازييه نظريته وثورته عندما تمكن من تعيين هوائه .
الأكسجين
وصل لورد شيلبورن وسكرتيره جوزيف بريستلي إلى باريس في أكتوبر 1774 . وأثناء زيارتهم تناولوا الغداء مع لافوازييه والعديد من العلماء الفرنسيين الآخرين. وأثناء هذا الغذاء أخبر بريستلي المجموعة الملتئمة عن الهواء الجديد الذي اكتشفه والذي يسبب توهج الشمعة المشتعلة أكثر من الهواء العادي. وكم من أعمال لافوازييه التالية قد اعتمدت على الإلهام الذي أوحى به بريستلي فإن ذلك محل جدل، لكن بريستلي كان بكل تأكيد يرحب بهذا الجدل فيما بعد . اختبر لافوازييه فعلا الهواء الذي تمتصة الفلزات بالتسخين. وعلى الرغم من أنه كان يعتقد أن هذا الهواء هو الهواء المثبت الذي قال عنه بلاك، أي ثاني أكسيد الكربون، وكان على الأرجح سيربط بينه وبين الأكسجين سواء بالمعلومات الجديدة التي جلبها بريستلي أو من دونها . وقد يكون لافوازييه قد سمع بالفعل عن هواء النار الذي قال عنه شيلي، وربما يكون قد سمع أيضا أن بعض الباحثين الآخرين، مثل بيير باين الذين لاحظوا غازا يتصاعد من تسخين أكسيد الزئبقيك. ولكن، أيا ما كان الطريق الذي أفضى بلافوازييه إلى استنتاجاته الخاصة، فإنه بحلول مارس 1775 استطاع أن يعلن أن الغاز الذي يتصاعد من تسخين أكسيد الزئبقيك هو غاز يشابه كثيرا الهواء العادي.
أشار بريستلي، عندما اطلع على نتائج لافوازية، إلى أن الغاز يملك جودة» - مقدرة المساعدة على التنفس - أكبر من الهواء العادي، ساردا اختباراته الخاصة على أكسيد النيتريك.
وأجرى لافوازييه الاختبار نفسه على عينة مما أسماه الهواء منقوص الفلوجستين للسيد م. بريستلي (كذا) (2) ، ووجد أن ماقاله بريستلي كان حقيقيا . لكنه قرأ بحثا أمام الأكاديمية بتاريخ 25 أبريل 1775، عنوانه: طبيعية المادة التي تتحد بالفلزات في أثناء التكلس وتزيد من وزنها (3) ولم يشر فيه إلى مساهمات بريستلي وشيلي وباين، كما أنه لم يلجأ إلى الفلوجستين.
من الواضح أن لافوازييه كان يؤمن بأن له بعض الحق في اعتباره مكتشف الأكسجين. وفي الوقت الذي لم يكن فيه لافوازييه هو أول من عزل هذا الغاز فيزيائيا واختبر خواصه، كان أول من اعترف بأن هذا الهواء ليس مجرد نوع من الهواء العادي، ولكنه مادة نقية قائمة بذاتها وذات خواص فريدة. وبالقطع، فإن لافوازييه يستحق شرف التزامه الدقيق بحساب تساوي الكتلة بين المتفاعلات والنواتج (ميزانية الكتلة) والذي يترك مكانا للفلوجستين.
عين لافوازييه مديرا علميا للإدارة الملكية للبارود في 1775 ، وقد رحل هو وماري إلى دار السلاح في باريس. وهنا أسس لافوازييه معملا، وسرعان ما اكتشف وسيلة لتحسين نوعية نترات البوتاسيوم المستخدمة في البارود الفرنسي. وهنا أيضا أجرى تجارب بمساعدة ماري لافوزاييه وآخرين (سنقابلهم قريباً على الاحتراق والتنفس، وبدأ في نشر أبحاث توضح أفكاره عن دور الأكسجين.
وفي بحث له نشر العام 1777 ، توصل إلى استنتاج أن كل الأحماض تحتوي على نسبة من «أنقى جزء من الهواء (4) . وقد استخدم كلمة «أكسجين» من اللغة الإغريقية لتسمية هذا الجزء من الهواء، وكان يعني بها مكون الحمض، لكن كان هذا الافتراض خاطئا ، فبينما كان الأكسجين فعلا جزءا من حمض الكربونيك والكبريتيك والنيتريك والكثير من الأحماض العضوية، إلا أنه لا يدخل في تكوين أحماض مثل حمض الهيدروكلوريك. وقد تمت الإشارة لذلك آنذاك أمام لافوزاييه. عارض لافوازييه بقوله إن الأمر يبدو كذلك، وإن تركيب حمض الهيدروكلوريك لم يعرف بالضبط بعد.
وفي ضوء فهمنا الحالي للكيمياء يبين أن فكرة وجود عنصر في مركب يحدد طبيعته - أى أنه إذا كان في المركب أكسجين، فلابد أن يكون حمضا هي تبسيط أكثر من اللازم. فكلوريد الصوديوم (ملح الطعام موجود في طعام كل إنسان ولا يسبب إلا القليل فقط من المشاكل. وفي الحقيقة يحقن محلول الملح أو الماء المالح في الوريد لمنع الجفاف. ومع ذلك، فالصوديوم فلز يتفاعل بشراسة مع الماء، أما الكلور فهو غاز سام جدا . ومن الواضح أن كلوريد الصوديوم لا تأتي صفاته من صفات الصوديوم والكلور. وتشبه قناعة لافوازييه بأن وجود الأكسجين يعطي الطبيعة الحمضية للأحماض تشبه أفكار أرسطو البالية عن الصفات المرتبطة بالعناصر : فالنار ساخنة وجافة، والماء بارد ورطب، وهكذا . ظل هذا الفكر مستحكما مادامت نظرية العناصر الأربعة لا تزال هي النافذة. وبينما تمكن الافوازييه من التحرر من الأخيرة (نظرية العناصر الأربعة إلا أن النظرية الأولى ارتباط الصفات بالعناصر) كانت لا تزال تؤثر في أفكاره عن الأحماض. وعموما، كان ذلك الاقتناع هو الذي أدى إلى التجربة الأخيرة التالية التي سنناقشها، وإلى اتهامه بالانتحال.
تركيب الماء
لاحظ العديد من الباحثين أن الماء يتكون عند اشتعال خليط من الهيدروجين والأكسجين أو الهواء العادي ، لكنهم كانوا حذرين في استنتاجاتهم . اكتشف بريستلي الماء من اشتعال الهيدروجين في الهواء العادي لكنه لم ينشر هذه النتائج . كذلك كرر جيمس وات، الشهير بآلته البخارية التجربة كما فعل كافندش. حضر عينة كبيرة من الماء بهذه الطريقة ولكنه لم ينشر نتائجه مباشرة بعدها ، لأنه وجد أن الماء حمضي بعض الشيء.
استطاع أن يحدد مصدر الحمضية - كميات صغيرة من النتروجين موجودة في الأكسجين هي التي كونت أكاسيد النتروجين التي تتفاعل مع الماء لتعطي الحمض - ثم نشر النتائج بعد ذلك . لكن بحلول هذا الوقت، كان آخرون من بينهم لافوازييه، محل دراية بالتفاعل.
زار مساعد كافندش تشارلز بلاجدين شخص ثان ترك له كافندش راتبا سنويا كبيرا باريس 1783 . وقد قام بكل كرم بنقل معلومات عن تجارب كافندش ووات إلى لافوازييه . تحقق لافوازييه من أن الماء هو الناتج الوحيد الدي يتكون من خليط الأكسجين والهيدروجين، وليس الحمض، كما كان يظن. ذهب لافوازييه لأبعد من ذلك بخطوة، وفكك الماء بإمرار البخار من خلال ماسورة بندقية مسخنة حتى الاحمرار، وقد جمع الهيدروجين وأكسيد الحديد كناتج نهائي . لم يتردد لافوازييه. أعلن أن الماء ليس عنصرا كما كان يظن سابقا، لكنه اتحاد الأكسجين بمادة قابلة للاشتعال، أسماها الهيدروجين - من الإغريقية - وتعني مولد الماء. زعم لافوازييه أسبقيته في هذا الكشف، وأشار إشارات طفيفه إلى أعمال الآخرين. وربما تكون قد أثيرت ضجة بشأن ذلك، وهو أمر مفهوم . شعر وات أن كافندش ولافوازييه قد استخدما بعضا من أفكاره، لكن الثلاثة كانوا بالطبع مدينين لبريستلي. ومرة أخرى لعله من المناسب أن نؤكد أن مغزى أعمال لافوازييه ليس في توقيت إجراء التجارب ولكن في تحليله للنتائج من النتائج نفسها استنتج كافندش أن الهواء القابل للاشتعال (الهيدروجين) كان في الحقيقة ماء مضافا إليه الفلوجستين. وعندما يتحد مع الهواء منقوص الفلوجستين (الأكسجين) فإن الناتج هو مجرد ماء. لكن لافوازييه لم ير في ذلك إلا اتحاد عنصرين لتكوين مركب، لم يشر إلى الفلوجستين.
تجربة تحول الماء
ساد اعتقاد منذ قديم الزمان أن تسخين الماء مرارا ولفترة طويلة يحوله إلى تراب. وظل هذا الاعتقاد بندا من بنود العقيدة السيميائية. ويرجع السبب في ذلك إلى وجود راسب متبق عندما يتبخر الماء (بقع الماء معروفة جيدا على الأطباق عندما تجف) . وفي الحقيقة فإن الماء مذيب رائع للأملاح غير العضوية لدرجة أنه من الصعب الحصول على ماء نقي بشكل مطلق (أى الماء الذي لا يترك بعض الرواسب) . ولأن الماء الذي يحتوي على أملاحذائبة قد يبدو شفافا تماما ، لذلك لم يكن هناك من سبب لدي السيميائيين لأن يشكوا في أن الرواسب المتكونة بعد تبخير الماء هي في الأصل مواد ذائبة في الماء. لكن لافوازييه كان يؤمن بأن هذا التحول يجب أن يخضع
للاختبار . قام لافوازييه بوزن بعض الماء المقطر باحتراس شديد، وقد بدأت قياسات الوزن تحظى بالاعتراف كشيء مهم. وضع الماء المقطر في إناء زجاجي محكم الإغلاق ثم سخنه لمدة 101 يوم دون انقطاع. وعندما وزن الجهاز المحكم الإغلاق لم يجد أي تغير في الوزن، الأمر الذي يعني أنه لم يدخل إلى الماء أي شيء من خلال زجاج الوعاء. ظهرت بعض النقاط في الماء؛ لكن عندما وزن لافوازييه الماء وحده وبه النقاط ووزن الوعاء الزجاجي الجاف وحده، اكتشف أن الوعاء فقد من الوزن بقدر ما اكتسب الماء بالضبط أي بقدر وزن المادة المعلقة في الماء) . وبعبارة أخرى، لم تكن المادة المعلقة في الماء نتيجة للتحول، ولكن على الأرجح نتيجة انسلاخ شذرات من جدران الوعاء الزجاجي. وهكذا دحض لافوازييه نظرية كانت مستقرة من نظريات السيميائيين بمجرد تصميم وتنفيذ تجربة واحدة بشكل جيد، وأثبت أن النظرية الكيميائية السليمة لابد أن تكون قابلة للتحقق تجريبيا .
ومهما كان لافوازييه موهوبا ، فإن مثله مثل العلماء في ذلك الوقت لابد أن يمولوا تجاربهم الخاصة . وفي محاولته للحصول على تأمين مادي ارتكب واحدة من أفضل الخطوات وأسوئها في حياته : استثمر ميراثه من والدته في شراء العضوية في إحدى مؤسسات جمع الضرائب. أما لماذا
كانت واحدة من أسوأ الخطوات، فذلك ما سنراه حالا . وكانت واحدة من أفضل الخطوات لأنه التقى بجاك بولز، وهو جامع ضرائب آخر، وابنته ذات الثلاثة عشر ربيعا التي ستصبح زوجة لافوازييه قبل أن تبلغ عامها الرابع عشر.
ماري آن بيريت بولز لافوازييه(Marie Ann Pierrette Paulze Lavoisier)
تلقت ماري تعليمها في أحد الأديرة منذ وفاة والدتها وهي في سن الثالثة. كانت ماري آن بيريت لافوازييه موهوبة في الفن واللغات. وكان لابد أن تملك نزعة فطرية للعلوم، لأنها دلفت إلى أعمال لافوازييه العلمية مباشرة ترجمت المقالات العلمية، وعملت في المعمل، وكتبت مذكرات المعمل ورسمت التجارب في شكلها النهائي. بعد أن حصل لافوازييه على الاستقرار والتمويل الجيد والمساعدة الجيدة، بدأ العمل فيما يمكن أن يكون أهم عمل قام به تثوير الكيمياء باستخدام مبدأ الحفاظ على الكتلة.
عندما سمع لافوازييه عن تقرير لأحد الصيادلة الباريسيين، بيير ميتور» يقول فيه إنه يبدو أن الفوسفور يمتص الهواء عندما يحترق ليكون حمضا فإنه كرر هذه التجربة مع الفوسفور ومع الكبريت. وقد اكتشف فعلا أن الأحمااض المتكونة تزن أكثر من المواد التي بدأ بها كتب لافوازييه هذه النتائج في مذكرة مغلقة بإحكام وأودعها في الأكاديمية، الأمر الذي كان شائعا وقتها ، وكان يقوم مقام التسجيل والاحتفاظ بالأحقية في الاختراع أو الاكتشاف. (كان نشر المقالات العلمية في مجلة الأكاديمية يستغرق عدة سنوات). وأثناء عمله مع رفاقه في الأكاديمية قام بإشعال قطعة من الماس بتركيز ضوء الشمس عليها من عدسة لامة ( حارقة). ووجد أن ثاني أكسيد الكربون هو ناتج الاحتراق. وهو الغاز الذي وصفه بلاك بأنه الهواء المثبت. وقام في تجارب أخرى بتسخين أكاسيد الفلزات (الكلس) في وجود الفحم، فوجد أن الهواء المثبت يتصاعد مرة أخرى. وبإعادة دراسة هذه النتائج، كتب الافوازييه فى مذكراته بكل تأكيد معروف عنه:
كل هذا العمل ... فيما يبدو سوف يحدث ثورة في الفيزياء والكيمياء. لقد شعرت بأن كل ماجرى قبلي يحثني لزوما على إعادة النظر فيه. وقد اقترحت أن نعيده كله مع ضمانات جديدة. وذلك لنربط معلوماتنا عن الهواء الذي يتحد مع المواد أو الذي يتحرر منها بمعلومات أخرى اكتسبناها حتى يتسنى لنا وضع نظرية (1) .
وسرعان ما أصبح لدى لافوازييه نظريته وثورته عندما تمكن من تعيين هوائه .
الأكسجين
وصل لورد شيلبورن وسكرتيره جوزيف بريستلي إلى باريس في أكتوبر 1774 . وأثناء زيارتهم تناولوا الغداء مع لافوازييه والعديد من العلماء الفرنسيين الآخرين. وأثناء هذا الغذاء أخبر بريستلي المجموعة الملتئمة عن الهواء الجديد الذي اكتشفه والذي يسبب توهج الشمعة المشتعلة أكثر من الهواء العادي. وكم من أعمال لافوازييه التالية قد اعتمدت على الإلهام الذي أوحى به بريستلي فإن ذلك محل جدل، لكن بريستلي كان بكل تأكيد يرحب بهذا الجدل فيما بعد . اختبر لافوازييه فعلا الهواء الذي تمتصة الفلزات بالتسخين. وعلى الرغم من أنه كان يعتقد أن هذا الهواء هو الهواء المثبت الذي قال عنه بلاك، أي ثاني أكسيد الكربون، وكان على الأرجح سيربط بينه وبين الأكسجين سواء بالمعلومات الجديدة التي جلبها بريستلي أو من دونها . وقد يكون لافوازييه قد سمع بالفعل عن هواء النار الذي قال عنه شيلي، وربما يكون قد سمع أيضا أن بعض الباحثين الآخرين، مثل بيير باين الذين لاحظوا غازا يتصاعد من تسخين أكسيد الزئبقيك. ولكن، أيا ما كان الطريق الذي أفضى بلافوازييه إلى استنتاجاته الخاصة، فإنه بحلول مارس 1775 استطاع أن يعلن أن الغاز الذي يتصاعد من تسخين أكسيد الزئبقيك هو غاز يشابه كثيرا الهواء العادي.
أشار بريستلي، عندما اطلع على نتائج لافوازية، إلى أن الغاز يملك جودة» - مقدرة المساعدة على التنفس - أكبر من الهواء العادي، ساردا اختباراته الخاصة على أكسيد النيتريك.
وأجرى لافوازييه الاختبار نفسه على عينة مما أسماه الهواء منقوص الفلوجستين للسيد م. بريستلي (كذا) (2) ، ووجد أن ماقاله بريستلي كان حقيقيا . لكنه قرأ بحثا أمام الأكاديمية بتاريخ 25 أبريل 1775، عنوانه: طبيعية المادة التي تتحد بالفلزات في أثناء التكلس وتزيد من وزنها (3) ولم يشر فيه إلى مساهمات بريستلي وشيلي وباين، كما أنه لم يلجأ إلى الفلوجستين.
من الواضح أن لافوازييه كان يؤمن بأن له بعض الحق في اعتباره مكتشف الأكسجين. وفي الوقت الذي لم يكن فيه لافوازييه هو أول من عزل هذا الغاز فيزيائيا واختبر خواصه، كان أول من اعترف بأن هذا الهواء ليس مجرد نوع من الهواء العادي، ولكنه مادة نقية قائمة بذاتها وذات خواص فريدة. وبالقطع، فإن لافوازييه يستحق شرف التزامه الدقيق بحساب تساوي الكتلة بين المتفاعلات والنواتج (ميزانية الكتلة) والذي يترك مكانا للفلوجستين.
عين لافوازييه مديرا علميا للإدارة الملكية للبارود في 1775 ، وقد رحل هو وماري إلى دار السلاح في باريس. وهنا أسس لافوازييه معملا، وسرعان ما اكتشف وسيلة لتحسين نوعية نترات البوتاسيوم المستخدمة في البارود الفرنسي. وهنا أيضا أجرى تجارب بمساعدة ماري لافوزاييه وآخرين (سنقابلهم قريباً على الاحتراق والتنفس، وبدأ في نشر أبحاث توضح أفكاره عن دور الأكسجين.
وفي بحث له نشر العام 1777 ، توصل إلى استنتاج أن كل الأحماض تحتوي على نسبة من «أنقى جزء من الهواء (4) . وقد استخدم كلمة «أكسجين» من اللغة الإغريقية لتسمية هذا الجزء من الهواء، وكان يعني بها مكون الحمض، لكن كان هذا الافتراض خاطئا ، فبينما كان الأكسجين فعلا جزءا من حمض الكربونيك والكبريتيك والنيتريك والكثير من الأحماض العضوية، إلا أنه لا يدخل في تكوين أحماض مثل حمض الهيدروكلوريك. وقد تمت الإشارة لذلك آنذاك أمام لافوزاييه. عارض لافوازييه بقوله إن الأمر يبدو كذلك، وإن تركيب حمض الهيدروكلوريك لم يعرف بالضبط بعد.
وفي ضوء فهمنا الحالي للكيمياء يبين أن فكرة وجود عنصر في مركب يحدد طبيعته - أى أنه إذا كان في المركب أكسجين، فلابد أن يكون حمضا هي تبسيط أكثر من اللازم. فكلوريد الصوديوم (ملح الطعام موجود في طعام كل إنسان ولا يسبب إلا القليل فقط من المشاكل. وفي الحقيقة يحقن محلول الملح أو الماء المالح في الوريد لمنع الجفاف. ومع ذلك، فالصوديوم فلز يتفاعل بشراسة مع الماء، أما الكلور فهو غاز سام جدا . ومن الواضح أن كلوريد الصوديوم لا تأتي صفاته من صفات الصوديوم والكلور. وتشبه قناعة لافوازييه بأن وجود الأكسجين يعطي الطبيعة الحمضية للأحماض تشبه أفكار أرسطو البالية عن الصفات المرتبطة بالعناصر : فالنار ساخنة وجافة، والماء بارد ورطب، وهكذا . ظل هذا الفكر مستحكما مادامت نظرية العناصر الأربعة لا تزال هي النافذة. وبينما تمكن الافوازييه من التحرر من الأخيرة (نظرية العناصر الأربعة إلا أن النظرية الأولى ارتباط الصفات بالعناصر) كانت لا تزال تؤثر في أفكاره عن الأحماض. وعموما، كان ذلك الاقتناع هو الذي أدى إلى التجربة الأخيرة التالية التي سنناقشها، وإلى اتهامه بالانتحال.
تركيب الماء
لاحظ العديد من الباحثين أن الماء يتكون عند اشتعال خليط من الهيدروجين والأكسجين أو الهواء العادي ، لكنهم كانوا حذرين في استنتاجاتهم . اكتشف بريستلي الماء من اشتعال الهيدروجين في الهواء العادي لكنه لم ينشر هذه النتائج . كذلك كرر جيمس وات، الشهير بآلته البخارية التجربة كما فعل كافندش. حضر عينة كبيرة من الماء بهذه الطريقة ولكنه لم ينشر نتائجه مباشرة بعدها ، لأنه وجد أن الماء حمضي بعض الشيء.
استطاع أن يحدد مصدر الحمضية - كميات صغيرة من النتروجين موجودة في الأكسجين هي التي كونت أكاسيد النتروجين التي تتفاعل مع الماء لتعطي الحمض - ثم نشر النتائج بعد ذلك . لكن بحلول هذا الوقت، كان آخرون من بينهم لافوازييه، محل دراية بالتفاعل.
زار مساعد كافندش تشارلز بلاجدين شخص ثان ترك له كافندش راتبا سنويا كبيرا باريس 1783 . وقد قام بكل كرم بنقل معلومات عن تجارب كافندش ووات إلى لافوازييه . تحقق لافوازييه من أن الماء هو الناتج الوحيد الدي يتكون من خليط الأكسجين والهيدروجين، وليس الحمض، كما كان يظن. ذهب لافوازييه لأبعد من ذلك بخطوة، وفكك الماء بإمرار البخار من خلال ماسورة بندقية مسخنة حتى الاحمرار، وقد جمع الهيدروجين وأكسيد الحديد كناتج نهائي . لم يتردد لافوازييه. أعلن أن الماء ليس عنصرا كما كان يظن سابقا، لكنه اتحاد الأكسجين بمادة قابلة للاشتعال، أسماها الهيدروجين - من الإغريقية - وتعني مولد الماء. زعم لافوازييه أسبقيته في هذا الكشف، وأشار إشارات طفيفه إلى أعمال الآخرين. وربما تكون قد أثيرت ضجة بشأن ذلك، وهو أمر مفهوم . شعر وات أن كافندش ولافوازييه قد استخدما بعضا من أفكاره، لكن الثلاثة كانوا بالطبع مدينين لبريستلي. ومرة أخرى لعله من المناسب أن نؤكد أن مغزى أعمال لافوازييه ليس في توقيت إجراء التجارب ولكن في تحليله للنتائج من النتائج نفسها استنتج كافندش أن الهواء القابل للاشتعال (الهيدروجين) كان في الحقيقة ماء مضافا إليه الفلوجستين. وعندما يتحد مع الهواء منقوص الفلوجستين (الأكسجين) فإن الناتج هو مجرد ماء. لكن لافوازييه لم ير في ذلك إلا اتحاد عنصرين لتكوين مركب، لم يشر إلى الفلوجستين.
تعليق