يكشف السيناريست :عبد الرحيم كمال .في رواية"كل الألعاب للتسلية" معاني الربح والخسارة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يكشف السيناريست :عبد الرحيم كمال .في رواية"كل الألعاب للتسلية" معاني الربح والخسارة



    لوحة للرسام فؤاد حمدي (صفحة الرسام- فيسبوك)
    اللعبة الروائية الخطرة بين الكاتب وسجانه
    عبد الرحيم كمال يكشف في "كل الألعاب للتسلية" معاني الربح والخسارة
    لنا عبد الرحمن
    الجمعة 23 فبراير 2024م
    ملخص


    عبد الرحيم كمال يكشف في "كل الألعاب للتسلية" معاني الربح والخسارة

    يبدو أن الإنسانَ كائنٌ لاعب، منذ الأزل لا يستطيع العيش من دون لعب، بل إن اللعبَ يتخذ في حياته عدة أوجه تضع أقنعة مختلفة، تتراوح حقيقتها بين الواقع والخيال المحرض على مواصلة اللهو، من أجل الفرار من مواجهة فكرة الوجود، التي تعري الذات وتكشف حقيقتها.

    إذاً، هل ممكن أن تكون الحياة مجرد لعبة؟ لعبة تختلف قوانينها، تتحد وتنفصل، تسهل وتصعب، تختلط أوراقها وتتبعثر، لكنها في النهاية تظل مجرد لعبة تدور على الجميع، لتصنفهم في ختام المطاف ظاهراً، بين رابح وخاسر، لكنّ الجميع ضمناً خاسرون، لأنهم مهما كسبوا، ثمة ما سيترصد بهم في النهاية، ويقودهم إلى مثواهم الأخير، مهما طال أمد اللعب.

    يقدم عنوان رواية "كل الألعاب للتسلية" للكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال، رؤية حاسمة منذ عتبة النص، حول أن كل الألعاب وجدت للتسلية فقط، لكنها تسلية جادة، بحسب العبارة التي تأتي على لسان أحد الأبطال. "إنه لعب، لكن بجد". وإذا كان اللعب ذاته حالة ترتبط بالطفولة، فإن الرواية تنقض هذه الرؤية وتهدم ارتباط اللعب بالأطفال؛ لأن أشرار هذا العالم هم الذين لم يخرجوا من طفولتهم بسلام.

    رواية الربح والخسارة (دار العين)

    تتشعب فكرة اللعب على مدار النص لتشمل حالة من العبث الوجودي، وتجعل القارئ يتساءل: هل لكل شخص بالفعل غرفة يضع فيها ألعابه، وفي هذه الغرفة ينسى أسراره، ويتجرد من مخاوفه، ليكون النسخة القريبة من ذاته؟

    تنقسم الرواية إلى مقدمة وخاتمة وثلاثة فصول رئيسة هي: "لا تتبعني فالموت طريقي"، "لا تزال لديك فرصة"، "بين بين". ويضع الكاتب أبطاله في حالات تتداخل فيها الواقعية والفانتازية منذ صفحات الفصل الأول. تبدأ الأحداث مع الكاتب الشهير حازم صفوت، حين يتلقى اتصالاً هاتفياً من سامر بك، وهو رجل نافذ في منصب مهم، يطلب منه القيام بمهمة خاصة، هي كتابة روايته؛ ومن أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي على الكاتب الامتثال لحالة تشبه الاعتقال حتى إنجاز المهمة. انطلاقاً من هذا الحدث تبدأ المواجهات الحادة بين البطلين، فتضع كلاً منهما في بوتقة أسئلة جوهرية، ساخرة وتأملية ترتبط بالوجود والمصير ككل.

  • #2
    أصل اللعب:
    ربما كي نفهم دلالة أن تشغل الألعاب عنوان النص ومضمونه، علينا أن نعود إلى جذور فكرة "اللعب" ورمزيتها، وتطورها عبر الزمن، سواء كانت نفسية، حين كان السحرة يتمتمون بالتعاويذ والتمائم للسيطرة على العامة، أو واقعية دموية حين كان يُلقى بالعبيد والمجرمين في عرين أسد جائع، بينما يجلس الملك وحاشيته يتفرجون بمتعة وسادية على الأسد وهو يمزق الإنسان. لم يلغ مرور الزمن مثل هذه الألعاب، بل طورها في جوانب الحياة كلها، فصارت الألعاب خططاً حربية، ثم أصبح الأطفال الصغار يلعبون بالبندقية والرشاش والمسدس، فهل ما زالت الألعاب بريئة حقاً؟ وهل ما زال الأطفال أبرياء؟

    الكاتب المصري عبد الرحيم كمال (دار العين)

    في الوقت الذي يتلهى فيه الكبار بصناعة لعب أكثر فتكاً، وتحويل العالم إلى ملعب كبير، يتحكم فيه أطفال مرضى. لنقرأ: "كلمة طفل هنا، لا تعني أنه طفل حقيقي، لكنه رجل وامرأة، يملك جنون الأطفال، شغفهم المرعب، بكاءهم بصوت عال إذا لم يتحقق ما يريدون، يمتلكون الأموال والقصور، ليس من أجل الرفاهية والراحة، بل من أجل هدف واحد مقدس هو اللعب. ففي هذا العالم المجنون، جميع الألعاب للتسلية".

    تعليق


    • #3
      عالم الكتابة:
      بالتوازي مع فكرة اللعب، تحضر فكرة الكتابة منذ السطر الأول، لأن "الإنسان كان خالي البال حتى اخترع فكرة الكتابة، وصار للبشرية تاريخ ووثائق ترفع أقواماً وتحط آخرين"، وصار الكاتب هو الساحر الذي يمكنه اللعب بالكلمات كما يشاء. تطرح الرواية سؤالها عن حقيقة الكتابة، ومن هو الكاتب الحقيقي فعلاً، هل هو كاتب العتمة، الذي يكتب في الظل، أم ذاك الذي يحيا تحت ضوء ساطع، يحوله إلى نجم في سماء الأدب، تدفع الأطفال الأشرار إلى جذبه نحو دائرة لعبهم.

      ومن خلال فكرة الكتابة، قدم النص علاقة السجين والسجان بأبعادها المختلفة، التي تتصاعد مراحلها بمرور الزمن، وتراكم التفاصيل اليومية بينهما، فيعري السجين باطن سجانه، ويتحكم السجان بحركة السجين. لنقرأ مثلاً ما يقوله حازم صفوت: "لدي شيء داخلي يحبك يا سامر لا أدري ما هو، ومن المستحيل أن يكون حب السجين لسجانه، ولكنه ربما يبدو حبي لحقيقتك التي تبدو مضيئة في داخلك".

      نجح الكاتب في رسم الشخصيات، ومنح كل شخصية صوتاً متفرداً، حازم صفوت وعالمه الداخلي المتماهي في تأملاته عن فعل الكتابة، ثم تعرية إيجو الكاتب، وتعاليه على زملائه وشعوره بأنهم يكنون له الحقد والغيرة من نجاحه الكبير. أما سامر الرجل النافذ المتسلط الذي يعود طفلاً في غرفة ألعابه، فيتمنى أن ينغمس في الفراغ فقط.

      تعليق


      • #4
        البناء والهدم:
        ولأن كل الألعاب تقوم على فكرة البناء والهدم، فقد تضمن كل فصل من فصول الرواية، تصاعداً في حدة اللعب، ليشمل أشخاصاً جدداً. لم يعد الكاتب حازم صفوت هو السجين الوحيد كي يكتب رواية سامر بك الذي أصبح سجيناً مثله، بل ينضم إليهما ممثل كوميدي، ثم لاعب كرة شهير، ثم سيدة مجتمع جميلة تدعى "رقة"، وأخيراً الحارس "س"، الذي كان يقدم لهم الطعام ويقوم على حراستهم، ويشكل صلة الوصل مع السجانين.

        أراد الكاتب من خلال توسيع رقعة اللعبة لتشمل عدداً أكبر من الأشخاص، أن يكسر حالة التوقع المعبرة بعمق عن طبيعة الحياة التي لا يوجد فيها أي نوع من الثبات. وعلى رغم محاولة الكاتب تقسيم العالم إلى فئتين من البشر في مقدمة الرواية، قائلاً: "وتستمر اللعبة بين الفريقين وتظل معها المتعة والألم والتسلية"، فسرعان ما تتشعب حالة اللعب نحو وجوه أخرى، ولاعبين جدد، لا يتقنون قواعد اللعبة كلها. الممثل الكوميدي يدرك أنه مجرد ممثل تافه، ولاعب الكرة الذي اعتبر في البداية أن حظه الكبير في ساقه، سرعان ما ينقلب على أفكاره بعد السجن، ويرى أنه كان بعيداً عن الله، يفكر في معنى أن يكسب الملايين من ملاحقته كرة منفوخة بالهواء، بينما الأطفال يتضورون جوعاً! حازم صفوت أيضاً يرى أن كل رواياته غير مهمة، ولن يبقى منها شيء، وأنه مجرد كاتب زائف قادر على اللعب بالحقائق. هكذا ينهار العالم الداخلي للأبطال جميعاً، هم يهدمونه بأنفسهم في لحظة صدق، ومواجهة مع إدعاءاتهم الكاذبة.

        تمضي حركة السرد في أسلوب مشوق، سلس، وتسيطر على النص حالة من السخرية تشبه الكوميديا السوداء. واعتمد الكاتب على دلالات رمزية للشخوص، سواء من خلال المهنة أو الأسماء، "سامر" من فعل المسامرة، "وحازم" الذي منحه للكاتب الشهير، و"رقة" لسيدة المجتمع التي تظهر وتختفي كي تؤدي دوراً محدداً. واستخدم صوت الراوي العليم في التقطيع السردي، وللمراوحة بين ماضي الأبطال وحاضرهم، بالتداخل مع المونولوغ الداخلي لهم، ثم اختياره عناوين فرعية تحمل مفارقات تدل على الحالة مثل "السجن الحر"، "الأموات لا يكتبون الروايات"، "الكلب الحيران"، "الموت والحياة"، وغيرها.

        تضمنت الرواية أيضاً حوارات طويلة، بدت متأثرة بـكتابة السيناريو، وكان من الممكن تكثيفها، لمصلحة حوارات مكثفة. وحفلت بكثير من الأفكار التي تتداخل في ما بينها، لتشمل نقد المجتمع وعلاقة الفرد مع السلطة، وأصالة الفن، وطبيعة تقسيم العالم، وتداخل لونيه الأبيض والأسود، كي يتشكل من تداخل اللونين عالم كامل من الألوان، ينفي وجود الخير والشر بمفهومهما المجرد، فلكل منهما وجه خفي يتكشف في مكان آخر. وهذا يتضح في النزعة الصوفية الباطنية التي يطرحها الكاتب ضمن صراعات الأبطال وحواراتهم.

        تعليق

        يعمل...
        X