كتب:طـﮧ ڪريوي Taha Krewi..عنوان (هوندا السيارة الجديدة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتب:طـﮧ ڪريوي Taha Krewi..عنوان (هوندا السيارة الجديدة)

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1706911756529.jpg 
مشاهدات:	4 
الحجم:	127.4 كيلوبايت 
الهوية:	190452
    ما بعد الهوندا (فَرَحْ عَيّلَكْ)

    كثير ممن عرفوني يعتبرونني مقارنة بظروف ومفاهيم ذلك العصر وحتى المكان الذي نشأت وترعرعت فيه، أنني ولدت وفي فمي ملعقة من ذهب، نتيجة الدلال الذي حظيت به، كوني كنت إبناً وحيداً حتى بلوغي العاشرة من عمري حينما ولدت شقيقتي الوحيدة، وأيضاً نظراُ لإهتمام والداي المنصب على تنشئتي بشكل مغاير للمعتاد في مجتمعنا، ومخالف للنمط السائد من التربية من جهة أخرى.

    الموضوع لم يأتي بهذا الشكل مع والداي صدفة، وإنما كان نتيجة عزيمة وتصميم منهما وإيمان بمبدأ (قلل ودلل)، ونظرة حداثية عصرية، أقرب ما يكون للثقافة السائدة في المجتمعات الغربية، وبالطبع كان ذلك محل إستهجان من المحيطين بهم من العائلة والأقارب وحتى من بعض أصدقائهم المقربين.

    كان أحد أقرب أصدقاء العائلة، وصديق العمر لوالدي، منذ مجيئي وحتى تجاوزت السادسة من عمري، يطلق علي إسم (بوكاسا)، وذلك تشبيهاً برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى (جان بيديل بوكاسا)‏، والمعروف أيضا باسم الإمبراطور بوكاسا الأول، وهو شخصية جدلية كانت مقربة من العقيد القذافي الذي لا يقل عنه جدليةً، والذي صادف موعد زيارته لطرابلس موعد مجيئي لها.

    كان مصراً على أن يناديني بذلك الإسم (بـوكـاسـا)، في منافسة حادة مع إسم آخر يحاول صديق آخر مقرب لوالدي، مناداتي به وهو (تـيـتـو) بطريقة توحي بأنه تصغير لإسمي، ولكن في إشارة إلى الرئيس جوزيف بروز تيتو رئيس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية سابقاً، حتى أن هذين الاسمين شاعا وانتشرا وأصبح الغريب قبل القريب يناديني بإحداهما حسب الأوضاع السياسية والمزاج العام الدولي.

    ذلك التنافس لم يدم لسنوات طويلة فبينما كان يصر كل من الفريقين على مناداتي بالإسم الذي يستسيغه ويفضله، كان لدي الإسم المفضل الذي إخترته من بين كل الأسماء، بملء إرادتي، وكنت أسعى لفرضه محل كل الأسماء حتى ذلك الذي مقيد في الأوراق الرسمية، وهو (كــاسبــر) تيمنا بشخصية الكارتون كاسبر جيني Casper Genie أو الجني كاسبر بالعربية.

    حقيقة لم أكن أدرك في حينها بحكم سني أن ذلك يعتبر نوع من أنواع التنمر، بقدر ما كان يشعرني بالسوء وعدم الارتياح، وبإعتقادي أن لهذا السبب إستمر تشبثي بإسم كاسبر لمدة طويلة ، حتى بدأت أنسى أمره تدريجياً، مع خفوت تألق ذاك الكرتون وشخصيته ودخول شخصيات أخرى كباباي رجل البحار، وآكل السبانخ Popeye the Sailor وغيرها من الشخصيات الكرتونية، بالذات بعد أن إستجد ما يشغل تفكيري بشكل تام، ففي يوم من الأيام، في عام 77 صدر ذلك القرار الذي تحدثت عنه في الجزء السابق، وهو قرار بشأن منع الليبيين من الدراسة في المدارس الأجنبية وقفل المدارس الخاصة، وبحكم سني حينها فبالتأكيد لم يكن يشغلني القرار في حد ذاته، وإنما تبعاته حسب ما فُسِرَ لي، عكس ما يشغل والداي تماماً، حيث أصبحا يفكران في حلول وبدائل والطريقة الأنسب التي سيعالج بها الأمر، بإعتبار أنني لم أتجاوز السابعة من عمري في حين أنني أدرس في الصف الرابع الإبتدائي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن كل المواد التي كنت درستها تمت دراستها باللغة الإنجليزية، وليست باللغة العربية وأنني فعلياً لم أدرس اللغة العربية إلا خلال السنتين الأخيرتين وحصراً في مادة التربية الإسلامية، حيث يتم تعلم القراءة والكتابة بالعربية إلى جانب حفظ بعض قصار سور القرآن.

    في ذلك الأوان لم أكن أستطيع إستيعاب فكرة سبب صدور هكذا قرار، وكان بالنسبة لي السؤال الأكبر هو: لماذا يقرر الشعب الليبي قفل المدارس ويمنعني أنا وأطفال آخرين من الإستمرار بالدراسة في مدرستي؟
    فبحكم ما علمناه وقيل لي قبل أشهر معدودة فقط أن الشعب الليبي أصبح يحكم نفسه بنفسه، فلماذا يصدر الشعب هكذا قرارات !!.

    حقيقة لم ينفذ هذا القرار مباشرة كما هو العادة في باقي القرارات الثورية، بل أعطى مهلة سماحية لمدة أكثر من عام لتنفيذه، حيث يجب في غضون هذا العام البدء في قفل المدارس الخاصة، وإحالة التلاميذ للمدارس العامة طوعاً، قبل البدء في تنفيذه بالشكل الإجباري القسري، وحقيقة معظم الناس إنتظرت حتى اللحظة الأخيرة لعل وعسى أن يعود متخذ القرار عن قراره، أو يلغيه بجرة قلم كما قرره.

    بعد مرور عام أي آواخر عام 1978 وبعد أن أصبحت في الصف الخامس الإبتدائي، وبالرجوع لأمانة اللجنة الشعبية العامة للتعليم (وزارة التعليم) لمعادلة مستواي الدراسي و لتصحيح وضعي وفق تعبيرهم، حيث كانوا يرونه وكأنه وضع غير صحيح وغير قانوني ويحتاج إلى التقويم، معتبرين أن ذاك الوضع من مخلفات العهد البائد والرجعي، الذي لا ينتمي لثورة الجماهير، ولا لعصر الجماهير، ولا لثقافتنا العربية الليبية المحافظة ، قبل أن تضاف لها كلمة الإسلامية، في نفس هكذا جملة.
    وجاء التصحيح بإلزامي للعودة إلى الصف الثالث الابتدائي بداية من العام الدراسي 1978- 1979 في المدرسة العامة بدلأ من أن أكون في الصف السادس الإبتدائي في مدرستي

    وكإجراء مصاحب بقرار من والدتي لتعويض ما فاتني والنقص في مستواي في اللغة العربية ، قررت إحضار أستاذ خصوصي في مادة اللغة العربية للمنزل في العطلة الصيفية لعام 1978 لتعويضي عن ما فاتني في تعلم مناهج اللغة العربية لعدة سنوات، بل والأهم لجعلى أتأقلم مع اللغة العربية في المواد الأخرى كالحساب والعلوم والتاريخ والجغرافيا، وحقيقة كنت محظوظاً بذلك الأستاذ الذي لا زلت أتذكر أسمه حتى الآن، كان الأستاذ حمدي مدرساً من جمهورية مصر العربية من الأساتذة العاملين في ليبيا في ذلك الوقت وهو قريب لجارتنا في العمارة المقابلة، الأبلة "فوقية" أستاذة الرياضيات بمعهد جميلة الإزمرلي للمعلمات، والتي كانت صديقة مقربة لوالدتي.

    بعد قضاء عطلة صيفية طويلة حافلة بالدروس المكثفة طيلة أيام الأسبوع، صباحاً ومساءاً، كل شهر وكانه بمثابة عام دراسي كامل، مرت تلك العطلة بدون عطلة، للعودة لمقاعد الدراسة في مدرستين الأولى صباحاً كالمعتاد في مدرستي المعتادة، والثانية في فترة ما بعد الظهر في مدرستي الجديدة (المدرسة العامة) مدرسة طرابلس المركزية (البوتشيني) سابقاً، والتي أصبحت تعرف بالمركزية للبنات لاحقاً.

    العام الدراسي الجديد 1978 - 1979 أصبح عام حافل هو الآخر بالنسبة لي كطفل يبلغ من العمر ثمانية أعوام ، حيث أصبحت أدرس في مدرستين معاُ لمدة عام دراسي كامل، طبعاً بعد الإستيقاض باكراً للذهاب للمدرسة كنت أقضي نصف دوامي الأول ما بين الثامنة صباحاً والثانية عشرة ظهراً في مدرسة نيو تريبولي كوليدج، الواقعة بمنطقة بن عاشور، ونصف دوامي الثاني في الدوام بالمدرسة المركزية ما بين الثانية عشر ونصف ظهراً والرابعة ظهراً ، حيث تأتي والدتي لتصتحبني معها من بن عاشور لتوصلني إلى مدرستي المركزية بسيارتها الهوندا تلك، وأمامي ربع ساعة مسافة الطريق لأغير ملابسي في السيارة وأرتدي (القرمبيول) المريول المدرسي، وأغير حقيبتي المدرسية حيث أترك حقيبة التعلم بالمناهج الإنجليزية وأخذ حقيبة التعلم بالمناهج العربية، و لأعود بعد الرابعة عصراً للمنزل محملاً بواجبات (فروض) مدرسية منزلية تستغرق غالباً ما بين ساعتين إلى أربعة ساعات أخرى، حسب نوع الواجبات وكميتها.

    تلك المرحلة المضغوطة كماً وكيفاً يومياً، بالنسبة لي كطفل كانت من أصعب المراحل، ولم يكن فيها ما يغير المزاج إلا تلك اللحظات على متن السيارة الهوندا وهي تسير في شوارع بدأت أألفها أنا، كما ألفتها هي، فخط السير بين المدرستين كان، أزقة بن عاشور، إلى السوق المثلث، إلى شارع بن عاشور، إلى جنة العريف، إلى شارع النصر، إلى شارع الوادي وثم شارع شوقي حتى البتشيني الذي أصبح شارع المسيرة الكبرى ، و(جعفر النميري) سابقاً، ثم العودة عند العصر أحيانا من نفس الشواع بشكل معكوس، إلى منتصف الطريق، أو من المسيرة الكبرى إلى شارع الساعدية إلى شارع ميزران، ثم إلى محمد الدمنهوري حيث كان منزلنا.
    حقيقة كانت تلك النقلة، نقلة نوعية وإحدى النقلات المميزة في حياتي، والتي من الصعب أن تنسى، كما كان ذلك العام الدراسي الدسم، من أصعب السنوات الدراسية التي مرت علي، في كل مراحل التعليم، منذ الإبتدائي وحتى العالي، فلم يكن ذلك العام الدراسي صعباُ فقط لكوني أدرس في مدرستين وأتعلم منهجين مختلفين وبلغتين مختلفتين تماماً، كان صعباً أولاً لمحاولة التأقلم مع بيئة جديدة كلياً علي، بعقلية جديدة و بمفردات جديدة فيها نوع من التلاميذ أقل ما يمكنه فعله تجاهك هو التنمر، والذي كان يبدوا شيئاً طبيعياً وكأنه من ضرورات تكوين الإنسان، كان بالنسبة لي كل شيء مختلف حتى طريقة الحديث، فكيف لك لي أن أنجو بنفسي وسط كل هذا ؟!

    بعد وقت ليس بطويل مع إقتراب نهاية العام 1978 أعلن عن فتح باب التسجيل لشراء سيارات جديد تستوردها الدولة، وكمعظم الليبيين تقدمت والدتي للتسجيل، ولكن هذه المرة (قطوس في شكارة) العبارة باللهجة الليبية (قط في كيس) تقال للدلالة على الإقدام على شراء شيء مبهم، لا تعرف تفاصيل ما بداخله، إلا الإسم أو العنوان الظاهري، بدون أي تفاصيل، كإستلام طرد لا تعلم ما يحتوية مثلاً.

    وبعد مرور عدة أشهر، أي في منتصف عام 1979 عندما جاء موعد التسليم، اتضح أن السيارة المتاحة من نوع مازدا 323 MAZDA 323 من موديل نفس العام 1979 وما عليك إلا أن تختار إما تكون من الحجم الصغير أي بابين وباب خلفي للصندوق، والحجم المتوسط قليلاً ذات أربعة أبواب، وباب خلفي للصندوق، أو الحجم الأكبر (العائلي) ذات أربع أبواب وصندوق كبير مع باب خلفي له,

    وهنا كان أمام والدتي فرصة أن تبيع سيارتها الهوندا، ولم تتأخر في القيام بذلك بعد أن إشترطت على المشتري أن يكون تسليم السيارة وإستلام مقابلها قبل يوم من موعد إستلامها لسيارتها الجديدة، المازدا 323 تلك.

    وأختارت والدتي الحجم المتوسط ، والتي كانت بمبلغ 925 ديناراً ليبياً ، أي ما يوازي في حدود 3000 دولار أمريكي في ذلك الوقت، كما إختارت أن تكون بيضاء اللون، وخلال أسبوعين من دفع القيمة بالكامل، جاء موعد استلام السيارة، وفي ذلك اليوم كنت برفقة والدتي لإستلام السيارة، من مستودع يقع بطريق المطار، أتذكر مكانه جيداً حتى يومنا هذا، فموقع ذلك المستودع وهو مقابل للجسر (الكوبري) الحديدي بطريق المطار، حيث تحول ذلك الموقع شيئاُ فشيئاً ليصير مبنى وظل ذلك المبنى مهملاً لعدة سنوات و ليتحول لاحقاً إلى مقراً لمديرية أمن طرابلس في فترة بداية التسعينات من القرن الماضي.

    وسريعاً أطلق الليبيين إسم فرح عيلك على تلك السيارة في إشارة إلى أنها سيارة بسيطة بسعر بسيط يمكنك أن تشتريها لأبنك كهدية لتفرحه بها وكأنك اشتريت له لعبة مثلاً.

    المفارقة أن الليبيين في تلك المرحلة كانوا على مشارف مرحلة الضنك الشديد حيث تميزت طيلة فترة الثمانينات بأنها سنوات عجاف في ليبيا، عندما طبق القذافي نظام إشتراكيته التي لا تختلف على نظام الشيوعية في عهد ستالين، والذي قضى بمنع الإستيراد في ظل بلد لا ينتج شيء إلا البترول، وليعيش الشعب على الكفاف ويبات يحلم حلماً بالسيارات التي كان يتهكم عليها بعبارة (فرح عيلك)،
    أصبح ذلك المجتمع مشتاقاً لتلك اللعبة الخردة التي قد يترفع عن شرائها حتى لإبنها ليلهو بها.

    عموماً تلك السيارة عانت وصمدت لسنوات طويلة بدون بديل وبشح في قطع الغيار، صمدت عند معظم الليبيين بما فيهم والدتي، طيلة الثمانينات، ولتنفذ والدتي وصية الليبيين لتفرح بها عيلها، ولتتحول فيما بعد تلك الحقيرة (فرح عيلك) سيارتي الأولى.

    في الجزء القادم سأروي بقية الحكاية مادامت الفرح عيلك بحوزتي.

    رابط الجزء الأول بعنوان (سيات): https://rb.gy/ksfzwl
    رابط الجزء الثاني بعنوان (هوندا السيارة الجديدة): https://rb.gy/084h0x

    طـﮧ ڪريوي Taha Krewi
    02 فبراير/ شباط / فيفريي 2024
يعمل...
X