كيف جعل علماء نوبل للكيمياء حياتنا أكثر تلوينا ورفاهية عن طريق النقاط الكمومية..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف جعل علماء نوبل للكيمياء حياتنا أكثر تلوينا ورفاهية عن طريق النقاط الكمومية..


    النقاط الكمومية من مادة "سيلينيد الكادميوم" بأحجام مختلفة تنتج ألوانا مختلفة (لي نينهاوس)
    حازم بدر
    5/10/2023
    النقاط الكمومية.. كيف جعل علماء نوبل للكيمياء حياتنا أكثر تلوينا ورفاهية؟
    تخيّل أنك حبست فأرا في صندوق عريض، سيتحرك حينها ذهابا وإيابا داخله، ولكنك إذا ضيقت عليه الخناق ونقلته إلى مصيدة صغيرة محدودة المساحة سيتغير سلوكه حينها ويبذل المزيد من الجهد لتخفيف الخناق المفروض عليه، فيخرج قدميه من المصيدة.

    مع الفارق، فإن الإلكترونات داخل المواد تفعل الشيء ذاته، فكلما ضغطت المادة إلى أحجام أصغر، ستكون هناك مساحة أقل لحركة الإلكترونات بداخلها، والتي هي عبارة عن موجات وجسيمات.

    وكما يفعل الفأر، ستحاول الإلكترونات تخفيف التنافر بينها، فتزيد الفجوة بين مستويات الطاقة، وهو ما يسمي "الجسيم داخل صندوق"، وهذا سيؤدي إلى تغييرات جذرية في خصائص المادة الفيزيائية والضوئية، لاسيما في لونها.

    بهذا المثال، يقرب الدكتور ياسر حسن، الأستاذ المساعد بقسم الكيمياء بجامعة قطر وأحد مؤسسي مبادرة "العيادة التعليمية"، إلى الأذهان مفهوم النقاط الكمومية التي تم تكريم روادها بجائزة نوبل في الكيمياء عام 2023، فهي في أبسط تعريفاتها عبارة عن "جسيمات صغيرة يبلغ قطرها بضعة نانومترات فقط، ويمكنها إطلاق ضوء ملون نقي ساطع للغاية عند استثارتها، وتشمل تطبيقاتها في الحياة اليومية المختلفة من شاشات التلفزيون وأجهزة الإلكترونيات والطاقة الشمسية وتخليق الهيدروجين الأخضر، وكذلك بعض التطبيقات في المجال الطبي مثل التصوير الطبي".

    ويقول حسن -الذي كانت أطروحته للدكتوراه من جامعة تورونتو عن تلك المواد- في تصريح هاتفي للجزيرة نت "هذه الجسيمات يتراوح حجمها بين 1.5 و10 نانو (وهو واحد على مليار من المتر). وكلما قل الحجم، ازدادت الفجوة بين مستويات الطاقة (في اتجاه اللون الأزرق)، وكلما ازداد الحجم تقل الفجوة، فيظهر لونا في اتجاه الضوء الأخضر ثم إلى الأحمر وهكذا".

    الباحث ياسر حسن كان قد نشر صورة لأحجام نانومترية من مادة "سيلينيد الكادميوم" بألوان مختلفة على صفحته على فيسبوك لشرح النقاط الكمومية.

    ويقول بشأن هذه النقاط "يمكنك أن تحصل على ألوان الطيف من الأزرق وحتى الأحمر، ويتحكم في ظهورها الحجم وليس التركيب الكيميائي، لأنه واحد في ألوان المادة المختلفة. لكن كلما قل الحجم، ظهر الضوء الأزرق، وإذا زاد الحجم ننتقل في اتجاه الضوء الأخضر ثم إلى الأحمر".
    علماء نوبل للكيمياء 2023 وضعوا معالم في طريق تطوير "النقاط الكمومية" (رويترز)

  • #2
    تنبؤات ريتشارد فاينمان:

    هذا التغير الذي يحدث في خصائص المواد كلما اتجهنا نحو التصغير، كان قد تنبأ به الفيزيائي الأميركي الشهير ريتشارد فاينمان، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965، وذلك في محاضرة شهيرة حملت عنوان "هناك مساحة كبيرة في القاع" خلال الاجتماع السنوي للجمعية الفيزيائية الأميركية بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 1959، وتبعه في ذلك عالم الفيزياء النظرية الياباني جون كوندو.

    ويقول حسن: ريتشارد فاينمان هذا الفيزيائي النظري العبقري أعلن في محاضرته أن هناك أحجاما أقل للمواد من "الميكرو"، وهو أصغر حجم للمواد كان معروفا حينها. ثم تساءل وكأن شاشة عرض فتحت له على المستقبل "هل من الممكن التحكم بالذرات والجزيئات وتغيير أماكن الذرات للحصول على مواد جديدة لها خصائص فيزيائية وكيميائية فريدة تؤهلها للعديد من التطبيقات؟".

    وكانت فكرة فاينمان أنه "كلما صغر الحجم، سيزيد عدد الذرات على السطح، وهذا يزيد كيميائيا من فرص التفاعل والنشاط الكيميائي، وفيزيائيا تكون للمواد سلوكيات مختلفة، وسيكون لذلك انعكاس على التطبيقات".

    هذه النظرية، التي وضعها فاينمان وتقوم على وجود تأثيرات كمومية للمواد تعتمد على الحجم، كان هناك اعتقاد بصعوبة تطبيقها عمليا حتى نجح أليكسي إكيموف خلال الثمانينيات في إنشاء تأثيرات كمومية تعتمد على الحجم في الزجاج الملون، حيث جاء اللون من جسيمات "كلوريد النحاس" النانوية، وأثبت إكيموف أن حجم الجسيمات يؤثر على لون الزجاج من خلال التأثيرات الكمومية.

    وإكيموف هو أحد الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء هذا العام، وهو مولود في روسيا، ويعمل حاليا في شركة "نانوكريستلز تكنولوجي"، ومقرها الولايات المتحدة.

    وبعد سنوات قليلة، أصبح الفائز الثاني بالجائزة هذا العام لويس بروس، الأستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك، أول باحث في العالم يثبت التأثيرات الكمومية المعتمدة على الحجم في الجسيمات التي تطفو بحرية في الموائع.

    وفي عام 1993، أحدث الأستاذ بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأميركا منجي الباوندي، المولود في باريس لأب تونسي وأم فرنسية، ثورة في الإنتاج الكيميائي للنقاط الكمومية (صفرية الأبعاد الثلاثة)، مما أدى إلى إنتاج جسيمات مثالية تقريبا في محاليل يسهل دراستها واستخدامها.

    كانت هذه الجودة العالية التي أتاحها الباوندي ضرورية لاستخدام النقاط الكمومية في التطبيقات، حيث تضيء تلك النقاط الآن شاشات الحاسوب وشاشات التلفزيون المعتمدة على تقنية "جهاز عرض النقاط الكمومية" (كيو آل إي دي)، كما أنها تضيف فارقا هائلا إلى كفاءة ونقاء ضوء مصابيح "ليد"، ويستخدمها علماء الكيمياء الحيوية والأطباء لرسم خريطة للأنسجة البيولوجية، كما يمكن لضوئها الواضح أن يضيء أنسجة الورم للجراح.

    ويعتقد الباحثون أنه في المستقبل، يمكن لهذه النقاط الكمومية المساهمة في الإلكترونيات المرنة، وأجهزة الاستشعار الصغيرة، والخلايا الشمسية، والاتصالات الكمومية المشفرة.

    ويقول حسن إن "هذا التطور الذي شهدته النقاط الكمومية يلخص المسار الذي دائما ما يسلكه أي علم جديد، حيث يبدأ بنظريات يضعها الفيزيائيون النظريون أو علماء الرياضيات، وهو ما حدث من خلال النظرية التي وضعها شرودنجر وتبعه علماء مثل جون كوندو وريتشارد فاينمان عام 1959، ثم يأتي علماء فيزياء الجوامد، ويمثلهم في هذه الحالة أليكسي إكيموف، ويحاولون تحضير المادة في الحالة الصلبة، ويأتي الكيميائيون، ويمثلهم لويس بروس ومنجي الباوندي، ويحاولون إنتاج المادة كيميائيا في محاليل، بما يمهد الطريق للإنتاج التجاري لها".
    أحدث الأستاذ بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا منجي الباوندي ثورة في الإنتاج الكيميائي للنقاط الكمومية (رويترز)

    تعليق


    • #3
      إضافة اللون إلى تكنولوجيا النانو:

      وإذا كان لتكنولوجيا النانو أشكال وصور مختلفة، فإن ما يميز النقاط الكمومية هو أنها أضافت اللون النقي إلى تلك التكنولوجيا، وهو ما من شأنه أن يسهم في إطلاق ضوء نقي ساطع للغاية بألوان متعددة يسهل التحكم فيها، له تطبيقات متعددة في حياتنا اليومية، مثل الإلكترونيات -التي جعلت حياتنا أكثر رفاهية- والتصوير الطبي.
      النقاط الكمومية بالبروتينات والأجسام المضادة، مما يسهل تحميل وتوصيل الدواء عن طريقها. كما يمكن تصميم معالجة أسطح تلك المواد بجزيئات ذات وظائف كيميائية وفيزيائية مختلفة بطريقة تزيد من الموصلية وتتيح نقل المحفزات الضوئية والكيميائية إلى إشارات كهربائية، وهو ما يكون مفيدا في الأجهزة الإلكترونية الضوئية مثل الترانزستورات وأجهزة الكشف الضوئي والكاميرات الحساسة للضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء".

      ويضيف أن "التطور الذي حدث بتصنيع النقاط الكمومية ومعالجتها في محلول لاحقا عند ظروف معتدلة، أدى إلى تمكين التصنيع على مساحة كبيرة، وهو الإنجاز الذي أحدثه منجي الباوندي، وساعد على توسيع نطاق تطبيقها ليشمل مجالات الإلكترونيات الاستهلاكية والخلايا الكهروضوئية، وكذلك العالم الأميركي الشهير بول أليفيساتوز، الرئيس الحالي لجامعة شيكاغو، الذي له أثر كبير في تحضير النقاط الكمومية في ظروف معتدلة صديقة للبيئة".
      كلما قلّ حجم النقاط الكمومية ازدادت الفجوة بين مستويات الطاقة في اتجاه اللون الأزرق (سامسونغ)

      تعليق


      • #4

        تكريم تأخر كثيرا:

        وإضافة لهذه المجالات، فقد نجح إبراهيم الشربيني، المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر ومدير مركز أبحاث علوم المواد بالمدينة، وفريقه البحثي في توظيف تلك المواد الكمومية في العديد من التطبيقات الطبية، التي اعتمدت على خصائصها الضوئية.
        ويقول الشربيني، في تصريحات هاتفية للجزيرة نت، "استخدمناها في إنتاج مستشعرات تستخدم الخواص الضوئية للمواد في الكشف عن نسبة السكر في الدم، كما استخدمناها في مستشعرات تتنبأ ببعض الأمراض قبل حدوثها من خلال تتبع بعض المؤشرات الحيوية".

        ويضيف أن "من التطبيقات المهمة لها أيضا هو التوصيل الدوائي عن طريق تحميل بعض المواد العلاجية عليها، وإن كان هذا التطبيق الذي تم إثباته معمليا لم يحظ حتى الآن بقبول، بسبب أن النقاط الكمومية مصنوعة من معادن، وبالتالي فإن دخول مواد بحجم النانو إلى الجسم يمكن أن تكون له تأثيرات خطيرة على الصحة".

        ولأن الشربيني يدين بالفضل لهذه النقاط الكمومية في الكثير من الإنجازات البحثية، فإنه أعرب عن سعادته البالغة بحصول روادها على الجائزة، قائلا "هذا تكريم تأخّر كثيرا".

        ومنذ بدأت إدارة جائزة نوبل تميل في جوائز الكيمياء لتكريم مجالات النانو المختلفة، بداية من عام 1996 عندما تم تكريم مبتكري الجزيء العجيب من الكربون المعروف باسم "كرة باكي"، ومرورا بتكريم مبتكري الغرافين عام 2010، كان الشربيني يتوقع تكريم مبتكري النقاط الكمومية.

        ويقول "هؤلاء العلماء مهدوا الطريق لنقل الكيمياء من شكلها التقليدي -حيث التفاعلات المعروفة بين الجزيئات- إلى مستوى جديد وهو كيمياء النانو، مما أدى إلى صياغة مركبات جديدة بخصائص مختلفة".
        **************
        المصدر : الجزيرة

        تعليق

        يعمل...
        X