توثيق مأساة إنسانية (لوحة للفنان سمير الصفدي)
روايات سورية تخلد قصص شخصيات مزقتها الحرب
حواس محمود
الجمعة 2024/02/16
الأدب على علاقة وثيقة بما يطرأ من أحداث، فيعيد قراءتها والتأريخ لها وكشف خفاياها كما يستشرف مآلاتها. وهنا كانت الحرب في سوريا التي نشأت من ثورة ضد النظام إلى صراعات محتدمة ومآس، جعلت الروائيين يرصدونها من زوايا مختلفة، في محاولة للإمساك بسردية السوريين ضد النسيان. وهنا يقرأ الناقد خالد حسين عددا من هذه الروايات وفق رؤى سيميائية مبسطة.
يشير الناقد والأكاديمي خالد حسين في دراسته النقدية “سيميائيات الكون السردي – قراءة في تجارب روائية راهنة” إلى أنّه ليس من غايات هذه التسمية، أي عنوان الدراسة، الإشارة إلى اتجاه محدد للنظرية السيميائية يخص الفعل السردي بقدر ما يبتغي القارئ – النقدي منها، من هذه التسمية، مفهوما عاما للسيميائية بوصفها جملة قوانين التشفير التي تسهم فيها قوانين النوع الروائي والتراث السردي ضمن الفضاء السوسيو – ثقافي المنتج للفعلين السردي والتأويلي كليهما في الوقت ذاته، وبذلك فالعلامة الأدبية وبغض النظر عن نوعها تنزاح من خلال قوانين التشفير المضاعفة إلى وضع مثقل بالمعنى وإلى حالة منحرفة ومتغايرة عن الدلالة المتداولة للعلاقة.
ويرى أنّه من خلال هذا المفهوم البسيط للسيميائية تختبر قراءته الراهنة طريق الإحاطة بجملة تجارب روائية عبر الكثير من المفاهيم المتداولة في الحقل السيميائي – الثقافي، بعد تخفيفها من بعدها الأكاديمي لمقاربة النص السردي في مكوناته، وما يجعل هذا النص حاضرا بين يدي المتلقي وفي مشهد القراءة والتأويل: العنوان، التصدير، البداية، الخاتمة، الشخصية، المكان، القوى الفاعلة، جماليات اللغة، النسق المضمر، صناعة التاريخ، السرد والسياسة.. إلخ.
تحدي السلطة:
الكتاب يغطي المشهد الروائي السوري الذي يتناول الزلزلة السورية روائيا مقدما قراءة في عدد هام من الروايات
يعالج الناقد في كتابه الذي يتألف من أربعة أبواب وثمانية فصول العديد من الأعمال الروائية، فنقرأ مقاربته لرواية “لا ماء يرويها” لنجاة عبدالصمد من باب سياسات السرد، إذ يرى أنها تتراءى بصورة أشبه بضربة مزدوجة، موجهة لمجتمع متمركز على الذات، والأصوب حول طغيان فظ للذكورة في تماديها.
ويرى خالد حسين أنّ الفضاء السوسيو – ثقافي في الرواية يتحدد بمكانين رئيسيين هما “السويداء” وإحدى قراها “مرج الكعوب”، وهما مكانان ينفتحان على أمكنة بعيدة وقريبة: دمشق، بيروت، لاغوس، البرازيل، رومانيا، وفي هذا الزمكان الثنائي ذاته تنهض شخصية حياة بلعبة السرد كمشاركة في الحدث الروائي وراوية له، ولمصائر متعددة تتناهبها الأحداث: مرهج أبوشال، خليل أبوشال، ذهبية، ناصر، سالم الاخوث، سلامة، زين المحضر، نجوى، أرجوان، وفقاقيع كائنية تظهر وتختفي هنا وهناك.
يعالج الناقد ثيمة الأنوثة/ الألم، إذ إنّ الأنوثة هي الألم المحض، الوجع الذي لا يفتأ ينتشر من بدء الرواية إلى منتهاها، مكتسحا حيوات حياة، رجاء، ذهبية وزين المحضر… إلخ. بيد أن هذا الألم يفترسنا في الحقيقة من “الإبيغراف/ نص التصدير” ذاته الذي يتصدر الرواية (أنْ تكوني إمرأة، هذا ألم/ تتألمين حين تصيرين حبيبة/ وحين تصيرين حبيبة تتألمين/ وحين تصيرين أما/ ولكن ما لا يطاق على هذه الأرض/ هو أن تكوني امرأة/ لم تعرف هذه الآلام كلها ص 5 (بلاغا ديمتروفا – شاعرة بلغارية).
ويتناول الناقد سلطة الذكورة وقسوتها، إذ إنّ سرد كينونة المرأة لم يكن سوى وسيلة لفضح خطاب الذكورة وممارساتها وسلطتها، باعتبارها سلطة مستمدة قوتها من تاريخ طويل من تعاضد الاجتماعي والديني والسياسي ضد النساء والحرية والفكر ليصنع هذه الهيمنة ويكثفها في جغرافيا النسيج الاجتماعي، ثم يدمغها باسم الذكورة، التي حاولت وتحاول إزاحة الأنوثة من المجال العام مع الإبقاء على حضورها الخافت، لكنها من حيث تعي أو لا تعي، لا تكتمل إلا بالأنوثة التي تأخذ منها وحدها معنى الذكورة ذاته. ويتناول حسين رواية “عشبة ضارة في الفردوس” عبر العنوان، الميتا – سرد، وخطاب السلطة.
يذكر الناقد أنّ الرواية الكردية المكتوبة بالعربية تنزع أو تحاول، في ظل منع اللغة الكردية وتحريم تداولها في المؤسسات التعليمية وعدم الاعتراف بها في الدستور السوري، إحداث اختلافها أسلوبا، ثيمات، زمكانا، إستراتيجيات وقوى نصية، وخير مثال على ذلك بحسب المؤلف رواية “عشبة ضارة في الفردوس” للروائي هيثم حسين.
يتخذ هيثم حسين في روايته شمال شرقي سوريا كبؤرة مكانية لأحداث روائية ضارية، إذ يمكن التمثيل لها تصريحا ببلدة “عامودا” ذاتها كما تشير الإيماءات النصية، وذلك قبل أن ينتقل الروائي إلى اختلاق بؤرة مكانية أخرى تناظرها في ضواحي العاصمة دمشق (قرية المنارة) يشغلها كرد حاصرتهم موجات الجفاف في “الجزيرة” (المقصود الجزيرة السورية) فألقتهم هناك دون دليل رفقة نازحين سوريين من الجولان، لتنتهي الرواية بزج بؤرة مكانية ثالثة متخيلة (البحر – أوروبا) تلميحا بوصفها إمكانية مكانية فحسب مع حركة الثقب الأسود “للثورة” واتساعها ومن ثم ابتلاعها لسوريا، وذلك بعد أنْ أممتها الجماعات الإسلامية لتحقيق أحلامها السردية.
تعليق