القلاع والحصون Citadels and Fortresses والقلعة لغةً الحصن الممتنع على جبل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القلاع والحصون Citadels and Fortresses والقلعة لغةً الحصن الممتنع على جبل

    القلاع والحصون

    القلعة لغةً الحصن الممتنع على جبل، والحصن كل موضع حصين (ممتنع) لا يوصل إلى جوفه. فالقلعة تعني الحصن من حيث المبدأ والقصد، وإن تميزت منه بخصائص ومواصفات بعينها، مع اختلاف المفسرين والمهندسين في تحديد أيهما أكبر وأشمل. ويُلاحظ الأمر نفسه في اللغات الأخرى، واللاتينية منها على وجه الخصوص، حيث تتشابه التسميات، وتتماثل مع بعض التحريف. إذ يطلقون على القلعة بالإنكليزية ـ على سبيل المثال ـ اسم fortress والاسم من الفرنسية ومشتق من fort بمعنى الحصن أو المعتَصَم، وcastle وهي تسمية أعم وأشمل مشتقة من castello Ëcastellum اللاتينية؛ ويقصد بها الحصن والقصر الذي كان يقطنه الملك أو السيد الإقطاعي في العصور الوسطى. وهناك كذلك صيغ لغوية أخرى، مثل château و citadel و burg وغيرها، وكلها تسميات لمسمى واحد لاتكاد تختلف في بنيتها والغاية منها وإن تمايزت إحداها من الأخرى.
    لمحة تاريخية
    لجأ الإنسان إلى التحصين [ر] منذ أقدم العصور لحماية نفسه من الضواري والأعداء. وكانت القبائل البدائية ـ المستوطنة منها والرُحَّل ـ تقي مضاربها من الوحوش والمغيرين بسياج يحيط بها مما يتوافر لها من جذوع الأشجار أو الأشواك أو الحجارة والتراب، وبما يناسب الشروط الطبيعية للموقع. وقد تطورت فنون بناء الحصون مع الزمن، فتحولت من مجرد أعمال ترابية وأسيجة تفرضها الحاجة إلى منشآت خشبية أو حجرية دائمة وأبنية معقدة في مواضع ذات أهمية استراتيجية عسكرية أو اقتصادية، تختلف مناعتها وشدة تحصينها باختلاف الغاية منها وقوة العدو المحتمل وتسليحه وبراعته في القتال.
    وتشير الدراسات الأثرية إلى أن أكثر مدن بلاد الشام والرافدين وآسيا الصغرى ومصر كانت مسورة ومحمية بأسوار مدعمة بأبراج وبوابات محصنة، ولها تحصينات أمامية وخنادق تنسجم مع الموانع الطبيعية التي تحميها من بعض الجهات. وكانت القلاع والمعاقل الحصينة تقام على طرق التجارة والمواصلات وعند النقاط الاستراتيجية المهمة أو على حدود البلاد [ر. الثغور]. وقد ظلت الحصون والقلاع والأسوار تحتل المكانة الأولى في الدفاع قروناً حتى ظهور الأسلحة النارية واختراع المدافع، وقد تبنتها أكثر شعوب العالم كاليونان والرومان والعرب والصينيين والأوربيين والأفارقة والفرنجة وغيرهم. ومن أشهر تلك الحصون المعسكرات الرومانية المغلقة وسور الصين وأسوار القسطنطينية وأنطاكية ومدن الثغور والعواصم، وسور دمشق، والقلاع والحصون المنتشرة في بلاد الشام والأناضول وقلاع الإقطاعيين في أوربا، والحصون التجارية عند حدود مختلف البلاد وعلى طرق التجارة.
    الغاية من القلاع والحصون
    القلعة والحصن في الأصل منشآت دفاعية مصممة لاعتراض سبيل العدو و إحباط محاولاته الاستيلاء عليها بالقوة. و تتحقق تلك الغاية بمنع العدو من تسلق أسوارها وقتله برمايات جبهية وجانبية من أسلحة القذف (المجانيق وغيرها) ورماة النبل وحراب المقاتلين وكل ما يتوافر للمدافعين من وسائل أخرى. غير أن الغاية من وجود القلعة أو الحصن تختلف باختلاف الشروط المحلية ونوعية العدو المغير. فمن القلاع أو الحصون ما يقام لحماية الحدود أو لسد عورات البلاد، أو يكون مخافر إنذار متقدمة ونقاط استناد تؤخر العدو إلى حين وصول النجدات، ومنها ما يشاد معسكرات لإقامة الجند زمن السلم، أو يتخذ عواصم يلجأ إليها الجيش في حال الشدة. والواقع أن القلعة في العصور الوسطى -وبعد أن بلغت عصرها الذهبي- لم تكن مجرد قلعة بالمفهوم الحديث، فهي مقر ومُعتَصَم لساكنها أو نزيلها، ومنطلق يوفر له إمكانية تلبية الحاجات العامة واحتياجاته الخاصة، ويستطيع أن يحتفظ فيها بالقوة الضرورية له لبسط سيطرته على أرباضها والمقاطعة المحيطة بها وحمايتها، كما يمكنه -من جهة أخرى- استخدام القوة ذاتها لجني المنافع من المنطقة وسكانها. كذلك كانت القلعة توفر لجيش الميدان قواعد التموين الضرورية والملاذ الضروري لتحركاته. ومن القلاع ما كان يشاد لغايات هجومية مخطط لها، إذ لم تكن حاميات القلاع تخوض دفاعها من خلف الأسوار دائماً، بل كثيراً ما كانت تشن غاراتها وهجماتها المفاجئة في قلب معسكر العدو المحاصِر لها، ثم تلوذ بمعتصمها. و في مثل هذه الحالات قد يحتاج المحاصِرون إلى قاعدة مأمونة لعملياتهم، فيقيمون تحصينات مؤقتة أو أبراجاً حصينة ضمن خطوطهم، وقد يستخدمونها لمراقبة تحركات المدافعين ونشاطهم. والشواهد على ذلك كثيرة، لعل أشهرها البرج المحصن الذي أقامه الفرنجة الصليبيون عند حصارهم أنطاكية عام 491هـ/1097م في طريقهم إلى بيت المقدس، وكذلك حصن صنجيل الذي أقامه ريمون دي سان جيل قبالة طرابلس لإحكام الحصار عليها سنة 497هـ/1104م، ولعل تلك الفكرة مستوحاة من حصن سابق أقامه للغاية نفسها سفيان بن مجيب الأزدي لدى محاصرته طرابلس أيام الفتح الإسلامي.
    بنية القلعة
    درج المؤرخون وعلماء الآثار على عد تطور التحصين ضمن سياق واحد، بدءاً من المتراس المحمي بسياج من الحسك (أخشاب مدببة الرأس) والفِناء المسوَّر bailey إلى الحرز الحجري stone keep والحصن المربع، فالقلعة المركزية بأسوارها المتعددة وأبراجها ومنشآتها كافة. غير أن دراسة القلعة في العصور الوسطى ـ أي في عصرها الذهبي ـ أكثر صعوبة وتعقيداً من وجهة نظر فن التحصين، مع أنها لا ترقى إلى ما شهده هذا الفن بعد اختراع البارود. وقد ظلت المعالم الرئيسية للقلعة قروناً عدة مجرد رقعة مسورة من الأرض تضم منشآت عدة، وتتألف دفاعاتها الرئيسية من ساتر ترابي أو سياج خشبي أو سور حجري stone wall يحجزه من الأمام مانع على شكل خندق مائي moat. ومثل هذه المنشآت تمثل أكثر من مجرد عائق سلبي للمحاصرين، إذ تستطيع حامية القلعة خوض دفاع إيجابي، فتستخدم السور الخارجي منصة قتال جيدة التجهيز، و تستغل الممشى خلف شَرَفاته المسننة للمناورة وإطلاق المقذوفات، كما تستفيد من الكوات الموجودة في الجدران لرمي النبال وصب الزيت الحار على المهاجمين. غير أن تطور فنون القتال والتكتيك ووسائل التدمير والاقتحام التي يملكها المهاجمون فرض إدخال تحسينات كبيرة على مخططات القلاع ومنشآتها وتجهيزاتها. فجهزت بأكثر من سور، وتمت تقوية الأسوار بمجموعة أبراج على امتدادها، زادت في مناعتها، وفي فاعلية المدافعين عنها، ومنحتهم ميزات كثيرة على المهاجمين، وإذا ما برز البرج عن خط السور أتاح لرماة النبل إمكانية الرمي الجناحي على محاذاة الجدار. وإذا ما روعي في بناء القلعة الاستفادة من الميزات التي توفرها طبيعة الموضع من جروف صخرية ووهاد عميقة وموانع مائية، يصبح من العسير جداً على المهاجمين بلوغها أو اقتحامها بأعداد كبيرة، وتنتفي من ثم ضرورة إقامة العوائق المعقدة على تلك الاتجاهات، إذ تتناسب قوة الدفاعات الصنعية عكساً مع قوة الموانع الطبيعية عادة. غير أن بوابات القلعة ومداخلها تبقى نقطة الضعف الرئيسية فيها، فكانت تحصن بعناية خاصة وبأساليب مبتكرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القلعة نفسها لا تُشيَّد عادة دفعة واحدة وفي صورتها النهائية، إذ تتطلب أعمال الصيانة والتحسين، وتوسع الحامية، وازدياد مكانتها إقامة منشآت إضافية لغايات مختلفة وفي حقب مختلفة، قد تمنح القلعة مظهراً مغايراً عن شكلها الأصلي.
    مما سبق يمكن تلخيص البنية التقليدية للقلعة بوجود سلسلة خطوط دفاعية متعاقبة نحو مركز القلعة، تجمع بين ما توفره الطبيعة وما يشيده الإنسان. فتبدأ بتحصين أمامي على شكل رابية ترابية mott) mound تؤلف ساتراً فيه متاريس ramparts أو استحكامات للدفاع المتقدم، ويليه خندق ditch عميق عريض أو خندق مائي (أو خنادق عدة) يعوق حركة المهاجمين، وعليه جسر معلق drawbridge قابل للرفع يؤدي إلى بوابة القلعة gateway. ويحمي البوابة محرس gatehouse يتألف عادة من باشورة barbican (عن التركية بربك خانة أو صدر البطة؛ وهي شرفة بارزة فوق البوابة للدفاع عنها) و برجين towers يطوقانها من اليمين واليسار. ويلاصق بناء الحرس من الجنبين سور حجري enceinte يتألف من أبراج مرتفعة بين كل برجين منها بدنة curtain. يحيط السور بالقلعة من جميع جهاتها، وفي ذروته شَرَفات مسننة battlement ومطاف (ممشى) للحرسchemin de ronde. ويراوح سمك جدار السور عادة بين 3 و8 أمتار بحسب موقعه واحتمال تعرضه للنقب من جانب المهاجمين وقد يصل إلى عشرين متراً. أما الأبراج فقد تكون مستديرة أو مربعة، وفيها مرامٍ loopholes(فتحات للرمي) ورواشن machicoulis وفتحات لصب الزيت الحار. و قد يُنصب على أسطحها مجانيق catapults أوعرادات trebuchets أو جروخ ballistae. ويحمي البوابة شعرية منزلقة portcullis من حديد وأبواب مصفحة ورواشن من فوقها. وبين السور الأول والثاني فناء أو رحبة ward مغلقة تضم مساكن الخدم وحظائر الحيوانات ومخازن الأقوات وغيرها، وربما جهز بخندق آخر زيادة في منعة الدفاع. أما السور الثاني فيؤلف النواة الأساسية للدفاع، ويتألف عادة من جدار حجري مائل talus يحيط بالفناء الداخلي courtyard، وتعلوه بقية المنشآت الأساسية في القلعة على شكل أبراج ترتبط فيما بينها بجدران حصينة وخاصة تلك التي تضم مستودعات السلاح ومقر الحرس وثكنات العسكر؛ وتسمى المعقل أو المعتصم donjon، ويشرف عليها جميعاً البرج الرئيسي الذي يدعى الحرز، وهو أمنع منشآت القلعة، والملاذ الأخير في حال سقوط التحصينات الأخرى؛ بجدرانه السميكة وطبقاته المتعددة ومداخله الملتوية أو المخفية والمحمية جيداً، ويتخذ سكناً لصاحب القلعة، وقد يدعى «القعلة» لعلوه وارتفاع قاعدته. وهناك في الفناء الداخلي أبضاً أبنية عدة ذات شأن في توفير الحياة اليومية لأصحاب القلعة وسكانها كالمصلى، والمطبخ والفرن ومنهل الماء والسجن وقاعات الاجتماعات وغيرها. وتزود أكثر القلاع بأبواب سر لا يعرفها إلا المقربون من أصحابها تمكنهم من الدخول أو الخروج منها خلسة، وخاصة في حال الاضطرار إلى النجاة بأنفسهم عند الخطر.
    نهاية عصر القلاع
    تطلب التطور السريع الذي طرأ على الأسلحة النارية منذ القرن الخامس عشر الميلادي إدخال تعديلات جوهرية على فن البناء الحربي، ومنذ أن اكتسحت الجيوش الفرنسية إيطاليا سنة 1494 بمدافعها التي راحت تدك القلاع واحدة تلو الأخرى بسرعة مذهلة، انتهى العصر الذهبي لقلاع العصور الوسطى، وبدأ عصر التحصين الحربي الحديث. وقد ساد أوربا -والعالم من بعدهاــ منذئذ مبدأ تصميم الحصون الحديثة على أنها كتلة واحدة متماسكة، حيث تكون جدرانها منخفضة ومحمية بالمدفعية من جميع جهاتها، وأن تنصب المدافع فوق منعات bastions أو حيود redans (منعات بارزة على سور الحصن) أو في داخلها مع إتاحة زوايا رمي مناسبة لها. ومع أن التخلي عن التقاليد الماضية لم يتم دفعة واحدة، وإنما استمر عقوداً من الزمن، فقد حل الوقت الذي حدث فيه فصل كامل بين العمارة العسكرية والعمارة المدنية. فانحصر اهتمام الأولى بالتحصين تحت الإشراف العسكري، وانفردت بمبادئ وأعراف خاصة به، وتفننت الثانية ببناء القصور الباذخة palaces والعزب والفيلات الفخمة mansions والدارات الواسعة manor houses.
    محمد وليد الجلاد
يعمل...
X