رأفت الساعاتي سوري كتب التاريخ بخزفياته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رأفت الساعاتي سوري كتب التاريخ بخزفياته

    رأفت الساعاتي سوري كتب التاريخ بخزفياته


    المنحوتات الخزفية رسالات فكرية وفنية تعبر عن تاريخ وحضارة فريدين.
    الخميس 2023/11/09

    تجربة المعلم تعرضها أنامل تلاميذه

    بدأ الإنسان كتابة التاريخ على جدران الكهوف، ثم كتب على ألواح الطين، كما عرف فن النحت والرسم وكتب بهما، وبعد مرحلة من التطور عرف فن الخزف، الذي قدم منتوجات تجمع بين المنفعة والفن، وما زال فن الخزف قادرا على كتابة التاريخ حتى في عصر العولمة وطغيان الميديا، عبر بعض الفنانين الذين ما برحوا يقدمون قيم عصرهم.

    دمشق - يمكن القول إن فن الخزف هو أحد كتب التاريخ الكبرى، فالخزف يتكون من الطين أو مواد أخرى يصنع بها الفنان مادة فنية محددة. الطين مادة موجودة في كل العالم، وبها استطاع الإنسان عبر الآلاف من السنين أن ينقل أخباره ومعارفه. اكتشفها الإنسان مبكرا ثم طور أساليب العمل عليها ليقدم خزفا استطاع به نقل معارفه وعلومه وفنونه إلى عصور إنسانية لاحقة.

    ومن الثابت أن فن الخزف قد ولد حسب ما تدل عليه اكتشفات أثرية قبل ما يقارب الستة عشر ألف عام في الشرق الأقصى وخاصة في منطقة الصين حاليا، وعرف في مناطق أخرى، ووصل إلى منطقة شرق المتوسط حيث أدخل أهلها إليه اللون ومنه عاد وانتشر في اليونان وأوروبا كلها، وتطور مع العلوم الحديثة ليشكل حالات فنية مختلفة. كما تفنن الخزافون في العصور الحديثة بتقديم عدة أشكال وألوان له وصار فنا قائما بذاته، البعض يجعله في مجال الفنون التشكيلية وآخرون يرون أنه في جانب الحرف الفنية اليدوية.

    واشتغل أهل سوريا على فن الخزف منذ أقدم العصور، صنع الناس فيها أشكالا عديدة لآوان وأغراض يستخدمونها في حياتهم اليومية. في العصر الحديث، تراجع الاهتمام بفن الخزف فلم يبق على حاله أمام سطوة الحياة الاستهلاكية، لكن قامات فنية كبرى بقيت تدافع عنه حتى الرمق الأخير، من هؤلاء رأفت الساعاتي الخزاف السوري الشهير الذي رحل منذ زمن قريب. وهو صاحب الجملة الشهيرة التي كثيرا ما رددها “أحبوا الطين”.
    رحيل وتكريم



    الساعاتي أحد أركان التشكيل السوري


    قبل فترة وجيزة رحل الفنان الساعاتي حاملا معه الكثير من الخبرة والذكريات الجميلة في المهنة ومع أهلها. وبمناسبة رحيله، اجتمع عدد من أهله وطلابه ليقدموا ندوة ومعرضا تكريما له أشرفت عليه مديرية ثقافة دمشق في المركز الثاقفي العربي في أبي رمانة، شارك به عدد من فناني الخزف في سوريا وعدد من طلاب الراحل. قدمت في المعرض أعمال لزملاء له وطلاب احتفاء منهم بذكرى معلم قدم لهم مناهل فن الخزف كما قدم عدد من المشاركين آراءهم في شخص الفنان الراحل.

    كان الساعاتي أحد أركان المشهد الفني التشكيلي في سوريا، وكان يقدم فنه في مركز أحمد وليد عزت الذي كان مدرسا فيه وموجودا بشكل دائم. ومن يعرف هذا المركز الفني لا يمكن أن تخطئ عيناه رأفت الساعاتي بين أوانيه الخزفية وهو يعمل أو يعلم الفن لتلامذة يحيطون به باستمرار.

    لم يدرس الساعاتي فن الخزف أولا بشكل أكاديمي بل توجه لدراسة اللغة الإنجليزية وكان موظفا في عمل إداري رفيع، لكن فن الخزف جذبه وتعلمه، ثم درسه في مرحلة لاحقة في ألمانيا، وصار أحد أهم الخزافين في سوريا. وقد شارك في حياته الفنية والتعليمية التي استمرت لمدة تقارب الخمسة عقود بالكثير من المعارض المحلية والعالمية.

    وفي تكريم الراحل، تحدثت ابنته فاتن الساعاتي عن القيمة التربوية التي قدمها الراحل لها، والتفاني الذي كان يقدمه لأسرته وبيته، التزامه بالبيت رغم أعماله الفنية الكثيرة. بدوره قدم الفنان أنس قطرميز مدير مركز أحمد وليد عزت مداخلة تحدث فيها عن دور الفنان الساعاتي في تكوين المركز وتأهيل الطلاب فيه، وتحدث عن تفانيه في العمل، بحيث يكون آخر المغادرين منه عند نهاية الدوام.

    أما الفنانة الخزافة زويا قرموقة فتحدثت عن قدرة الراحل على تقديم العون والمساعدة لمن يرغب في تقديم عمل متميز، وتحدثت عن تواضعه العلمي حيث كان يقدم كل ما يعرفه لطلابه، وبينت كيفية مساعدته في تقديم العون لهم حتى آخر لحظة في مرحلة إنجازهم الأعمال الفنية.

    أما الخزافة الشهيرة أيميلي فرح فبينت أهمية دور الفنان الساعاتي في تقديم فن جديد في الخزف استطاع به مع عدد من الخزافين تأكيد مكانته في المشهد التشكيلي السوري. وهو الفن الذي يحتاج إلى المزيد من الدعم. كما تحدثت بذلك مديرة الندوة الإعلامية فاتن دعبول وطلبت رأي الفنان غسان غانم أمين سر نقابة التشكيليين السوريين، الذي بين في جوابه أن النقابة تحصلت على دراسات من عدد من المختصين حديثا لتقديم جهد داعم لهذا الفن من أجل استمرار محترفيه في تقديم الجديد والمبهر.
    بين الخزف والنحت


    الساعاتي كثيرا ما قدم في خزفياته رسوما استلهمها من التراث الإنساني عموما أو العربي والإسلامي

    يلتقي فنا الخزف والنحت عند الساعاتي في تفرد بين، فالخزف عنده يتمتع بخاصية تجعله قادرا على تقديم رؤى فنية يحقق فيها مزجا قويا بين النحت كفن مستقل وإمكانات مضافة يقدمها بمنهجية خاصة، فيكون الناتج على يديه أعمالا تحمل رسالات فكرية وفنية وخاصة تحمل روح التفرد.

    يعرف عن الفنان الساعاتي عمله الدؤوب على إبراز المكامن الجمالية لفن الخزف حتى أقصاها، وهو طوّع لذلك الإمكانات التقنية الموجودة في المهنة وعدل بها لكي يحصل على أعلى حالة من القيمة الجمالية للخزف الذي كان ينتجه. فطريقة تعامله مع مفردات صنعته تختلف عما يمتلكه زملاؤه وطلابه، فمادة الطين واللون والحرارة ومن ثم طرق التعامل معها، تشكل لديه أرضية يمكن التعامل معها بعدد من الحالات الإبداعية التي تقدم حلولا فنية وجمالية مختلفة. ووفق هذا المنظور لفن الخزف تعامل الساعاتي مع مخزونه الحضاري من قيم منطقة الشام وما بين النهرين فاستقدم نماذج ورسوما قديمة، نفذها في معطيات فنية معاصرة، ركب فيها روح القديم بعلمية الحديث ورؤاه، فأوجد حالة متقدمة وغير مسبوقة في هذا الفن.

    لا يتعامل الساعاتي مع شكل المنتج الخزفي بشكل تقليدي، فالصحن لديه قد يكون بحجمه الطبيعي، لكن إضافته في الرسم واللون هي التي تصنع تميزه. وكثيرا ما قدم في خزفياته رسوما استلهمها من التراث الإنساني عموما أو العربي والإسلامي خصوصا. فرسم النباتات والأزهار كما رسم بعض النقوش وأحيانا تكوينات جسدية تظهر آلاما أو أفراحا عميقة يعيشها الإنسان في حياته اليومية. كانت الحياة بتفاصيل كثيرة موجودة في أعمال رأفت الساعاتي ويتجلى الإنسان بها بشكل أو بآخر.





    نضال قوشحة
    كاتب سوري
يعمل...
X