"الهدية" يحكي بدقة معاناة الفلسطيني على حواجز التفتيش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "الهدية" يحكي بدقة معاناة الفلسطيني على حواجز التفتيش

    "الهدية" يحكي بدقة معاناة الفلسطيني على حواجز التفتيش


    المخرجة البريطانية - الفلسطينية فرح النابلسي تكشف حقيقة الحواجز الإسرائيلية.


    فيلم بنبرة ناقدة وخالية من الخطب الرنانة

    حق الحركة هو واحد من حقوق الإنسان الأساسية التي يعتبرها معظم الناس في جميع أنحاء العالم أمرا بديهيا، ولكن الأمر بالنسبة إلى الفلسطينيين صعب جدا، فهناك أكثر من 150 نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية، ونحو 100 نقطة تفتيش أخرى متجولة (يمكن أن تظهر في أي وقت وفي أي مكان). واقع مؤلم يصوره فيلم “الهدية” بطريقة ذكية.

    قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ أعوام بإحكام حصارها وإغلاقها على كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بذريعة الأمن، وحولت الأراضي الفلسطينية إلى سجن كبير، ومنعت المواطنين من الوصول إلى أماكن سكناهم وعملهم حتى الذين يمضون سيرا على الأقدام، وذلك بنصب عدد كبير من الحواجز، هذا إضافة إلى قيامها بتصعيد إجراءاتها التعسفية وممارسة سياسة العقاب الجماعي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك بممارسة كافة أشكال الإذلال للمواطن الفلسطيني.

    وشهدت الحواجز العسكرية والمعابر الحدودية في المحافظات الشمالية والجنوبية الكثير من عمليات الإغلاق غير المبرر. هذا عدا عن عرقلة واحتجاز الطواقم الطبية لساعات طويلة دون وجود أسباب تستدعي ذلك والاعتداء على حياتهم ومنعهم في كثير من الأحيان من الوصول إلى المرضى والمصابين لنقلهم إلى المستشفيات لتقديم العلاج اللازم لهم، ونتيجة لهذه السياسة تحولت المدن والقرى في المحافظات الشمالية إلى كانتونات وجزر معزولة عن بعضها البعض مما اضطر الآلاف من المرضى في المحافظات الشمالية المقيمين في القرى البعيدة عن المراكز الطبية والمستشفيات إلى سلك الطرقات الفرعية لتجاوز الحواجز العسكرية الإسرائيلية.

    وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق النار على المواطنين الذين يسلكون الطرقات الفرعية ومطاردتهم وقد سقط نتيجة الإجراءات المشددة 96 شهيدا من المرضى في الضفة الغربية و32 شهيدا في قطاع غزة.

    فيلم “الهدية” يسلط الضوء على الظاهرة وحرمان الفلسطيني من حقه الطبيعي في التنقل.
    معاناة يومية


    المخرجة أرادت أن تشير من خلال الطفلة ياسمين وشجاعتها إلى مستقبل الجيل القادم من الشعب الفلسطيني

    في السنوات الأخيرة بدأ القائمون على الأفلام الفلسطينية التعبير عن هموم الإنسان الفلسطيني، الإنسان الذي يأكل ويلبس ويتعلم ويعمل ويبدع ويحب مثل جميع البشر وعرض جزء من حياة الفلسطينيين على الشاشة بعد اقتناعهم بأن دور السينما يجب ألا ينحصر فقط في سرد المعاناة وتصوير الفلسطيني كضحية.

    ومن الأفلام الفيلم القصير “الهدية”، والذي تبلورت فكرته في ذهن المخرجة فرح النابلسي بعد الانتفاضة الفلسطينية في التسعينات، حين كانت المخرجة البريطانية – الفلسطينية في زيارة إلى الضفة الغربية التي تنحدر منها عائلتها، وبعد فراق خمسة وعشرين عاما، عادت لتجد واقعا جديدا ألهمها فكرة فيلمها “الهدية”.

    يسلط العمل الدرامي القصير الضوء على معاناة العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية. ومن الجدار العنصري، الجدار العازل في الضفة الغربية وهو يبدو بقبحه، كانت افتتاحية شريط المخرجة. ونتعرف على يوسف أولا، والد ياسمين (الذي يؤدي دوره ببراعة الممثل الفلسطيني صالح بكري) في الساعات الأولى من الصباح متمددا على قطعة من الكرتون في انتظار عبور حاجز إسرائيلي، ويبدو أنه قضى ليلته على الحاجز قبل أن يعود إلى منزله وعائلته.

    تنتقل الكاميرا وهي تلاحق يوسف في صف الانتظار لعبور حاجز 300 الإسرائيلي المكتظ قرب مدينة بيت لحم في الصباح الباكر. وتم إنتاج المشهد في الموقع نفسه، ووصفته فرح النابلسي بأنه “ربما كان المشهد الأكثر واقعية” في الفيلم. والمشهد يرصد الموقف المذل والمؤلم في الحياة اليومية الصعبة للإنسان الفلسطيني؛ حيث الزحام والتحكم، والسيطرة والأجساد المتلاصقة والخناق.

    مشهد مذهل في الفيلم عندما يمر يوسف بنقطة تفتيش إسرائيلية في طريقه إلى العمل. إنها حالة من الفوضى، الآلاف من الرجال محشورون في مترو أنفاق ضيق ويتخطى عدد قليل من الرجال قائمة الانتظار من خلال التسلق بخفة عبر القضبان الفولاذية.

    فيلم “الهدية” ينجح في تصوير النضال اليومي للفلسطيني والمعاناة التي تواجهه حتى في أبسط الأشياء

    قامت النابلسي واثنان من المصورين بتصوير المشهد بأسلوب وثائقي عند حاجز 300 سيء السمعة في بيت لحم، محاطين برجال فلسطينيين ذاهبين إلى العمل الذين يصلون في وقت مبكر من الساعة 3 صباحا للوقوف في الطابور، وخلال ساعة الذروة قد يستغرق عبورهم ثلاث ساعات، ثم تتحول الكاميرا إلى منزل يوسف حيث نلتقي زوجته نور (مريم كامل باشا)، وطفلته الجميلة (ياسمين) للمرة الأولى. وقد طليت جدران غرفة يوسف ونور بلون أخضر دافئ، فيما تتسلل أشعة شمس خفيفة إلى الداخل عبر الشبابيك المغطاة جزئيا بستائر من الدانتيل الناعم.

    تقفز ياسمين بفرح على سرير والديها، ثم يناقش يوسف ونور الاحتفال بعيد زواجهما. تمارس العائلة يومياتها وتسعى لأن تبدو طبيعية جدا، كأي عائلة تمارس فعل الحياة، نرى في مشهد الزوجة (نور) التي تؤدي دورها الممثلة نور كمال باشا في استقبال زوجها المنهك، وفي الصباح تعد الفطور مع تبرمها الصامت من الثلاجة التي لا يغلق بابها بشكل جيد، ومع قرار الأب الذهاب لشراء بعض الحاجات يصطحب معه ابنته الصغيرة كي يقوما بمفاجأة الأم بهدية بمناسبة ذكرى عيد زواجهما وتتمثل بشراء ثلاجة جديدة.

    في الطريق تبرز الحواجز لتعيق التدفق الطبيعي للحياة، حيث يخضع الأب وابنته لتحقيق وتفتيش دقيقين، ويمارس الجنود ساديتهم عليه، لكنه يضطر لمسايرة مزاجهم وسخريتهم، فهم يريدون معرفة أسباب خروجه من البلدة، وعندما يخبرهم أنه ذاهب للتسوق يكون عليه أن يوضح لهم الأغراض التي يريد شراءها. هنا يظهر لهم قائمة الطلبات ويبدأ بالعد غاضبا من “ورق الحمام، حليب، ليمون…إلخ”.



    يحجز الأب في قفص حديدي على الحاجز بعد أن يفقد أعصابه نتيجة الاستفزازات المستمرة من قبل جنود الاحتلال، وبعد حجز وانتظار طويلين يفرج عنه، لكن ابنته الصغيرة وأمام طول فترة الانتظار تكون قد تبولت على نفسها، ومع ذلك استمرا في طريقهما الذي توقف لحظة خجل الطفلة ياسمين من بطء حركتها بسبب بلل ملابسها، ومع هذا يستمران ويصلان إلى وجهتهما.

    بعد ذلك يذهبان إلى السوق ويشتريان بعض الحاجيات، يصلح الأب من شأن ابنته بشراء ثياب جديدة، والأهم أنهما يشتريان ثلاجة جديدة للأم، يحملها البائع مع الأب والابنة لتوصيلها بسيارة نقل، لكن الحاجز يقف لهم بالمرصاد، فيقرر الأب وضع الثلاجة على عربة نقل صغيرة يجرها يدويا مع الابنة كي يتجاوز بعض الحواجز التي تمنع وصول السيارات، وحين يصل إلى الحاجز الأخير، يعترض جنود الاحتلال على مرور السيارة التي تنقل الثلاجة.

    في الحاجز الذي يفصله عن بيته مسافة قصيرة، يكون ذات الجنديين بانتظاره ليمارسا مزيدا من الإذلال، ويريدان معرفة لماذا اشترى الثلاجة؟ وما الذي يوجد بداخلها؟ “منزلي هناك فقط”، يكرر يوسف للجنود، مؤكدا القرب إلى منزله من السلوك اللاإنساني لجنود الاحتلال عند نقاط التفتيش. على النقيض من ذلك، نراهم يبتسمون ويتحدثون مع المستوطنين أثناء عبورهم الحاجز.

    بعد تفتيش الأغراض يصل الجنديان إلى كيس مغلق، فيفتحانه ويكتشفان أنه “بنطال ابنته المبلل”، فيصرخ الجنديان ويطلبان منه المغادرة، لكن من خلال البوابة الكاشفة للمعادن وليس سواها. ويبدو “يوسف” الذي يعاني من وجع حاد في الظهر ويعيش على المسكنات تعبيرا عن حال الفلسطيني بعد سنوات طويلة من الاحتلال.

    طوال الرحلة تظهر على يوسف علامات الإعياء والتعب ويتحمل وجع ظهره، ويمضي كي تظل صورته براقة أمام طفلته، لكن في لحظة ينهار كل شيء، عندما لا يستطيع يوسف أن يدخل الثلاجة عبر الممشى المخصص للبشر، يؤشر على منزله الذي يبعد بضع خطوات على أمل أن يسمح جنود الاحتلال له بالمرور. لكن دون فائدة، يغضب ويبدأ بالصراخ، لكنه يواجه بأسلحتهم توجه صوبه، ثم تبادر الطفلة ياسمين بدفع العربة والثلاجة إلى الطريق العام بكل ألق وثبات خطوة واثقة بأن الأرض لها والمستقبل لها، كما الهدية التي يجب أن تصل إلى أمها، وتلك هي رسالة الفيلم التي أرادت المخرجة إيصالها.
    فيلم ناقد


    يأخذ الفيلم المُشاهد إلى قلب حياة الفلسطيني اليومية في الضفة الغربية المحتلة وما يعانيه أمام نقاط التفتيش

    يأخذ الفيلم المُشاهد إلى قلب حياة الفلسطيني اليومية في الضفة الغربية المحتلة، وما يعانيه أمام نقاط التفتيش والحواجز العسكرية الإسرائيلية، حتى لو أن هدف تنقله بسيط، وهو مجرد شراء هدية. يسلط الفيلم الضوء على حرمان الفلسطيني من حقه الطبيعي في التنقل، ما يجعل مهام حياته اليومية معقدة. وقد استلهمت المخرجة الفيلم من تجربتها الشخصية في فلسطين، حيث جربت الانتظار على نقاط التفتيش وراقبت حياة الفلسطينيين اليومية بين الحواجز والمعابر، وأدركت بنفسها التأثير الكبير لمثل هذه المعوقات على الإنسان الفلسطيني.

    يحمل الفيلم عنوان “ذا بريزنت” الكلمة الإنجليزية التي تحتمل معنيين وتفسيرين، الأول “الهدية” والمعنى الثاني “الحاضر”. تقول المخرجة إن ازدواجية المعنى مقصودة وهو ما أرادت نقله في العنوان وفي الفيلم نفسه.

    تشير النابلسي هنا إلى نقاط التفتيش العديدة التي أقامها الجيش الإسرائيلي وكذلك الجدار العازل في الضفة الغربية وهو ما تسميه “جدارا يقتلع الأرض وبيوت الناس ويمزق الأسرة”. وفي فيلمها ترسم صورة للأوضاع، من خلال يوسف، الأب الفلسطيني الذي يتنقل بابنته الصغيرة في نقاط التفتيش لكي يشتري “هدية” لزوجته.

    الفيلم مقتبس من أحداث حقيقية لكن النابلسي تقول “إن بشاعة الواقع في بعض الأحيان تفوق بكثير قدرة الفيلم على التصوير”. وأضافت “شاب أعرفه منذ سنوات، يعيش في الخليل يمكن القول إنه يسكن على الطريق بالمعنى الحرفي للكلمة، بسبب وجود نقطة تفتيش على بعد 80 مترا من منزله”.

    فيلم “الهدية” هو أول فيلم من إخراج النابلسي، وإلى جانب إخراجها وإنتاجها للفيلم، كتبت السيناريو مع هند شوفاني الشاعرة والمخرجة الفلسطينية – الأميركية، وقالت “أريد من الجماهير أن يفكروا في شكل حياة أشخاص مثل يوسف وياسمين، عندما يتم جعل الحياة اليومية صعبة للغاية، وبشكل متعمد وغير ضروري”، وأضافت “يريد الفلسطينيون فقط أن يعيشوا حياة حرة”.


    ياسمين تجسد القوة والمرونة والشجاعة


    في واحدة من اللقطات الرمزية الأكثر كثافة، تصادف الطفلة ياسمين عصفورين محبوسين في متجر تزوره مع والدها، يمنحها المنظر البهجة التي يجلبها لها جمال الطيور، تستقر الكاميرا على وجه ياسمين عندما تظهر خلف قفص الطيور والذي يتناقض مع وجه والدها عندما نشاهده من خلال قضبان زنزانة الاحتجاز في نقطة التفتيش. وتقول له “لا بأس يا أبي، لم يكن هناك ما بوسعك أن تفعله”. أه كم هي موجعة للروح تلك الجملة والتي تلخص الوجع الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

    في الفيلم القصير “الهدية” تسرد قصة من الممكن أنها مرت عليك سابقا في أفلام فلسطينية أو حتى عبر نشرات الأخبار، تنقل من خلالها المخرجة واقعا عايشته بشكل شخصي، يلخص المعاناة اليومية للفلسطينيين عبر الحواجز. قصة مرتبطة بزوج اسمه يوسف يقرر أن يهدي زوجته ثلاجة بدلا من الثلاجة القديمة بمناسبة احتفالهما بعيد زواجهما، في الوضع الطبيعي المهمة تمر بشكل سلس، لكن عندما يكون الوضع فلسطينيا ثمة معوقات عديدة، ليس أولها الطابور على مد البصر، وليس مرورا بمزاج عناصر الاحتلال في نقاط التفتيش، وليس انتهاء بوجع ظهر يوسف وكأنه الوجع الأقرب لوصف تلك المعاناة. يجسد فيلم “الهدية” للمخرجة والمنتجة وناشطة حقوق الإنسان الفلسطينية النابلسي ما يعيشه الفلسطيني في أرضه من صعوبات وعراقيل على الحواجز التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي.

    على امتداد 24 دقيقة يصف لنا الفيلم طريق يوسف وابنته ياسمين المليء بالحواجز عند ذهابهما للتسوق وشراء هدية لنور، في رحلته تسلط المخرجة في مشاهد واقعية الضوء على معاناة العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية والجدار العنصري الذي تقيمه دولة الاحتلال، وفي مشاهد الحواجز المكتظة – حيث نرى رجالا يتسلقون الأعمدة الحديدية المرتفعة التي تحيط بالمعبر الضيق والمقيد في محاولات لاختصار رحلاتهم – تلتقط بدقة تجربة منهكة، شاقة، إلا أنها روتينية بالنسبة إلى عشرات الآلاف من الفلسطينيين يوميا.

    ينجح فيلم “الهدية” أو “الحاضر” في تصوير النضال اليومي للفلسطيني والمعاناة التي تواجهه، حتى في ما يتعلق بأكثر جوانب الحياة ومتطلباتها بساطة، وكيف يمكن أن تصبح مهمة بسيطة مرهقة.

    صور الفيلم في جميع أنحاء بيت لحم، حيث تم تصوير المشاهد في نقطة التفتيش 300، وتصف المخرجة النابلسي تلك النقطة أو الحاجز بأنه “أسوأ منطقة عبور، حيث قد يستغرق الأمر في بعض الأحيان أكثر من ثلاث ساعات للمرور بسرعة”. من أعمق المشاهد دلالة ورمزية مشهد فتح الجنود للكيس الذي يضم بنطال الفتاة الصغيرة المتسخ، حيث يبدأ الجنود بالصراخ، وهي فكرة رمزية تدلل على المستوى العالي من التدخل والتحكم سيجعلكم تصلون إلى قاذوراتنا أيضا، هذا النوع من الأفلام ذات النبرة الناقدة والخالية من الخطب الرنانة تكون طريقها أسهل إلى عقل المشاهد الغربي في إيصال الواقع المؤلم للحياة في ظل الوجود الصهيوني.

    الأصداء العالمية


    وصف المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) جون برينان فيلم المخرجة الفلسطينية فرح النابلسي “الهدية” الذي كان مرشحا لنيل جائزة “أوسكار”، بأنه “سرد محكم ومفجع” لما يعانيه أب فلسطيني (يوسف) وطفلته (ياسمين) عند المعابر الإسرائيلية.

    جاء كلام برينان في مقالة رأي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان “لهذا السبب على بايدن (الرئيس الأميركي جو بايدن) مشاهدة هذا الفيلم الفلسطيني”.

    وقال برينان إن مشاهدة الفيلم، وتحديدا المشهد الذي يفتش فيه جنود الاحتلال ممتلكات يوسف أمام أنظار طفلته، أعاد إليه ذكريات زيارته الضفة الغربية عام 1975 “بعدما عبر نهر الأردن ووصل إلى نقطة تفتيش إسرائيلية”. وقال إنه كان حينها تلميذا في “الجامعة الأميركية في القاهرة” ومتحمسا لزيارة القدس وقضاء ليلة الميلاد في بيت لحم. ووقف حينها في طابور أمام معبر إسرائيلي.

    وقال “على بعد أقدام قليلة كنت أرى رجالا ونساء وأطفالا في طابور طويل محاط بسياج من الشبك كتب عليه “فلسطينيون وعرب”. شاهدت البعض يتعرضون للفظاعات وعمليات التفتيش العدوانية على يد الجنود الإسرائيليين”. وأشار إلى أن المشهد الختامي في فيلم “الهدية” جعله “يفكر في الإحباط الذي يشعر به كل فلسطيني عليه أن يتعايش مع الإجراءات الأمنية الخانقة والقمع السياسي المصاحب للاحتلال العسكري الإسرائيلي”.

    لكن مشاهدة الطفلة ياسمين لما مر به والدها هي “ما أقلق” المدير السابق للوكالة الأميركية الذي قال “لا يسعني إلا أن أتخيل أثر مثل هذه التجارب على الفتيات والفتيان الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد نشأوا مصدومين من الظلم والتمييز والعنف. إنهم يعيشون وهم يشعرون بأن وجودهم يتحكم فيه أشخاص لا يهتمون برفاهيتهم أو سلامتهم أو مستقبلهم”.

    والفيلم تم ترشيحه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم قصير مباشر وجائزة بافتا لأفضل فيلم قصير وفاز بها. وحصد جائزتين هامتين هما جائزة الجمهور في مهرجان كليرمونت فيراند الدولي للأفلام القصيرة، وجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان كليفلاند السينمائي الدولي. وفي كلمتها، أهدت المخرجة النابلسي الجائزة إلى “شعب فلسطين الذي طال انتظاره للحرية والمساواة”.

    بالنسبة إلى الأداء، الممثلة الشابة مريم كنج رائعة وهي تؤدي دور ياسمين الشخصية التي كُتبت بعناية لتجسد القوة والمرونة والشجاعة، وخاصة مشهدها الختامي عندما رفضت الصغيرة ياسمين أن تنصاع للجندي الإسرائيلي، ودفعت الثلاجة ومشت على الطريق المخصص للإسرائيليين من دون أي خوف، بينما والدها يراقبها من وراء الشباك، ويقف الجنود مذهولين من فعلتها.

    أرادت المخرجة أن تشير من خلال الطفلة ياسمين وشجاعتها إلى مستقبل الجيل القادم من الشعب الفلسطيني المقاوم الذي لا يستكين ولا يقبل الظلم والعدوان الصهيوني. وعندما يطلب الجندي من يوسف وضع كل ما لديه للفحص بما في ذلك ساعته التي ورثها عن والده، فهي لحظة تجسد كل تاريخ الفلسطيني من المعاناة. حيث تم وضع كل شيء تحت نظرة المحتل، ربما أرادت المخرجة في المشهد أن تؤكد بأن الفلسطيني هو سجين مهما حاول العيش بحرية، وفي كل لحظات الفيلم من الوقوف طويلا أمام نقطة التفتيش إلى العودة وجر الثلاجة على التلة والألم في ظهره، فهي صورة على رحلة الفلسطيني ومعاناته الدائمة جسديا ونفسيا.
    المخرجة فرح النابلسي


    • ولدت في المملكة المتحدة عام 1978 لأبوين فلسطينيين، جاء والدها وهو فلسطيني من مواليد مصر إلى المملكة المتحدة لدراسة الدكتوراه في الهندسة المدنية. ووصلت والدتها عبر الكويت عندما غادرت عائلتها فلسطين في أعقاب الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967، كبرت ودرست في لندن وبدأت حياتها المهنية في العمل المصرفي.

    بهدف تتبع جذور عائلتها الفلسطينية قامت بعدة زيارات إلى مرتع طفولتها في فلسطين، عادت النابلسي لتزورها مرة أخرى في عام 2013. تأثرت المخرجة بتلك التجربة التي غيرت حياتها كليا بحسب وصفها في مقابلة لها مع موقع الجزيرة الإنجليزية. فقد استطاعت أن تتعرف إلى الواقع الحقيقي والمعاناة اليومية التي يتكبدها الفلسطيني تحت ظلم الاحتلال، وأدركت مثل كثيرين ممن يزورون فلسطين أن قراءة الكتب ومشاهدة الأفلام الوثائقية ومتابعة الأخبار ليست كافية لمعرفة حقيقة الواقع هناك، وأنه لا بديل عن الذهاب ومشاهدة حياة الفلسطينيين عن قرب لفهم الحقيقة.

    تلك الرحلات إلى فلسطين جعلت النابلسي تدرك أن التعاطف مع القضية الفلسطينية وتقديم التبرعات ليسا كافيَين لإحداث تغيير جذري، ولذلك أسست شركة إنتاج غير ربحية لإنتاج الأفلام، إيمانا منها بأن الفن يخاطب القلب ويلعب دورا جوهريا في إحداث التغيير في العالم، وأن السينما تسبق جميع الفنون في كونها قادرة على دفع العالم إلى التغيير الحقيقي، فهي تمنح صوتا لمن تم إسكاتهم بحسب رأيها، وبالتالي تساعد على خلق التعاطف والتفاهم اللازمَين لإحداث التغيير. وهكذا وجدت فرح النابلسي نفسها في عالم السينما كمخرجة ومنتجة.

    إلى جانب فيلم “الهدية”، عبرت النابلسي عن معاناة الإنسان الفلسطيني من خلال ثلاثة أفلام قصيرة أخرى هي: “كابوس في غزة”، “اليوم أخذوا ابني” و”محيطات من الظلم”. الفيلم بسيط، وحكايته تم تناولها بسلاسة، تداخلت فيها طريقة إدارة المخرجة مع مشاعرها التي أبانت عن إدارتها لأداء الممثلين، وكأنهم يريدون تثبيت ما يجول بخاطرها عبر أداء مقنع لقصة من الواقع استحقت أن تصل إلى الأوسكار.




    علاء حسن
    كاتب عراقي
يعمل...
X