الناقد السينمائي كين دانسايجر: المخرجون ثلاثة حرفي، جيد، وعظيم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الناقد السينمائي كين دانسايجر: المخرجون ثلاثة حرفي، جيد، وعظيم

    الناقد السينمائي كين دانسايجر: المخرجون ثلاثة حرفي، جيد، وعظيم


    كيف يمكن للمخرج أن يرتقي من مستوى إلى آخر.
    الأحد 2024/05/05
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الإخراج رؤية وفكرة قبل كل شيء

    يبقى المسؤول الأول عن إنتاج أي فيلم هو المخرج الذي يجسد من خلال ممثليه والإشراف على المونتاج والسيناريو وفق تصوره وأفكاره ورؤاه، لكن العملية الإخراجية التي تشرف على إنجاز الفيلم ليست بالأمر السهل أو الوصفة الجاهزة التي يمكن تلقينها، بينما يمكن إرشاد المخرجين إلى تطوير أساليبهم.

    ربما كان من السهل أن يكون الفنان السينمائي مخرجا يتقن حرفته، لكن كيف يمكن أن يكون مخرجا عظيما؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عنه كتاب “فكرة الإخراج السينمائي.. كيف تصبح مخرجا عظيما؟” للناقد والمنظر السينمائي كين دانسايجر، في رحلة في فن السينما من خلال دراسة العديد من أفلام المخرجيين العظماء منذ بدايات السينما وحتى الأعوام الأولى من القرن العشرين، فإن هذه الرحلة تؤكد على العنصر الأهم في تكوين المخرج العظيم، وهي أن تكون لديه “فكرة إخراجية”، تضم رؤيته الخاصة للعالم وقراءته المتفردة للسيناريو التي تتيح له تفسير النص وتجسيد هذا التفسير من خلال أداء الممثلين والتصوير والمونتاج.

    ينقسم الكتاب الذي ترجمه الأكاديمي أحمد يوسف وصدر عن المركز القومي للترجمة جزأين، يركز الأول على السؤال: ما هو الإخراج؟ ويناقش كيف يمكن للمخرج أن يصل إلى فكرته الإخراجية الخاصة. والنصف الأول من هذا الجزء يقدم تعريفا لفكرة المخرج، وتحديدا للفروق بين المخرج الحرفي المتمكن من أدواته التقنية، والمخرج الجيد والمخرج العظيم.
    المخرج هو المسؤول


    لكي تصبح فكرة المخرج أكثر وضوحا لديه فإن من المهم أولا أن يفهم لماذا انجذب إلى سيناريو بعينه

    يقول دانسايجر “أنا أعلم أن صفات مثل ‘المتمكن الحرفي‘ و‘الجيد‘ و‘العظيم‘ تحتمل العديد من المعاني التي تختلف في تفسيرها بين فرد وآخر، وهي صفات تحمل دلالة أن هناك مستوى أفضل من الآخر، وقد لا يتفق تفسيري لها مع تفسير القارئ، ومع ذلك فإنني سوف أستخدم هذه المصطلحات لكي أجسد مفهومي الخاص عن أن هناك طريقا يمكن من خلاله للمخرج أن ينتقل إلى مستوى إخراجي أفضل، وهو ما يتطلب مقدمة منطقية يقوم عليها هذا التطور، وتلك هي فكرة المخرج، التي يمكن له بواسطتها أن يحسم اختياراته وقراراته أثناء صنع الفيلم”.

    ويبين أن هذه الاختيارات – إدارة الممثلين وتحديد أنواع اللقطات، ومدى اقتراب أو ابتعاد الكاميرا عما تقوم بتصويره، وقرار أن تكون الكاميرا ثابتة أحيانا، وأخيرا تفسير النص أو السيناريو – هي مادة النصف الثاني من هذا الجزء الأول.

    أما الجزء الثاني فيتألف من 14 دراسة حالة لمخرجين بعينهم، وهذه الدراسات قد تم تنظيمها على النحو التالي: أولا إيضاح فكرة المخرج. ثانيا كيف قام المخرج بتطبيق هذه الفكرة؟ وقد تم اختيار مشاهد من أفلام كل مخرج، يمكن من خلالها دراسة معالجته لفكرته الإخراجية، وتتضمن مناقشة هذه المشاهد: أولا ملخّصا للمضمون السري للحدث. ثانيا أداء الممثلين، وكيف تم تطويعه ليتلاءم من الناحية الوجدانية مع فكرة المخرج. ثالثا كيف قام التصوير السينمائي بتجسيد فكرة المخرج؟. رابعا كيف أسهمت الإضاءة والصوت وتصميم المناظر، في تجسيد فكرة المخرج؟ خامسا للطريقة التي اجتمعت بها كل هذه العناصر لدعم فكرة المخرج.

    ومن بين الأفلام التي يحللها دانسايجر “كل هذا الجاز” إخراج بوب فوسي، و”اللاعب” لروبرت ألتمان، و”قائمة شندلر” لستيفن سبيلبيرغ، و”ليالي رقصة البوجي” لبول أندرسون، و”صائد الغزلان” لمايكل تشيمينو، و”النهر الغامض” لكلينت إيستوود، و”الأضواء الحمراء” إخراج سيدريك كان، “اليوم التاسع” إخراج فولكر شلوندورف، وغيرها من الأفلام التي تمثل مستويات الإخراج على مدى تاريخ السينما. كما يفرد عددا من أحد عشر فصلا للتوقف مع رؤى وأفكار وأفلام المخرجين: سيرجي إيزنشتين، جون فورد، جورج ستيفنس، بيللي وايلدر، إيرنست لوبيتش، إيليا كازان، رومان بولانسكي، ستانلي كوبريك، ستيفن سبيلبيرغ، مارجريتا فون تروتا، لوكاس موديسون، كاترين برياه، ماري هارون.

    صناعة الأفلام عملية جماعية تقوم على التعاون بين العديد من الأطراف لكن المسؤول الأول عنها هو المخرج

    يرى دانسايجر أن صناعة الأفلام عملية جماعية تقوم على التعاون بين العديد من الأطراف، مثل: المنتجين، والمصورين السينمائيين ومصممي المناظر ومهندسي الصوت، وفناني التوليف (المونتاج)، ومؤلفي الموسيقى وكتاب السيناريو والممثلين الذين يشاركون جميعا في أن يخرج الفيلم إلى النور. لذلك استخدام البعض تشبيه المخرج بقائد الأوركسترا أو مدرب فريق رياضي، هذا التشبيه في أحد مستوياته يعبر عن الحقيقة بشكل جيد، فالمخرج يقود مجموعة متنوعة من الأفراد أصحاب المواهب المختلفة لكي يصبحوا فريقا ناجحا وصوتا واحدا، حيث يصبح المجموع الكلي أكبر دائما من مجموع الأجزاء، وهو تحدي حرفة الإخراج، وهنا يمكن التمييز بين المخرج الجيد والمخرج العظيم، بالمقارنة مع المخرج الحرفي الذي يكتفي فقط بإجادة استخدام أدواته الحرفية بدرجة أو بأخرى، ولكي يحقق المخرج هذا الهدف (أن يكون مخرجا عظيما) فإن عليه أن يكون سياسيا، وحرفيا وراوي قصص، وفنانا.

    ويشير إلى أن المخرج يتحمل مسؤولية تحول السيناريو المكتوب (الكلمات) إلى صور (لقطات)، يعهد بها إلى فنان المونتاج لكي يصنع منها فيلما عندما يجمعها معا. لكن متى يبدأ دور المخرج ومتى ينتهي، فتلك مراحل متداخلة، حيث أن المخرج يصبح جزءا من عملية صنع الفيلم بدءا من مرحلة الكتابة وقبل البدء في الإنتاج الفعلي، كما أنه لا يترك المشروع حتى الانتهاء من الإنتاج. وبذلك فإن المخرج قد يشارك أيضا في كل مراحل التوليف، مثل تصميم الصوت، والتأليف الموسيقي والتسجيل، والمزج الصوتي، انتهاء بشريط الصوت كما هو موجود في الفيلم النهائي.

    بكلمات أخرى فإن المخرج مسؤول عن الإشراف الإبداعي على الفيلم منذ أن كان فكرة وحتى الانتهاء منه، لذلك يعمل المخرج على نحو لصيق بالمنتج المسؤول عن الإشراف التنظيمي والمالي للفيلم منذ الفكرة الأولى وحتى النهاية، وقد يكون دور المخرج دورا ثانويا في مرحلة ما قبل الإنتاج الفعلي ليترك كاتب السيناريو ينتهي من عمله، لكنه قد يكون أيضا شريكا للكاتب في مرحلة الكتابة، والاختيار بين هذا الدور أو ذاك يعتمد على تاريخ المخرج وتأثيره واهتماماته، لكن خلال مرحلة الانتاج يكون المخرج هو المسؤول بلا منازع، فهو الذي يقوم بتفسير السيناريو المكتوب، وتقطيعه إلى أجزاء ومشاهد ولقطات، كما أنه مسؤول عن الإشراف على أداء الممثلين خلال هذه المرحلة.
    ثلاثة مخرجين



    المخرج يتحمل مسؤولية العمل


    يؤكد دانسايجر أنه في عالم الإخراج ليست هناك مواصفات للمخرج، فقد يكون امرأة أو رجلا، غربيا أو شرقيا أو أميركيا. وإن تفرّد المخرج يأتي نتيجة لمزيج من معتقداته وتجاربه واهتماماته وشخصيته، فبعض المخرجين يتسمون بالمرح اللعوب (مثل فيديريكو فيلليني)، بينما قد يكون آخرون جادين إلى درجة الجهامة (مثل إنجمار بيرجمان)، وبعضهم يحب أن ينتقل من نمط فيلمي إلى آخر (مثل هوارد هوكس)، بينما يفضل آخرون نمطا فيلميا بعينه (مثل كلينت إيستوود). بعضهم يهتم بالسياسة (مثل سيرجي إيزنشتين) بينما لا يهتم آخرون بها (مثل بليك إدواردز).

    وبعضهم يميل إلى الكوميديا (مثل وودي آلين)، بينما يحاول البعض الآخر التنقل بين الأفلام الجادة والأفلام الكوميدية (وهذا ما يفعله وودي آلين أيضا، بالإضافة إلى بيللي وايلدر). هكذا فإن لكل مخرج شخصيته المميزة التي تجعل أفلامه مختلفة عن أفلام المخرجين الآخرين، وأن جانبا من المتعة التي نستمدها من مشاهدة الأفلام يأتي من تنوعها، وهو ما يتناقض مع المفهوم الشائع في العديد من معاهد تعليم السينما بأن هناك طريقة صحيحة واحدة لصنع الفيلم، وأنا أؤمن بأن هناك العديد من الطرق الصحيحة، التي تعتمد على شخصية كل صانع للأفلام ومعتقداته واهتماماته.

    ويشير دانسايجر إلى ثلاث مستويات للإخراج: المخرج الحرفي، المخرج الجيد، المخرج العظيم، ويقول “المخرج الحرفي يحكي قصة واضحة بل مؤثرة أحيانا، لكن الجمهور يتلقاها على أنها قصة ذات بعد واحد وبلا أعماق تتجاوز خطوط القصة. وقد يكون الفيلم الذي يخرجه المخرج الحرفي ناجحا تجاريا، بما يجعل المخرج يحقق حياة مهنية ناجحة، لكن حتى من المنظور الإخراجي فإن التجربة تكون مسطحة، فالمخرج الحرفي متمكن من أدواته التقنية، وينجز لقطات يمكن توليفها على نحو واضح، وينجح في أن يستخرج من الممثلين أداء معقولا بالمعايير التي وضعها المخرج لفيلمه. وبذلك فإن المخرج الحرفي يمثل الحد الأدنى لتعريف المخرج كما يتصور.

    العنصر الأهم في تكوين المخرج أن تكون لديه فكرة إخراجية، تضم رؤيته الخاصة للعالم وقراءته المتفردة للسيناريو

    أما المخرج الجيد فإنه يقدم للجمهور تجربة أكثر تعقيدا وذات مستويات متعددة للتلقي، وقد تأتي هذه المستويات من تفسيره للنص، مثل أن يجعل الشخصية الرئيسية شخصية معاصرة تعيش في أجواء الويسترن الكلاسيكي. وقد تأتي هذه المستويات أيضا من تقديم تنويعات على أداء الممثلين، والمخرج العظيم إيليا كازان نموذج على استخدام هذا النوع من الإستراتيجية في الإخراج.

    لكن المخرج قد يستخدم أيضا تنويعات أوسع من اللقطات، مثل استخدام العدسات الواسعة التي تتيح ظهور مقدمة المنظر وخلفيته معا، بدلا من اللقطات المتوسطة التي تجمع بين شخصين، أو قد يستخدم لقطات عامة بدلا من اللقطات القريبة التي قد يتوقعها المتفرج مسبقا. وأيّا ما كان الاختيار، فإن المخرج الجيد يبحث عن الفكرة الإخراجية التي سوف تجعل المعنى أكثر عمقا، وتضيف معاني متضمنة وتضفي على السرد الروائي تعقيدا واعيا.

    ويتابع “لكن المخرج العظيم لا يكتفي فقط بإضافة معان إلى تجربة الفيلم، لكنه يجعلها متعددة المعاني بحيث يتعدد تلقي الفيلم بين متفرج وآخر. إنني أقصد بتعدد المعاني هو ما يفعله كل فن عظيم: إنه يعطينا طريقة جديدة لرؤية ما اعتدنا أن نراه. ولنأخذ مثالا: هناك رجل يستخدم دراجته في عمله، لكنها تسرق منه، مما يعرض عائلته لخطر العوز والفاقة، لذلك يسرق دراجة أخرى بينما يراقبه ابنه في الوقت الذي تقبض عليه الشرطة، ليشعر الابن بالإذلال الذي يشعر به أبوه”.

    ويرى أن فيتوريو دي سيكا يحول هذه القصة من الحياة العادية حول محاولة البقاء على قيد الحياة، إلى قصة عن الفقر وعلاقة الآباء والأبناء. فإن “المشاركة في تجربة الإذلال لكل من الأب والابن سوف تترك بالتأكيد أثرها في الطفل، لنسأل أنفسنا: ماذا سوف يكون هذا الولد عندما يكبر، لصا أم طبيبا؟ هل سيصبح شخصا حنونا رقيق القلب أم قاسيا لا يعرف الرحمة؟ إن هذه الأسئلة تنبع من الفكرة الإخراجية لدي فيتوريو دي سيكا عندما صنع فيلم ‘سارق الدراجة‘ وفيه يقوم دي سيكا بتحويل قصة بسيطة إلى شيء يخصنا جميعا، وهذا ما يفعله المخرج العظيم، وأداته في ذلك هي فكرته الإخراجية”.
    الفكرة الإخراجية



    الأفلام المهمة تقودها رؤى خارج المألوف


    يلفت دانسايجر إلى أنه لكي تصبح فكرة المخرج أكثر وضوحا لديه فإن من المهم أولا أن يفهم لماذا انجذب إلى سيناريو بعينه، وبشكل عام فإن المخرجين ينجذبون إلى السيناريو بسبب شخصية معينة، هي الشخصية الرئيسية، بالإضافة إلى الموقف الحياتي الذي تعيشه هذه الشخصية والطريقة التي اختارتها الشخصية للتعامل مع هذا الموقف. ولكي نقترب من الفكرة الإخراجية، في رأيه، علينا أن نفهم تماما إذا ما كنا نريد هذه الشخصية الرئيسية ضحية أم بطلا: هل نحن مهتمون بتركيبتها النفسية والمحيط الذي تعيش فيه، والمجتمع من حولها، أم أننا أكثر اهتماما بالبعد السياسي في القصة؟ إن لكل قصة تلك الأبعاد جميعا، فأيّ بعد منها يجذبنا أكثر من غيره. أيضا هناك عنصر الحبكة بالنسبة إلى السرد الروائي، فبالنسبة إلى بعض المخرجين مثل ستيفن سبيلبيرغ وريدلي سكوت، تكون الحبكة شديدة الأهمية، وبالنسبة إلى مخرجين آخرين مثل أنطوني مينجيلا تكون الحبكة أقل أهمية. وإذا كانت الحبكة مهمة وحاسمة، فإن الشخصيات تصبح أكثر سطحية، أما إذا كانت الشخصية هي الأهم، فيلعب التركيب النفسي دورا حاسما، بينما تصبح الحبكة ثانوية.

    ويرى أن المخرج أيضا يحتاج أن يضع في المقدمة وبشكل واضح قيمه الخاصة: ما هي هواجسه حول الحياة؟ إن فكرة المخرج تتيح له أن يوضح القيم المهمة بالنسبة إليه الموجودة في القصة ويجسدها، وجميعنا بشكل وآخر مهتمون بإبراز شخصيتنا، لذلك فإن المخرج الذي يريد أن يكسب حب الجمهور يجب عليه أن يكون فاتنا وظريفا وهو يحكي لنا قصة الفيلم، أما المخرج الذي يريد إثارة إعجابنا فسوف يبحث عن أكثر الطرق تعقيدا وتحديا لكي يروي لنا القصة، غير أن هناك مخرجا آخر قد ينجذب إلى التحدي الكامن في المشروع نفسه، فبقدر ما فيه من تحديات يأخذ المخرج على عاتقه إخراجه الفيلم.

    إن مخرجي الأفلام الكوميدية يبحثون عن اكتساب حب الجمهور (مثل فيلم “قابل عائلة فوكر”)، أما مخرجون مثل ستيفن سبيلبيرغ (في “قائمة شيندلر” مثلا) فإنهم يسعون إلى حب الجمهور واحترامه معا. بينما في فيلم “2001: أوديسا الفضاء”، أخذ ستانلي كوبريك على عاتقه مهمة تحدي تناول التاريخ الإنساني وتلك القضايا الفلسفية مثل الوجود أو الإنسان في مواجهة التكنولوجيا. إن هذه الأهداف هي المرشحات المهمة التي تمر من خلالها قرارات المخرج لكي يجد فكرته الإخراجية.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X