الروايات التي تتناول النكبة تندرج في إطار روايات الاستعمار وما بعد الاستعمار، في محاولة لتقديم صوت "الضحية" والسماح لها بالكلام (غيتي)د. محمد عبيد الله
17/2/2024
الرواية وحرب السرديات.. مذبحة "دير ياسين" في رواية عربية جديدة
ما زالت نكبة فلسطين 1948 تستقطب اهتمام الرواية، ويمكن تمييز صنف من الروايات الفلسطينية والعربية تحت مسمّى (روايات النكبة) تتميز بتناول مادة واقعية وشبه تاريخية وتعريضها للتأمل والمراجعة، ذلك أن "النكبة" حصلت حقا ونتج عنها ما نتج من احتلال فلسطين وزرع كيان استيطاني استعماري في قلب العالم العربي يشكل تهديدا وتسميما لوجودنا حتى اليوم، ولذلك فمن المسلّم أن من يتناولها قد لا يقدّم جديدا من الناحية التاريخية.
ولكن الكتابة الأدبية ومن ضمنها كتابة الرواية ربما لا تطمح إلى تقديم معلومات أو تفاصيل تاريخية جديدة، وإنما تجد مسوّغات أخرى في مقدّمتها ضرورة "إحياء النكبة" والحرص على إبقائها ماثلة للأجيال بكل ما يصاحب ذلك من تأثير، وما يشرح أبعاد الصراع، فآثار النكبة مستمرة في أحوال الفلسطينيين وتفاصيل حياتهم حتى دحر الغاصب المحتلّ وتحرير الوطن من آثاره الاستعمارية وتحقيق حلم العودة لملايين الفلسطينيين الذين هُجّروا عنوة تحت ضغط آلة الحرب الغاشمة.
ونلتمس مسوّغا آخر للكتابة الروائية هو ما يدخل فيما يسمّى بــ"حرب السرديات" وصراعها، كما يتبدى في رواية (يس) للروائي الفلسطيني/الأردني أحمد أبو سليم، التي تستعيد بطريقة مؤثرة مذبحة دير ياسين إحدى أشهر المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في حرب النكبة، وحرب السرديات في هذا السياق حرب أخرى تخاض لفرض الرواية الصحيحة، ولمواجهة روايات العدو المزيّفة.
روايه "يس" للكاتب أحمد أبو سليم (الجزيرة)
الرواية والحدث التاريخي:
تسهم الكتابة الروائية إذن في تثبيت الحدث التاريخي ليظل مستمرّا في وعي الأجيال اللاحقة، أو في وعي الجماعة، مع ما يصيب هذا الحدث من تغيير وتعديل وتوظيف، ذلك أنه يكتسب معناه ووظيفته من خلال تلك السرديات بصورتها التاريخية أو التخييلية، مما يدفعنا إلى التنبيه إلى أن التسجيل والتوثيق -على أهميتهما- هما أبسط أشكال هذا اللون من السرديات على مستوى المضمون والتشكيل، ذلك أن حرب السرديات تقتضي موضعة الحدث، وإعادة تفخيخه وترميزه و"أدلجته" ليمكن توظيفه والاستفادة منه، ويقوم الأحياء وأبناء الزمن الجديد بكل بهذا.
وأما الضحايا فقد انتهى أمرهم ولا يمكن إنصافهم بتغيير مجرى التاريخ أو تعديله، جل ما يمكن القيام به إنصافهم من خلال المكاسب التي سيحققها ورثتهم، فإذا نجح الورثة في شيء من هذا فهو أفضل انتصار للضحايا، وأما إذا استمر الورثة بتمثيل دور الضحية بحيث تغدو الهزيمة أو المجزرة حدثا متكررا نفسيا وواقعيا فإننا ما نزال أسرى الحدث ولم نتجاوزْه.
ويمكن لنظرة متعمّقة إلى الروايات العربية والروايات الإسرائيلية لحدث النكبة أن تفتح أفقنا على هذا الجانب الحيوي من الصراع، ويمكن لهذا أن يتم على مستوى مراجعة "السرد التاريخي" بأدوات علم التاريخ وفلسفته، مثلما يمكنه أن يتم بإنشاء السرد الأدبي والمتخيل السردي الذي يسمح بإعادة معالجة التاريخ وتأويله وتوجيه دلالاته دون الإخلال بوقائعه الثابتة الصلبة.
تعليق