جورج طرابيشي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جورج طرابيشي

    جورج طرابيشي مفكر من طراز رفيع، يمتاز بقلق فكري قد لا تجده عند أحد غيره، بل يمكن القول أن حياته الفكرية ليست الا الانتقال من نهج فكري الى اخر، ومن مدرسة فلسفية تركت اثرا قويا على الفكر الانساني الى اخرى، ولا يبرح الفكر الاول والمدرسة الاولى حتى يشبعها بحثا وتمحيصا ودراسة. فالمباهاة بالثابت والاخلاص لمدرسة او نهج فلسفي واحد ليست بشيء عند طرابيشي.
    فالجملة التي استشهد بها نصار ذات دلالة عميقة وتلخص كيف يفكر طرابيشي، يقول عن نفسه: " من قبل كنتُ أقرأ لأحكم، ومن بعد صرتُ أقرأ لأعرف..من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه..من بعد صرتُ أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه.." فمن المسيحي الى القومي البعثي، الى الماركسي ومن ثم الفرويدي والوجودي، وينتهي بمشروعه الفذ " نقد نقد العقل العربي" الي استغرق منه 25 سنةز فقد قرأ الجابري وقرأ كل ما قرأه الجابري من فلاسفة وكتب تراث ومفكرين، وقرأ كل كتب التراث التي اسشتهد بها الجابري لكي يعزل الخيط الابيض عن الاسود.
    كتابة مقالة عن فكر ومشروع مفكر فذ كجورج طرابيشي عمل شاق لضيق المتاح، كونها مقالة، و لما يمتاز به من فكر عميق، وواسع في تناوله لقضايا ومواضيع فكرية متنوعة. لقد حاط الصديق نصار بهذه العجالة بمشروع المفكر جورج طرابيشي. مقالة ثقيلة بمحتواها، عميقة في المواضيع التي تطرق لها، غنية بالمعلومات ولكنها مفيدة ودسمة لمن يريد الاطلاع، وحبذا لمن يحب أن يدير حوارا كما رغب وعبر نصار.
    .................................................. .....
    شذرات.. مع جورج طرابيشي
    -تصادف الذكرى الثامنة لوفاته السبت الماضي 16 آذار 2016-
    المسألة ليست فتح مجلس عزاء. إنما هي محاولة للدردشة، والأجمل فتح باب حوار.
    من أين يمكن "النبش، والنكش" وبلغة التفكير الدارجة الحفر بين السطور وخلفها.
    كان يقول (طرابيشي) ويكرر: "لستُ أنكُر أنني اخترعت لنفسي في مساري الفكري..آباء رمزيين شتى، لكن علاقتي المرحلية بكل واحد منهم، كعلاقة العربي بصنمه من تمر"/ كتاب من النهضة إلى الردة.
    تبدأ الرحلة مسكونةً بالتمرد: محطته الاولى وهو في المرحلة الإعدادية/ الرابعة عشر، في درس التعليم الديني المسيحي، يقف ذلك الكاهن الصارم، ينذر ويهدد من يرتكب الخطيئة؟
    نار جهنم له بالمرصاد، وياله من عذاب إلى أبد الآبدين..
    بين قلق وخوف، يومين على صفيح الرعب ينهض، متسائلاً؟!
    "ان الله الذي حدثني عنه الكاهن، لا يمكن أن يكون ظالماً إلى هذا الحد.. ومن ذلك اليوم كففتُ أن أكون مسيحياً". من مقالته الاخيرة (ست محطات في حياتي).
    همس الشغف بالذهاب بعيداً، إلى البحث عن أب جديد؛ لطالما ذلك الكهنوت بما يرمز له من الأب القدسي، صار عبئاً يجب التخلص منه..
    كان الفكر القومي بمفردات حزب البعث، قد لاقى رواجاً في الكثير من أحياء المدن المعتمة، عداك عن الريف الفلاحي..يجد نفسه طرابيشي مندفعا كما غيره، ينتسب للحزب (في مدينته حلب).
    يلتقي ياسين الحافظ (المفكر الماركسي القومي)، بصفته المعلم الجديد (الأب)..يكتب عن هذه العلاقة: "كان مربي الكبير ياسين..مربي السياسي بل الايديولوجي..من خلاله نّجزَ تطوري نحو الماركسية -الستينات- التي كان يعتبرها بمثابة الوعي المطابق، كشبكة مفهومية لقراءة الواقع.."..
    سوف يشير أنها في الكثير من استراحاتها أخذت شكل التوتر "بين المعلم والتلميذ"؛ لربما التلميذ حسب رأيه بحاجة لإثبات ذاته بالتفوق على المعلم..
    تعاود "الشوشرة" لدى طرابيشي: التحدي والتمرد على هذه "المعلمية"، من قبل المفكر "معلمية سادية (أبوية)، ولم يكن في طبعي أن أقبع في دور الابن المازوخي"..(من النهضة إلى الردة).
    هل يمكننا القول: بدأت ملامح الشخصية للمتمرد، تسير خطواتها الاولى نحو هوية خاصة قلقة، تستهويها أسئلة الشغب؟
    مايقودنا لذلك تلك السلسلة من تغيير الأفكار والتوجهات التي ينتمي إليها ، ثم سرعان ما يغادرها على أحرٍ من جمرٍ..
    لكن المحطة المهمة هي التوجه نحو فرويد؟
    هناك حالة واحدة يذكرها في مقالته (ست محطات..محطة فرويد) أنه تخلص من الأب الحقيقي (البيولوجي) وقت أدرك دلالة تلك العادة المتأصلة لديه، بتقسيم رغيف الخبز وتفتيته على الملأ أثناء وجبات الطعام..
    بالصدفة يقرأ مقال لأحد تلامذة فرويد، يناقش تلك الظاهرة -تفتيت رغيف الخبز- حيث يعتبرها عرضاً عصابياً، بصفتها فعل تمزيق لا إرادي ولا شعوري للأب..يقول على إثرها: "أصبتُ برجفة، فأنا إذن أمزق أبي، وبالفعل كنت على صدام مع أبي بمرحلة المراهقة.."
    أحدهم -ندوة حوارية معه في سلطنة عمان- يتدخل هنا: لطالما هذا التفتيت لرغيف الخبز، يحاكي الحالة المسيحية: باعتبار المسيح هو خبز الحياة، يقدم جسده (المسيح) في هيئة خبز..
    وأنت يا طرابيشي -يكمل المحاور- تقوم بتفتيت جسد المسيح؛ تمرد على القتل الرمزي للاله الآب الابن.
    يعكف على قراءة فرويد، ثم تبدأ مرحلة الترجمة: معظم مؤلفات فرويد (30 كتاب). كان يترجم عن لغة ثانية هي الفرنسية.
    /البعض يعلق هنا جمال شحيد: " لقد ارتكب طرابيشي "خطيئة سعيدة" كما يقول القديس أوغسطين..بأن ترجم فرويد وهيجل وغيرهما من الفرنسية الى العربية..وليس من المصدر الأصلي الألماني.."/.
    لاشك أنه سيترجم عن المصدر الاصلي الفرنسي: سارتر وسيمون دي بوفوار..
    في سياق هذا التوجه الجديد، كانت نتائجها الاولى، التصالح مع الأب الغائب المتوفي.
    وهو يترجم ويشتغل عن فرويد وعليه في قراءاته النقدية الادبية، قد خلع آباء آخرين من الماركسية وقبلها القومية الى وجودية سارتر؟
    البعض وايضا طرابيشي يوافق، أنه خلع الأب سارتر ، نتيجة موقفه المنحاز لإسرائيل إثر هزيمة حزيران 1967.
    أعتقد أنه كان سيخلعه كما غيره: ما كان يحدد مساره الفكري هو وجود الآخر، وهنا هي الأفكار الجديدة التي يتعرف عليها، هذا الوجود سيجعل من الأنا وحمولتها الفكرية تخضع للمكاشفة، بافتراض أن القراءة غير محكومة بسلف صالح لا يخطئ، كما طرابيشي وسيرته القلقة!
    يقول عن نفسه بمرحلة عمرية متأخرة: " من قبل كنتُ أقرأ لأحكم، ومن بعد صرتُ أقرأ لأعرف..من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه..من بعد صرتُ أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه.."
    دعونا لا نمر الآن، بمرحلة كتاباته النقدية الادبية، وتَمثله للتحليل النفسي في محاكاته للأدب خاصة تلك العناوين التي كانت كشفاً بمرحلة ما: شرق وغرب، رجولة وأنوثة. عقدة أوديب في الرواية العربية. الله في رحلة نجيب محفوظ. الأدب من الداخل. أنثى ضد الأنوثة (دراسة نقدية لرواية مذكرات طبيبة / نوال السعداوي)..
    رب معترض يقول: إن إقحام التحليل النفسي في قراءة الأدب، ليس إلا حالة سياقية تأتي إلى النص من خارجه، قد تحاكي جوانب معينة من الشخصية الساردة الرئيسية أو المؤلف، إنما يقتضي النقد الإصغاء للنص و "هسهساته" من داخله كنص مستقل..
    يأتي مناصر لطرابيشي بمثال: قراءته عن رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح:
    أن هذه الرواية تطرح بشكل مباشر حالتين متضادتين : ثنائية الرجولة والأنوثة. حيث ينطلق السرد بخفاياه نحو ارتباط الذكورة بالرجل الشرقي هنا هو (مصطفى سعيد) ضدا على الغرب الانثوي..ألا يدغدغ ذلك اللاشعور الجمعي العربي عن طبيعة الاستعمار الغربي وكيف فعل فعلته "الشمطاء" بتعبير من يثأرون على مربط الخيول هناك في العواصم الاوروبية ذات النكهة الإيحائية جنسيا..
    /ألم تقل أنه ليس موضوعكَ الآن؟
    يسأل قارئ نشيط ومشاغب، يحمل بذور القلق "الطرابيشي"!
    صحيح ولكن الهوى غلاب/.
    لطالما كان مشروع حياته الأخير الذي أخذ منه ربع قرن (نقد نقد العقل العربي رد على مشروع محمد عابد الجابري نقد العقل العربي)، هي المحطة الأهم والتي تحتاج للكثير من الوقوف ثم "للواقفين" عندها ومعها وعليها:
    أربعة كتب ضمن هذا المشروع، نقد الجابري: (نظرية العقل العربي، إشكاليات العقل العربي، وحدة العقل العربي الاسلامي، العقل المستقيل في الإسلام) وهي عناوين فرعية تحت عنوان رئيسي: نقد نقد العقل العربي.
    هناك كتاب بين السلسلة ومن آثارها: من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث (النشأة المستأنفة)؛ استعار طرابيشي من ابن خلدون مفهوم النشأة المستأنفة بما هي: القطيعة و الاستمرارية معا..
    تميز هذا الكتاب بأنه إظهار لوجهة نظر طرابيشي بمعزل عن المحاورة والمناظرة مع الجابري.
    اختمرت الأفكار وأخذت هوية خاصة به كمفكر يشتغل على التراث.
    يقارب هؤلاء أصحاب المشاريع الكبرى، من أمثال: الجابري "خصمه". محمد أركون. حسن حنفي. نصر حامد أبو زيد. والطيب تيزيني وقبله في لبنان حسين مروة.
    هناك أسماء أخرى أيضا أدونيس في الثابت والمتحول، الذي كان سباقاً في هذا المجال.
    ماذا يعني ذلك الحفر والنبش بين طرابيشي والجابري؟
    تبدأ "المحاورة الكتابية" -ربما البعض يعتبرها مساجلة- بكلمة شهيرة لطرابيشي: "سوف أحدوه حدوَ النعل بالنعل".
    كان قبل ذلك مع قراءته الأولى لكتاب الجابري (تكوين العقل العربي) يصرح: "..نقلني من الإيديولوجي إلى المعرفي..وأن هذا الكتاب ليس فقط يثقف بل يغير.."
    لماذا "حذو النعل بالنعل"؟
    كانت أولى الخطوات، انتباهه لنص الجابري عن (رسائل إخوان الصفا)، حيث رماهم مع الميثولوجية الامامية باشراقيتهم، ونبذهم للمنطق الأرسطي. ينهلون تعاليمهم من الهرمسية والغنوصية، بداهة يشكلون إحدى محطات العقل المستقيل الرئيسية في التراث الإسلامي.
    يخبرنا طرابيشي:
    انتابني الشك؛ كنتُ قد قرأت وانا في الجامعة عن إخوان الصفا باعتبارهم جزءا من العقلانية الفلسفية الإسلامية.
    "بحبشتُ" عن كتابات موثقة عنهم، وجدتُ أربعة أجزاء عنهم.. كنت أبحثُ عن النص المقتبس الذي ساقه الجابري..
    للأسف لم أجده..
    مما اضطرني لقراءة الرسائل كاملة (51) رسالة.
    كانت الصدمة كما الرضة الفرويدية، عندما تأكد لي أن تلك الشواهد التي أتى بها الجابري، لرمي إخوان الصفا بحجارة الاشراق، مغشوشة او على الاقل "مبتسرة" ..
    على العكس من ذلك: "يشرحون -في الرسائل من العاشرة إلى الخامسة عشر- كل كتب أرسطو ومقولاته..يخصصون إحدى رسائلهم لكتاب البرهان.."
    كيف تسللت أنظمة اللامعقول حسب الجابري، من غنوصية، هرمسية، أفلاطونية محدثة مشرقية، إلى داخل العقل العربي الإسلامي؟
    تظهر هنا آراء طرابيشي بوضوح من خلال كتابه (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث):
    يسميها "نظرية طراودة" استعارة للحدث الشهير (حصان طراودة)، وكيف تسللوا تسللا كي يقضوا على المدينة (طروادة).
    حيث انظمة اللامعقول ، دخلت مثل "وطواط الليل" بالموروث الشعبي.
    يرفض طرابيشي هذا التسلل الخارجي "الغزو"، تاريخيا ومعرفياً.
    ليؤكد أن استقالة العقل العربي وغروب شمسه، نابعة من "انكفاء ذاتي، وانكماش لهذا العقل على نفسه.."
    إذا عدنا لسياق الاختلاف والخلاف بينهما (الجابري/ طرابيشي)، لابد من التذكير بثلاثية الجابري التي كتب عنها كتابين ? تكوين العقل العربي. بنية العقل العربي).
    1-البيان (علم الفقه واللغة والكلام) لطالما كان عهد التدوين هو تدشين هذا "العقل" البياني في منتصف القرن الثاني للهجرة، حيث أحد مؤسسيه الشافعي على صعيد الفقه، ونظريته التي وسمت البيان بميسمها الخاص: قياس الشاهد على الغائب النص (النقل).
    كذلك من ناحية اللغة اعتماد اللفظ دون المعنى (سلطة اللفظ)، يفسر هنا انتشار المحسنات البديعية دون أي معى متلازم، ويأتي بمثال الجاحظ وكتابه (البيان والتبيين).
    2- العرفان (العلم الذوقي باعتماده الحدْس أو الكشف تغييباً للعقل والسببية) وأهم صانعيه: الإمامية الشيعية الإسماعيلية بخاصة، ثم المتصوفة بشتى مفرداتهم: من الحلاج الى السهروردي وابن الفارض، الى ابن عربي، وايضا الغزالي. ثم يأتي على الفلاسفة المشارقة من الفارابي إلى ابن سينا.
    كان كلما ذكر ابن سينا، يعيد إطلاق المعايير الثابتة والمطلقة، بحيث "تستقيل" عدته المعرفية ويبدأ "الشجن": "أكبر مكرس للفكر الظلامي والخرافي في الإسلام، فلسفته المشرقية -الكلام عن ابن سينا- فلسفة لاعقلانية وعدوة للمنطق. لذلك سوف تحصل القطيعة معه حين يتحدث عن البرهان "ثالثة الأثافي" مع ابن باجة المغاربي.
    -يعلق أحدهم أنّ الجابري حصل على ميدالية ابن سينا من اليونسكو 2006-
    يُذكر أنّ كتاب القانون في الطب لابن سينا ، الصادر عام 1020، ظل مرجعا رئيسياً، للكثير من الجامعات الغربية لغاية القرن الثامن عشر.
    هل يستوي قول الجابري بنعته تلك الصفات "الكشفية" لدرجة تشعر وكأنك أمام شيخ طريقة، وأن كتابه ذاك ظل طيلة تلك القرون السبعة أحد أهم المصادر والمراجع لدى الأوربيين!!
    يستثني الفيلسوف الكندي والله أعلم!!
    أما إخوان الصفا فهم "أساس البلى" لهذا العقل المستقيل، المقتبس من الخارج: الهرمسية والغنوصية والأفلاطونية المحدثة المشرقية (مدرسة الاسكندرية).
    3- البرهان وهنا استقر المنطق الارسطي -مرحلة تقديس العقل- بكامل أناقته على يد (أهل المغرب والأندلس): ابن حزم ظاهريته ورفضه للقياس، صلة الوصل ما بين البيان والبرهان وتنحيته للعرفان.
    هذه اللحظة العقلية تكتمل ذروتها المنطقية مع ابن رشد مع عدم نسيان ابن باجة وابن طفيل.
    ثم الشاطبي في علم الأصول.
    وسدرة منتهى اللحظة العقلية، مع ابن خلدون في تأسيسه لعلم العمران أو بالتسمية الحديثة علم الاجتماع
    هذا العقل البرهاني المغربي سيشكل حالة اتصال -افتقدت في العصور الوسطى الأوروبية- ما بين العقل اليوناني القديم (الفلسفة)، والعقل الأوربي الحديث حيث وجده جاهزا غير قابل للتفصيل مع شروحات ابن رشد..وهلم جرا..
    علينا أن ننوه أيضاً، في تقسيمه الثلاثي هذا، كان ينتصر دائماً لعقل على الآخر: البرهان على حساب العرفان والبيان، ثم سينتصر للبيان على العرفان.
    يخرج القارئ مع (الجابري) بموقف معادي جدا للعرفان، سيجد أن هذا "الدخيل" هو سبب البلاء الأعظم لهذه الأمة (للعقل العربي الاسلامي)..
    هل يدعوننا نحن المعجبين بطريقة سرده الجميلة:
    يأخذكَ معه إلى عالم آخر عميق، يدعوكَ أن تعيد التفكير بقناعاتكَ السابقة ، وهذا لوحده كفيل أن تتابعه بمتعة، كأنك تقرأ عمل أدبي/ فلسفي/ تاريخي.
    لايمكنك أن تقف عند النهايات. لتقول له هل من مزيد؟
    يأتي المزيد بكتابيه: العقل السياسي وتلك الثلاثية التي تقتحم ترسانة متجمدة من التفكير (القبيلة، الغنيمة، العقيدة).
    ثم كتابه العقل الأخلاقي. هنا خرج على" الثلاثية" ليضع خمس محددات..
    مع ذلك هل يدعوننا، إلى حمل حجارةٍ كي نرجهم لهؤلاء العرفانيين "الآثمين" أينما حلوا وتوجهوا؟!
    من هنا عندما ستأتي وتعيد القراءة وتذهب برحلة "وجدانية" مع جورج طرابيشي، سوف تنتبه لهذا الباب المغلق، الذي وضعه (الجابري) بين تلك العقول الثلاثة (البيان، العرفان، والبرهان)، لتنتبه أيضاً أن هناك دينامية -وفق مقتضى النظرية المعرفية التي استند عليها الجابري- دينامية بين العقول الثلاثة، سيسأل طرابيشي هنا سؤالا مهما:
    مادمتَ تنطلق (الجابري) من نظرية فوكو المعرفية (الابستيمية)، هل كان فوكو يقيم جدارا بين أنظمته المعرفية؟
    ألم يزعزع منظومة التفكير المركزية الأوروبية، باعتبارها هي الوحيدة صاحبة التفكير العقلي؟
    خارج أسئلة طرابيشي، هل من حقنا لفت الانتباه لهذا الاله الذي يتلو له صلاته الجابري، أقصد العقل، أن نتساءل أليس هناك من زعزعة لهذا اليقين؟
    العقل في الفلسفة الحديثة ومابعدها التي ينهل منها الجابري، لم تعد ترى بالعقل ذلك "الطاغية المستبد" الذي يَسألْ ولا يُسأل!!
    ألم يطرح الجابري نقلا عن جان بياجيه و ريجيس دوبريه مفهوم اللاشعور المعرفي (بياجيه) واللاشعور السياسي (ريجيس دوبريه) في معظم كتبه خاصة بنية العقل العربي، وأيضا كتابه العقل السياسي.
    طبيعي أن يستفيد من هذه الدراسات. أليس من حقنا عليه عدم الانتقائية هنا؟
    أخيرا، في سياق هذه"الدردشة" هل من حقنا الانتصار -على خطى الجابري- لأحدهما على الآخر (الجابري. طرابيشي)؟
    الاجابة هي برسم القراءة المتفاعلة، خارج "منطق إما أو". الذي "يكفر" ويسعى للسجال، دوناً عن الحوار..
    Nassar Yahia
يعمل...
X