فضاء لوسي مقصود مرايا لعالم الإنسان وهواجسه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فضاء لوسي مقصود مرايا لعالم الإنسان وهواجسه

    فضاء لوسي مقصود مرايا لعالم الإنسان وهواجسه


    مشاهدها تكسوها مسحة جمالية تتواءم مع رؤى متلقيها وأفكاره.
    الخميس 2023/11/02
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    فنانة ترفض القيود في نسج شخوصها

    لا ترسم الفنانة السورية لوسي مقصود لمجرد ممارسة حرفتها فقط وإنما هي ترسم لتستفز المتلقي لقراءتها، قراءة أعمالها وفهم ألوانها وشخوصها. فهي تدخل معه في عملية قراءة وتحليل متبادلة، هي ترسم هواجسه وتحول لوحاتها إلى مرايا لأفكاره وهو يقرأها فيقرأ نفسه من خلالها.

    “كيف لك أن تعرفني وأنت لم تقرأني.. اقرأ أسطري، فإن غابت عنك اقرأ ألواني”. كلمات للفنانة التشكيلية لوسي مقصود (حلب – 1970)، الأستاذة في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة حلب، والمدرّسة في مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية، كلمات فيها من التحفيز الشيء الكثير، تحفيز على قراءتها، وتحفيز على دفعك إلى معرفتها على نحو أقرب وأكثر، ولك اختيار الطريق.

    ها هي ألوانها التي سنحاول قراءتها هنا، وهي كافية لتمدّ لنا الجسور لندخل إلى عوالمها التي تضج بها وبانفعالاتها، وما علينا إلا أن نمارس قراءتنا علّها توصلنا إلى نتائج استكشافية غير مؤقتة ستساهم في تمثيل وجهة اهتمامنا بها.

    فألوانها جواز سفرها ستمنحك كل المعلومات المطلوبة عنها، من زمرة فنها إلى الاتجاهات التي تمضي فيها، مرورا بكمّ هائل من مشاعرها وأحاسيسها التي سترويها لك بانفعالات هادئة، وفي مقابل ذلك هي لا تهمل طموحها من أجل إنشاء أسلوب جديد خاص بها، وتبذل جهدا غير قليل لتحقيقه، لهذا تراها تغرق في التجريب وجمالياته علّها تخرج على سطوحها العديد من تأثيرات هذا العالم، إن كانت من خلال موضوعاتها وعرضها أو من خلال التركيز على البيانات الكمية والضبط التجريبي.

    الفنانة تشير كثيرا إلى أن كل ما في البيئة هي اقتراحات من السماوات يجدر تأملها والتفكير فيها، وهي قابلة للتشكيل

    تبدو الفنانة وكأنها تنضم إلى كل من فكّر بوضع الأسس الجديدة للجماليات ضمن المتعاليات الفنية التي تدخل في نسيج العمل الفني، فهي تقوم بعمليات اختزاله وقد تقوم بدور المحرض للدلالات الكامنة فيه، فاتحة بذلك أفقا للقراءة يتقاطع فيه عالمها وعالم مشهدها الفني مع عالم القارئ/المتلقي.

    هذا يضيء العتمات ويسهم في خلق مرايا متعددة تتلاقى في فضاءاتها العديد من العلامات ذات مكوّن دلالي وآخر توليدي يؤدي كل منها دورا وظيفيا في بناء مشهدها البصري بمختلف مشاربه، واستعادة أنفسنا لذاتها، ونظرة الآخرين إليها أيضا، فهي إنسانة ومبدعة من طراز خاص تنخرط في عالم الإنسان بما هو إنسان في كل مكان، يحق لها الافتخار، يكفيها أنها تجبر متلقيها على إعادة قراءتها مرات ومرات، وتدفعه إلى التساؤل عمّا يضيف ثراءه وانفتاحه وقدرته على العثور عمّا يشفي ظمأه باعتباره متلقّيا، وعما يضيف ثراءها على مستوى الأسلوب والرؤى بوصفها مبدعة، وهذا يساهم في تغيير مستحقات الفعل الإبداعي لديها.

    لوسي مقصود ترسم فضاء خاصا بها، منه تطل لتعلن عن عبقه وعليه تخط أشكالها المختلفة لتلفت انتباهنا إلى كيفية نسجها لذلك، أو لإيقاظ ما فينا من هواجس جميلة بها نتجاوز إلى ما يشغل فضاءها. فهي قادرة على إشعال هواجسنا بمعارفها وأحاسيسها وحكمتها، ونعيد نحن قراءتها باعتبارها تعزز التعبير وتؤكده في مشهدها موظفة كل ذلك في خطابها التشكيلي، وهي تجد أن تحقيق كل ذلك مرهون بانعتاقها ورفضها للقيود البعيدة عن النور الأصيل، وهذا ما ترمي إليه في الكثير من أعمالها أو في نسجها لشخوصها.

    نستطيع أن نستخلص دلالات كثيرة من أعمال مقصود وشخوصها وما تلمّح إليه، فهي تشير كثيرا إلى أن كل ما في البيئة من أشجار وأسماك وطيور هي اقتراحات من السماوات يجدر تأملها والتفكير فيها، وهي قابلة للتشكيل. هنا تبدأ لوسي بالبحث عمّا هو ممكن أن يحيط بتلك الأشكال، وما هي النغمات الجميلة والممتعة لها بصريا وسمعيا ولمسيا، وتربط كل ذلك في ما بينها دون حشو أو زوائد، فهي قادرة على استيعابها وذلك بتفجير ينابيع خيالها بالغزارة التي تستحق وبالتي ترغب بها.

    ومن المهم لديها أن تكرس خبرتها على نحو مدروس وموجه كأن تتعامل مع الجماليات عامة والفنون خاصة. يظهر ذلك من خلال نشاطاتها التي تسودها المتعة، ويغلب عليها الخيال، ومن المهم أن نشير إلى أنها لم تتحرر من التمركز حول ذاتها وإن كانت تأخذ وجهات النظر الأخرى في اعتبارها، وقد يسجّل لها ذلك، إذ هو ما يساعدها في توليد عمليات تفاعلية خصبة تتجلى في سلسلة من الأشكال الجديدة المتسمة بالمرونة والتنوع وإن بسيطرة أساليب متتابعة تزدهر وترتقي بدرجة كبيرة خلال تمكّنها من اكتساب قواعد جديدة للتفكير بالتكوينات اللونية وما ينبثق منها من نغمات وحركات معتمدة على التعاقب.

    هذه خاصية مرتبطة بلغتها هي وبذلك النشاط الذهني التي تستهلكه بتأثير من الإدراك مباشرة، أو من التخيل والإدراك غير المباشر، فحضور المثير الفعلي بآثاره ورموزه يجعلها تبذل جهدا تركيبيا حتى تدرك الزمان المتعاقب بإيقاعها الخاص.


    حكايات ذات بناء غير دائري


    إذا كان المثير الجمالي هو الحافز الأهم لاكتشاف الجوانب المميزة من العمل الفني، مألوفة كانت أو غير مألوفة، بسيطة كانت أو مركبة، فهو الذي يزيد من متعة قراءتنا للعمل، وهو الذي يوصلنا إلى ذرى الحالة التي ستتوزع عبر الزمن والتي ستترك أثر التشبع.

    هذه ليست حيرة معرفية بقدر ما هي حيرة فنية، ولوسي مقصود تدرك ذلك كما تدرك ضرورة الوعي بأن العمل الفني يملك أكثر من وجهة جديدة تتلاءم مع حاجات الفنان الفردية، وإن كانت غير ذلك للمتلقي الذي له مساراته الخاصة والمتعددة في مقارباته، وقد يذهب المتلقي في اهتماماته وفي علاقاته التفاعلية إلى صياغات متخيلة على نحو كبير، فلا رهان هنا، وليس هناك تحدّ، فالكل في حالة تضافر، الحالة التي بها يتجاوزون كل ما يشغلهم ليستعيدوا ما يشفي ظمأهم المعرفي والجمالي.

    إذا كانت لوسي مقصود التي في قلبها تاريخ مليء بالأحلام، على مسافة شبه معدومة من شخوصها، وتظهر الكثير من الطاعة لها وتهفو لهم، وتعقد حلفها الإنساني معهم، تقبض على أحاسيسهم من عمقها، وتمزجها بأحاسيسها هي، وتجسدها معا في بوتقة ألوانها، لتغنيها بكبرياء وشموخ وكأنها في تحدّ مع تلك القوى المضادة وما تحمله من الزاد المرّ لزمن أمرّ، فهي على مسافة قريبة من متلقيها وتجاور حريته وما ينفض عنها، فهي تعرض وساطة معه فصولها حكايات شخوصها إن كانت في فترة حرجة أو في فترة منفرجة، وهي حكايات ذات بناء غير دائري والمتلقي هو الذي سيربط بينها من جانب تقاطعها في الزمان الواحد، أو في المكان المشترك.

    المتلقي هنا يمكنه أن يبني عالم اللوحة الذي هو عالمه باعتباره قارئا واعيا وفاعلا، فثمة مصداقية هنا تكسب المشهد شيئا من الموضوعية، ولعل تلك الملامح التائهة هي التي تدفع المتلقي إلى الموالاة، فهي مثل ملامحه تماما وهذا عنصر مهم في إضفاء البعد الجمالي للعمل الفني أولا ولتلك العلاقة التي تربطه به بوصفه متلقّيا ثانيا، وهذا مقام يسجل للفنانة لوسي مقصود وهي تحاول أن تكسو مشهدها الفني مسحة جمالية تتواءم مع رؤى متلقيها وأفكاره.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    غريب ملا زلال
يعمل...
X