كبار مؤلفي الموسيقى العالميين يستوحون أساطير وقصص مصر القديمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كبار مؤلفي الموسيقى العالميين يستوحون أساطير وقصص مصر القديمة

    كبار مؤلفي الموسيقى العالميين يستوحون أساطير وقصص مصر القديمة


    كتاب يوثق لأوبرات عالمية ترسخ التواصل الحضاري بين الشرق والغرب.
    السبت 2023/12/09
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    استلهام حكايات مصر القديمة في أعمال فنية مبهرة

    الموسيقى وحي يعلو على كل الحكم والفلسفات، وهي خير وسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية الصادقة، فإذا أردت أن تتعرف على مجتمع، وأن تعرف إلى أي مدى وصل هذا المجتمع من رقي أو انهيار في المنظومة الأخلاقية، وحدها الفنون تكشف عن ذلك، كما تكشف عن علاقات الشعوب ببعضها البعض، وهو ما نقرأه في أكثر من عمل أوبرالي عالمي استلهم قصصه من الحضارة المصرية.

    كانت الحضارة المصرية ملهمة للعديد من المؤلفين الموسيقيين العالميين، وتم تأليف أكثر من خمسين عملا موسيقيا مستوحى أو مقتبسا من أسرار وأساطير وقصص من الحضارة المصرية القديمة، ومن أشهر الأعمال الموسيقية “أوبرا عايدة” للموسيقار الإيطالي جيوسيبي فيردي والتي يتناول فيها عظمة الحضارة المصرية وشجاعة المصريين القدماء.

    الباحث في تاريخ الموسيقى نورالدين التميمي يسلط في كتابه “الإرث الضائع – كيف أثرت مصر في الموسيقي العالمية”، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، الضوء على أربعين عملا من الأعمال الموسيقية العالمية على مدى القرنين الماضيين، والتي اتخذت من أساطير وقصص الحضارة المصرية موضوعا لها في مجال الموسيقى والغناء والأوبرا، كاشفا عن كنز مفقود من الأعمال الموسيقية العالمية التي لا يعيرها أحد اهتماما في مصر رغم أن هذه الأعمال مرتبطة أساسًا بالحضارة المصرية.
    الاستلهام من مصر



    الكتاب يسلط الضوء على أربعين عملا موسيقيا لفنانين عالميين اتخذوا من أساطير وقصص الحضارة المصرية القديمة موضوعا لها


    أكدت ذويا ميكوفا، أستاذة تاريخ الموسيقى في أكاديمية الموسيقى والفنون الجميلة بجامعة بلوفديف ـ بلغاريا، في مقدمتها للكتاب أن الأعمال الموسيقية التي يضمها الكتاب ليست إرثا للمصريين فقط بل لشعوب العالم أجمع، فهذا الكتاب وسيلة جيدة من وسائل التواصل الحضاري بين الشرق والغرب، فقد كتبت هذه الأعمال الموسيقية في عصور ساد فيها التسامح والتآخي وقبول الآخر، وسوف يرى القارئ في هذا الكتاب مدى انبهار كبار الموسيقيين الأوروبيين بالحضارة المصرية من خلال ما كتبوا من أعمال موسيقية كلاسيكية تتسم بالإبداع الصادق.

    وأضافت “سوف تعيش مع جول ماسيني معاناة الراهب أثانايل وتاهيس فتاة الإسكندرية، وتسمع هدير أمواج نهر النيل مع كاميلي سان صا، وتلتزم الصمت عندما يعزف سيريل سكوت المارش الجنائزي للملك المحارب رمسيس الثاني، سوف تتعرف أكثر على الحضارة المصرية وما قدمته إلى البشرية من علوم وفنون وأساطير كانت مصدرا لإلهام شعوب الأرض، فكانت هذه الأعمال الموسيقية في العصر الحديث التي يتناولها الكاتب بالتفصيل والتحليل موسيقيا وتاريخيا، كانت عرفانا لما قدمه المصريون القدماء لحضارات العالم، فالموسيقى خير وسيلة للشكر والتعبير عن مكنون النفس، وكما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه “الحياة بلا موسيقى خطأ فادح”.

    من الأعمال التي حللها التميمي تاريخيا وموسيقيا “أوبرا عايدة”، و”أوبرا الناي السحري”، و”أوبرا تحتمس الثالث ملك في مصر”، و”أوبرا موسى في مصر”، و”باليه ليالي مصرية” (آرنسكي)، و”ليالي مصرية” (بروكفييف)، وشهرزاد، و”باليه ألف ليلة وليلة”، و”أوبرا يوليوس قيصر في مصر”، و”الكونشيرتو المصري”، و”باليه ابنة الفرعون”، و”أوبرا موسى في سيناء”، و”أوبرا كليوبترا”، و”أوبرا تاهيس”، و”أوبرا إخناتون”، و”أوبرا موسى وهارون”، و”كانوبي”، و”أوبريت محكمة الفرعون”، و”أوبرا يوسف في مصر”، و”أوبرا الحملة الصليبية في مصر”، و”أوبرا خروج بني إسرائيل من مصر”، و”في أرض مصر الغامضة”، و”باليه طقوس الربيع”، و”أوبرا تاهيس”، و”أوبرا بطليموس ملك مصر”.. وغيرها.

    يقول التميمي في سياق تحليله التفصيلي لأوبرا عايدة “عندما عرض كامي دي لوكل على صديقه الموسيقار جيوسيبي فيردي قصة ‘عايدة’ التي كتبها عالم المصريات الفرنسي أوجست مارييت، تحمس فيردي ووجد في موضوعها الفرعوني لونا لم يقدمه من قبل، كما لمس بخبرته الفنية الإمكانيات المسرحية والموسيقية بها، ولهذا وافق على تكليف الخديوي إسماعيل بتأليف أوبرا على هذه القصة؛ لكي تقدم في افتتاح دار الأوبرا المصرية، ولكن حالت الظروف دون ذلك وقدمت أوبرا ‘ريجوليتو’ في الافتتاح بدلا منها”.

    ويضيف “بعد عدة أشهر قدمت ‘عايدة’ لأول مرة على المسرح نفسه في 24 ديسمبر عام 1871 ليحقق العرض نجاحا هائلا ويحدث ضجة إعلامية كبيرة ويتحقق ظن فيردي فتصبح أوبرا ‘عايدة’ من أكثر الأوبرات العالمية شهرة وإبهارا حتى وقتنا الحالي. وقد استوحى مارييت قصة هذه الأوبرا من بعض ظواهر الحياة والعادات المصرية القديمة التي ظهرت في نقوش المعابد؛ مثل طقوس الكهنة ومواكب النصر وعادة ‘دفن الأحياء’ التي عوقب بها راداميس بطل أوبرا عايدة في نهايتها. وقد نسج حولها قصة عاطفية ربطها بالحرب التاريخية بين مصر وبلاد الحبشة، قام بكتابة النص الغنائي لها أنطونيو جيسلانزوني”.

    ويتابع التميمي “جاءت أوبرا ‘عايدة’ لتمثل مرحلة فنية جديدة وصل فيها أسلوب فيردي إلى قمة النضج؛ حيث يهتم فيها اهتماما بالغا بالدراما، وحاول تجنب الأسلوب الإيطالي الذي يقسم الأوبرا إلى فقرات منفصلة تستعرض مهارات آداء المغنين على حساب تسلسل الدراما، كما تأثر فيها بأسلوب معاصره الألماني ريتشارد فاجنر في ربط الشخصيات الرئيسية للأوبرا (مثل عايدة، أمنيريس، الكهنة…) بألحان تؤديها الأوركسترا (ألحان دالة) عند ظهور الشخصية على المسرح”.
    أعمال عالمية




    حول أوبرا الناي السحري “الأمير المصري ومحبوبته بامينا” لفولفجانج أماديس موتسارت يشير التميمي “تستند قصة الأوبرا إلى أحداث خيالية بعضها من التراث المصري القديم والآلهة المصرية إيزيس وأوزوريس آلهة الخير والشر، والصراع الدائم بين الخير والشر، وبطل الأوبرا وهو الأمير المصري الشهم والوسيم تامينو والأحداث في قالب خيالي ممزوج بالمرح والموسيقى الساحرة التي تخلق حالة من المرح والغموض في بعض الأحيان كعادة موتسارت”.

    ويذكر أن أحد الكتاب يصف أوبرا الناي السحري بأنها أشبه بحكاية من حكايات الجن في ألف ليلة وليلة، فائقة في الرقة والعذوبة والجمال، تتأرجح بك أنغامها وألحان أغانيها وكلماتها بين مملكتي النعيم والجحيم بصورها الزاهية وألوانها المتألقة، وبتناقضها الإنساني الواقف على مفترق نجدين: فإما السعي الدؤوب وصولا إلى ما يقره الحظ من قناعة بسعادة دنيوية، وإما النفاذ بالبصيرة إلى عالم الحكمة السامية والحقيقة المثالية المطلقة.

    ويرى أن موتسارت أوبرا الناي السحري يلعب لعبة البساطة والعمق، والفرح والحزن وسائر التناقضات بموسيقاه المهذبة والمصقولة كالألماس، فهو مثلا يجسم في شخصية باباجينو صياد الطيور وبائعها المرح الإنساني الفطري وخفة الدم، وقد كتب عليه هذا أن يمر بتجارب قاسية برفقة تامينو الأمير المصري لتحرير بامينا من أسر مملكة الليل، وباباجينو هذا ظل يسعى بخفة دمه إلى منع الحياة البريئة من طعام وشراب مقايضة بطيوره، ولكن بنيّة بذيئة مع النسوة اللواتي كن يتحرشن به، وما أكثرهن يعترضن سبيله ويمازحنه على طيوره الجميلة التي يحملها في قفص على كتفه ويرقص بها وينفخ في صفارات من قصب الغاب مترنما في الساحات والأزقة وتحت الشبابيك ويغني بصوته الجهير أغانيه الرائعة المرحة.

    ويوضح التميمي أن أوبرا موسى في مصر (النبي موسى وفرعون مصر) تدور أحداثها بشكل عام حول خروج النبي موسى وقومه بني إسرائيل من مصر وملاحقته حتى البحر الأحمر، وتحدث المعجزة المتفق عليها في كافة الكتب السماوية؛ حيث ينشق البحر ويمر بأمان النبي موسى وقومه ويغرق الفرعون ويقول وهو يجود بأنفاسه الأخيرة: الآن قد آمنت بنبوة موسى.

    الأعمال الموسيقية التي يضمها الكتاب ويحللها ويسرد قصصها ليست إرثا للمصريين فقط بل لشعوب العالم أجمع

    ويتابع “تبدأ الأوبرا بموسيقى هادئة وبألحان روسيني الساحرة، ثم تتلاحق الأحداث ويتغير رتم الألحان؛ لكي يناسب الأحداث التي تدور حول ملاحقة الفرعون لموسى وقصة حب بين ابن الفرعون أمينوفيس والفتاة اليهودية آناي التي تخطط لمنع مخطط الفرعون والكهنة والفرار من بطشهم. يفاجأ المشاهد بالمسرح مظلما تماما في البداية وألحان روسيني التي تتسم بالغموض أحيانا، والأوبرا مكونة من أربعة فصول وفي الفصل الأخير تتحول خشبة المسرح إلى شاطئ البحر الأحمر؛ حيث يفر موسى وقومة ويغرق الفرعون وجيشه”.

    ويلفت التميمي إلى أن الموسيقار الروسي أنطوان آرنسكي ترك أعمالا موسيقية خالدة منها أوبرا “حلم على نهر الفولجا” وأوبرا “رافييل 1894”، وأوبرا “نال ودميانتي” 1903، وأن له عملا واحدا في الباليه وهو “باليه ليالي مصرية” (كليوباترا ومارك أنطونيو) سنة 1900، وله العديد من المؤلفات على البيانو ومؤلفات لموسيقى الحجرة.

    ويقول “باليه ليالي مصرية مكون من ثلاثة عشر مشهدا وتدور الأحداث بشكل عام حول كليوباترا ملكة مصر وحياة المصريين القدماء التي كانت مليئة بالعادات الغامضة، والباليه مليء بالرقصات كرقصة الفتيات المصريات في المشهد السابع، ورقصة الفتيات اليهوديات في المشهد السادس، ورقصة العبيد في المشهد الثالث، وينتهي بمشهد دخول مارك أنطونيو بمصاحبة موسيقى آرنسكي الرائعة”.

    ويذكر التميمي في تفاصيل تحليله لأوبرا “العيد والحب والآلهة المصرية” (أعياد مصر القديمة وأساطيرها) للموسيقار جون فيليب ريمو أن هذه الأوبرا “تتخللها رقصات باليه من ثلاثة فصول، قدمت لأول مرة في الخامس عشر من شهر مارس عام 1747 في فرساي، النص الدرامي من تأليف لويس دي كاوزاك، قدم العرض بمناسبة الاحتفال بزواج وريث عرش فرنسا بماريا جوزيف أميرة ساكسونيا، في عام 1776 أي بعد وفاة جون ريمو، قُدم العرض للعامة وحاز على إعجاب الجمهور وقُدم أكثر من مئة مرة في باريس ومدن فرنسية أخرى، الأوبرا مستندة إلى الأساطير المصرية، أوبرا العيد والحب والآلهة تتضمن سبع رقصات، يتم المزج بين الكوميديا والرقص والدراما بحرفية وإتقان، فنستطيع القول إن جون فيليب ريمو قد نجح في رسم اللوحة المصرية من خلال الموسيقى والأحداث والملابس”.

    ويوضح أن الفصل الأول من هذه الأوبرا يستند إلى قصة أوزورس ورقصات الشر والمؤامرات، والفصل الثاني عن الجرار الكانوبية التي كان يحفظ بها الأحشاء أثناء عملية تحنيط الجثث وقدم هذا الموضوع مرتين في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية الفرنسية؛ مرة من خلال ريمو والمرة الأخرى من خلال معزوفة على البيانو لديبوسي، والفصل الثالث عن إيزيس، وينتهي العرض برقصة خادمات إيزيس نهاية سعيدة.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
يعمل...
X