كارل ويلهلم شيلي - ميخائيل فاسيليفيتش لومونوسوف - كيميائيو الهواء المضغوط .. بحث عن النظام وعن الفلوجستين
كارل ويلهلم شيلي
اختار السويدي كارل ويلهلم شيلي الصيدلة طريقا في الحياة. كان الابن السابع من أحد عشر طفلا، وكان أكثر اهتماما بإجراء أبحاث على الكيماويات عن إنتاجها وبيعها . عمل بعد أن تدرب لمدة 13 سنة فني إنتاج قبل أن تتاح له فرصة العمل المستقل. كانت هذه الفرصة على شكل أرملة صيدلاني كانت تبحث عن مدير لصيدلية زوجها . تقدم شيلي للوظيفة لكنه وجد العمل عبئا ماليا ، وتيقن أن الأرملة ستضطر لبيعه قريبا . عقد شيلي مع الأرملة صفقة حيث اتفقا على أن يدير شيلي الصيدلية لمدة عام ليتمكن من تحسين وضعه المالي، ويتفاوض مع الأرملة على شراء الصيدلية. تفاوضت الأرملة مع مشتر آخر غير معروف، وكادت الفرصة أن تضيع من شيلي. غير أن الزبائن المحليين كانوا سعداء بعلم شيلي، لدرجة أنهم طلبوا من الأرملة أن يستمر شيلي في العمل، وهذا ما فعله. وقعت له الأرملة الشابة متنازلة عن الصيدلية، ومكثت معه كمديرة للبيت.
وكداعية للفلوجستين بكل تأكيد شرع شيلي في دراسة تأثير الفلوجستين في الغازات. وعندما لاحظ أن الاحتراق يقلل من حجم الهواء، وأن الهواء الذي لا يساعد على التنفس والمتبقي أقل كثافة من الهواء العادي، فسر ذلك بأن الفلوجستين من المادة القابلة للاشتعال يتحد مع أحد مكونات الهواء العادي ويتشتت على شكل حرارة عديمة الوزن فرضية معقولة تصلح للعمل بها وقد أطلق شيلي على هذا المكون المجهول اسم هواء النار» وكان معنيا بعزله.
ولأن حمض النيتريك يؤثر في بعض الفلزات وينتج أكاسيدها تماما كما يحدث عند تسخين الفلزات في الهواء، فإن شيلي فسر ذلك بأن حمض النيتريك لابد أن يمتص الفلوجستين من الفلز مثلما يفعل الهواء عند تسخين الفلز. لذلك، إذا كانت الحرارة هي الفلوجستين وهواء النار معا، كما كان يظن شيلي، فإن تلامس النار وحمض النيتريك سيطرد الفلوجستين ويخلف هواء النار.
ولتحقيق ذلك بالتجربة، قام شيلي بتثبيت حمض النيتريك (جعله صلبا) بأن جعله يتفاعل مع أيدروكسيد البوتاسيوم، ثم سخن نترات البوتاسيوم الناتجة في معوجة مثبت عليها قارورة بها ملح يمتص أكاسيد النيتروجين.
وكما كان يأمل، فإن القارورة قد ملئت بغاز كان يجعل الفتيل المشتعل يتوهج بسطوع. وأكثر من ذلك، عندما امتزج هذا الهواء مع الهواء المستنزف (بالاحتراق) استرجع الهواء، ثانية، خاصية المساعدة على التنفس، وأصبحهواء عاديا . لقد عزل شيلي الأكسجين وسماه «هواء النار».
ومثل الفتيل الذي كان يستخدمه، اشتعل شيلي بسطوع، لكن ليس لفترة طويلة، فقد مات في سن 44 عاما، بعد أن قام بأعمال كثيرة. عاش دفء الصحبة، لأن الأرملة لم تفارقه . وقبل أن تنهار صحته، أوصى بالصيدلية لها وقبل وفاته بيومين اثنين فقط، وثق أواصر الصداقة معها بالزواج.
ومع أن شيلي لم يكن معزولا، إلا أنه لم يكن على الطريق المطروق إلى حد ما . فعلى الرغم من أن مذكراته المعملية تبين أنه ربما يكون قد عزل الأكسجين قبل بريستلي، إلا أنه عندما نشر نتائجه أخيرا كان الأكسجين قد أصبح معروفا . ومن المعروف جيدا ظاهرة أن يصل أكثر من شخص إلى الاستنتاج نفسه إذا كانت لديه مجموعة البيانات نفسها . لذلك من الصعب أن نحدد لمن ننسب الأولوية في كل تقدم في العلوم (وفي الواقع ليست من التنوير في شيء). والمثير فعلا هو أن نرى كم من الناس واتتهم الفكرة. وبكم طريقة مختلفة تم ذلك. فمثلا استبقت أعمال ميخائيل فاسيليفيتش لومونوسوف التقدم المفاجئ الذي سنعرض له بالتفصيل في الفصل القادم.
كان هذا الكيميائي عموما روسيا، وكانت روسيا في ذلك الزمن بعيدة قليلا عن الطريق المضروب، ولو أن ذلك لم يدم طويلا . وكما تحدى لومونوسوف الشباب الروسي، سيأتي وقت (نبين فيه أن الأرض الروسية تستطيع أن تلد العديد من أمثال أفلاطون ونيوتن الحاد الذهن) .
ميخائيل فاسيليفيتش لومونوسوف
تعلم ميخائيل فاسيليفيتش القراءة والكتابة في سن مبكرة، فقد كان موهوبا وخاصة في اللغات. سافر إلى موسكو للدراسة وهو في العشرين ضد رغبة والده، وتمكن على الرغم من ميزانيته المحدودة من السفر إلى ألمانيا وهولندا . عاد بعد ذلك إلى سانت بطرسبرج ليتزوج ويمكث في روسيا بقية حياته.
كتب في الشعر، وكتبا عدة في الأجرومية (النحو)، وفن البلاغة، فقد كان متعدد المواهب بشكل غير عادي. لكن التبصر في العلم عادة يتطلب ذهنا خلاقا وتحليليا . وكانت بصيرة لومونوسوف في أنه رفض أن يرى الفلوجستين، حيث لم يكن هناك شيء يُرَى . سخن الفلزات في أوعية مغلقة بإحكام، فوجد - على عكس بويل - أنه لا توجد زيادة في وزن النظام.
والأكثر من ذلك، أن لومونوسوف لم يرى أي ضرورة في اللجوء إلى الفلوجستين لتفسير النتائج. وكان يعتقد أنه يمكن تفسيرها بافتراض أن شيئا ما من الهواء قد اتحد مع الفلز. ولسوء الحظ لم يكن لومونوسوف ذا منزلة رفيعة في العلم، كما لم يكن أي روسي في ذلك الوقت، حتى يتمكن من جعل وجهات نظره مؤثرة . فقبل أن تكتسب هذه الأفكار قبولا، لابد أن تطرحها أمة ينظر إليها كأمة مقبولة علميا بصورة أكبر : وبالتحديد كان هذا الدور مكتوبا لفرنسا في القرن الثامن عشر.
على أنه حيثما وقعت أحداث التقدم المفاجئ، فإنها تصبح قدرا محتوما ولقد مثلت نظرية الفلوجستين نوعا من السعي إلى إمرار وتد مربع المقطع من حلقة دائرية. فلقد بلغت الفيزياء والفلك خلال القرن الثامن عشر درجة من المنهجية بدت معها الكيمياء كأنها لابد أن تسلك السلوك نفسه.
وكما لو كانت بمحض الصدفة، خرج الكيميائيون بالفلوجستين آملين أن يكون هو النظام الموحد لهم. لكن نظرية الفلوجستين كانت أكثر من إبداع تاريخي: لقد بينت أن البحث عن الحقيقة يمكن أن يتأثر برغبة الباحثين في العمل ضمن إطار مستقر من الفكر، وأنه من الممكن أن يقع الإنسان في حب نظرية . وقد جعلت المرونة، التي أسبغها ستال على نظرية الفلوجستين من الممكن استعمالها لتفسير عدد من الظواهر : كان أسوأ نقد فيما يبدو هو أنه لم يكن من الضروري التضرع إليها لتفسير النتائج. فمع كل نجاح كانت تزداد تحصينا، وبدت أكثر فأكثر قوة، حتى أن خلعها كان يتطلب ثورة. وفي النهاية حدث ذلك.
كارل ويلهلم شيلي
اختار السويدي كارل ويلهلم شيلي الصيدلة طريقا في الحياة. كان الابن السابع من أحد عشر طفلا، وكان أكثر اهتماما بإجراء أبحاث على الكيماويات عن إنتاجها وبيعها . عمل بعد أن تدرب لمدة 13 سنة فني إنتاج قبل أن تتاح له فرصة العمل المستقل. كانت هذه الفرصة على شكل أرملة صيدلاني كانت تبحث عن مدير لصيدلية زوجها . تقدم شيلي للوظيفة لكنه وجد العمل عبئا ماليا ، وتيقن أن الأرملة ستضطر لبيعه قريبا . عقد شيلي مع الأرملة صفقة حيث اتفقا على أن يدير شيلي الصيدلية لمدة عام ليتمكن من تحسين وضعه المالي، ويتفاوض مع الأرملة على شراء الصيدلية. تفاوضت الأرملة مع مشتر آخر غير معروف، وكادت الفرصة أن تضيع من شيلي. غير أن الزبائن المحليين كانوا سعداء بعلم شيلي، لدرجة أنهم طلبوا من الأرملة أن يستمر شيلي في العمل، وهذا ما فعله. وقعت له الأرملة الشابة متنازلة عن الصيدلية، ومكثت معه كمديرة للبيت.
وكداعية للفلوجستين بكل تأكيد شرع شيلي في دراسة تأثير الفلوجستين في الغازات. وعندما لاحظ أن الاحتراق يقلل من حجم الهواء، وأن الهواء الذي لا يساعد على التنفس والمتبقي أقل كثافة من الهواء العادي، فسر ذلك بأن الفلوجستين من المادة القابلة للاشتعال يتحد مع أحد مكونات الهواء العادي ويتشتت على شكل حرارة عديمة الوزن فرضية معقولة تصلح للعمل بها وقد أطلق شيلي على هذا المكون المجهول اسم هواء النار» وكان معنيا بعزله.
ولأن حمض النيتريك يؤثر في بعض الفلزات وينتج أكاسيدها تماما كما يحدث عند تسخين الفلزات في الهواء، فإن شيلي فسر ذلك بأن حمض النيتريك لابد أن يمتص الفلوجستين من الفلز مثلما يفعل الهواء عند تسخين الفلز. لذلك، إذا كانت الحرارة هي الفلوجستين وهواء النار معا، كما كان يظن شيلي، فإن تلامس النار وحمض النيتريك سيطرد الفلوجستين ويخلف هواء النار.
ولتحقيق ذلك بالتجربة، قام شيلي بتثبيت حمض النيتريك (جعله صلبا) بأن جعله يتفاعل مع أيدروكسيد البوتاسيوم، ثم سخن نترات البوتاسيوم الناتجة في معوجة مثبت عليها قارورة بها ملح يمتص أكاسيد النيتروجين.
وكما كان يأمل، فإن القارورة قد ملئت بغاز كان يجعل الفتيل المشتعل يتوهج بسطوع. وأكثر من ذلك، عندما امتزج هذا الهواء مع الهواء المستنزف (بالاحتراق) استرجع الهواء، ثانية، خاصية المساعدة على التنفس، وأصبحهواء عاديا . لقد عزل شيلي الأكسجين وسماه «هواء النار».
ومثل الفتيل الذي كان يستخدمه، اشتعل شيلي بسطوع، لكن ليس لفترة طويلة، فقد مات في سن 44 عاما، بعد أن قام بأعمال كثيرة. عاش دفء الصحبة، لأن الأرملة لم تفارقه . وقبل أن تنهار صحته، أوصى بالصيدلية لها وقبل وفاته بيومين اثنين فقط، وثق أواصر الصداقة معها بالزواج.
ومع أن شيلي لم يكن معزولا، إلا أنه لم يكن على الطريق المطروق إلى حد ما . فعلى الرغم من أن مذكراته المعملية تبين أنه ربما يكون قد عزل الأكسجين قبل بريستلي، إلا أنه عندما نشر نتائجه أخيرا كان الأكسجين قد أصبح معروفا . ومن المعروف جيدا ظاهرة أن يصل أكثر من شخص إلى الاستنتاج نفسه إذا كانت لديه مجموعة البيانات نفسها . لذلك من الصعب أن نحدد لمن ننسب الأولوية في كل تقدم في العلوم (وفي الواقع ليست من التنوير في شيء). والمثير فعلا هو أن نرى كم من الناس واتتهم الفكرة. وبكم طريقة مختلفة تم ذلك. فمثلا استبقت أعمال ميخائيل فاسيليفيتش لومونوسوف التقدم المفاجئ الذي سنعرض له بالتفصيل في الفصل القادم.
كان هذا الكيميائي عموما روسيا، وكانت روسيا في ذلك الزمن بعيدة قليلا عن الطريق المضروب، ولو أن ذلك لم يدم طويلا . وكما تحدى لومونوسوف الشباب الروسي، سيأتي وقت (نبين فيه أن الأرض الروسية تستطيع أن تلد العديد من أمثال أفلاطون ونيوتن الحاد الذهن) .
ميخائيل فاسيليفيتش لومونوسوف
تعلم ميخائيل فاسيليفيتش القراءة والكتابة في سن مبكرة، فقد كان موهوبا وخاصة في اللغات. سافر إلى موسكو للدراسة وهو في العشرين ضد رغبة والده، وتمكن على الرغم من ميزانيته المحدودة من السفر إلى ألمانيا وهولندا . عاد بعد ذلك إلى سانت بطرسبرج ليتزوج ويمكث في روسيا بقية حياته.
كتب في الشعر، وكتبا عدة في الأجرومية (النحو)، وفن البلاغة، فقد كان متعدد المواهب بشكل غير عادي. لكن التبصر في العلم عادة يتطلب ذهنا خلاقا وتحليليا . وكانت بصيرة لومونوسوف في أنه رفض أن يرى الفلوجستين، حيث لم يكن هناك شيء يُرَى . سخن الفلزات في أوعية مغلقة بإحكام، فوجد - على عكس بويل - أنه لا توجد زيادة في وزن النظام.
والأكثر من ذلك، أن لومونوسوف لم يرى أي ضرورة في اللجوء إلى الفلوجستين لتفسير النتائج. وكان يعتقد أنه يمكن تفسيرها بافتراض أن شيئا ما من الهواء قد اتحد مع الفلز. ولسوء الحظ لم يكن لومونوسوف ذا منزلة رفيعة في العلم، كما لم يكن أي روسي في ذلك الوقت، حتى يتمكن من جعل وجهات نظره مؤثرة . فقبل أن تكتسب هذه الأفكار قبولا، لابد أن تطرحها أمة ينظر إليها كأمة مقبولة علميا بصورة أكبر : وبالتحديد كان هذا الدور مكتوبا لفرنسا في القرن الثامن عشر.
على أنه حيثما وقعت أحداث التقدم المفاجئ، فإنها تصبح قدرا محتوما ولقد مثلت نظرية الفلوجستين نوعا من السعي إلى إمرار وتد مربع المقطع من حلقة دائرية. فلقد بلغت الفيزياء والفلك خلال القرن الثامن عشر درجة من المنهجية بدت معها الكيمياء كأنها لابد أن تسلك السلوك نفسه.
وكما لو كانت بمحض الصدفة، خرج الكيميائيون بالفلوجستين آملين أن يكون هو النظام الموحد لهم. لكن نظرية الفلوجستين كانت أكثر من إبداع تاريخي: لقد بينت أن البحث عن الحقيقة يمكن أن يتأثر برغبة الباحثين في العمل ضمن إطار مستقر من الفكر، وأنه من الممكن أن يقع الإنسان في حب نظرية . وقد جعلت المرونة، التي أسبغها ستال على نظرية الفلوجستين من الممكن استعمالها لتفسير عدد من الظواهر : كان أسوأ نقد فيما يبدو هو أنه لم يكن من الضروري التضرع إليها لتفسير النتائج. فمع كل نجاح كانت تزداد تحصينا، وبدت أكثر فأكثر قوة، حتى أن خلعها كان يتطلب ثورة. وفي النهاية حدث ذلك.
تعليق