"أمير النور"الحسن بن الهيثم .مؤسس علم البصريات و"رائد المنهج العلمي التجريبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "أمير النور"الحسن بن الهيثم .مؤسس علم البصريات و"رائد المنهج العلمي التجريبي


    أيمن حسن
    تم النشر في: 30 مارس 2024م
    سلّ صيامك مع مؤسس علم البصريات.. لماذا ادعى هذا العالمُ العربي الجنونَ أثناء إقامته في مصر؟
    قصة عالم عربي عاش منذ ألف عام، كان أول من قال بأن الضوء له سرعة، وأول من وضع الأساس العلمي لفكرة صندوق التصوير الفوتوغرافي "الكاميرا"، وسبق بآرائه رواد عصر النهضة الأوروبية الحديثة، عرفته أوروبا باسم "الهَازِن"، وأعلت من قيمة بحوثه العلمية وأشادت بنظرياته ومناهجه. خلد كتابه "المناظر" اسمه عبر القرون، وظلّ المرجع المعتمد في الغرب حتى القرن الـ17، أطلق العلماء عليه ألقابًا؛ منها "أمير النور" و"أبو الفيزياء الحديثة" ومؤسس علم البصريات، و"رائد المنهج العلمي التجريبي"؛ إنه الحسن بن الهيثم، العالم الذي ادعى الجنون أثناء إقامته في مصر لينجو من بطش الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.
    المولد والنشأة:

    وُلد أبو عليّ الحسن بنُ الحسن بنُ الهَيْثَم، سنة 354هـ/ 965م على أرجح الأقوال، في مدينة البصرة جنوب العراق، في عهد الخلافة العباسية.

    لم تكن حياته مستقرة؛ إذ فرّ من البصرة بعد ملاحقة أميرها له، وتوجه إلى بغداد وعاش بها بضعة أشهر آمنًا، في خضم التصادم بين الفرق الدينية المذهبية، رحل إلى الشام وأقام في كَنَف أمير من أمرائها، كما ذكر ظهير الدين البيهقي، ابن فندمه "ت 565هـ" في كتابه "تتمة صوان الحكمة".

    بعد ذلك انتقل أوائل القرن الـ11 إلى مصر في عهد الدولة الفاطمية، واستقر بها إلى آخر عمره؛ حسب ما ذكر ابن أبي أصيبعة، أحد مؤرخي تراجم العلماء.

    قيل في وصفه: إنه كان قصير القامة ضئيل الجسم، ونَال وجهه من شمس البصرة سُمرة داكنة، وقضى حياته أشبه بـ"درويش متصوف"؛ إذ يرى الباحثون أنه عاش في شظف العيش، مترفعًا عن التكسب بالعلم.

    ذكرته المصادر باسم "البَصريّ" و"شيخ البصرة" نسبة إلى مسقط رأسه، أو "المِصريّ" نسبة إلى بلد إقامته، وعرفه علماء أوروبا بـ"الهَازِن" ترجمة لاسمه العربي الحسن، ولقّبوه "بطليموس الثاني"، و"فيزيائي القرون الوسطى".
    التكوين العلمي


    لا يُعرف مَرجع يحيط بسنوات نشأته العلمية الأولى، لكنها تَزامنت مع وقت وصف بـ"العصر الذهبي" للعلم في الحضارة العربية الإسلامية.

    تَهيّأت له أسباب تحصيل العلوم والإلمام بمختلف نواحي النشاط الثقافي، حتى وإن لم تكن في ذلك الوقت مدرسة نظامية. عاصر مجموعة من كبار العلماء في مرحلة أَعقَبت حركة الترجمة لأصول العلوم الإغريقية، التي شكّلت في كثير من الأحوال مصدرًا للعلم وعلمائه القدماء، ومنطلق حركة الإبداع الفكري.

    كان في مرحلة شبابه شديد الملاحظة مُتلهّفًا للعلم، واسع الاطلاع، نَهل من مختلف العلوم المتوفرة في عصره، كما كان خبيرًا بعلم الطب، لكنه لم يباشره عملًا، ولم يتدرب على فنونه.

    أغنى معارفه في الشام، وهي يومئذ أكثر اهتمامًا بالعلم والعلماء، ووجد في مكتباتها سبيلًا لكتب وافرة في جميع ألوان العلوم والمعرفة.

    وفي مصر الفاطمية كان يجلس إلى علمائها ويقرأ في مكتباتها، ويحضر مناظراتها العلمية في "دار العلم" التي أنشأها آنذاك الحاكم بأمر الله، كي تنافس "بيت الحكمة" الذي كان مركزًا لبحوث الترجمة في بغداد.

    طالع كتابات العلماء السابقين، خاصة علماء اليونان، وكرّس حياته لدراسة علومهم. وتعمق في استكشاف الكتب الفلسفية، خاصة أعمال أرسطو. وقال في ذلك: "فلما تَبيّنت ذلك، أفرغت وسعي في طلب علوم الفلسفة؛ وهي ثلاثة علوم: رياضية، وطبيعية، وإلهية، فتعلقت من هذه الأمور الثلاثة بالأصول والمبادئ، التي مَلَكتُ بها فروعها".

  • #2

    الحياة المهنية:

    عمل ابن الهَيْثَم في مستهل حياته العملية كاتب حسابات في ديوان الزّمام "الحسابات" بإمارة البصرة، وكان ماهرًا وحاذقًا في عمله، تُطاوعه لغة الأرقام والمسائل الحسابية. كما امتلك معرفة واسعة في هندسة البناء، واشتغل بوضع تصميمات لبيوت أهل البصرة، في الشّام، أخذ يكسب رزقه من نسخ الكتب المترجمة للورّاقين؛ لما عُرِف به من حُسن الخَطّ ودقّة نظامه.
    ابن الهيثم في مصر وادعاء الجنون:


    "لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملًا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص"؛ وصلت عبارته تلك للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله حاكم مصر، فطلب منه الحضور إليها والاستقرار فيها، بعمر تجاوز الستين عامًا، وبخبرات جمة في علوم الهندسة، فلما وصل أكرمه وطلب منه تنفيذ ما قاله بخصوص النيل، فذهب ابن الهيثم إلى أسوان جنوب مصر، ومعه الصناع وعمال البناء ليستعين بهم على تنفيذ فكرته التي خطرت له قبل حوالي ألف سنة من تنفيذ المشروع فعليًّا في أسوان عام 1902م، غير أنه لما عاين الموقع الذي اختاره لتنفيذ مشروعه وجد أن تنفيذه يكاد يكون مستحيلًا، فبناء جسم على النيل في ذلك الوقت كان يفوق إمكانات عصره وفوق طاقة الصناع والعمال، فعاد خجلًا إلى القاهرة، واعتذر للخليفة الحاكم الذي تظاهر بقبول عذره، وولاه أعمال الدواوين الحكومية، فقبل العمل خوفًا من أن يبطش به الحاكم بأمر الله.

    وبعدها ادعى الحسن بن الهيثم الجنون والبله، فوضعه الخليفة قيد الإقامة الجبرية لمدة عشر سنوات من 1011 حتى 1021 عكف خلالها ابن الهيثم على تأليف كتابه الأشهر والأعظم "المناظر" ذي السبعة مجلدات في علم البصريات حتى توفى الحاكم بأمر الله، فعاد ابن الهيثم إلى الظهور والاشتغال بالعلم، واستدعته شقيقة الخليفة "ست الملك" وعرضت عليه راتبًا شهريًّا وضمته إلى مجلس العلماء بدار العلم، لكنه اعتذر منها وعاد إلى تأليف الكتب ونسخها وبقي بالقاهرة حتى وفاته.
    عالم موسوعي.. من الشرح والتلخيص إلى الإبداع والابتكار:

    تفوق الحسن بن الهيثم في أكثر من حقل معرفي؛ ما جعله من أوائل العلماء الموسوعيين في زمنه، وفي المرحلة الأولى من حياته اهتم بالشرح والتلخيص والتحصيل، واعتنى بمؤلفات ذات طابع علمي، متأثرًا ببيئة ثقافية طغى فيها صراع المدارس الفكرية والكلامية؛ نسبة إلى الكلام في مسائل أصول الدين، وكثرة النقاش بشأن الفلسفة وبعض العلوم الأخرى.

    أما في المرحلة الثانية فكتب القسم الأكبر من مصنفاته في مصر. خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته، ظهر كتاب "المناظر"، أكمل أهمَّ أعماله العلمية قيمة في علم الضوء؛ لذلك خلص المؤرخون إلى أن كتابات ابن الهَيْثَم الشابّ المُتّبِع، ليست هي ذاتها كتابات ابن الهَيْثَم العَالِم والفيلسوف.

    تعليق


    • #3
      إنجازات الحسن بن الهيثم العلمية:

      يميل الدكتور عبد الحميد صبرة، محقق كتاب "المناظر"، إلى اعتماد فهرس سماه "قائمة النضج"، وهو يحتوي على 92 مصنفًا، كتبها ابن الهيثم في مرحلة متأخرة من حياته، وتتوزع العناوين المدرجة في هذه القائمة بين 88 مقالة في الأخلاق، و89 مقالة في آداب الكتاب، و90 كتابًا في السياسة من 5 مقالات.

      وحسب الدكتور دونالد هيل، مؤلف كتاب "العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية" لابن الهيثم حوالي 100 عمل مَفقود؛ منها حوالي 55 عملًا، كلها تُعنى حصريًّا بالرياضيات والفلك والبصريات.

      بينما يرى سعيد الدمرداش في كتاب "الحسن بن الهيثم"، أن تصانيفه في الحدود المعروفة، توزع على أكثر من حقل معرفي، كان حظُّ المكتبات الغربية منها أكثر من حظ المكتبات العربية؛ وهي كالتالي:

      - في الهندسة ألّف 58 تصنيفًا، لكن لا يوجد في مكتبات العالم منها أكثر من 21 مخطوطًا.

      - وفي الحساب والجبر والمقابلة ما لا يقل عن 10 كتب، لا يوجد منها سوى نحو 3 كتب، منها كتاب "في حساب المعاملات"، توجد منه صورة فوتوغرافية بمعهد المخطوطات لجامعة الدول العربية.

      - في حين ناهز ما ألفه في الطبيعة 24 تصنيفًا بين كتاب ورسالة ومقالة، تناول فيها موضوعات الضوء ومسائله، لكن لم يُحفظ منها إلا 12 مصنفًا توجد في أكثر من مكان.

      - أما في الفلك فألف أكثر من 5 تصانيف، غير أن تراثه في هذا العلم بقي منه نحو 17 مقالة و24 تأليفًا فقط.

      - وألف في الطب كتابين لا يعرف لهما مكان في فهارس المخطوطات؛ الأول في "تقويم الصناعة الطبية" بلغت أجزاؤه نحو الثلاثين، ذكر أسماءها ابن أبي أصيبعة نقلًا عن مقالة ابن الهيثم نفسه، والثاني مقالة في "الرد على أبي الفرج عبد الله بن الطيب".

      - هناك ما يناهز 40 كتابًا في الفلسفة والمنطق وعلم النفس والأخلاق وفي الإلهيات واللغة.

      تعليق


      • #4
        رائد المنهج التجريبي:
        رسخ ابن الهيثم الطريقة العلمية أو المنهجية للبحث العلمي منذ القرن الـ11، والتي تعتبر في نظر الباحثين أكثر أهمية من مكتشفات "عالم البصريات" وآرائه الجديدة.

        شكّل نموذجه طفرة في عصره؛ إذ بدأ مشروعه العلمي بالشك في نظريات القدماء مثل مقالته في "الشكوك على إقليدس"، وكذلك نقد النظريات القائمة فكرة مثل أن "الأرض هي مركز الكون" لبطليموس، ثم انتهى إلى تأسيس العلم في كتابه "المناظر".

        اتّسمت كتاباته عمومًا بالمنهج القائم على النقد والمقارنة والتحليل، ثم الاستقراء والقياس، والاعتماد على المشاهدة، حتى عرف بأنه رائد المنهج التجريبي، الذي يعد من دعائم العلوم الحديثة.

        أجرى أهم بحوثه في علم البصريات، واعتُبر مؤلَّفه "المناظر" المكون من 7 مقالات قفزة نوعية في الفيزياء النظرية.

        تعليق


        • #5
          الضوء والبصريات وصندوق التصوير الفوتوغرافي "الكاميرا":

          كان ابن الهيثم وراء الجمع بين العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية، وأثبت بطلان الفكرة التي كانت سائدة بأن العين هي مصدر الضوء، وأكّد أن العين مُستقبل الضوء، وعُدّ ذلك أحد الاكتشافات الثورية في العصور الوسطى.

          كما توصل إلى أن الضوء يسير دائمًا بخطّ مستقيم، وحين يعبر ثقبًا صغيرًا يشكل صورة مقلوبة على الجدار المقابل، وكان أول من قال إن الثقب كلما كان أصغر تبدو الصورة أوضح.

          كما وضع نظرية جديدة للإبصار، واستخدمت المعلومات التي كونها في صنع أول كاميرا في التاريخ، وهي "الكاميرا الثقبية" أو "الحجرة المظلمة" التي تم لأول مرة استخدامها في ملاحظة كسوف الشمس.

          اكتشف في علم الضوء 9 قوانين لما يسمى بـ"زوايا الانعطاف"، واستعمل الهندسة المستوية والمجسمة في تعيين نقطة الانعكاس التي شغلت عقول علماء أوروبا، وعرفت بمسألة "الهازن" وكانت تدرس في جامعات أوروبا.

          أفاد منه عالم الفلك الألماني "يوهانس كبلر" في علم البصريات، وسبق "فيتيلو" البولندي في وضع أساس هذا العلم، مثلما سبق إسحاق نيوتن في القول بسرعة الضوء الذي ظهر بعده بـ700 عام، واقترب من الاكتشاف النظري للعدسات المكبرة التي صنعت في إيطاليا بعد ذلك بـ3 قرون؛ وفق "مييرهوف".

          تنسب إليه أول محاولة لدراسة فيزيائية فلكية تفصيلية للأثر الظاهر في ضوء القمر، في رسالة "الأثر الظاهر في وجه القمر"، وهي نسخة خطية تقع في 9 أوراق "كل ورقة بها صفحتان" تحتفظ بها بلدية الإسكندرية.

          كما تناول بحوثًا تجريبية في موضوعات محددة؛ منها الكرة الحارقة أو المرايا الحارقة بكل أشكالها، أو تكوين الظلال، وكتب عن الهالة، وقوس قزح.

          وكان للمصطلحات والتصاميم التي ابتكرها الفضل في صنع الوسائل البصرية الحديثة، مثل التلسكوب والكاميرا الرقمية والعدسات المكبرة، وحتى النظارات الطبية.

          وكان أيضًا أول من شرح تركيب العين، وبيّن أجزاءها وسماها بالأسماء المتداولة اليوم؛ ومنها الشبكية والقرنية والسائل المائي والسائل الزجاجي.

          تعليق


          • #6

            مؤلفات الحسن بن الهيثم:

            - المناظر.

            - المختصر في علم هندسة إقليدس.

            - مقالة في تربيع الدائرة.

            - فصل في أصول المساحة وذكرها بالبراهين.

            - في صورة الكسوف.

            - في تقويم الصناعة الطبية.

            - في منافع الأعضاء.

            - في أصناف الحميات.

            - في النبض الكبير.

            - المهذب في الكحالة "أي في طب العيون".

            - المختار في الأغذية.

            - في السياسة.
            كتاب "المناظر".. عمدة مؤلفات ابن الهيثم:

            يعتبر "المناظر" من أهم الكتب التي ظهرت خلال القرن الـ11 الميلادي، وهو المصنف الذي خلد ذكر ابن الهيثم، ألّفه بين عامي 1011 و1021، أثناء إقامته في مصر، ورتّبه في 7 مقالات.

            في القرن الـ13 كتب "روجر بيكون" تعليقًا على "المناظر" سماه "الرؤى"، وفي القرن الـ14 كتب كمال الدين الفارسي نسخة منقحة للكتاب سماها "كتاب تنقيح المناظر".

            وقد ترجم كتاب "المناظر" إلى اللاتينية والعبرية والإسبانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية، مرات كثيرة.

            في عام 979هـ/ 1572م، ترجمه "فردريك رسنر" ترجمة كاملة إلى اللاتينية ونشره في سويسرا بعنوان "كنز البصريات"، وزوّد الطبعة برسم يوضح فيه مختلف أجزاء العين.

            وترجمه الإيطالي "جيراردي كيرمونا" إلى اللاتينية، لكن لم يطبع منه سوى مقالة واحدة في لشبونة، ولا تزال مكتبة الفاتيكان تحتفظ بنسخة من هذه الترجمة.

            كما توجد في مكتبة آيا صوفيا بإسطنبول نسخة كاملة من الكتاب برقم "2448"، تتألف من حوالي 678 ورقة.

            وحقق "المناظر" مصطفى نظيف بك، وعلق عليه في جزأين عامي 1939- 1942، كما حققه الدكتور عبد الحميد صبرة، ونشره بالكويت عام 1983م.
            وفاته


            توفّي ابن الهيثم في القاهرة في حدود عام 430هـ/ 1039م، عن عمر ناهز 76 عامًا على الأرجح، وليس معروفًا مكان رفاته.

            الحسن بن الهيثم
            كتاب المناظر
            كتاب الشكوك على بطليموس

            تعليق

            يعمل...
            X