"أغمض عينيك" ينتصر للدراما الاجتماعية الهادئة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "أغمض عينيك" ينتصر للدراما الاجتماعية الهادئة


    "أغمض عينيك" ينتصر للدراما الاجتماعية الهادئة


    عمل يفكك الآلام الإنسانية العميقة ومشاكل مرضى التوحد.
    الخميس 2024/03/28
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الحياة مشاق نفسية متواترة

    يتابع جمهور الدراما التلفزيونية الأعمال الاجتماعية القريبة منه بشغف. وتثبت مؤشرات المتابعة اليومية أن هذا الشكل من الدراما يحظى بالاهتمام الجماهيري الأكبر. وفي الموسم الدرامي السوري الحالي جذب مسلسل "أغمض عينيك" الانتباه، حيث يقدم حالة اجتماعية حساسة وواقعية استطاع بها التغريد خارج سرب دراما الأكشن والتشويق.

    دمشق - كسب مسلسل “أغمض عينيك” الرهان واستقطب تفاعلا جماهيريا عريضا في الموسم الرمضاني الحالي رغم ابتعاده عن الشكل الفني الدارج في الدراما السورية المعاصرة التي تعتمد حالة الأكشن والتشويق والعنف. ويبدو الاختلاف ظاهرا من عنوان المسلسل “أغمض عينيك”، الذي يأتي كأنه نداء روحاني لإغماض العينين ومخاطبة الآخرين بالروح، فما تحمله الأرواح هو الأسمى والأعلى والأعمق.

    المسلسل يقدم حالة فنية مختلفة في حكاية اجتماعية تقدم في العمق ما تتحمله شخوص العمل من مشاق نفسية مؤلمة في مواجهة تحديات مصائرها، ولا يبدو صناعه معنيين بمواكبة موضة تفرض ثيمة محددة على شكل العمل وأحداثه، فقد اختاروا تقديم حكاية عن الآلام الإنسانية العميقة ومآلات هذه الحالة الإنسانية على حيواتهم ومجتمعهم.

    ويقدَّم المسلسل على العديد من القنوات التلفزيونية ومنصات الميديا وهو من تأليف لؤي النوري وأحمد الملا وإخراج مؤمن الملا، ومثلت فيه منى واصف وفايز قزق وأمل عرفة وعبدالمنعم عمايري وحلا رجب وأحمد الأحمد وجابر جوخدار ومحمد حداقي وآخرون.
    قصة اجتماعية



    المسلسل طرح موضوعا حساسا وهو ما استلزم تقديم شخوص يتعاملون مع أحداثه بواقعية


    في حكاية المسلسل نحن أمام الطفل جود الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات ويعاني من طيف التوحد، ولديه صعوبات في التواصل بينه وبين محيطه. وهي الذروة الدرامية الكبرى التي يوجدها كاتبا النص لؤي النوري وأحمد الملا والتي تتمحور حولها معظم أحداث المسلسل. لكن الكاتبين أوجدا المزيد من الذرى الدرامية التي زادت جرعة الألم وتاليا التشويق النفسي، فالأب يهجر الأسرة وهذا ما يزيد من صعوبة الظرف الذي يواجه الأم حياة (أمل عرفة) والطفل جود (زيد البيروتي).

    يوجد النص ذروة درامية حاسمة ومفاجئة جديدة تتمثل في رفض والد الأم أبوالرجا (فايز قزق) مباركة زواج ابنته ومن ثمة عدم تقبل ابنها لتعيش زوجته أم الرجا (منى واصف) تناقضا بين رغبتها في احتضان ابنتها وحفيدها وعدم مخالفة رغبة زوجها وبين احتضان ورعاية حفيدها بعد أن تقطعت به السبل وكان في مهب الريح وقريبا من إرساله إلى ملجأ للأطفال.

    ولا يقف النص عند هذه التقاطعات الدرامية بل يقدم في مساره الحكائي المزيد من التصعيد الدرامي، حيث تتورط الأم بجرم وظيفي في الصيدلية التي تعمل بها وتدخل السجن لتنفيذ عقوبة جنائية لمدة خمسة عشر عاما، ليصبح مصير الطفل في مهب الريح، في عقدة درامية هي الأهم في كل المسلسل. فبحكم القانون ستكون الحضانة للجدة التي لا تمانع في حضانة حفيدها بعد سجن ابنتها لكن الجد يرفض، ليكون الحل بقبولها الحضانة أمام تعهد أصدقاء للعائلة برعاية الطفل خاصة المدرس مؤنس (عبدالمنعم عمايري) الذي فقد زوجته وابنه في حادث سير، ليجد في الطفل جود ملجأ له من آلامه التي يعيشها وطاقة أمل تعيد له نبض حياته الذي بالكاد يعيشه في دوامة أحزانه.

    وتسير أحداث المسلسل بهدوء وانسيابية متصاعدة، فلا أحداث مفاجئة تحمل تفجرا في سير الأحداث ولا عنف فيه، بل أحداث متتالية تحدث في المجتمع الحقيقي الذي يعرفه الناس ويحيط بهم. ولعل هذا ما شد الناس إليه، إضافة إلى التعاطف مع الطفل ووالدته في مصيرهما المأزوم الذي يواجهانه.
    خارج البيئة الشامية



    الممثلة أمل عرفة قدمت مشاهد تتضمن أحاسيس صادقة بعاطفة أمّ حقيقية يعاني ابنها من حالة صحية خاصة


    عرف مؤمن الملا في المشهد الدرامي السوري من خلال مساهمته مع شقيقه بسام الملا (الآغا) في أعمال البيئة الشامية، فكان في فريق الإخراج في بعض أجزاء المسلسل الشهير “باب الحارة”، ثم كان مخرجا لجزء منه. وفي عام 2020 قدم مسلسل “سوق الحرير” في نفس الشكل الفني، وهو في “أغمض عينيك” يقدم أول مسلسل له خارج نطاق البيئة الشامية. ويؤكد في هذا الخيار على إرادته بتقديم الجديد في أعماله، كونه يعني تحديا فيما يمكن أن يقدمه للجمهور من أفكار وعوالم اجتماعية مختلفة عما كان يظهر في أعمال البيئة الشامية، وهو تحد يجعله في مواجهة جمهور ينتظر المزيد منه في مواسم قادمة خاصة بعد النجاح الذي حققه في “أغمض عينيك”.

    مؤشرات المتابعة اليومية تؤكد أن مسلسل “أغمض عينيك” يحظى بمتابعة جماهيرية كبرى، جعلته في مقدمة الأعمال التي قدمت في هذا الموسم، وهو ما يشير إلى أن الجمهور مازال شغوفا بمتابعة المسلسلات الاجتماعية الهادئة التي تقدم حكايات قريبة من واقعه اليومي وتقدم تفاصيل حياته بشكل عميق. مواقع السوشيال ميديا المختصة والشخصية قدمت العديد من الآراء التي بينت أن مسلسل “أغمض عينيك” حمل للجمهور جرعة حنين إلى الدراما الاجتماعية التي كان الجمهور السوري يتابعها كونه يتابع من خلالها قصصا تعنيه، ولا يشعر معها بالغربة.

    المسلسل يغرد خارج السرب وتابعه جمهور سوري وعربي غفير وكتبت فيه مقالات وآراء يكاد يجمع أصحابها على أنه قدم وجبة إنسانية حساسة وعميقة بعيدا عن العنف والتشويق الدرامي البوليسي الذي يحتل الساحة الآن.
    شخصيات صعبة



    حكاية مشوقة


    طرح المسلسل موضوعا حياتيا بالغ الحساسية وهو ما استلزم تقديم شخوص يتعاملون مع أحداثه بلغة واقعية، الأمر الذي وضع ممثلي المسلسل أمام تحد كبير خاصة الطفل بيروتي الذي قدم دور الطفل جود. فأطفال التوحد لهم عالمهم الخاص الذي يتميز بشكل نفسي وحركي خاص، وهو ما عرفه صناع العمل وقدمه جود بشكل ناجح. ولا شك أن عمليات تصوير هذه المشاهد قد كلفت جهدا وعناية خاصة من المخرج.

    كذلك قدمت الممثلة أمل عرفة مشاهد تحمل إحساسات عالية بعاطفة أم حقيقية يعاني ابنها من حالة صحية خاصة وجمعتها مع جود مشاهد اقتربت من حدود الميلودراما التي تحمل فواجع إنسانية كامنة. وقد بينت أن بعض المشاهد أبكتها هي وفريق العمل أثناء التنفيذ، وكانت بعض المشاهد التي قدمتها مع جود غاية في الألم النفسي كما في مشهد اللقاء بينهما في زيارته لها في السجن وتمسكه بها للذهاب معًا.

    وكالعادة يقدم عبدالمنعم عمايري دورا بثقة عالية وهدوء جلي. وكثيرا ما أظهرت كاميرا الملا لقطات قريبة له لترصد تعابير وجهه وعينيه في متابعة دقيقة لطبيعة الشخصية وعمقها. وعمايري يؤكد في هذا العمل علو قامته في قدرته على تقديم شخصيات مركبة.

    أما أحمد الأحمد فقدم شخصية زوربا التي تذكرنا بشخصية الكاتب اليوناني كازانتزاكي التي جسدها أنتوني كوين في فيلم سينمائي شهير، وهي شخصية لطيفة لها حضور خاص ومكانة مميزة في مسار الأحداث، ترسم من خلال تاريخها وتفاعلها مع الأحداث نظرة إنسانية عميقة. وقدمت الشخصية صراعات نفسية تعيشها بين حدي الالتزام الأسري وحب المغامرة والسفر.

    وكان الظهور المتميز في المسلسل للفنانة الكبيرة منى واصف التي قدمت دور الأم والجدة التي تتفانى في تقديم العون والحب. شخصية أم الرجا كتبت بعناية ومواقفها الحياتية عامة تجعلها في إطار الشكل التقليدي للمرأة التي تمتلك روح المحبة والعطاء والأصالة، وهي التي كانت بسبب حفيدها على وشك الطلاق من زوجها والسفر بعيدا عنه، لكنها بعد إصابته بجلطة دماغية ترفض السفر لتبقى معه وقربه لمساعدته في محنته الصحية. والسيدة واصف خير من يقدم شخصية الأم في الدراما بأدائها المقنع وثقلها الفني الكبير.

    مسلسل "أغمض عينيك" يكسب الرهان ويستقطب تفاعلا جماهيريا عريضا في الموسم الرمضاني الحالي رغم ابتعاده عن الشكل الفني الدارج في الدراما السورية المعاصرة

    أما الطفل زين البيروتي الذي يقدم أول أعماله في التمثيل فقد بذل جهدا كبيرا في لعب دور الطفل جود الذي يعاني من التوحد، بأدائه بعض التفاصيل الحركية والعصبية التي تستلزم طبيعة الشخصية وجودها، واستطاع أن يتقمص شخصية حقيقية وواقعية.
    حكاية نادرة


    لا تظهر دراما ذووي الهمم كثيرا في الدراما السورية، ويكاد ينحصر وجودها في شخصيات هامشية في بعض المسلسلات التي تعالج موضوعات اجتماعية مختلفة. في عام 2010 قدم أول مسلسل سوري تصدى بالكامل لموضوعات ذوي الهمم حمل عنوان “وراء الشمس”، كتبه محمد العاص وأخرجه سمير حسين وشارك فيه طفل من ذوي الهمم هو علاء الدين الزيبق، في حين تقمص الممثل بسام كوسا شخصية رجل يعاني من متاعب عقلية.

    وطرح المسلسل آنذاك مسألة حاسمة تتعلق بحق الوالدين في التخلص من الجنين عندما يتم التأكد من أنه يعاني من إعاقة جسدية. وحقق المسلسل آنذاك أصداء كبيرة وتفاعل الناس معه بقوة. وبينت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن المسلسل قدم خدمة لأفكارها أكثر مما قدمته الوزارة في عشر سنوات، الأمر الذي يؤكد حاجة الدراما إلى تقديم المزيد من هذه الأفكار لمقاربتها الشديدة للمجتمع.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    نضال قوشحة
    كاتب سوري


    نضال قوشحةمقالات سابقة

    "هابيل سانتشيث.. قصة شغف" رواية عن آثار الحسد المدمرة
    "تاج" يسافر بالزمن إلى دمشق ورياضة الملاكمة في القرن العشرين
    حنا مينه روح البحر التي قهرت الألم وحلمت بالسعادة
    الناشرة مانيا سويد لـ"العرب": معرض القاهرة فرصة لاستطلاع آراء الشباب
    مهرجان سينمانا في سلطنة عمان يمزج بين السينما والسياحةنضال قوشحة
يعمل...
X