بلاط شهداء Belat al-shouhada المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرنجة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بلاط شهداء Belat al-shouhada المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرنجة

    بلاط شهداء

    Belat al-shouhada - Belat al-shouhada

    بلاط الشهداء

    بلاط الشهداء اسم أطلقه المؤرخون العرب على المعركة الفاصلة التي دارت في أوائل شهر رمضان سنة 114هـ/تشرين الأول سنة 732م بين قوات المسلمين بقيادة والي الأندلس للأمويين عبد الرحمن الغافقي وقوات الفرنجة بقيادة شارل مارتل Charles Martel في سهل بواتييه (بالقرب من مدينة تور على نهر اللوار وعلى مسافة 340كم إلى الجنوب الغربي من باريس)، وتسميها المصادر الغربية معركة بواتييه Bataille de Poitiers.
    لا يذكر المؤرخون العرب في العصور الوسطى اسم بواتييه، كما أن إطلاق اسم بلاط الشهداء على هذه المعركة يرد عند بعض مؤرخي الأندلس ابتداء من القرن الخامس الهجري، فالَمقّري في كتابه «نفح الطيب» ينقل رواية ابن حيّان (ت 469هـ) الذي يذكر أن عبد الرحمن غزا الفرنج، وأنه استشهد وأصيب عسكره في موضع يعرف ببلاط الشهداء، وينقل المقَّري كذلك ما ذكره ابن بشكوال (ت 578هـ) من أن هذه الغزوة تعرف بغزوة البلاط. أما المؤرخون العرب المشارقة فلا يذكرون اسم الغزوة، وإنما يشيرون إلى استشهاد عبد الرحمن في أرض العدو. والرواية الإسلامية مُقلَّة موجزة في الكلام عن تلك الوقعة، وليس فيما يتوافر من المصادر العربية عنها أي تفصيل شامل، في حين تفيض الرواية الفرنجية والكنسية في حوادثها وتقدم تفاصيل كثيرة، ولكن تنقصها الدقة التاريخية، ويمكن الباحث بعد الدراسة والتدقيق أن يتوصل إلى رسم صورة عن أحداث هذه المعركة اعتماداً على ما ورد في الروايات الإسلامية على إيجازها وعلى ما ورد في الروايات غير الإسلامية.
    كانت ولاية عبد الرحمن الغافقي الثانية على الأندلس في صفر سنة 112هـ، وما إن وصل إليها حتى بدأ يمهد للغزو في أرض غالية (فرنسة اليوم)، فحشد قواته في بامبلونة Pambelona في صيف 114هـ ثم عبر جبل «البرت» (البيرنيه) من ممرات رونسيسفال Roncesvalles وتوجه مباشرة نحو «برذيل» (بوردو Bordeaux). وفي منطقة غير بعيدة عن مصب نهر الغارون Garonne هَزَم عبد الرحمن أودو دوق أكيتانية، ودخلت الجيوش الإسلامية مدينة بوردو ثم تابعت تقدمها نحو الشمال.
    كان ملك الفرنج يومئذ هو ثيودوريك الرابع الذي لم يكن له من الملك سوى الاسم، وكان محافظ البلاط شارل مارتل هو صاحب الكلمة في المملكة ويستأثر بكل سلطة حقيقية، وعليه كان يقع عبء الدفاع عن المملكة.
    استنجد دوق أكيتانية بشارل مارتل الذي أدرك خطر الهجوم الإسلامي على دوقيته التي جهد في توطيد أركانها، فبادر إلى حشد جيش ضخم ضم الفرنج وكثيراً من القبائل الجرمانية والعصابات المرتزقة فيما وراء الراين، وسار شارل مارتل على رأس هذا الجيش لمواجهة العرب الذين كانوا قد استولوا على بواتييه، وهاجموا تور الواقعة على الضفة اليسرى لنهر اللوار، وكان المسلمون في أثناء سيرهم المظفر قد أُثقِلوا بما لا يقدر من الذخائر والغنائم والسبي، وقدَّر عبد الرحمن خطر هذه الغنائم على نظام الجيش و أُهبته وخشي ما تثيره في نفوس الجند من الحرص والانشغال، وحاول أن يحملهم على ترك شيء منها ولكنه لم يتشدد في ذلك خشية التمرد، وكان المسلمون من جهة أخرى قد نهكتهم غزوات أشهر متواصلة، ونقص عددهم بسبب تخلف حاميات في القواعد والمدن المفتوحة، ومع ذلك فقد صمم عبد الرحمن على قتال العدو وخوض المعركة، التي جَرَت في موقع على طريق روماني قديم يبعد 20كم إلى الشمال الشرقي من بواتييه. وبدأ القتال في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر من تشرين الأول عام 732م (أواخر شعبان سنة 114هـ) ودارت بين الجيشين معارك صغيرة على مدى سبعة أيام أو ثمانية احتفظ فيها كل بمراكزه، وفي اليوم التاسع نشبت بين الطرفين معركة عامة، فاقتتلا حتى دخول الليل، واستأنفا القتال في اليوم التالي وأبدى كلا الجانبين منتهى الجلد، ولاح النصر في جانب المسلمين ولكن الفرنج نجحوا في فتح ثغرة إلى معسكر الغنائم الإسلامي، وخشي المسلمون عاقبة ذلك فارتدَّت قوة من الفرسان من قلب المعركة إلى ما وراء الصفوف لحماية الغنائم، وتواثب كثير من الجند للدفاع عن غنائمه، فدب الخلل في صفوف المسلمين، وبينما كان عبد الرحمن يحاول أن يعيد النظام إلى صفوف الجند أصابه سهم من الأعداء أودى بحياته، فعمَّ الاضطراب في جيش المسلمين وكثر القتل في صفوفهم، ولكنهم ثبتوا للعدو حتى جنَّ الليل وارتدوا تحت جنح الظلام جنوباً إلى قواعدهم في سبتمانية، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم للعدو، ولم يجرؤ شارل على مطاردة الجيش الإسلامي خشية الخديعة والكمين فاكتفى بانسحاب المسلمين وآثر العودة بجيشه إلى الشمال.
    اهتم المؤرخون المحدثون بهذه المعركة اهتماماً كبيراً، وكثرت الدراسات التي انصبت عليها والمناقشات التي دارت حولها، ورأى بعض الباحثين أمثال بيكر Becker أن انتصار شارل مارتل أنقذ الغرب من العرب، في حين يرى بعضهم الآخر مثل بيرين H.Pirenne في كتابه «محمد وشارلمان» أن معركة بواتييه أُعطيت أهمية أكبر مما تستحق، وأنه حتى لو انهزم شارل مارتل فيها، فلن يحدث شيء سوى أن الغنائم التي كان سيحصل عليها العرب ستكون أكبر، وإذا حاول الباحث أن يدقق النظر في هذه الآراء المتضاربة، واضعاً في الحسبان الحوادث التي تلتها، فإنه يجد أن هناك تطرفاً من الفريقين، فهذه المعركة لم تكن فاصلة كما يرى بيكر بمعنى أنها لم تمنع العرب من إعادة الكَرَّة والهجوم على أرض غالية ثانية. فبعد سنتين فقط أي في عام 116هـ/734م توغل يوسف بن عبد الرحمن حاكم نربونة Narbonne في حوض الرون Rhöne واحتل آرل Arles وأبنون (أفينيون Avignon) ثم تجاوزها نحو الشمال. ومن ناحية ثانية فإن هذه الغزوة لم تكن تشبه غيرها في الأهمية، فالغزوات السابقة حتى المخفقة منها كانت تتبع بغزوات أخرى أوسع نطاقاً وأكثر بعداً داخل غالية بعد تغيير محور الهجوم. أما معركة بواتييه فقد أُتبعت بغزوات أقل عمقاً منها وأضيق نطاقاً من الغزوات السابقة.

    نجدة خماش

يعمل...
X