مسيرة المُخرج الياباني:أكيرا كوروساوا..الإنسان الفنان المتشبع بقضايا وطنه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسيرة المُخرج الياباني:أكيرا كوروساوا..الإنسان الفنان المتشبع بقضايا وطنه




    22/7/2019

    د. الحبيب الناصري
    أكيرا كوروساوا.. المُخرج الياباني الإنساني المتشبع بقضايا وطنه
    أن يولد مخرج سينمائي سنة 1910 ويموت سنة 1998، فهذا معناه أنه عاش العديد من المحطات العالمية التي ميزت تاريخ العالم بشكل عام، وتاريخ بلده اليابان بشكل خاص. يكفي أن نتأمل مدة الـ88 سنة التي عاشها ليتضح لنا أنه عاش الحرب العالمية الأولى والثانية، وعاش العديد من الصراعات المميزة لتاريخ العالم، مثل الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي سابقا ومن يدور في فلكها، والولايات المتحدة الأمريكية ومن يناصر أفكارها الرأسمالية، وبلده اليابان من ضمنها.

    حروب عديدة وصراعات عسكرية بين قطبي العالم، وزلازل ضربت بلده الذي هو عبارة عن جزر متناثرة ومعرضة للزلازل في أي لحظة، والتي ستميز حياة هذا المخرج الياباني الذي تعمقت جراح عالمه هذا بأحداث عائلية -كما سنرى- ستجعل من سينماه سينما تُسائِل موضوع الموت، ومن هناك مساءلة الإنسان والإنسانية ككل.

    النبش إذن في سيرة هذا المخرج الياباني له دلالة إنسانية قوية، نلخصها في كونه كان يجيب وبشكل غير مباشر عن سؤال الموت والحياة ككل، كيف؟ لنسلك عزيزي القارئ هذه المراحل.
    هيغو هو اسم الأخ الأكبر لأكيرا، والذي سيشكل موته/انتحاره نقطة تحول في مساره الفكري السينمائي
    مرجعيات أفلامه السينمائية

  • #2
    مرجعيات أفلامه السينمائية:
    قصدنا بهذه العنونة الجوهرية تلك العوامل أو المسببات التي جعلته يكتب ويخرج أفلاما لها طعم إنساني خاص، بل سنجد سؤال الموت -وكما قلنا- “يطارده” أينما حلّ وارتحل ليكتب سيناريو ما ويُخرجه لاحقا.
    من أهم هذه المرجعيات التي ستساعدنا في فهم أفلامه وسيرته ورؤيته للعالم كله، بل ستجعلنا نعي حتى طبيعة التأثير الذي تركه في العديد من المخرجين، لا سيما على مستوى الإخراج السينمائي الهوليودي الأمريكي. من أهم هذه المرجعيات التي سنقدمها بشكل مكثف نجد الآتي:
    انتحار الأخ.. مرجعية أولى:
    هيغو هو اسم الأخ الأكبر لأكيرا، والذي سيشكل موته/انتحاره نقطة تحول في مساره الفكري السينمائي. من الممكن القول إن هيغو هو من ساهم في جعل أكيرا يعرف ما السينما، بل بصحبته اكتشف أكيرا عوالم السينما الصامتة أولا. فانتحار أخيه جعله يرغب في معرفة سؤال الموت، فلماذا مات/انتحر؟
    تشاء الأقدار أنه (أي المخرج أكيرا) يجرب بنفسه الانتحار لينجو منه، لا سيما بعد “فشله” في إنجاح أحد أفلامه السينمائية، حيث كان يراهن عليه بقوة لتحقيق ونزع ورقة مرور نحو النجومية والعالمية واعتراف المجتمع الياباني بسينماه.
    مخلفات ومشاهد الحياة بعد زلزال طوكيو العنيف تركت بصماتها في مخيال أكيرا الطفل
    الزلزال المدمر لطوكيو:
    عايش أكيرا -وأخوه هيغو لا يزال على قيد الحياة- زلزالا دمر العاصمة طوكيو؛ تدميرا شاهد تفاصيله الصغيرة رفقة أخيه.
    طبعا مخلفات ومشاهد الحياة بعد زلزال عنيف ستترك بصماتها في مخيال أكيرا الطفل، لأنه هنا عاش لحظات ألم تتعلق بموت الإنسان والحيوان وكافة الكائنات الحية.
    أكيرا العاشق للرسم:
    كان أكيرا طفلا موهوبا عاشقا للرسم وممارسا له، وكان حلمه أن يلج أحد المعاهد الفنية، وذلك لكونه ممتلكا لتقنيات وجماليات الرسم. طبعا تم رفضه، لكن هذا الرفض لم يكن عائقا أمامه، بل وجدناه يوظف هذه الملكة الفنية في كتابة أفلامه ورسم مشاهدها قبل التصوير.
    صحيح أن هذا الرفض جعله يتساءل ككل الشباب الذين يُرفضون من قبل معاهد فنية أو غير فنية، لا سيما حينما تكون هذه المعاهد حلما/رهانا مستقبليا بالنسبة إليهم. لكن طبيعة الفنان لا سيما السينمائي يجعل دوما من مثل هذه العوائق المجتمعية دافعا للكتابة والتحدي والبحث عن صياغة دقيقة لتحقيق ما ضاع منه.

    تعليق


    • #3

      في كل أفلامه ينتصر أكيرا دوما أكيرا للقيم الإنسانية على حساب قوى القهر الظالمة
      اليابان.. تفاصيل تاريخية وثقافية:
      نحن بصدد الحديث عن اليابان كبلد آسيوي له تفاصيل تاريخية وثقافية متعددة، ومن الصعب على أي مخرج ياباني الانغماس في شكل فني ما دون القبض على تفاصيل هذه الحياة اليابانية، مثل موسيقاها وألبستها وعاداتها وتقاليدها وفروسيتها، والعديد من أشكال العيش الياباني.
      الحياة اليابانية تبدو حاضرة في العديد من أفلام أكيرا، بل البعد الجغرافي (أي اليابان) كثقافة حاضرة بَصَمَ بها المشهد السينمائي الخاص به وببلده ككل، ولعله من هنا تربّى على ما يمكن عنونته بشعرية التفاصيل اليابانية في أفلامه، وقصدنا هنا أن تفاصيل اليابان حاضرة كوعي ثقافي لدى المخرج، وعي مقصود ومرغوب في تمريره كما سنرى من خلال بعض النماذج المحللة هنا.
      لقطة من فيلم “يوجيمبو”. ويتناول فن القتال الياباني التاريخي التقليدي

      تعليق


      • #4
        الانتصار للإنسان وليس المادة:
        في كل أفلامه ينتصر دوما أكيرا للقيم الإنسانية على حساب قوى القهر الظالمة. فهنا سنجد ومن خلال هذه المرجعية تفوقا إنسانيا حالما بما هو أجمل، مخلخلا واقع القهر والموت.
        الحلم من أجل عالم أفضل هو عنصر محرّك لكتاباته السيناريستية وطبيعة نظرته الإخراجية السينمائية، مما جعله هنا يحتل موقعا متميزا على مستوى المشاهدة ليس في بلده فقط، بل حتى على المستوى العالمي، ومن ثم فوزه بالعديد من الجوائز العالمية، حد اعتباره قنطرة سينمائية لربط العالم الآسيوي الياباني بالعالم الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص.
        هذه في المجمل أهم المرجعيات التي شكلت سندا خفيا لهذا المخرج الياباني المتشبع والباحث دوما عن سؤال الموت.. لماذا نموت؟
        حينما نشاهد أفلام المخرج أكيرا سنجد المرجعيات المستخلصة حاضرة بقوة

        تعليق


        • #5
          تفرد إخراجي سينمائي:

          حينما نشاهد أفلام المخرج أكيرا سنجد المرجعيات المستخلصة حاضرة بقوة، لا سيما وأنه من المخرجين الحاملين لمشروع فكري سينمائي، أي يكتب أعماله السينمائية ويُخرجها بنفسه، مما جعله ضمن المخرجين الكبار والمؤثرين في العالم لا سيما في أمريكا.

          كل ملصقات أفلامه السينمائية باعتبارها خطابا مُولِّدا للعديد من الدلالات، وباعتبارها مدخلا وعتبة أولية لفهم الفيلم وقضاياه؛ يَحضر فيها البُعد الياباني (الألبسة وتقاليد اليابان الحربية)، مما يجعلنا فعلا أمام مُخرج مُتشبع بقضايا وطنه التاريخية والثقافية، وهو التشبع الذي لم يشفع له من لدن النقاد الذين “أحرجهم” بأفلامه الأولى، حيث لم ينفعلوا ولم يتفاعلوا معها، بل طرح ظهوره السينمائي من خلال إخراجه لفيلم “الطائر الأحمر” مجموعة من الصعاب، مما جعله يُقبل على الانتحار الذي نجا منه، فعاود الكرّة وحقق التفاتة جماهيرية ونقدية قوية، مما جعل اسمه يبدأ في التداول السينمائي سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج أو الإنتاج أو العرض والمتابعة النقدية والإعلامية.

          مؤكد أن أسلوبه السينمائي الجديد الآتي من رحم المعاناة وسؤال الموت ودمار بلده وتشبعه بالرسم؛ جعله يتفرد بطابع إخراجي سينمائي جديد، وهو ما لم يكن مألوفا لدى الناس والنقاد في البداية، لكونه خالف المتداول وأساليب الإخراج السينمائية اليابانية التي كانت سائدة خلال هذه المرحلة. ولعل تجديده أو حلمه هذا هو ما تسبب له في العديد من المشاكل الإنتاجية، وعدم قبول أهل النقد لطبيعة أعماله في بداياته الأولى.
          سنة 1985 أعاد أكيرا كتابة عمل شكسبير من خلال فيلمه “ران”

          تعليق


          • #6
            خُلاصات أفلامه:
            ونحن نتابع أفلامه السينمائية الروائية التي أخرجها من الممكن تقديم الخلاصات التالية:
            – حضور البُعد الرياضي الياباني التقليدي في أعمال أكيرا ، فيلم “ملحمة الجودو” سنة 1943 مثالا.
            – التقاليد اليابانية في خدمة أمن البلد، فهي فكرة نعثر على العديد من تفاصيلها في فيلم “السموراي السبعة” الذي أخرجه سنة 1954، وهو الفيلم الذي نتابع فيه نجدة القرية من خلال المحاربين القدامى (السموراي)، مما يوحي بعشقه لثقافته اليابانية، وكيف من الممكن أن تكون مفتاحا لحلّ هموم المجتمع الياباني آنذاك، (الماضي الياباني في خدمة حاضره).
            – سنة 1961 وقع فيلما آخر يسير ضمن نفس توجه فيلم “الساموراي السبعة”، إذ عمق هذا الأسلوب السينمائي من فن القتال الياباني التاريخي التقليدي، لجعله دوما في خدمة وطرد الغرباء واللصوص الذين يزعزعون الحياة الآمنة للقرى اليابانية. هذا الفيلم عنونه بـ”يوجيمبو”.
            – سنة 1985 أعاد أكيرا كتابة عمل شكسبير من خلال فيلمه “ران”، حيث أصبح شخصية لير الملك ذات طابع ياباني، ومن الممكن تأويل الفيلم هنا بناء على كونه سمح للمخرج تحقيق هذا البُعد العالمي، ثم كونه مرّر خطابا سياسيا من خلال الملك لير الذي أصبح في الفيلم ملكا يابانيا يُصارع أبناءه الذين تنازل لهم عن العرش بعد وصوله مرحلة الشيخوخة، لا سيما بعد معرفته لـ”سوء” نوايا أحدهم.
            – سنة 1990 أبدع أكيرا عملا سينمائيا عُنون بـ”أحلام” (مدته 94 دقيقة). وهو سلسلة فيلمية مكونة من ثمانية أفلام قصيرة، وطبعا هذه السلسة من الممكن اعتبارها بمثابة توسيع لبنية الحكي الفيلمي عند هذا المخرج لتشمل موضوعات لها قيمتها السينمائية الحالمة نحو عالم أجمل.
            الجميل والممتع في هذه السلسلة السينمائية هو انفتاحه على محكيات جديدة ودالة، مثل سفره في ذاكرة الفنان العالمي فان غوغ، حيث إنه يتجول من خلال رسام ياباني في معرض لوحات الراحل فان غوغ، ليجد نفسه ضمن عوالم هذا الفنان كما رسمها، أي الانتقال من مشاهدة اللوحات إلى السفر في زمان ومكان هذا الفنان ورسوماته كما هي، ليجعلنا نعيش عوالم فنية مذهلة تحققت فيها متعة بصرية حالمة ولامسة لما رسمه هذا الفنان العالمي.
            حلم الرحيل إلى عالم فان غوغ، كان له ما يبرره في وطنه وفي عالمه كله، لا سيما وهو عالم مثقل بالصراعات، مما يجعل من الفن فضاء خصبا للجمال وتحقيق متع الإنسانيات العاشقة لثقافة الألوان ودلالاتها الموحية.
            ضمن السلسلة نفسها نعثر على ما يمكن تسميته بصرخته السينمائية المدوية، وذلك من خلال فيلم قصير ضمن هذه السلسلة، والمعنون بـ”الجبل الأحمر”. وهو فيلم من الممكن اعتباره يمثل وجهة نظر المخرج في العديد من القضايا العالمية الشائكة، مثل التهافت نحو امتلاك القنابل النووية وما يشكله من خطورة على حياة العالم.
            حضر البُعد الرياضي الياباني التقليدي في أعمال أكيرا ، فيلم “ملحمة الجودو” سنة 1943 مثالا

            تعليق


            • #7
              الجبل الأحمر”.. رؤيتان متناقضتان:
              هروب جماعي من خطورة “جبل” على وشك الانفجار، صياح وعويل، وشخص واحد يسير في اتجاه معاكس للناس نحو شخصية أخرى لا ترتدي اللباس الياباني التاريخي المعروف، بل شخصية يابانية بملابس عصرية حديثة. البحث عن حقيقة ما يجري كان هاجس الشخصية الأولى وشخصية الأم الحاملة لابنها.
              موت جماعي سيجعلنا نتساءل أمام هذا، ما السبب؟
              تسرب الأشعة النووية سيقضي على الجميع، وسيبقى الشخصان (الرجل والمرأة المحملة بطفلها ولعبه) يُسائلان المهندس الذي فسّر تفاصيل ما حدث. وفي إشارة قوية ودالة يزيل المهندس نظاراته وينظفها بقطعة ثوب أبيض، لقطة قوية ومخلخلة إلى درجة تجعلنا نشعر أن شخصية المهندس الذي يحيل هنا على العوالم الرأسمالية العسكرية الراغبة في السباق نحو التسلح والسيطرة على العالم؛ لم يكن يدرك حقيقة ما يقوم به، إلا حينما شاهد بأمّ عينيه كل سكان المنطقة في حالة هروب وخوف وهلع، إذ بقي ثابتا في مكانه مُزيلا نظاراته، قائلا للأم الحاملة لطفلها لماذا الهروب؟ إنها اليابان، وسترد عليه بطبيعة ما حصل، ليجعلنا ندرك معه رؤيتين متناقضتين:
              الرؤية الأولى رؤية ما قبل الانفجار، وهي مرحلة هيمنة التقنية، ولا شيء غير التقنية، وذلك من أجل البحث عن المال والتوظيف لها دون وعي ودون معرفة خطورتها، لا سيما حينما توظف في المجال النووي والعسكري. من الممكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة العماء التقني، لكونها لا تأخذ بعين الاعتبار حياة الناس ورغبتهم في السلم. إنها رؤية مثلتها مرحلة ما قبل إزالة النظارات/الحاجز الذي كان بينه كمهندس وبين عامة الناس.
              الرؤية الثانية وهي مناقضة للأولى، وهنا يدرك المهندس خطورة ما أنتجته التقنية المدمرة لكل الفئات العمرية، مما يجعلنا نتعاطف في الفيلم مع الشخصيتين “المحاكمتين” للمهندس بعد موت الجميع، حيث سيقدم لهما الانحناءة اليابانية المعروفة والدّالة على طلب الاعتذار، اعتذار رُفض من لدن الشخصيتين، بل سترد عليه الأم الحاملة لطفلها ولعبه بكون طفلها لا ذنب له في كل ما حصل.
              مشهد جماعي محيل على الموت وبقايا وأشلاء متناثرة هنا وهناك. مشهد رهيب سيتعمق جرحه حينما يسمع الجميع صوت الدلافين الجماعي، ليؤكد المهندس مرة أخرى على كونه تعبيرا عن موتهم أيضا، ويؤكد لهم أن لحظة موت الجميع اقتربت ولا مفرّ لأي أحد منهم. انحناءة أخرى واعتذارات متتالية يقدمها للأم وطفلها، حيث الحقّ في الحياة واللعب اغتُصب بسبب الجشع التقني والعلمي الهادف إلى الربح، ولا شيء آخر غير الربح.
              الفيلم صرخة ضد كل أشكال التطور التقني والعلمي النووي، وما يشكله من خطر قاتل للجميع. رمي النظارات وقطعة الثوب البيضاء التي نظف بها زجاج النظارات إشارة على نهاية حياته بدوره، ليحصد ما زرعه كبنية تقنية علمية.
              أكيرا كوروساوا أثناء تصوير فيلم مادادو

              تعليق


              • #8
                عالم غير نووي.. هل يتحقق الحلم:
                الحلم من أجل عالم خال من النووي هو رسالة صريحة وقوية في فيلمه هذا. مما يجعلنا أمام مخرج حامل لهمّ ليس وطنه فحسب بل همّ العالم المتسابق نحو الصراع النووي القاتل للحق في الحياة، سواء للأجيال الحالية أو للأجيال المستقبلية التي يمثلها الطفل المحمول على ظهر أمه رفقة ألعابه.

                بين الجبل الأحمر المحيل على انفجار الأشعة، ومكان قريب من البحر سمعت من خلاله أصوات الدلافين وهي تواجه مصير الموت الجماعي مثل الإنسان، تدور أحداث الفيلم. وبهذا يكون أكيرا كمخرج ياباني قد بصم واقتحم موضوعات الموت لكونه هو ما يهدد الإنسان.

                من زاوية فلسفية، كلما طرحنا سؤال الموت في الإبداع (في الشعر أو الرواية أو التشكيل أو القصة القصيرة)، حضرت الحياة بشكل أو بآخر، أي أن طرح سؤال الموت في الإبداع السينمائي لدى أكيرا الياباني هو وبشكل ضمني رغبة في الحياة.

                يعمق المخرج فيلمه هذا الخاص بالأشعة النووية، وضمن سياقات حربية معروفة لا سيما حينما ضُربت اليابان بالقنبلة النووية بفيلم آخر وهو “رابسوديا في أغسطس”، تم إخراجه سنة 1991، يحكي الفيلم عن جدة تعيش لحظات صيفية مع أحفادها، مما يجعلها تحكي لهم عن هذه القنبلة، وذلك في رسالة مبطنة غايتها نقل أوجاع البلد الماضية إلى الأجيال الجديدة، وذلك كي يعرفوا ما عاشه الأجداد، وأن بناء بلدهم هذا وُلد من رحم الظلم الحربي الذي مورس عليهم، وما رَميُ القنبلة النووية على بلدهم إلا ذلك الدليل القاطع.
                تأثر العديد من المخرجين العالميين بطريقة حكيه السينمائي الدقيق والملتقط لتفاصيل الحياة.

                تعليق


                • #9

                  المخرج العاشق للتفاصيل:
                  الاشتغال على التفاصيل الدقيقة وجعلها ضمن اهتماماته السينمائية الكتابية والإخراجية هو ما ميز طبيعة اللقطة في أعماله، بل من الممكن القول إن هذه الميزة وليدة تربيته تربية ثقافية مبكرة، وانغماسه المبكر في طرح أسئلة دقيقة تتعلق بموضوعات متعددة منها الموت، ناهيك عن كونه تشبع بثقافة بلده العريقة وعشقه لفن الرسم.
                  عناصر متعددة تفاعلت كي تعطينا مخرجا عاشقا لتفاصيل صغيرة ودقيقة جدا، ومولدة للعديد من الدلالات، مثل ما أشرنا في فيلم “الجبل الأحمر”، أو تفاصيل أخرى حاضرة في فيلمه القصير الذي سافر من خلاله في ذاكرة الرسام فان غوغ.
                  الاشتغال على التفاصيل الدقيقة وجعلها ضمن اهتماماته السينمائية الكتابية والإخراجية هو ما ميز طبيعة اللقطة في أعماله

                  تعليق


                  • #10
                    من المحلية إلى العالمية:
                    أكيرا كوروساوا صوت سينمائي ياباني وُلد من رحم المعاناة التي بدأت بانتحار أخيه، ومرّت بزلزال ضرب طوكيو وشاهد طبيعة الخراب الذي تركه هذا الزلزال، مرورا بالعديد من المحطات التاريخية التي عاشها في وطنه اليابان مثل الحروب العالمية، مما جعله فعلا صوتا إنسانيا جعل من السينما تلك الأحلام التي وحدها ما يتبقى للإنسان في زمن التهافت الحربي والعسكري.
                    لم تقف أفلامه عند حدود التلقي من لدن الجمهور، بل تجاوزت أفلامه هذا المستوى لتفعل فعلها في العديد من المخرجين العالميين الذين تأثروا بطريقة حكيه السينمائي الدقيق والملتقط لتفاصيل الحياة.
                    سيرة وتجربة أكيرا مفيدة جدا، لا سيما لنا نحن السينمائيين العرب، إذ من خلالها يمكن فهم كيف نجعل من المحلية طريقا نحو العالمية، وأن التخلي عن تفاصيل حياتنا في مجتمعاتنا العربية شكل من أشكال الاغتراب وفقدان الهوية.
                    هوية اليابان هنا كانت حاضرة بقوة في كل أعماله، وبهذا تحققت تلك العالمية المميزة لعطاءات أكيرا السينمائية.

                    تعليق

                    يعمل...
                    X