قبيلتا طسم وجديس .. من العرب البائدة، وتُعَدَّان من أقدم طبقات العرب لدى المؤرخين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قبيلتا طسم وجديس .. من العرب البائدة، وتُعَدَّان من أقدم طبقات العرب لدى المؤرخين

    طسم وجديس (قبيلتا)

    Tasem and Jadis - Tasem et Jadis

    طسم وجديس (قبيلتا ـ)

    قبيلتان من العرب البائدة، وتُعَدَّان من أقدم طبقات العرب لدى المؤرخين، وهما من أبناء سام بن نوح، فأما طسم، فهم أبناء: (طسم بن لوذ بن إِرَم بن سام ابن نوح)، وهو شقيق عمليق أبي العمالقة.
    وأما جديس فهم أبناء جديس بن جاثر (أو كاثر) بن إرم بن سام بن نوح، وهو شقيق ثمود. ويجمعهما بعاد النسبُ إلى إرم بن سام، فإن عاداً هم أبناء (عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح)
    وهناك من يرى أنهما قبيلتان لا حقيقة لهما، غير أنه وردَ في نقش يرجع إلى سنة (322م) «أنعم طسم» وفي «جغرافيا بطلميوس» اسم (Jodisitae) وهذا يدلّ على وجودهما، وكانوا جميعاً عرباً يتكلمون اللسان العربي.
    وقد سكنوا في أول أمرهم أراضي بابل، فلما غزتها فارس انتقلوا إلى داخل الجزيرة العربية، فأقاموا فيما بين الأحقاف والبحرين واليمامة، فكان بعض ملوكهم يشتِّي بالبحرين ويصيِّف باليمامة. وكانت اليمامة وما يحيط بها من قرى أهمّ منازلهم، وتشير أوصاف منازلهم إلى أنهم كانوا حضراً لا بدواً، وقد بقيت آثارهم إلى ما بعد الإسلام، ومن منازلهم وآثارهم: «اليمامة» كانتا فيها جميعاً: (واسمها القديم:جوّ) ثم حلتها بعدها بنو حنيفة. و«المشقّر» وهو حصن لطسم بين نجران والبحرين على تل عال سكنته فيما بعد قبيلة عبد القيس، ويقابله حصن «سدوس». ومنها أيضاً «معتق» وهو من قصور اليمامة، على أكمة مرتفعة. و«الشموس» من قصور جديس.
    ومن قرى اليمامة: «حجر» كانت لهما، ذات قصور عالية كثيرة، تحيط بها المزارع. و«القرية» ويقال لها قرية بني سدوس، كان فيها قصر عظيم من الصخر، وذُكر أنه كان من صخرة واحدة. و«جعدة» حصن لهما فيه قصر قديم، بقي إلى القرن الرابع الهجري ووصفه الهمداني (ت:334هـ)، وذكر أنه كان محيطاً بالقرية، وحوله منازل الحاشية، وحولها منازل الناس والسوق، وفي السوق مئتان وستون بئراً عذبة، ويحيط بالقرية خندق.
    و«خضراء حجر» لهما، وفيها قصور وأبنية مربعة مثل الصوامع، مستطيلة في السماء، ذكر الهمداني أنها تبلغ مئتي ذراع. و«الخضرمة» لجديس، فيها آثار قديمة كثيرة و«باب القريتين»، قرية لهما في طريق مكة، وفيها «ذات أبواب». وفي رواية عن عمرt أنه خاطب قريشاً فقال: «كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله، ثم وليته من بعدهم جرهم …» وهذا يعني أنهم سكنوا الحرم قبل جرهم؛ وغير ذلك من المنازل.
    كانت أخبار هاتين القبيلتين على ألسنة العرب قبل الإسلام وبعده، حتى إن ابن الكلبي ألف كتاباً فيهما اسمه «كتاب طسم وجديس».
    وحفظت المصادر العربية أخباراً متفرقة عنهما، معظمها راجع إلى ما بعد الميلاد، ولا تَعارُضَ بين هذا وبين ما يذكره المؤرخون من قدمهما، لأن هذه الأخبار المحفوظة متعلقة بنهاية القبيلتين، وجاء ذكر ذلك في أشعار بعض الجاهليين.
    وأهم ذلك أنه كان عليهما ملك من طسم اسمه «عمليق» أو «عملوق»، وكان ظالماً غشوماً، فاستعدته امرأة من جديس على زوجها بعدما طلقها وأراد أن يأخذ ولدها، فحكم أن يُنزع الولد منهما، ويجعل في خدمته، فأنكرا ذلك، ثم قالت المرأة فيه شعراً بعد انصرافها، فبلغهُ ذلك، فأمر ألاّ تُهدى عروس من جديس إلى زوجها إلاّ بعد أن يدخل عليها، فكان ذلك حتى خُطبت ابنة رئيس جديس وأرادوا إدخالها عليه، فأنكرت ذلك وحرضت قومها، فما حرّكوا ساكناً، فلما خرجت من عنده دخلت على نادي قومها وفيهم أخوها ورفعت ثوبها عن جسدها، وقالت شعراً عنَّفتهم فيه، وأنكرت عليهم رضاهم بذلك الذل، فتآمروا على أن يحتالوا حتى يقتلوه وحاشيته، فاتفقوا أن يقيموا وليمة لهم في وادي العرض ـ وهو وادي اليمامة ـ خارج المنازل، وأن يدفنوا سيوفهم في الرمال، فلما اشتغل الملك وحاشيته بالطعام أخرجوا سيوفهم وحملوا عليهم فأبادوهم،وهرب رجل منهم فلجأ إلى الملك حسان بن تبع، وقيل إن الملك هو ذو جيشان، وقيل أسعد بن ملكي كرب بن كلكي كرب، واستنجده عليهم، فهيأ جيشه وقصدهم، وبعث على مقدمته عبد كلال بن مثوب بن ذي حرث، والراجح أن ذلك كان في عهد أسعد.
    وكانت في جديس امرأة اسمها اليمامة حديدة البصر، كانت ترى الأشياء على مسيرة ثلاثة أيام ـ فيما يزعمون ـ لأنها كانت تكتحل بالإثمد، فحذَّر الطسمي الملك منها، فأمر كل رجل أن يحمل غصن شجرة ليُلْبِسوا عليها الأمر، فلما كانوا على تلك المسافة صعدت السطح فرأت الجيش، فحذرت قومها فلم يصدقوها، فصبحهم الجيش فأفناهم، وأخذ المرأة فشق عينيها فإذا فيها عروق سود من الإثمد، فضربت العرب المثلَ بحدّة بصرها، وأمر الملك أن تسمى جوّ باسمها، فسميت من يومئذ اليمامة، ويقال للمرأة أيضاً: زرقاء اليمامة.
    وأشار الأعشى إلى هذه القصة، وهو من سكان قرى اليمامة، في قوله:
    ما نظرت ذات أشفار كما نظرت
    حقاً كما نظر الدُّبسيُّ إذ سجعا
    قالت أرى رجلاً في كفّه كتفٌ
    أو يخصف النعلَ لهفي أَيّةً صنعا
    فكذبوها بما قالت فصبَّحَهُمْ
    ذو آلِ حسان يزجي الموتَ والشِّرَعا
    فاستنزلوا أهل جوّ من مساكنهم
    وهدّموا شاخص البنيان واتّضَعا
    ويروى في البيت الثالث «ذو آل جيشان».
    وقد كان الملك «أسعد» أواخر القرن الرابع الميلادي، فإن كان هو الذي غزاهم فهذا يعني أن هلاك القبيلتين كان في ذلك الزمان.
    ويُذكر أنه «الأسود بن رباح» الجديسيَّ قاتل عمليق فرَّ سالماً فأقام في جبلي أجأ وسلمى إلى أن قدمت طيّئ فاغتالوه واستقروا في الجبلين.
    ومما بقي من ذكرهم لدى العرب أنها قالت في أمثالها: «بوار طسم بيدي جديس».
    وكانت تضرب المثل بـ «كلب طسم»، وفيه قيل «سمِّن كلبك يأكلْكَ»، وذلك أنّه كان لرجل من طسم كلب يسقيه اللبن ويطعمه اللحم ويسمنه ليصيد به أو يحرس غنمه، فجاع يوماً فوثب عليه فأكله.
    قال عوفٌ بن الأحوص الكلابي لقيس بن زهير العبيسي:
    أراني وقيساً كالمسمّن كلبه
    فخدَّشَهُ أنيابهُ وأظافره
    وتقول أيضاً في أمثالها: «أحاديث طسم» لما لا أصل له من الأخبار، وهذا يقوله من يشك في صحة أخبارهم.
    وفي أخبار طرفة بن العبد أن عمرو ابن هند لما أرسله إلى والي البحرين ليقتله تولّى قتله بيدهِ معاوية بن مرة الأيفليّ (حي من طسم وجديس)، فإن صحّ هذا، فإنه يعني أن من سلمَ من الإبادة من الحيَّين قد ذابوا في سائر قبائل العرب.
    والظاهر أنهم كانت فيهم الوثنية، فإن لهم صنماً اسمه «كثرى» كسره نهشل بن الرُّبيس بن عرعرة، ولحق بالنبيr وأسلم وذكره عمرو بن صخر ابن أشنع بقوله:
    حلفتَ بكثرى حلفةً غير بَرَّةٍ
    لتستلبنْ أثواب قس بن عازب
    شفيق بيطار
    مراجع للاستزادة:
    ـ ياقوت الحموي، معجم البلدان (دار صادر، بيروت 1977).
    ـ الأصمعي،نهاية الأرب في أخبار الفرس والعرب (طهران) د.ت.
    ـ المفضل الضبي،الأمثال، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت) د.ت.
    ـ جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (دار العلم للملايين، بيروت، مكتبة النهضة، بغداد 1978).
يعمل...
X