"بحر الحياة" ثنائيات تشكيلية تستكشف الماء في حضارة البحرين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "بحر الحياة" ثنائيات تشكيلية تستكشف الماء في حضارة البحرين

    "بحر الحياة" ثنائيات تشكيلية تستكشف الماء في حضارة البحرين


    14 فنانا يحملون فنا حديثا ومعاصرا من البحرين إلى الولايات المتحدة.
    الجمعة 2023/12/01
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    نساء من البحرين (لوحة: غادة خلنجي)

    الحياة بحر من الثقافات والهويات، فهوية سكان الصحراء ليست ذاتها هوية سكان المناطق الساحلية والجزر. هذا التأثر بالمكان، يعكسه معرض “بحر الحياة” المنعقد في واشنطن والذي يعرض أعمال نخبة من فناني البحرين تكشف ارتباطهم العميق بالماء.

    من رمزية البحر وأهميته، في الماضي والحاضر، يأتي معرض “بحر الحياة: فن حديث ومعاصر من مملكة البحرين” الذي يسافر بإبداعات 14 فنانا تشكيليا بحرينيا نحو الولايات المتحدة ليعرضوا أعمالا تكشف ارتباطهم العميق بالبيئة الطبيعية في البحرين، ومواردها، وطقوسها وأساطيرها، من خلال الرسم والتصوير الفوتوغرافي والنحت والفيديو والتركيب.

    المعرض يشارك فيه كل من راشد بن خليفة آل خليفة، مروة آل خليفة، محمد المهدي، مريم النعيمي، جعفر العريبي، عبدالكريم العريض، مشاعل الساعي، جمال اليوسف، ناصر اليوسف، إبراهيم بوسعد، بلقيس فخرو، عائشة حافظ، غادة خنجي وعباس يوسف.
    شجرة الحياة


    الأعمال المميزة تلعب على ثنائيات متنوعة وهي تقدم لمحة عن تراث الفنانين الرواد في البحرين، والمشهد الفني المتطور

    “بحر الحياة” من تنظيم المجلس الوطني للفنون في البحرين، بالتعاون مع معهد الشرق الأوسط في ولاية واشنطن الأميركية، خلال الفترة الممتدة من التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي وإلى غاية الثلاثين من مارس من العام المقبل، ويحظى براعية ودعم ومؤسسة راشد آل خليفة للفنون.

    ويذكر البيان الصحفي الخاص بالمعرض أنه “يقدم نظرة في إرث الفنانين الرائدين في البحرين، وكيفية تطور الساحة الفنية، جنبا إلى جنب مع الطريقة التي يستكشف بها الفنانون الشباب أساليب التعبير الفني الجديدة، حيث تنقل الأعمال الفنية تصويرا بصريا لجزيرة البحرين وطبيعتها، وإمكانياتها كمصدر للتأمل والاتصال”.

    كما يستكشف المعرض دور المياه في حياة الفنانين، من خلال التلاعب بالثنائيات مثل الماضي والمستقبل، والتقليد والحداثة، والحكاية الشعبية والواقع، والتقاليد والحداثة والحكايات الشعبية والواقع.

    ويلعب عنوان المعرض “بحر الحياة” على مفهوم “شجرة الحياة”، وهو رمز واسع الانتشار للحياة بين بعض الثقافات والأديان.

    وأوضح الشيخ تركي بن راشد آل خليفة، رئيس مؤسسة راشد آل خليفة للفنون، أن اختيار “بحر الحياة” كعنوان للمعرض يأتي منسجما لما تمتلكه مملكة البحرين من مقومات تاريخية وطبيعية تتمثل في التاريخ والإرث الحضاري العريق والموارد الطبيعية، وهو يسلط الضوء على مدى الارتباط الوثيق بين الإنسان البحريني وهذه المقومات، حيث إن البحر يعد رمزا واسع الانتشار لعنصر الحياة في العديد من الثقافات والأديان، الأمر الذي كان سائدا قديما في جزر البحرين، وإن الماء هو القوة التي تحيط بها وتمدها ببحر من “الحياة”.


    العشاق (لوحة: إبراهيم بوسعد)


    في جزيرة البحرين، كانت المياه دائما هي قوة الحياة. ويرتبط كل من البحر وينابيع المياه العذبة في الجزيرة بازدهارها ويعتبران سلعة ثمينة يعتز بها شعب البحرين ويسعى للحفاظ عليها، مما خلق علاقة قوية بينه وبين بيئته الطبيعية على مر عقود. يعود تاريخ الإمارة إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، ووُصفت جزيرة البحرين في ملحمة جلجامش بأنها أرض سماوية ومكان للشباب الدائم.

    ويعكس “بحر الحياة” ارتباط الفنانين العميق بالمناظر الطبيعية للجزيرة ومواردها الطبيعية وطقوسها وأساطيرها، والذي نستكشفه معهم من خلال منحوتاتهم وصورهم ولوحاتهم الزيتية وتراكيبهم التي أنجزت من مواد متنوعة.

    وتلعب الأعمال المميزة الثلاثون على ثنائيات متنوعة وهي تقدم لمحة عن تراث الفنانين الرواد في البحرين، والمشهد الفني المتطور والطريقة التي تستكشف بها الأجيال الشابة تعبيرات فنية جديدة. بشكل جماعي، تنقل إبداعاتهم صورة بصرية للجزيرة ومناظرها الطبيعية وإمكاناتها كمصدر للتأمل والتواصل وتخيل المستقبل المتنوع.

    وينظم المعرض تحت إشراف القيمتين هيفاء الجيشي ولين سنيج. بالنسبة للجيشي فهي فنانة انتقلت من الهندسة الكهربائية نحو الفن التشكيلي حتى صارت أحد أبرز الداعمين للفنانين العرب، حيث تروج لفناني الشرق الأوسط على مستوى العالم منذ العام 1998. وقد حقق العديد من الفنانين الذين تعاونت معهم الجيشي نجاحا عالميا، حيث شاهدوا أعمالهم تقتنيها المتاحف وتباع بأسعار قياسية.

    أما لين سنيج فهي مديرة مركز الفنون والثقافة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. بفضل خبرتها الطويلة في البرمجة وشبكة علاقاتها الواسعة في منطقة الشرق الأوسط، طورت سنيج برامج مبتكرة وساهمت في إقامة العديد من الشراكات لتشمل المعارض والمتاحف والمؤسسات التعليمية في العاصمة، والمراكز الثقافية والسفارات الأوروبية.
    بين الرواد والمعاصرين



    تجميع مياه (تركيب: مريم النعيمي)


    من أبرز الأعمال المشاركة في المعرض، عمل تركيبي هندسي للفنان راشد آل خليفة (1952)، يستخدم فيه الألومنيوم على البلور. آل خليفة دأب منذ عقود على الاشتغال على الميكانيكا والعمليات الهندسية التي تنطوي على جوانب معينة من التصميم والهندسة المعمارية التي يتصورها في المشهد الطبيعي المتغير باستمرار في البحرين. وكما تتغير الطبيعة وتثور فهو دائما مدفوع برغبته في التطور. وتعكس التحولات الأسلوبية التي تشهدها تجربته الفنية المشهد المتغير لبلاده ومراحل حياته.

    وتحضر أيضا لوحات للفنان إبراهيم بوسعد (1954) لتأخذنا إلى “بحر” تجربته المميزة، التي تصنفه ضمن الجيل الثاني من الفنانين البحريين، وفيها حاول كما الكثير من مجايليه، أن يحدث تغييرا في المشهد الفني المحلي عبر الانفتاح على الإبداع العربي خاصة. ففي حين ظل الأوائل مخلصين لبيئتهم المحلية ولانتمائهم لها، حاول الجيل الثاني من الفنانين ومنهم بوسعد أن يبحث عن التميز بنقل هويته البحرينية نحو العالم واستقدام تجارب العالم إلى بلده.

    ويبرز عمله المعروض في “بحر الحياة” مدى قدرته على استلهام مفردات جمالية بصرية من الحياة في البحرين، والتي تكشف بدورها حساسيته كفنان لملامح الحياة في بلاده، فهو أشهر من صور النساء البحرينيات واعتمدهن أيقونة تحكي لقراء لوحاته عن أسلوبه المتأثر بالمدرسة التكعيبية وببيكاسو، أشهر من رسم النساء من رواد هذه المدرسة الفنية.


    أصفر وأزرق (لوحة: مروة آل خليفة)


    “العشاق”، هكذا عنون بوسعد لوحته، والتي يستمد فكرتها من الروابط العميقة بين الرجال والنساء، الذين يشكلون المجتمع من خلال عاطفتهم العميقة، وإعجابهم، وحبهم الحقيقي. وهو يلتقط مشاهد من الأحياء القديمة الأصيلة والمجتمعات المتماسكة التي تنبض بالحياة بصحبة قوارب الصيد البحرينية التقليدية التي تبحر في مدينة المحرق القديمة. يصور في عمله النساء والطيور والآلات الموسيقية، مشيدا بملامحها الفريدة والأنيقة.

    وتشارك في “بحر الحياة” الفنانة غادة خلنجي المولودة في العاصمة البحرينية المنامة في العام 1967، وهي خريجة فنون من اثنين من أرقى معاهد الفنون في مدينة نيويورك، وهما مدرسة بارسونس للتصميم والمركز العالمي لبرنامج التوثيق بالصور. ويحضر البحر في أعمالها كلحظة تقتنصها لجلسات على رمال الشاطئ التي تتحول إلى مكان للبوح يبتلع كل الحكايات والقصص. في لوحتها تجلس امرأتان بأزياء بحرينية تعكس تأثيرات البحر على الحياة وعلى الأزياء التقليدية لسكان الإمارة، بجوارهن الطيور، وإحداهن تخنق نفسها بظفيرتي شعرها، اللتين تشبهان تقنيات الصيد قديما بالخيط والشباك.

    وتشارك في هذا المعرض مروة آل خليفة، الفنانة الشغوفة بفن التصوير والوسائط المختلطة، من أجل استكشاف حدود فنية جديدة. تعرف مروة باستخدام مواد مختلفة في أعمالها، تدعو من خلالها المُشاهد إلى التأمل والانطلاق في رحلة فنية شخصية.

    تميل الفنانة للمدرسة التجريدية في أسلوبها، وهي من المجددين في الفن التشكيلي البحريني حيث تستخدم العديد من المواد والتقنيات المختلفة كالرسم والتصوير الفوتوغرافي والتركيب والفيديو.

    وفي هذا المعرض تقدم الفنانة عملا يرصد التمازج بين اليابسة والبحر، في إشارة إلى أرخبيل الجزر الذي يكون البحرين، محافظة على الألوان نفسها التي تتراوح بين الألوان الترابية وزرقة المياه، التي تبرز سلطة المياه وتأثيرها على المتلقي المتأمل للوحة.

    وتحضر أيضا أعمال الفنان عباس يوسف، الذي اكتسب منذ تسعينات القرن الماضي شهرة عربية ودولية، حيث يعد من الفنانين ذوي الإنتاج الغزير والذين يهتمون بالحروفية والخط العربي.


    تركيب معدني (راشد آل خليفة)


    لوحاته في هذا المعرض تحتفي بالفن العربي بألوان بحرية، حيث تطغى عليها زرقة المياه، عنون إحداها بـ”وجدت نفسي في الأزرق” وهي أشبه بمرآة حال الفنانين التشكيليين الذين وجدوا أنفسهم متأثرين بالبحرين ومياهها.

    كلا العملين المشاركين في “بحر الحياة” هما جزء من سلسلة بعنوان “هذا اسمك” رسمها الفنان تكريما لكتابات الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وللاحتفال بالوجود الإنساني.

    وتحضر أيضا الفنانة مريم النعيمي، التي تستكشف عبر لوحات تستخدم فيها الكولاج والتصوير الفوتوغرافي التفاعل بين الأفراد وبيئاتهم، مع التركيز على كيفية تأثيرهم المتبادل على بعضهم البعض.

    يجمع عملها الفني بين الصور المجمعة والفيديو ليكون بمثابة استعارة لملحمة جلجامش، ويرمز إلى الحقائق الماضية والمتخيلة. ويذكر إدراج سعف النخيل في الأعمال الفنية باستخدامها التقليدي في الاحتفالات وإعلان الحدود ضمن أراض محددة، بينما تصور الصور المجمعة نبع مياه الصفحية في جزيرة نبيه صالح شرق البحرين.

    هي تجارب مهمة، رغم أنها بعض من أعمال 14 فنانا بحرينيا، سعى كل واحد بأسلوبه الخاص إلى أن يرصد الحياة في الإمارة، الحياة المتأثرة دوما بالبحر والمياه، لكنها تجارب مثيرة، تقدم لمحة جزئية وعميقة عن الفن البحريني لدى الجمهور الأميركي والجاليات العربية المقيمة في الولايات المتحدة وكل المهتمين بالفن، تجارب تكشف أن البحرين تمتلك طاقات فنية متميزة حققت نجاحات كبيرة بانطلاقها من هويتها الثقافية نحو العالم الرحب.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    حنان مبروك
    صحافية تونسية
يعمل...
X