البيمارستان النوري مستشفى دمشقي عالج مرضاه بالفن منذ قرون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البيمارستان النوري مستشفى دمشقي عالج مرضاه بالفن منذ قرون

    البيمارستان النوري مستشفى دمشقي عالج مرضاه بالفن منذ قرون


    مبنى المستشفى أيقونة فنية عبر معماره ونقوشه وهندسته الفريدة.
    الأربعاء 2024/03/06
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    متحف للطب العربي والعلوم

    لم يكن الازدهار الحضاري العربي الإسلامي رهين الآداب والفنون المعروفة فحسب، بل كان شاملا خاصة في شقه العلمي، حيث قدمت الحضارة الإسلامية فتوحات علمية كبيرة، بينما لم يكن العلم بمعزل عن الفنون كالموسيقى والعمارة، كما سنرى مع مبنى البيمارستان النوري.

    حفلت الحضارة العربية عبر تاريخها بإنجازات أشارت إلى تقدمها في جميع المجاﻻت، منها ما كان في المجال الطبي والمستشفيات التي شيدت، حيث كانت خير شاهد على ذلك. أما شكل تلك المستشفيات وآليات رعايتها وعنايتها فقد جسدت تطورا طبيا مذهلا أيام أوج الحضارة الإسلامية، وقد أطلق عليها آنذاك اسم “بيت المرضى” (البيمارستان باللغة الفارسية).

    لو بدأنا الحديث عن أميز تلك المعالم لكان البيمارستان النوري في سوريا أولها، وهو من الأماكن الأثرية التي نطقت بالحقائق كاشفة عن تاريخ ناصع في كل مجال، وﻻ بد من القول بداية إن تصميمه المعماري ميزه عن باقي المباني الأثرية في دمشق، كما يعد من أهم البيمارستانات التي عرفت في المدينة، بناه الملك نورالدين الزنكي عام 1154م.
    نموذج حضاري



    علي القيم: البيمارستان النوري شاهد حي على حضارة عريقة وأصيلة


    كان البيمارستان النوري بمثابة مستشفى للمساكين والفقراء، ليصبح فيما بعد من أبرز مدارس الطب والصيدلة في البلاد الإسلامية، وقد درست فيه كتب لكبار الأطباء، مثل ابن سينا والزهراوي، وهو واحد من أشهر ثلاثة مستشفيات كانت موجودة في سوريا، وقد تميز أيضا كمركز لتعليم الطب والاستشفاء من الأمراض وعلاجها منذ القرن الثاني عشر.

    تحول البيمارستان النوري إلى متحف للطب العربي والعلوم، وقد أدهش الأنظار في نفس الوقت لكونه من المعالم الأثرية والأوابد الخالدة، التي تشير إلى رسالة حضارية حملها العرب للبشرية عبر الزمن. يقع المبنى بجانب الجامع الأموي، ومازال شاهدا على حضارة معطاءة نابضة بالحياة على مر الزمان بإنجازاتها التاريخية.

    البيمارستان النوري يقدم لنا دليلا على تقدم بلادنا، وعلى التطور العلمي المذهل الذي وصلت إليه منذ مئات السنين بشهادة مؤرخي الحضارات، حيث يعتبر إحدى أهم الكليات العلمية التي قدمت وعلمت أشهر الأطباء، خصوصا أن ذلك المستشفى اعتمد على مفاهيم استشفائية وعلاجية اعتبرت آنذاك ثورة في عالم الطب، كالعلاج بالموسيقى واستخدام ما يسمى بالسياحة الطبية. هذا من منظور كون البيمارستان إنجازا علميا طبيا.

    ومن جهة أخرى كان من الأبنية الأثرية التي تعتبر شاهدا حيا على حضارة نضرة في كل الاتجاهات، فالمبنى يعتبر نموذجا أخّاذا لفن العمارة الإسلامية، كما ذكرت المراجع التاريخية والكتب التي أرّخت حول البيمارستان النوري، وقد أكدت تميزه من حيث مخططه وطراز عمارته، كما زخارفه ونقوشه الفريدة، حيث تزين جدرانه لوحات رخامية كتبت عليها آيات قرآنية.

    بني البيمارستان النوري على مرحلتين، ثم تم ترميمه في أواخر القرن العشرين. وما إن تدخل عوالمه حتى تنقلك تفاصيله إلى عالم أخاذ بكل ملامحه، حيث يؤدي الباب ذو المصراعين الخشبيين المشبع برائحة التاريخ الجميل إلى دهليز ينتهي بقاعة مربعة الشكل، مسقوفة بقبة لها شكل خاص وجديد، وقد وصفت بأنها الأولى من نوعها في الأبنية الشامية، لأنها نادرة جدا رغم أنها شبهت بالقباب المخروطية في العراق.

    لتلك القبة شكل مقرنص في الداخل والخارج، أما بقية السقوف فكانت على شكل أقبية متقاطعة. يتألف المبنى من فسحة سماوية، تتوسطها بركة ماء مستطيلة الشكل، وهناك أربع قاعات تطل أبوابها على الباحة السماوية. على الجدار الجنوبي للإيوان الشرقي كانت هناك زخرفة رائعة، إذ برز من الأعلى شريط من الحجارة التي تسمى بالسماقية، نقشت عليها كتابات تظهر تاريخ المبنى، وبرزت للعيان زهرة الزنبق التي كانت تمثل شعار الملك نورالدين الزنكي.
    عالم أخّاذ



    نموذج أخاذ لفن العمارة الإسلامية


    كما تشير الكتابات التاريخية المنقوشة إلى أنه تم ترميم أجزاء البيمارستان في الفترة المملوكية أيام السلاطين الملك الظاهر بيبرس وقلاوون والناصر محمد. وبقي البيمارستان على وضعه هذا حتى أوائل القرن الرابع عشر، مستمرا في مهامه العظيمة العلاجية والإنسانية.

    الأستاذ علي القيم وهو مدير سابق لمتحف الطب العربي والعلوم البيمارستان النوري لفترة طويلة، وقدم حوله الكثير من البحوث التاريخية والكتب القيمة، يعتبر أن البيمارستان النوري من أشهر المباني التاريخية والأثرية في دمشق، وهو تحفة تاريخية، حمل بين قاعاته وجدرانه وزخارفه الفريدة أميز الفنون الإسلامية وأعرقها، وهو شاهد حي على حضارة عريقة وأصيلة.

    ويضيف “هو أحد ثلاثة بيمارستانات شيدت وقتها. وظل حافلا يؤدي وظيفته إلى ما بعد القرن الثامن الهجري وجرى تجديده وإحياؤه في عام 1362، أما البيمارستان الثالث فهو البيمارستان القيمري الذي بني في منطقة الصالحية عام 1256”.
    المستشفى هو أشهر المباني التاريخية والأثرية في دمشق، وهو تحفة تاريخية تحمل جدرانه أجمل الفنون الإسلامية

    ويذكر أن البيمارستان النوري يقع في الجهة الشرقية من سوق الحميدية المشهور بدمشق ويبعد عن القلعة نحو خمسمئة متر تقريبا، أنشأه السلطان العادل نورالدين محمود الزنكي سنة 1154، ولذلك جرت قصة طريفة حوله، فقد أسر السلطان خلال حروبه الطويلة مع الإفرنج أحد ملوكهم وعند استشارة مجلس أعيانه أشاروا عليه بأن يطلق سراحه مقابل فدية مالية تنفق في بناء بيمارستان ليكون مستشفى يقدم الدواء والعلاج لكل مصاب، وبالفعل راقت له الفكرة وأطلق سراح عدوه وأخذ فدية ليستقدم المهندسين والعمال العرب والسوريين لبناء البيمارستان.

    بناء البيمارستان أكد على أهمية النظام الذي كان يسير عليه حيث كان وفق نظام دقيق يؤكد العناية المنتظمة والمدروسة. ينقسم البناء إلى قسمين؛ قسم للنساء وقسم للرجال، وكل قسم مجهز بكل ما يحتاجه من معدات وأجهزة وآﻻت تتوافق مع مختلف الأمراض. وفي كل قسم عدة قاعات لمختلف الأمراض؛ قاعة الأمراض الباطنية، وقاعة للجراحة، وقاعة للكحالة (طب العيون)، وقاعة للتجبير وللمحمومين، وقسم لمرض الجنون السبعي.

    ومن المعروف أن الكثير من مشاهير الأطباء خدموا فيه، وكان من أشهرهم ابن النفيس الذي سبقته شهرته إلى كافة أنحاء البلاد. أما خدمات البيمارستان الإنسانية والعلاجية فكانت مذهلة بحق، وجسد إنجازا عظيما يدل على عبقرية الحضارة العربية، وقد تم استخدام العلاج بالموسيقى، إذ حاولوا الترفيه عن المرضى واستقدام فرق إنشاد وأصحاب أصوات جميلة ورخيمة كي يؤنسوا المرضى وينسوهم آﻻمهم عبر الغناء طوال الليل، فضلا عن العلاج الطبي والدوائي.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عمر شريقي
يعمل...
X