كتب المتشرد الحكيم:عبد الجليل بن محمد الأزدي.مقالة:إنتصار الفنان-الفنانون والثورة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتب المتشرد الحكيم:عبد الجليل بن محمد الأزدي.مقالة:إنتصار الفنان-الفنانون والثورة

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1711752377951.jpg 
مشاهدات:	6 
الحجم:	19.3 كيلوبايت 
الهوية:	199124 ​​​​​​​
    كلية الآداب والعلوم الإنسانية / جامعة القاضي عياض

    انتصار الفنان - الفنانون والثورة.

    امتلك تزفيتان تودوروف معرفة واسعة ودقيقة وعميقة بالاتحاد السوفيتي، وقَضَّى حياته العلمية في تفكيك دواليبه الإيديولوجية من مَعبَرِ الفن والأدب.

    وفي أفق فهم هذا الأمر، يمكن هنا مجدَّدًا التذكير بأنه فر من بلغاريا عام 1963 في اتجاه فرنسا. وفي بلاد الأنوار والتنوير، دشَّنَ مساره العلمـي في حقل تاريخ الأفكار حين نشر عام 1966: نظرية الأدب- نصوص الشكلانيين الروس، وهي النصوص التي ترجمها بعناية فائقة. وقد شكل صدور هذه الأنطولوجيا واحدا من الأحداث الثقافية البارزة في هذا العام، طالما النصوص إياها رفعت عاليا لواء الطليعة الأدبية المناهضة للحزب الوحيد الذي قوَّض كل إلهام فني فردي، وأرغم الفنانين على تحويل قاطرة الأدب والشعر صوب محطة السياسة الحزبية.

    وبعد واحد وخمسين عاما، وتحديدا عام 2017، أصدر كتابه:انتصار الفنان- الثورة والفنانون- روسيا 1917- 1941، الذي تتردد في سطوره أصداء أنطولوجيا الشكلانيين الروس، أي الكتاب الأول، إذ على امتداد 331 صفحة، سعى المؤلف إلى تحديد طبيعة العلاقة بين الفن عموما والدولة التوتاليتارية التـي نشأت في روسيا بعد ثورة أكتوبر 1917.

    وجُماع هذه الصفحات، يشغله مدخل وبابان: الباب الأول تحت عنوان: من الحب إلى الموت، ويتضمن أربعة فصول هي على التوالي:الصدمة الثورية، اختيار الطريق، الثورة الثقافية المضادة، سجِل الوفيات. أما الباب الثاني، فقد خصَّهُ للرسام والنحات التجريدي كازيميـر ماليفيتش (1871- 1935)، وذلك عبر خمسة فصول عناوينها: الغِبطة الثورية، العيش في الطوبى، مسار فنان طليعي، الفن كما هو، سنوات خيبة الأمل.
    وضمن البنية المعمارية للمدخل، كتب تودوروف:" أتاحت الثورة الروسية ولادة أول دولة توتاليتارية في التاريخ. في البداية رفضها قسم من الرأي العام الأوروبي، وبعد حين تم رفضها بإجماع. ولا يحتاج المرء اليوم إلى شجاعة خاصة كي يستحضر النتائج الفظيعة لثورة أكتوبر. بل إن مجرد ملاحظة ذلك يشكل مبعث فخر واعتـزاز لدى الأوروبي المغتبط بالعيش في ظل الديمقراطيات الليبرالية الغربية: فهذه الديمقراطيات لم تبلغ الكمال، لكنها أفضل من الأنظمة الكليانية والثيوقراطية ومن الديكتاتوريات العسكرية المهيمنة هنا وهناك. لكن، ألَم يتم طيُّ هذه الصفحة؟ اَلَم تمت الكليانية وتُقبَر؟ "من رأينا أن هذه التجربة الفظيعة لن تقوم لها قائمة مجددا في بلداننا، وسننبه أخلافنا إلى الحرص على ألاَّ يَدَعوا أبدا هذا النظام يقوم بين ظهرانينا. نحن مغتبطون بالعيش في رحاب الديمقراطية وفخورون بذلك، ونتأسى على الآخرين الذين يفتقدون الديمقراطية أو لم يصلوا إليها بعد في مسيرتهم نحو الخير. فلماذا إذن العودة إلى هذه اللحظة من الماضي؟ ألا زالت تستثير اهتمام سكان الديمقراطيات الليبرالية في الغرب؟"
    يبـرر تودوروف انخراطه في استحضار هذا الماضي بالدواعي الآتية:
    1. يعثر فيه على مصيـر شخصياته.
    2. يشكل قصصا مأساوية.
    3. يجد فيه قصته الشخصية كذات سابقة في بلد توتاليتاري.
    4. يقرأ فيه ماضي بعض أقربائه الذين يفوقونه سِنًّا.
    5. يعتقد أن هذا الماضي القديم قرابة قرن من الزمن، والذي جرى في بلد مضى وانقضى( الاتحاد السوفيتي) يتوفر على شيء يُعِّلُمه لمواطنـي العالم الغربي في القرن العشرين.
    والواقع أن توكيد إمكانية هذه القراءة، يدل في الحين ذاته على القبول بنوع من الاستمرارية أو التماثل بين هذين النمطين المختلفين من الأنظمة: الأنظمة الشيوعية السابقة والأنظمة الديمقراطية اللبـرالية القائمة في أوروبا الغربية. والحال أن كتاب: انتصار الفنان تركيب لنصف قرن من الأبحاث، يعمق رؤية المؤرخ والناقد تجاه الفن والفنانين بالمعنى العام. وضمن هذه الرؤية العميقة، يتحرى المؤلف ويستكشف علاقة الزعماء السياسيين في روسيا بمن يسميـهم: "الفنانون المبدعون"، وهي علاقة صعبة وغامضة أحيانا، وجبرية، ومن تم مُخْصِبَةٌ.
    كيف أعلن هؤلاء الفنانون الثورة؟ وكيف بعد ذلك انبطحوا أمام/ أو انفلتوا من الخطاب السوفيتي الرسمي الذي حَوَّلَ الواقعية الاشتراكية إلى عقيدة؟ وماذا عن الممارسة التي عملت على إحلال الحكاية التخييلية محل الواقع، هل طورت الفن أم اغتالته؟
    في سبيل الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، انتحل تودوروف صفة الرسام الذي يرسم لوحات أشهر الفنانين في الحقبة الروسية، وهم:
    1. الشاعر المستقبلي فلاديمير ماياكوفسكي ( 1893- 1930).
    2. الشاعر والروائي بوريس باسترناك ( 1890- 1960).
    3. الطبيب الكاتب ميخائيل بولغاكوف (1891-1940).
    4. الشاعر أوسيب ماندلستام (1891- 1938).
    5. الرسام والنحات كازيمير ماليفيتش ( 1879- 1935)...
    لقد تم رسم حياة كل واحد من هؤلاء في لغة تتاخم حكاية حياة شخصيات استثنائية مبنى ومعنى. ومن الواضح جدا أن كازيمير ماليفيتش يجسد بكيفية أفضل علاقة الفنان بإيديولوجية السلطة، كما يمثل أفضل نموذج متفرد في رغبته الإبداعية: إذ بدأ حياته إطارا حِزبيا أولا، وانخرط بعد ذلك في مسيـرة غنية ومحفوفة بالمخاطر، وابتكر تيار التسلطية Suprématisme في الفن، وابتدع أول لوحة أحادية اللون، وانخرط كلية في الحياة السياسية، وانتهى نهاية مؤسية تثير الشفقة والشجن، إذ أدانه الحزب الذي لم تَعُدْ له حاجة به. وجميع هذا يصفه تودوروف ويوضحه بطريقة بليغة وعجيبة.
    وإجمالا، فكتاب انتصار الفنان قد تلخصه هذه العبارة: الفنان السجين يستمر عمله الفني في تغذية تاريخ الإنسانية وإنعاشه، أما السلطة التي أدانته واعتقلته، فقد مضت إلى مزبلة التاريخ.

    المتشرد الحكيم عبد الجليل بن محمد الأزدي
    مراكش: 29 مارس 2023.
يعمل...
X