هشام الركراكي: التوازن بين الكوميديا والدراما يتطلب تقنيات دقيقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هشام الركراكي: التوازن بين الكوميديا والدراما يتطلب تقنيات دقيقة

    هشام الركراكي: التوازن بين الكوميديا والدراما يتطلب تقنيات دقيقة


    أداء الممثل عنصر حاسم في تجسيد الشخصيات وإتقانها.
    السبت 2024/04/13

    تتبع للشخصيات وعواطفها

    يمتلك المخرج المغربي هشام الركراكي أسلوبه الخاص وتجربته المميزة في الفن السابع، التي يعتمد فيها أسلوبا خاصا به، يعكس رؤيته الإخراجية التي تراهن على قدرات الممثل وموهبته لكنها تلتزم أيضا بالمزج بين الكوميديا والدراما في السرد.

    الرباط – يتناول فيلم “قرعة دمريكان” للمخرج هشام الركراكي قصة صديقين لا ينفصلان، حبيب ولبيب، ويحلمان بحياة أفضل بكثير من تلك التي يعيشانها، ومن أجل ذلك يشاركان في قرعة الهجرة إلى الولايات المتحدة متعهدين بالبقاء مخلصين لاتفاقهما في المغادرة معًا أو البقاء معًا، لكن الأمور لا تسير كما خططا لها ما سيؤدي بهما إلى الوقوع في مواقف ومنعطفات كوميدية.

    العمل من سيناريو هشام الركراكي، وبطولة كل من فيصل عزيزي وهاشم البسطاوي وعزيز حطاب وسعاد النجار وحميد النيدر ونفيسة الدكالي.

    يكشف المخرج المغربي هشام الركراكي لصحيفة “العرب” قصة الفيلم التي تقوم على الصداقة قائلا “تحمل الصداقة قيمة عميقة في المجتمع المغربي، إذ تعتبر ركيزة أساسية في تكوين الروابط الاجتماعية والثقافية، ويُطلق عليها في اللهجة المحلية اسم الصحبة أو العشرة، وتُعتبر عنصرا أساسيا للسعادة الفردية وتماسك المجتمع بين أفراد الشعب المغربي. وتجسد الصداقة بين حبيب ولبيب في الفيلم الوفاء والثقة والتضامن، فهي ليست مجرد صداقة عابرة، بل علاقة تشمل الروابط الدائمة المبنية على الخبرات المشتركة والرعاية الحقيقية، وتتطور الصداقات غالباً لتصبح علاقات تشبه العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة، حيث يُعتبر الأصدقاء جزءًا لا يتجزأ من شبكة الدعم الاجتماعي والعاطفي، ويتمتعون بالرعاية والترحاب والضيافة في جميع المواقف، سواء في الأوقات السعيدة أو في الفترات الصعبة”.

    وعن طريقته في إعداد الممثل يقول “أداء الممثلين هو عنصر حاسم في تجسيد الشخصيات بشكل مقنع على الشاشة، إذ يتصل الأمر بتحليل شامل لأبعاد كل شخصية، بما في ذلك فهم خلفيتها ودوافعها وصراعاتها وتطورها على مدى القصة، بالإضافة إلى كيفية تفاعلها مع الشخصيات الأخرى. ثم يأتي دور لغة الجسد، والتي تشمل الوضعية والإيماءات والحركة، فضلا عن اللكنة والنبرة ودرجة الصوت، والتي تعكس معلومات هامة حول هوية الشخصية وعواطفها ونواياها، كما يتعلق الأمر بالعمق العاطفي للشخصية وضعفها وديناميكيات العلاقات مع الآخر. ومن خلال دمج هذه التقنيات وغيرها في فيلم ‘قرعة دمريكان’ نجح الممثلون في إحياء الشخصيات بشكل فعّال على الشاشة، ما أسهم في خلق تفاعلات معقولة مع الجمهور”.


    ينبغي الحفاظ على سخرية منسجمة طوال القصة لضمان تكامل العناصر الكوميدية والدرامية


    ويضيف “تم تنسيق إيقاع المشاهد الكوميدية بعناية لتحقيق أقصى قدر من تأثيرها وضمان وصول النكات إلى وعي الجمهور، إذ يُعتبر هذا التحدي كبيرًا بالنسبة إلي، حيث يجب أن أضع في اعتباري الحساسيات الثقافية وأن أتجنب استخدام الفكاهة التي قد تكون مسيئة أو غير مناسبة لبعض الناس، ويجب أن تظل النبرة والأسلوب الكوميدي متناغمين طوال الفيلم لضمان تجربة مشاهدة متماسكة ومرضية، كما أن تحقيق التوازن الدقيق بين العناصر المختلفة لسرد القصص يتطلب اهتمامًا دقيقًا وإستراتيجيات محكمة، إذ يُعتبر تعقيد الشخصيات الرئيسية إحدى أولوياتي، حيث ينبغي لها أن تكون متعددة الأبعاد، ما يمكنها من التنقل بين المواقف الكوميدية والدرامية بسلاسة، ويجب أن تكون هذه الشخصيات ذات عمق وتعقيد يربطها بالجمهور، ما يتيح لها التحول بسهولة بين لحظات الخفة والعمق العاطفي”.

    ويتابع “أما الإستراتيجية الثانية فتتمثل في الاهتمام بالتوقيت والإيقاع وضبط وتنسيق اللحظات الكوميدية والدرامية داخل القصة، إذ يجب أن تأتي النكتة الكوميدية في الوقت المناسب لتخفيف التوتر في المشهد الدرامي، بينما يمكن للحظات الدرامية المؤثرة أن تضيف عمقًا إلى القصة الكوميدية، وعلى الرغم من ذلك ينبغي الحفاظ على سخرية منسجمة طوال القصة لضمان تكامل العناصر الكوميدية والدرامية بدلا من التصادم”.

    وفي حديثه عن التحديات التي واجهها أثناء التصوير يقول هشام الركراكي “نعم، ارتداء الملابس المغايرة، وخاصة الرجال المتنكرين في زي النساء، من التحديات المحددة في صناعة الأفلام ويجب على المخرجين التعامل معها بشكل مدروس وحساس، فكانت المصداقية والاحترام من بين التحديات والاعتبارات التي اتخذتها خلال صناعة فيلم ‘قرعة دمريكان’، إذ أن تصوير الشخصيات التي ترتدي ملابس مغايرة بشكل أصيل ومحترم أمر بالغ الأهمية، فكان التعامل مع الموضوع بحساسية وتجنب الصور النمطية أو الرسوم الكاريكاتيرية التي قد تكون مسيئة أو غير محترمة للمرأة أمرا محسوما فيه منذ البداية. وكل هذا تطلب منا إنشاء أزياء وماكياجات مقنعة واهتمامًا دقيقًا بالتفاصيل، فكان على مصممة الأزياء وفنان الماكياج التأكد من أن مظهر الشخصية ‘فاتي فلور’ يتوافق ويتناسب بسلاسة مع سياق القصة، كما كان على فيصل العزيزي فهم الفروق الدقيقة في الهوية الجنسية والتعبير بتعاطف وعمق وإنسانية”.

    أما عن القرارات التي اتخذها المخرج المغربي خلال كتابة السيناريو لنقل جو القصة بشكل فعال، فيوضح الركراكي لـ”العرب”: “سرد القصص أمر بالغ الأهمية لإنشاء روايات جذابة ومؤثرة يتردد صداها لدى الجمهور، ومن بين القرارات الرئيسية التي اتخذتها فيما يتعلق بالسرد القصصي الفعال في فيلمي إنشاء شخصيات شاملة ومترابطة وتطويرها بعمق وتعقيد ودوافع واضحة، ما يسمح للجمهور بالتعاطف مع رحلتهم والاستثمار في تطور قصتهم، والأمر كذلك بالنسبة إلى صياغة حبكة مقنعة وجيدة الوتيرة تحافظ على استثمار الجمهور من البداية إلى النهاية، فقد قمت ببناء التوتر والصراع والمخاطر التي تدفع السرد إلى الأمام، من أجل إبقاء المشاهدين حريصين على رؤية كيف تتكشف القصة”.


    تركيز على تعبيرات الوجوه


    ويضيف “كما أنني قمت ببناء القصة بطريقة تزيد من تأثيرها وتشرك الجمهور طوال الوقت، وجملة القول تمّ الاهتمام بالتفاصيل والانتباه إليها في كل جانب من جوانب رواية القصص، بدءًا من سمات الشخصية واستمرارية السرد وحتى الجماليات البصرية والاتساق الموضوعي الذي يساهم في التماسك العام للقصة وأصالتها، ويعزز تأثيرها على الجمهور. كما يمكن أن يؤدي اختيار المواقع في الفيلم إلى تعزيز رواية القصص بشكل كبير عن طريق إضافة العمق والجو والتأثير البصري إلى السرد، وأنا شخصيا أعتبر المواقع بمثابة امتدادات للشخصيات نفسها، ما يعكس شخصياتها وخلفياتها وصراعاتها الداخلية، على سبيل المثال منزل حبيب أو مكان عمل ‘خونا’ يكشفان عن تفاصيل حول نمط حياة الشخصيتين وحالتهما الاجتماعية والاقتصادية وعلاقاتهما”.

    ويتابع “يمكن أيضا اختيار المواقع على أساس المعنى الرمزي والأهمية المجازية التي ستضيفها هذه المواقع، ما يثري القصة بطبقات من النص الفرعي والعمق الموضوعي، فقد يرمز الحي الشعبي في ‘قرعة دمريكان’ إلى الاضمحلال وخيبة الأمل، في حين أن غرفة الحبيب المليئة برسوم وصور تمثال الحرية قد تمثل الحلم النبيل الذي تملأه الإنسانية والحرية والطموح، إذ أن اختيار المواقع في فيلمي كان ولا بد أن يفي أيضا بغرض وظيفي في تطوير الحبكة والشخصيات، فكان اختيار كل موقع بشكل إستراتيجي لدعم نقاط الحبكة الرئيسية للفيلم وتفاعلات الشخصيات والعناصر الموضوعية للقصة”.

    “تم تصميم الموسيقى التصويرية بعناية لنقل الأفكار والدوافع والتعقيدات الداخلية للشخصيات، وكذلك لخلق تفاعل ديناميكي بين الحركة التي تظهر على الشاشة وإدراك الجمهور”

    ويستخدم المخرج هشام الركراكي مجموعة من التقنيات السينمائية لنقل مشاعر الشخصيات وتفاعلها، ويعبر عن هذا بقوله “في صناعة الأفلام لا بد من نقل مشاعر الشخصيات بشكل فعال، فهذا أمر ضروري لإشراك الجمهور عاطفيا وغمرهم في القصة، حيث تعد تعبيرات الوجه من أقوى الأدوات لنقل مشاعر الشخصيات، إذ يستخدم الممثلون تعبيرات الوجه للتعبير عن مجموعة واسعة من المشاعر، من الفرح والإثارة إلى الحزن والخوف، كما يمكن للغة الجسد أن تنقل مشاعر الشخصيات بطريقة غير لفظية، مثل الإيماءات والوضعية والحركات الجسدية التي تعبر عن المشاعر مثل الثقة أو العصبية أو الاسترخاء أو التوتر، ما يوفر طبقات إضافية من العمق العاطفي للشخصيات”.

    ويوضح أن الحوار “يلعب دورا رئيسيا في التعبير عن أفكار الشخصيات ومشاعرها ودوافعها، إذ أن الحوار المكتوب بشكل جيد يساعد في عرض الصراعات الداخلية للشخصيات ورغباتها ونقاط ضعفها، ما يسمح للجمهور بالتعاطف مع رحلتها العاطفية، كما لا يمكن تجاهل دور الموسيقى والمؤثرات الصوتية في تعزيز التأثير العاطفي لبعض المشاهد، حيث يمكن للموسيقى أن تضبط الحالة المزاجية وتعزز مشاعر الشخصيات بشكل فعّال. أما التقنيات السينمائية والإضاءة فتساهمان في نقل عواطف الشخصيات وحالتها المزاجية بصريًا، حيث يتم استخدام الإضاءة والتصوير بشكل مدروس لتعزيز التوتر أو الهدوء في المشاهد بما يتناسب مع الحالة العاطفية للشخصيات وتطور القصة، ومن خلال استخدام هذه التقنيات وغيرها بشكل مدروس وإستراتيجي نجح فيلم ‘قرعة دمريكان’ في نقل مشاعر الشخصيات على الشاشة بشكل فعّال”.

    وتعد الموسيقى التصويرية والتأثيرات الصوتية في الأفلام من الأدوات الأساسية التي تعمل على تعزيز المشاعر والتوتر في المشاهد الرئيسية. وفي فيلم “قرعة دمريكان” يقول المخرج إنه “تم تصميم الموسيقى التصويرية بعناية لنقل الأفكار والدوافع والتعقيدات الداخلية للشخصيات، وكذلك لخلق تفاعل ديناميكي بين الحركة التي تظهر على الشاشة وإدراك الجمهور، إذ أن من خلال استخدام الموسيقى والتأثيرات الصوتية يتم إبراز المشاهد الرئيسية وزيادة التوتر والإثارة فيها، ما يعزز تأثيرها على المشاهدين”.



    عبدالرحيم الشافعي
    كاتب مغربي
يعمل...
X