"معلقات" محمد الحر تُسائِل تحديات المرأة العربية المبدعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "معلقات" محمد الحر تُسائِل تحديات المرأة العربية المبدعة

    "معلقات" محمد الحر تُسائِل تحديات المرأة العربية المبدعة


    مسرحية سردية تسلط الضوء على غياب المرأة المثقفة من التاريخ المغربي والعربي.


    ما أشبه اليوم بالبارحة

    كم من امرأة مبدعة، شاعرة كانت أو روائية ومفكرة أثرت في مجتمعها دون أن يصلنا صوتها؟ تعمد مجتمعها الذكوري تغييبها وطي سيرتها بل ونسب إبداعاتها لذكور؟ الأكيد أن التاريخ الحقيقي يزخر بأسماء الكثير منهن، وهذا ما يتساءل حوله المخرج المغربي محمد الحر في عمله “معلقات” ويدعونا إلى التفكير فيه والبحث في سير مبدعات لم يمنحهن مجتمعهن الذكوري فرصة أن يكنّ خارج أسوار الواجبات المنزلية.

    في مسرحيته “معلقات” التي قدمها في مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي في دورته السابعة التي انعقدت في فترة سابقة من شهر فبراير الجاري، واصل المخرج المغربي محمد الحر، عبر فرقة مختبر “أكون” المسرحي انتصاره للمرأة المغربية ومنها للمرأة العربية ولكل النساء اللواتي ظلمهن التاريخ والمجتمع الذكوري، عبر بحث استقصائي ينقب فيه هذه المرة في عوالم المرأة المبدعة التي واجهت العديد من التحديات منذ ما قبل التاريخ وإلى حدود عالمنا الراهن الذي يوصم بأنه عالم نسوي في ظاهره لكنه في الحقيقة لا يزال يقيد الإبداع النسوي ويظلمه مقارنة بما يتيحه للإبداع الذكوري.

    «معلقات» لفرقة مسرح أكون المغربية، هي من تأليف وإخراج محمد الحر، وأداء هاجر الحامدي، وهاجر كريكع.

    يتناول العمل حكاية كاتبة روائية فرنسية ذات أصول مغربية، تدعى آمال، تعود إلى موطنها الأصلي علّها تجد بعض الإلهام والهدوء لتستأنف مسيرتها في الكتابة التي انقطعت بفعل الغربة والظلم “الفرنسي”، فتشتري بيتا عتيقا تعيد ترميمه وطلاءه باللون الأبيض، فتجد نفسها في عزلة، وثمة ظلال وكائنات ليلية غريبة تظهر لها كل ليلة بحلول منتصف الليل، في بقعة محددة من حائط البيت القديم، وبمرور الأحداث، تنسل امرأة من الحائط، سيعرف المشاهد لاحقا أن اسمها نجمة، وهي شاعرة من زمن سابق، تسببت موهبتها في دفنها حية في الحائط.


    "معلقات" لفرقة مسرح أكون المغربية، هي من تأليف وإخراج محمد الحر، وأداء هاجر الحامدي، وهاجر كريكع


    ومحمد الحر دأب منذ سنوات على البحث في عالم المرأة المركب والمعقد، ومساءلة كل ما يتعلق بالتاريخ النسوي، انطلاقا من تأثره ببيئته وتنشئته الأولى، محاولا أن يكون صوت النساء في عائلته، اختار السرد، وهو القادم من عالم الحكاية والمتأثر به ليكون مطيته الأولى في الاشتغال المسرحي الذي من خلاله يسرد لنا حكايات نسوية، تسلط الضوء كل مرة على زاوية منسية من زوايا حياة النساء في المجتمعات العربية. ها هو هذه المرة يسرد لنا في “معلقات” حكاية قد تحصل في كل مكان وزمان، قابلة للتكرار والإعادة آلاف المرات، مغيبة حقائق من التاريخ الذي لا يكتبه إلا الأقوياء والمنتصرون والذين كانوا دائما من الذكور.

    لو حللنا هذا العرض المسرحي انطلاقا من عنوانه وثيمته لوقفنا فعلا على حقيقة أن المرأة العربية لطالما كانت سجينة مجتمع ذكوري، هو من يصنع الحياة ويطوعها لصالحه، مجتمع منعها من أن ترفع صوتها ورفض أن تبدع الشعر والأدب وحتى أن تخوض في العلوم والأديان، منعها من أن تفكر ولم يمنحها أحقيتها في الوجود، رغم أنها هي من تمنح الحياة لهؤلاء الذكور.

    لم يكن يحق للمرأة المغربية والعربية التمرد على ضوابط المجتمع الذكوري، كانت كما تصفها البطلة نجمة، تسجن في التفكير “كيف تصبح الزوجة المثالية؟ وكان يحق لها فقط أن تتعلم كيف تكون ربة بيت جيدة؟” ولا يحق لها التفكير في غير ذلك، وهامش حريتها في تلك الحياة قليل جدا، لا يكاد يمنحها الحرية إلا في محيط نسوي ضيق.

    حتى “المعلقات” الشهيرة، التي يذكرنا بها عنوان مسرحية الحر (معلقات) نسبت جميعها لشعراء رجال، سواء المعلقات السبع أو العشر، وكأن لا وجود يذكر لشاعرات مؤثرات في تاريخ الشعر العربي، وهذا ما تنتقده شخصية نجمة، الشاعرة التي استفزها العشق لتنظم شعرا، ولأن قبيلتها تحرم على المرأة الإبداع والاختلاط، فقد نسبت أشعارها لحبيبها، ومنحته ضوءا أخضر ليكون صوتها وليكتسب صيتا وشهرة، حتى قررت الثورة على التقاليد وكشف حقيقتها، وانتهى بها الأمر مدفونة حية داخل جدار البيت.


    حكاية مبدعتين في زمنين مختلفين


    ولا يختلف واقع آمال كثيرا، رغم اختلاف الزمن، فقد تأثرت بالأدب الفرنسي وأرادت أن تكتب إلا أنه تم استغلالها، وأخفيت هويتها، ونسبت أعمالها لآخرين لذلك قررت العودة إلى مسقط رأسها لتنطلق من جديد من المغرب، تحديدا من “إمليل” ذو الطبيعة الجميلة والهوية الثقافية المميزة.

    إنهما شخصيتان تذكراننا بأن منطقتنا العربية ظلت إلى حدود منتصف القرن العشرين، تغيب الصوت الشعري النسائي. ومع استثناء شاعرات نادراتٍ كن متمردات مثل الخنساء في الجاهلية والإسلام، وليلى الأخيلية في العصر الأموي، ورابعة العدوية في العصر العباسي، وولادة بنت المستكفي في العصر الأندلسي، وعائشة التيمورية في العصر الحديث، نكاد لا نجد حضورا لشاعرات وأديبات خاصة من أعيان المجتمع.

    من الناحية الجمالية، جاء العمل بسينوغرافيا مبهرة، تعتمد على الصوت والإضاءة وخيال الظل، وتتعمد التقليل في عناصر الديكور وتعرض في عمق الخشبة “سكريبت” العرض، كما دأب على ذلك الحر في أعماله السابقة، إلى جانب نص مطرز بكلمات تعرف متى تحضر ومتى تغيب، دون التركيز كثيرا على الأداء الجسدي للممثلتين. ورغم أن أساس المسرح الأداء التمثيلي، لكن ربما ما يبرر عدم تركيز الحر على التنويع في أداء الممثلتين هو اشتغاله على العمل المختبري وبشكل مختصر على المفردات المسرحية، وهو ما يجعل معلقاته “بحثا” بالأساس، تتحمل دلالات وتأويلات متعددة.

    ولعب الحر على الزمن، الحقيقة، الخيال، والحلم، وهي مفردات ورموز شدد عليها عبر الحوار بين المرأتين، حيث يتحرك العرض في خيط زمني يربط الماضي بالحاضر، ويتداخل بينهما، عبر مشاهد يتداخل فيها السرد مع الشعر مع الموسيقى والمؤثرات الصوتية، وتصور التحديات التي تلاقيها المرأة، والمرأة المبدعة بصفة خاصة، حين تحاول إثبات ذاتها، في محيطها الأسري أولا، ثم على مستوى المجال العام.


    مخرج يبحث في عوالم المرأة


    والنص الذي يقوم على حوار ثنائي، يتخلله بعض المونولوج، صيغ بأسلوب جيد يراوح بين اللغة العربية واللهجة المغربية التي تباغتنا لتكون صوتا يرتفع عند لحظات التحول الدرامي الموزعة طوال زمن العرض، ولتقول لنا إن هناك حكاية أخرى في مكان ما وزمن ما، ما يعطي امتدادا لخيال المتلقي.

    أما الأزياء، فجاءت منوعة بين الماضي والحاضر، تستحضر خصوصية أزياء العروس في بعض القبائل الأمازيغية وأزياء النساء المعاصرة، ما عززت هوية كل شخصية على حدة ومنحتها بعضا من الواقعية وضاعفت قدرتها على إقناع الجمهور. في حين كان ديكور الخشبة بسيطا، يركز بالأساس على الميكروفونات، فرغم أن الممثلتين تضعان ميكروفونات خاصة، ركز المخرج ميكروفونين على يمين ويسار الخشبة وآخر في المنتصف، وآخر يتدلى من السقف، إلى جانب بعض الكتب المرصوفة على يمين الخشبة في إحالة إلى كتب المؤلفة أمال.

    وإن رأى بعض الحضور والنقاد أن هذا التوجه أفقد العرض المسرحي بعضا من واقعيته وجماليته إلا أن الحر برر اختياره بأن التكنولوجيا والتطور تمكنا من التأثير في كل عناصر العمل المسرحي وأصبحا اليوم حقيقة لا مهرب منها، لذلك يحق للممثل هو الآخر أن يتحرر من حدود الأداء الكلاسيكي ويندمج مع كل التقنيات المتاحة أمامه، هذا إلى جانب أن الميكروفونات الكثيرة هي رمز للأصوات الكثيرة الغائبة، والأصوات النسوية التي تحتاج للإعلان عن نفسها، والأصوات المخنوقة.

    يمكن القول إن تكوين محمد الحر في الفن التشكيلي منحه مساحات أوسع للتجريب، وهو يثبت عملا تلو الآخر أنه يتحرك انطلاقا من تكوينه الفني ذاك وعلاقته بالألوان، ليلون الخشبة كمحمل خاضع لسيطرته الكاملة، متمسكا بالسرد ومتأثرا بحكاية الجدات ونسوة الحي ليسير بخطى ثابتة نحو تثبيت اسمه كأحد المغيرين في المسرح المغربي، والباحثين عن كسر النمطية في الشكل الفرجوي في المسرحين المغربي والعربي.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    حنان مبروك
    صحافية تونسية
يعمل...
X